تاريخ النشر:21.12.2023



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

كتبت في إحدى مقالاتي السابقة أن التغيير في التركيبة العرقية والديموغرافية لسكان الولايات المتحدة سيجعل من بايدن آخر رئيس أبيض، ومن ترامب آخر رئيس جمهوري.

وافترضت أن الصراع سينحدر إلى مستوى الولايات الفردية بعد أن فقدت الأقلية البيضاء المحافظة فرصة التأثير على المسار السياسي للبلاد على المستوى الفيدرالي، وستحدد الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون، أو بالأحرى تحالفاتهم، مسارها في طريق العزلة عن بقية البلاد، وهو ما من شأنه، على الأرجح، أن يحول الحرب الأهلية المشتعلة إلى شكلها المفتوح والنشط.

تأكدت توقعاتي جزئيا فقط، بيد أنني أشرت إلى اتجاه المسار على نحو صحيح. أولا، اتخذت الأزمة الداخلية للحزب الديمقراطي شكلا مختلفا، فالنخبة البيضاء القديمة في هذا الحزب تتشبث بالسلطة، والقادة الشباب داخل الحزب عادة ليسوا من البيض، ولا يمكن أن يكونوا غير ذلك، ولكنهم مطرودون جزئيا، وأمامهم جدار زجاجي أمام ترقيهم الوظيفي. ونتيجة لذلك، لا يتمتع الحزب الديمقراطي بساسة شباب أقوياء على المستوى الفيدرالي، ومن الواضح أن بايدن، المصاب بالخرف، يتخلف عن ترامب.

وعلى الرغم من المؤشرات الرسمية الممتازة للنمو الاقتصادي (5.2% في الربع الثالث من هذا العام)، فإن المؤشرات الموضوعية (القدرة على تحمل تكاليف الإسكان على سبيل المثال) آخذة في الانخفاض، وتظهر استطلاعات الرأي مستوى قياسيا من المشاعر التشاؤمية بين الأمريكيين. فقد ضربت الأزمة الاقتصادية تصنيفات الحزب الحاكم بشدة لدرجة أن الديمقراطيين تمكنوا من تحدي تيار التاريخ مؤقتا ورفعوا بالقوة الفرص الانتخابية للأقلية المحافظة البيضاء المنتهية ولايتها. ولكن مع ذلك، كانت هذه الدفعة كافية فقط لتسوية الفرص، ومن غير المرجح أن يكون فوز ترامب مضمونا.

لهذا، وحتى وقت قريب، كان من الممكن مرة أخرى أن نتوقع معركة متساوية تقريبا، وتزوير الانتخابات من جانب الديمقراطيين، من خلال التصويت عبر البريد. وبناء على ذلك، توقعت أن التهديد الرئيسي للولايات المتحدة يمكن أن يتمثل في احتجاجات المحافظين البيض المسلحين تسليحا جيدا ضد تزوير الانتخابات، أو محاولة انقلاب من قبل "الدولة العميقة" على أيدي حركة BLM (حياة السود مهمة) إذا فاز ترامب.

إلا أن كل شيء تغيّر اليوم بشكل كبير. فقد انخفض تصنيف بايدن أكثر، ما دفع الديمقراطيين إلى اتخاذ خطوة انتحارية للبلاد – فقد منعت ولاية كولورادو، التي يسيطر عليها الديمقراطيون، ترامب من المشاركة في الانتخابات على أراضيها. وبعد كولورادو، بدأت ولايتا كاليفورنيا وماين استكشاف إمكانية اتخاذ خطوة مماثلة، وربما ينضم إليهما مزيد من الولايات.

أولا، هذه ليست لعبة حسب القواعد، بل هي في الواقع إعلان حرب، ويمكننا أن نتوقع تخريبا انتقاميا شديدا لعمل إدارة بايدن من قبل الجمهوريين. وأعتقد أننا قد نشهد حصارا أمام أي إجراء إداري من قبل مجلس النواب في الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون. وهذا، من بين أمور أخرى، سيؤدي إلى تدهور الوضع الدولي للولايات المتحدة بشكل كبير، من تسريع الخسارة في أوكرانيا إلى أي إجراءات على الساحة الدولية. وبشكل عام، فإن هذه بداية أزمة سياسية داخلية مدمرة، لا يزال من الصعب التنبؤ بعواقبها.

ثانيا، وهو الأمر الأساسي، فإن محاولة الولايات الفردية الاستيلاء على صلاحيات الحكومة الفيدرالية، أي حق تحديد رئيس الولايات المتحدة، هي الخطوة الأولى نحو انهيار البلاد. لقد افترضت أن الجمهوريين سيلجؤون إلى هذه النزعة الانفصالية عندما يدركون أنهم فقدوا فرصتهم على المستوى الفيدرالي إلى الأبد. لكن يبدو أن الديمقراطيين يعتبرون الانتخابات المقبلة مصيرية، والهزيمة المقبلة فيها ستكون هزيمة لمدة طويلة.

قد يشير ذلك بشكل غير مباشر إلى إجماع بين النخب الأمريكية على ضرورة إقامة دكتاتورية وإلغاء الانتخابات فيما يتعلق بالحرب المقبلة مع الصين. أي أن من يصل إلى السلطة في هذه الانتخابات سيحكم إلى أجل غير مسمى. لكن هذا بالطبع ليس سوى تخمين من جانبي.

بشكل أو بآخر، فإن القيادة غير المتزنة للحزب الديمقراطي أصابها الجنون بالفعل، لقد جن جنونها من فرط الإفلات من العقاب والانفلات الذي تمتعت به في التسعينيات، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ونتيجة لذلك، أثارت في البداية حربا مع روسيا، وها هي الآن تستفز حربا أهلية في بلدها.

وقد انتقلت القضية الآن إلى المحكمة العليا في الولايات المتحدة، فإذا أيدت المحكمة قرار كولورادو، يمكننا أن نتوقع من الولايات الأخرى، التي يسيطر عليها الجمهوريون، أن تتخذ خطوات مماثلة، ولكن في الاتجاه الذي يريده الجمهوريون، من منع المرشحين الديمقراطيين من الترشح إلى الاعتراف بترامب رئيسا، بغض النظر عما إذا كان معترفا به رئيسا في كولورادو. أي بدء تفكك الولايات المتحدة.

وأما إذا ألغت المحكمة العليا هذا القرار، فقد يؤدي ذلك إلى إبطاء عملية التفكك قليلا. لكن، ومع ذلك، فقد وصلت الولايات المتحدة بالفعل إلى المرحلة التي تحاول فيها الولايات الفردية أن تضع نفسها في مواجهة مستوى السلطة الفيدرالية. وأعتقد أن هذا المسار سيستمر في النمو بكل الأحوال، والجانب الخاسر في انتخابات 2024 سينقل الصراع إلى مستوى "الولايات الفردية في مواجهة الحكومة الفيدرالية"، وقد أصبح لدينا سابقة لذلك.

بطبيعة الحال، لا ينبغي للمرء أن يتوقع أن يدخل الاضمحلال في المرحلة المفتوحة في المستقبل القريب. وهذه عملية طويلة، وبالمناسبة من الممكن إيقافها وعكس اتجاه مسارها، تماما كما أوقف بوتين عملية انهيار روسيا في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. لكن في الولايات المتحدة ستكون فرص عكس الاتجاه ضئيلة للغاية، فالتناقضات الداخلية والتغيرات الدولية التي تعتبر حيوية بالنسبة للولايات المتحدة كبيرة للغاية.

ولذلك، فإننا نعرف الآن بالضبط تاريخ بداية عملية انهيار الولايات المتحدة، لكن توقيت اكتمال هذه العمليات لا يزال غير واضح بعد.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

رابط قناة "تليغرام" الخاصة بالكاتب