نفحات من حياة النفس

للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي


عن مولانا الشيخ الاوحد قدس سره الشريف في كتاب حياة النفس حيث قدم بقوله ( فاعلم ان الله لم يخلق العباد عبثاً لأنه حكيم والحكيم لا يفعل مالا فائدة فيه ولما كان غنياً غير محتاج لأن المحتاج محدث كانت فائدة خلقه للخلق راجعة إليهم ليوصلهم الى السعادة الأبدية وذلك متوقف على تكاليفهم بما يكون سبباً لاستحقاق السعادة الأبدية ولو لم يكلفهم لما استحقوا شيئاً ولو أعطاهم بغير عمل كان عبثاَ وقد ثبت أنه حكيم لا يفعل العبث قال الله تعالى: { افحسبتم إنما خلقناكم عبثاً وإنكم إلينا لا ترجعون } ولما أراد خلقهم أنعم عليهم كرماً لأنهم لا يكونون شيئاً إلا بنعمته فلما أنعم عليهم وجب عليهم شكر النعم ولا يمكنهم شكر النعم حتى يعرفوه لئلا يفعلوا ما لا يجوز عليه فشكر نعمه متوقف على معرفته ومعرفته متوقفة على النظر والتفكر في آثار صنعه والنظر والتفكر متوقف على الصمت يعنى الأعراض بالقلب عن الخلق فأول الواجبات على المكلفين الصمت كما روى عن أمير المؤمنين إذا صمت عن الخلق تمكن من النظر وهو الواجب الثاني وبه يتمكن من المعرفة فمن ترك الواجب الأول من المكلفين فقد ترك الواجب الثاني ومن تركه فقد ترك معرفة الله وتوحيده وعدله ونبوة أنبيائه وإمامة خلفاء أنبيائه عليهم السلام ومعرفة المعاد ورجوع الأرواح الى الأجساد ومنترك ذلك فليس بمؤمن بل ولا مسلم وكان في زمرة الكافرين واستحق العذاب الأليم الدائم المقيم. والمراد بالمعرفة التي لا يثبت الإسلام إلا بها اعتقاد وجود صانع ليس بمصنوع وإلا لكان له صانع ومعرفة الصفات التي تثبت لذاته وهى ذاته وإلا لتعددت القدماء ومعرفة الصفات التي تثبت لأفعاله ومعرفة الصفات التي لا يجوز عليه لأنها صفات خلقه ومعرفة الصفات التي لا تجوز على أفعاله لأنها صفات أفعال خلقه ومعرفة عدله لأنه سبحانه غنى مطلق فلا يحتاج الى شيء وعالم مطلق فلا يجهل شيئاً ومعرفة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونبوة جميع الأنبياء عليهم السلام لأنهم الوسائط بين الله سبحانه وبين عباده والمبلغون عنه تعالى إليهم ومعرفة خلفائهم عليهم السلام لأنهم حفظة شرائعهم فهم حجج الله بعدهم ومعرفة بعث المكلفين في حشرهم الى مالك يوم الدين وذلك على ما نذكره من تعليم الله تعالى لعباده معرفة ذلك على ألسن حججه عليهم السلام كل ذلك بالدليل ولو مجملاً كما يأتي إن شاء الله .

معرفة الله سبحانه و تعالى و توحيده عز و جل

ان الله موجود - باق...مؤثر...

يجب على كل مكلف أن يعرف ان الله سبحانه موجود لأنه أوجد العالم ولو كان معدوماً لم يوجد غيره وإنه سبحانه باق لاستمرار تجدد آثاره والأثر لا يحدث بنفسه إلا بمؤثر يحدثه فالأثر يدل على المؤثر وهو الله ولا يصح تغيره تعالى عن حاله وهو كونه موجوداً باقياَ مؤثراً فيما سواه وإلا لكان كسائر خلقه يتغير ويفنى فيكون وجوده من غيره فيكون حادثاً يحتاج إلى من يحدثه فلما وجدنا الآثار وجدناها تدل على وجود مؤثر وهو الله سبحانه ومثال الاستدلال بذلك مثل أشعة السراج فإنها مادمت موجودة تدل على وجود محدث لها وهو السراج ولو لم يكن موجوداً لم يوجد شيئاً منها والدليل على أن السراج دائم الإحداث للأشعة وأنها محتاجة إليه في كل حال لا تستغني عنه لحظة أنها لا توجد بدونه ولا تفقد عند ظهوره كذلك جميع الخلق التي هي آثاره تعالى بالنسبة إلى صنعه على هذا النحو ولله المثل الأعلى.

ان الله قديم بذاته

ويجب على كل مكلف ان يعتقد انه عز وجل قديم بذاته لم يجر عليه العدم في حال ولا يكون مسبوقاً بالغير لأنه إذا لم يكن قديماً كان حادثاً إذ لا واسطة بين القدم والحدوث معقولة وقد ثبت انه ليس بحادث لاستلزام الحادث وجود محدث له ولأنه لو لم يكن قديماً لجرى عليه العدم في بعض الأحوال فتختلف أحواله ومن اختلفت أحواله فهو حادث يحتاج الى من يحدثه ولأنه لو لم يكن قديماً لكان حادثاً مسبوقاً بمن يحدثه تعالى الله عن ذلك ولأنه لو لم يكن قديماً بذاته لكان وجوده مستفاداً من غيره فيكون محتاجاً الى ذلك الغير .

ان الله دائم ...أبدى...واجب الوجود لذاته

ويجب ان يعتقد انه تعالى أبدى لأنه عز وجل واجب الوجود لذاته بمعنى انه وجوده هو ذاته بلا مغايرة فوجوب الوجود بالذات يستلزم الدوام الأبدي لأن القدم والأزل والدوام والأبد والأولية بلا أول بالذات والآخرية بلا آخر بالذات شيء واحد بلا مغايرة لا في الذات ولا في الواقع ولا في المفهوم وإلا لكان تعالى شأنه متعدداً مختلفاً فيكون حادثاً وأما اختلافها في المفهوم فهو المفهوم اللفظي الظاهري المستعمل لتفهم عوام المكلفين ولا يراد من هذه الألفاظ المتعددة المختلفة إلا مفهوم واحد يقصد منه معنى واحد وإلا لكان معروفاً بالكثرة والاختلاف ومن كان كذلك فهو حادث فقولي يستلزم الدوام عبارة لفظية لأجل التفهيم فنريد من كل واحد منها نفس ما نريد من الآخر وإلا فقد وصفته بالصفات المختلفة ومن كان كذلك فهو حادث .

ان الله حي ...

ويجب ان يعتقد انه عز وجل حي لأنه أحدث الحيوة وأحدث الأحياء ويستحيل في العقول ان يحدث والأحياء من ليس بحي فلما رأينا من بعض مصنوعاته الحيوة والأحياء المتصفين بها علمنا ان صانعها حي وقد ثبت انه قديم فحياته ان كانت حادثة لم يكن هو حياً قبل حدوثها وتكون حينئذ مستفادة من الغير وذلك حال المصنوع فثبت إنها قديمة ثم ان كانت حياتها مغايرة لذاته ولو بالفرض تعددت القدماء وهو باطل كما يأتي في دليل التوحيد إنشاء الله تعالى فيجب ان تكون حياته عين ذاته إذ لا واسطة بين كونها عين ذاته وبين كونها غير ذاته فإذا انتفي التعدد والمغايرة ثبتت الوحدة .

ان الله عالم ...

ويجب ان يعتقد انه عز وجل عالم بدليل انه خلق العلم في بعض خلقه والعالم المتصف به ومن لم يكن عالماً لم يصح ان يصنع من هو عالم بما يصنع فيه من العلم و لأنه صنع الأفعال المحكمة المتقنة الجارية على مقتضى غاية الحكمة ونهاية الاستقامة ومن لم يكن عالماً لم يصدر عنه مثل ذلك وعلمه قسمان علم قديم هو ذاته وعلم حادث وهو ألواح المخلوقات كالقلم واللوح وانفس الخلائق فأما العلم القديم فهو ذاته تعالى بلا مغايرة ولو بالاعتبار لأن هذا العلم لو كان حادثاً كان تعالى خالياً منه قبل حدوثه فيجب ان يكون قديماً ثم لا يخلو إما ان يكون هو ذاته بلا مغايرة أولاَ فان كان هو ذاته بلا مغايرة ثبت المطلوب وان كان غير ذاته تعددت القدماء وهو باطل وأما العلم الحادث فهو حادث بحدوث المعلوم لأنه لو كان قبل المعلوم لم يكن علماً لأن العلم الحادث شرط تحققه وتعلقه ان يكون مطابقاً للمعلوم وإذا لم يوجد المعلوم لم تحصل المطابقة التي هي شرط وان يكون مقترناً بالمعلوم وقبله لم يتحقق الاقتران وان يكون واقعاً على المعلوم وقبله لم يتحقق الوقوع وهذا العلم الحادث هو فعله ومن على المعلوم وقبله لم يتحقق الوقوع وهذا العلم الحادث هو فعله ومن فعله وهو من جملة مخلوقاته وسميناه علماً لله تبعاً لأئمتنا عليهم السلام واقتداء بكتاب الله حيث قال :{ علمنها عند ربى في كتاب لا يضل ربى ولا ينسى } وقال { قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ } .

ان الله قادر ... مختار ...

ويجب ان يعتقد انه عز وجل قادر مختار أما انه تعالى قادر فلأنه تعالى غنى مطلق وكل ما سواه محتاج إليه في كل شيء لتوقف وجودها على فعله إذ لا وجود لها من نفسها وإلا لاستغنت عنه دائماً ولا جل كونه قادراً على كل شيء أعطاه ما سأله بلسان استعدادها ولو لم يكن قادراً لما كل شيء أعطاها ما سأله بلسان استعدادها ولو لم يكن قادراً لما أعطى كل شيء خلقه لعجزه عما يحتاج إليه أو بعضه والعاجز محتاج الى القادر فيكون محدثاً تعالى عن ذلك وأما انه مختار فلأنه خلق الاختيار والمختار ومن ليس بمختار لا يصدر عنه من هو مختار لأنه أخر بعض مصنوعاته عن بعض مع قدرته على تقديم ما أخر وتأخر ما قدم لنسبة ذاته الى جميع الأشياء على السواء ولو كان موجباً لم يتخلف شيء من آثاره عنه .

ان الله عالم بكل معلوم...

ويجب ان يعتقد انه تعالى عالم بكل معلوم وقادر على كل مقدور لأن نسبه جميع المعلومات والمقدورات في الاحتياج إليه على السواء وغنى ذاته عن كل ما سواه فلا تكون بشيء أولى منها بآخر ولو كان تعالى عالماً بشيء دون آخر وقادراً الى شيء دون آخر لاختلفت نسبته إليها والمختلف أحواله ونسبه حادث متغير تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا .

ان الله سميع ... بغير آلة...وبصير...بلا جارحة

ويجب ان يعتقد انه سبحانه سميع بغير آلة بصير بلا جارحة أما انه سميع فلان كل ما سواه متقوم بأمره صادر عن صنعه إما باذات أو بالتقدير ومن جملتها المسموعات فهي حاضرة عنده في ملكه الذي أقامه بقيومية أمره وفعله كما قال تعالى :{ واسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } فسمعه للمسموعات عبارة عن حضورها لديه وعلمه بها على ما هي عليه وليس ذلك حاصلاً له بواسطة وإنما حصل له ذلك بحضورها لديه حال كونها قائمة بأمره وليس لها غير ذلك وإلا لتقومت بنفسها من دون أمره وهو باطل وهذا الحضور هو آلة وإلا لكان محتاجاً إليها في إدراكه المسموعات وقد ثبت انه غنى مطلق علمه بها الحضورى وهو سمعه الحضورى واما سمعه القديم فهو ذاته ويحيط بها في اما كنها لا في ذاته تعالى ان يكون محلا للحوادث والكلام في بصره تعالى وإدراكه للمبصرات كالكلام في السمع في جميع الأحوال وسمعه وبصره القديمان عين ذاته بلا تعدد إلا في اللفظ كما تقدم في العلم لأن السمع والبصر والعلم شيء واحد ومتعلقهما متعدد فان المسموع هو الأصوات والمبصرات هو الألوان والأعراض والمعلوم هو الموجود .

ان الله واحد ...كمال مطلق ...منزه عن الشريك

ويجب ان يعتقد انه تعالى واحد لا شريك له لأنه كامل مطلق وغني مطلق فيكون كل ما سواه محتاجاً إليه فيكون متفرداً بالألوهية ولو فرض معه إله وجب ان يكون مستغنياً عنه تعالى وإلا لم يكن إلهاً ولو كان من فرض شريكاً له تعالى محتاجاً إليه عز وجل لكان اكمل لكماله المطلق من كون ذلك الشريك مستغنياً عنه تعالى واتم لغناه المطلق ففرض وجود شريك مستغن عنه تعالى نقص في كماله وغناه فلا يكون له شريك لاستلزام التعدد حصول النقص في الكمال المستلزم للحدوث ولانه لو كان له شريك في ازليته لوجب ان يكون بينهما فرجة قديمة وجوية لتحقق الاثنينية فيكونون ثلاثة وتلزم الفرج القديمة بينهم فيكونون خمسة وهكذا بلا نهاية وهو باطل ولانه لو كان معه شريك في ازليته لاشتركا في الأزل واختص كل واحد بما يميزه عن الآخر فيتركب كل واحد منهما مما اشتركا فيه ومما تميزا به والمركب حادث ولأنه لو كان معه شريك في ازليته لميز كل واحد صنعه عن صنع غيره وإلا لم تثبت الشركة ولاقتضت ذات كل منهما العلو على الآخر وإلا لم يكن إلهاً وذلك كما قال تعالى : {إذاَ لذهب كل إله بما خلق ولعلى بعضهم على بعض } واعلم انه واحد في أربعة مراتب لا شريك له فيها الأول : لا شريك له في ذاته وقال الله : { لا تتخذوا إلهي ن اثنين إنما هو إله واحد } والثانية لا شريك له في صفاته قال تعالى : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } والثالثة : لا شريك له في صنعه { هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه } والرابعة لا شريك له في عبادته { فمن كان يرجو لقاء ربه فليمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} .

ان الله مدرك ...

ويجب ان يعتقد انه تعالى مدرك بمعنى انه محيط بكل شيء متسلط على كل شيء وذلك هو العلم والقدرة لأنه قد وصف نفسه بذلك قال تعالى : { وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير } فاللطيف إشارة إلى القدرة والخبير إشارة إلى العلم فالإدراك القديم هو الذات الأزلي على نحو ما قيل في العلم والقدرة والإدراك المقارن للحوادث من صفات الأفعال . ثم هو سبحانه في الأزل كما هو عالم ولا معلوم كذلك هو مدرك ولا مدرك وهذا حكم صفات الذات لأنها نفس الذات بلا مغايرة .

ان الله مريد ...

ويجب الإيمان والاعتقاد بأنه سبحانه مريد لأنه وصف نفسه بذلك فلما وجدنا ان الإرادة لا تكون إلا والمراد معها لأنها لا تنفك عنه علما بأنه تعالى وصف نفسه بأنه مريد بواسطة فعله وهذا يدل على أنها من صفات الأفعال ولو كانت من صفات الذات لكانت هي الذات لعدم التعدد في الذات ولو كانت كذلك لما جاز نفيها لأن نفيها إذا كانت هي الذات أومن صفات الذات نفي للذات مع انه تعالى وصف نفسه بنفيها عنه قال تعالى :{ أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم } فلو كانت الإرادة هي الذات لكان نفي الإرادة نفي الذات وأيضاً الصفة إن كانت توصف الذات بها وبضدها فهي من صفات الأفعال لأن الأفعال لها ضد وصفاتها لها ضد فان كانت لا توصف الذات بها وبضدها فهي من صفات الذات لأن الذات لا ضد لها فالأول مثل الإرادة والكراهية فانه يقال هو مريد وكاره فتكونان من صفات الأفعال والثاني مثل العلم والقدرة فانه لا يقال عالم وجاهل وقادر وعاجز فيكونان من صفات الذات فالقول بحدوث الإرادة مذهب أهل البيت عليهم السلام وعليه إجماعهم وهو الحق فالإرادة هي فعله تعالى وكذلك الكراهية فإنها صفة فعله قال تعالى: { ولكن كره الله انبعاثهم } .

ان الله متكلم ...

ويجب الإيمان بأنه تعالى متكلم لأنه وصف نفسه بذلك قال تعالى :{ وكلم الله موسى تكليماً } فلما وجدنا ان الحكيم لا يخاطب بما لا يعرفه المخاطب ونحن لا نفهم من الكلام إلا انه الحروف والأصوات المسموعة المنتضمة المركبة وقد اجمع أهل اللغة على ان ذلك هو معنى الكلام وهي الأصوات والحروف المؤلفة المتددة المتصرمة وقد وصف نفسه بذلك قطعنا بأنه تعالى إنما اسنده الى نفسه بواسطة الفعل يحدثه فيما شاء من خلقه من حيوان ونبات وجماد وهو حادث لأنه مركب مؤلف وكل مركب فهو حادث ولقوله تعالى : { ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث } .

ان الله ليس كمثله شيء ...

ويجب على كل مكلف أن يعتقد انه ليس كمثله شيء فليس بجسم ولا عرض ولا جوهر ولا مركب ولا مختلف ولا في حيز ولا في جهة لأن هذه صفات الخلق ولا يصلح على الخالق سبحانه أما انه ليس كمثله شيء فلأن وجود المشابه يستلزم أن يكون شريكاً له في الصفات الذاتية وذلك يقتضي النقص في ذاته تعالى لأن عدم النظير أكمل فيكون وجوده نقصاً ومن يجوز عليه النقص تجوز عليه الزيادة ومن كان كذلك فهو متغير أو ممكن التغير فيكون حادثاً وأما انه ليس بجسم فلأن الجسم مركب محتاج الى أجزائه والى محل يحل فيه والمحتاج حادث مصنوع ، وأما انه ليس بعرض فلأن العرض يحتاج في تحققه وقيامه الى الجوهر أو الجسم ولا يستغني عنه و المحتاج حادث مصنوع . و أما انه ليس بجوهر فلأن الجوهر سواء كان جوهراً فرداً على قول من أثبته وهو الذي لا يقبل القسمة لا طولاً ولا عرضاً ولا عمقاً أو خطاً وهو الذي يقبل القسمة طولاً خاصة أو سطحاً وهو الذي يقبل القسمة طولاً وعرضاً أو جسماً وهو الذي يقبل القسمة طولاً وعرضاً وعمقاً محتاج الى المحل ويلزمه الحركة بالانتقال عنه والسكون باللبث فيه وكل ذلك حادث لا يحل إلا في الحوادث وأما انه ليس بمركب فلأن المركب محتاج الى أجزائه والمحتاج حادث وأما انه ليس بمختلف فلأن المختلف إنما يكون كذلك بتباين أجزائه أو أحوال ذاته وكلا الأمرين موجب للتركيب المستلزم للحدوث وأما انه ليس في حيز فلأن من هو في حيز مشابه للحيز فهو من جنسه فيكون حادثاً ولأنه أما لابث فيه فيكون ساكناً أو منتقل عنه فيكون متحركاً وكل من كان كذلك فهو حادث لاستلزام كل منهما له المسبوقية بالآخرة . وأما انه ليس في جهة فلأن من كان في جهة يلزمه السكون أو الحركة ويلزمه الحواية والتحديد والحصر في بعض دون بعض والخلو منه في غير تلك الجهة وكونه شاغلاً للجهة التي هو فيها وكل من يلزمه شيء من هذه الأمور فهو حادث .

ان الله منزه عن صفات الحدوث ...

ويجب ان يعتقد انه سبحانه لا في شيء ولا فيه ولا من شيء ولا منه شيء ولا على شيء ولا عليه شيء ولا فوق شيء ولا تحت شيء ولا ينسب الى شيء ولا ينسب إليه شيء لأن ذلك كله صفات الحوادث أما انه لا في شيء فلأنه لو كان في شيء لكان محصوراً والمحصور حادث ولكان أما لا بثاً فيه فيكون ساكناً وأما منتقلاَ فيكون متحركاً. وأما انه لا فيه شيء فلأنه لو كان فيه شيء لكان محلاً لغيره سواء كان ذلك الغير قديماً أو حادثاً فيكون مشغولاً بالغير والمشغول بالغير حادث . وأما انه لا من شيء فلأنه لو كان من شيء لكان جزءاً من ذلك الشيء فيكون مولوداً والمولود حادث . وأما انه لا منه شيء فلأنه لو كان منه شيء لكان ذلك الشيء جزءاَ منه فيكون والداَ له فيكون حادثاً . وأما انه لا على شيء فلأنه لو كان على شيء لكان الشيء حاملاً له فيكون أقوى منه . وأما انه لا عليه شيء فلأنه لو كان عليه شيء لكان أعلى منه فيكون أقوى . و أما انه لا فوق شيء فمثل كونه في شيء وأما انه لا تحت شيء فكمثل كون شيء فيه . وأما انه لا ينسب الى شيء ولا ينسب إليه شيء فلأن النسبة على الفرضين اقتران ممتنع من الأزل لأنه من صفات المصنوعين .

ان الله سبحانه لا يحل ولا يتحد في شيء ...

ويجب ان يعتقد انه سبحانه لا يحل في شيء ولا يتحد بغيره أما انه سبحانه لا يحل في شيء فلأن الحلول عبارة عن قيام موجود بموجود آخر على سبيل التبعية كقيام الأعراض بالأجسام أو على سبيل الظهور كقيام الأرواح بالأجسام فلو فرض انه حال بشيء لكان محتاجاً إليه ومتقوماً به فيكون حادثاً . وأما انه سبحانه لا يتحد بغيره فلأن التحاد ان فسر بما أحاله العقل كما قالوا وهو ان يصير الشيئان الموجودان شيئاً واحداً من غير زيادة ولا نقصان ولا انفعال من أحد منهما فهو محال حصوله فكيف يوصف به الوجوب الحق وان فسر بصيرورة الشيء شيئاً آخر بالانقلاب والاستحالة . فهذا وان جاز في الممكن إلا انه يستحيل في الواجب تعالى لأنه تحول الشيء من حالة الى أخرى والواجب عز وجل لا يتحول عن حالة والذي يتحول حادث متغير .

انالله سبحانه و تعالى لا يرى .....

ويجب ان يعتقد انه تعالى تستحيل عليه الرؤية في الدنيا والآخرة لأن الرؤية ان كانت بالقلب واريد بالمرئي هو الذات البحث فهو باطل لأن الذات البحث لا تدركها البصائر لأنها لا تحوم حول حجاب عظمته تعالى فلا يدركه لذاته إلا هو عز وجل وان أريد بالمرئي آياته وآثار أفعاله فالقلوب تدرك آياته لأنه تعالى تجلى للقلوب بعظمته فتعرف الدليل عليه وان كانت الرؤية بالبصر الحسي فلا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار لأن شرط إدراك البصر للأشياء أن يكون المرئي مقابلاً أو في حكم المقابل كالرؤية بالرآة وان لا يكون بعيداً أو قريباً بعداً وقرباً مفرطين وان يكون مستنيراً وان يكون في جهة والله سبحانه ليس معزولاً عن شيء فلا يكون مقابلاً ولا في حكم المقابل وليس الله بقريب ولا ببعيد بل هو أبعد من كل شيء وأقرب من كل شيء وبعده وقربه غير متناهيين فهما فوق الإفراط وليس مستنيراً من غيره ولا في غيره لتكن ذاته مدركة بل ظهوره يمحو ما سواه فان تجلى محا ما سواه وان لم يتجل لم يقدر أحد أن يراه وليس في جهة فيكون محصوراً فيها فلا يمكن رؤيته لأن شروط الرؤية لا تجري عليه تعالى ولأن ما سواه في الأماكن في الدنيا والآخرة ومن في الأماكن لا يدرك من في الأزل فلا يصح رؤيته لا في الدنيا ولا في الآخرة .

ان الله سبحانه و تعالى لا يدرك بالحواس .....

ويجب ان يعتقد انه سبحانه وتعالى لا يدرك بشيء من الحواس الظاهرة السمع والبصر والذوق والشم واللمس ولا من الحواس الباطنة الحسن المشترك والخيال والمتصرفة والواهمة والحافظة لأنه عز وجل لا يشابه شيئاً منها ولا يجانسه والشيء إنما يدرك ما هو من جنسه ويشابهه كما قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه ( إنما تحد الأدوات أنفسها وتشير الآلات الى نظائرها ) وقال تعالى :{ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } وقال : { ولا يحيطون به علماً } وذلك لأن الحواس الظاهرة والباطنة إنما تدرك المحدود والمكيف والمصور والمميز وهو عز وجل لاحد له ولا كيف له ولا صورة له ولا مميز له تعالى الله عن جميع صفات خلقه علواً كبيراً .