17 July، 2023


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

بسم الله الرحمن الرحيم،[1]

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا، أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، [ولا] سيما بقية الله في الأرضين.

إنه أمر حلو وممتع للغاية بالنسبة إليّ أن أكون بين هذا الجمع المحترم والمعزز من الطلاب والفاضلين الأعزّاء.

لطالما كانت إحدى أمنياتنا أن نتنفّس ونعيش في جمع الحوزة وطلاب الحوزات ومجموعة المسؤولين عن الدين المخلصين في الحوزات العلميّة. كنت ذات مرة في حضرة الإمام [الخميني] عندما كان يكلفني رئاسة الجمهورية للدورة الثانية، وقلت:

سيدنا، بعد الدورة الأولى هذه أريد أن أذهب إلى قم وأبقى هناك. قال سماحته: وأنا أيضاً أتمنى أن أذهب إلى قم، لكن لا يمكن ذلك.

هذه أمنيتنا: أن نكون بينكم وأن نكون ونعمل معكم. أيها الإخوة والأخوات الطلاب الأعزاء، أنتم ضمن أفضل الفئات الموثوقة التي يمكن للمرء أن يعمل ويسعى معها مرتاح البال.

طبعاً، المواضيع التي تحدث عنها الشيخ أعرافي كانت جيدة للغاية. قبل المجيء إلى هنا، وداخل هذا الممر، كانوا قد نظّموا ما يشبه المعرض وذكروا فيه بعض الأنشطة والأعمال، كانت أموراً سارة جداً لي.

ما قيل هنا تحت عنوان «مهمات الحوزات العلمية» وجرى تصويره في ذاك المعرض هو موضع تأييد مئة بالمئة من هذا [العبد] الذليل.

يمكن الحديث كثيراً عن الحوزة والحوزويين، ويمكن التحدّث عن أبعاد مختلفة.

تلك النقطة التي اخترتها لأتحدث عنها اليوم هي قضية التبليغ. إثر المعلومات التي تصلني من جهات مختلفة، أشعر بالقلق حيال التبليغ حقاً! نعم، هذه الأنشطة كلها التي جرى ذكرها وشرحها وقُدّمت تقارير عنها واقعية وصحيحة، ونعلمها، ورغم ذلك، فإن حاجتنا أكثر من هذا الحدّ!

إنّ فرص التبليغ في هذا البلد هائلة ومتراكمة وشاسعة لدرجة أنه حتى لو عملنا أضعاف المقدار الذي نعمله، فلا أعتقد أن هذه الفُرص ستُلبّى. إننا بحاجة إلى كل من التبليغ والوعظ والبحث أيضاً.

إذا لم يكن تبليغنا مبنياً على البحث، فسيكون بلا مفعول وأبتر، وسوف أذكر موضوعاً في ختام حديثي.

لذا، أعددت اليوم بعض المواضيع حول التبليغ وسوف أحدّثكم عنها، أيها الأعزاء.

وفقاً للنظرة السائدة اليوم في الحوزات العلمية فإنّ التبليغ يقع في المرتبة الثانية،

بينما المرتبة الأولى هي لأمور أخرى، من قبيل المقامات العلمية ونحوها. التبليغ في المرتبة الثانية، لذا علينا أن نتخطى هذه النظرة، فالتبليغ في المرتبة الأولى. هذا ما أروم قوله. لماذا نقول هذا؟ فما الذي نراه هدفاً للدين؟ ماذا جاء دين الله ليفعل لنا نحن البشرَ؟

حسناً، لدينا هدف نهائي هو أن يجعلنا نرتقي ونسمو في مسار خليفة الله ومسار الإنسان الكامل – وفقاً للقابليّات التي نملكها طبعاً – وهذا هو الهدف النهائي للدين. ثمة أهداف متوسطة وأوليّة أيضاً؛ مثلاً إقامة القسط: {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (الحديد، 25)، أو إرساء النظام الإسلامي: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} (النساء، 64). مركز الطاعة هو الدين. وهذا يعني إرساء النظام الإسلامي. إنه ضمن أهداف الدين، وهو هدف متوسط.

أو افترضوا إقامة المعروف، وإشاعة المعروف، وإزالة المنكر، وترويج الكَلِم الطيب والعمل الصالح: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر، 10).

إذن، هذه هي أهداف الدين. عندما تنظرون إلى أيّ واحدة منها، تجدون أن وسيلة تحقيقها هي التبليغ، ولا يمكن ذلك دون التبليغ. نعم، تارة وعلى نحو استثنائي يدخل نورٌ في قلب شخص ما بإشارة إلهية، فهذا نقاش آخر وأمر استثنائي، لكن دين الله بهذه الأهداف وأمثال هذه الأهداف للناس، لن يتحقق إلّا بالتبليغ. إذن، التبليغ صار في المرتبة والدرجة الأولى. لذلك تلاحظون في القرآن [A1] تأكيد مسألة التبليغ.

لقد رجعت إلى فهارس [المصطلحات] القرآنية من أجل حديثي هذا.

وردت كلمة «بلاغ» أو «بلاغ مبين» في القرآن نحو اثنتي عشرة مرة أو ثلاث عشرة. «بلاغ مبين» هو ذلك الإفهام الذي لا يترك مجالاً للشبهة:

{وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (يس، 17)؛ ينبغي ألّا يترك مجالاً للشبهة.

البلاغ [يعني] الإفهام، إفهام الأسماع والقلوب الرسالة ، وقد تكرّر في القرآن مراراً. تكرر في اثني عشر موضعاً أو ثلاثة عشر. لقد تكرر نقلاً عن لسان الأنبياء:

{مَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}. لقد تكرر في خطاب الله المتعالي إلى النبي (ص): {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} (آل عمران، 20). [يوجد] من عنصر البلاغ نفسه: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ} (الأحزاب، 39) – الآية التي تلاها [القارئ المحترم] – وآيات كثيرة أخرى أيضاً في هذا الصدد: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي} (الأعراف، 62)، {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (المائدة، 67).

في القرآن أيضاً تعابير موازية ومرادفة لـ«بلاغ» إلى ما شاء الله.

كم تكرر تبليغ «الدعوة» في القرآن! {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (النحل، 125)، {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (الأنفال، 24)، وكذلك كثير من الآيات الأخرى مع تعبير يحمل عنوان «الدعوة».

آيات متعددة وكثيرة تحمل عنوان «الإنذار والتبشير». طبعاً، هي كلها دعوة وتبليغ. إذا نظرتم إلى النطاق العريض لـالقرآن الكريم، فسترون أن التركيز على التبليغ. أساساً، يرى القرآن الكريم أن الأنبياء هم المسؤولون عن التبليغ. وماذا عن ورثة الأنبياء؟ «إن العلماء ورثة الأنبياء»[2]. وأنتم الذين تعدّون ورثة الأنبياء أسّ مهمتكم وأساسها هو التبليغ.

يجب أن تبلّغوا. يجب أن توصلوا رسالة الدين والله إلى القلوب والأسماع. قلوب وأسماع من؟ البشر جميعاً. طبعاً هناك أولويات أيضاً. بطبيعة الحال، يكون لمجتمعكم أولوية كبرى، وبعض الأماكن لها الأولوية، وبعض الأماكن لها أولوية أقل، ولكن يجب أن تصل إلى الجميع. إننا ننظر إلى أهمية التبليغ على هذا النحو.

لهذا، ترون أن سنة التبليغ موجودة في الحوزات العلمية منذ البداية، أي منذ ألف عام. بالطبع، لم تتح لي الفرصة للتحقق والمراجعة بمقدار أكثر – لم أجد وقتاً للمراجعة – وهذا هو المقدار الذي كان في ذهني الآن.

لنفترض مثلاً زمن الشيخ الصدوق، فهذه الكتب المتعددة للشيخ الصدوق (رض) كلها تبليغ: الأمالي تبليغ، والخصال تبليغ، وعيون أخبار الرضا تبليغ؛ كلها تبليغ. وهي ليست تبليغاً للمذهب فقط؛ إنها تبليغ الأخلاق، وتبليغ الدين، وتبليغ التوحيد… هذه الأمور نفسها التي يتعين علينا فعلها.

إن عدداً من رسائل الشيخ المفيد (رض) في الجواب عن أسئلة مختلف البلدان – نُشرت قبل بضع سنوات في مؤتمر الشيخ المفيد[3] – هو تبليغ. الشيخ الطوسي – إضافة إلى ذاك الفقه العميق العريق الرائع – لديه الأمالي أيضاً، فأمالي الشيخ [الطوسي] تبليغ، وأمالي الشريف المرتضى تبليغ. لقد قلت: لم يسنح لي المجال الآن لأراجع وأرى – أنتم لديكم وقت وجَلَد أكثر – كيف كان التبليغ في الحوزات العلمية في القرون اللاحقة [لهم]. لكن على سبيل المثال، وفي القرون الأخيرة، المجلسي (رض) – المجلسي إنسان عظيم، وينبغي ألّا يُستهان بالمجلسي، فهو إنسان عظيم جداً – بالإضافة إلى كتاب البحار وعدد من الكتب لديه حول مسألة الحديث، وتبيين الحديث، وشرح الحديث، ونحو ذلك، ما الغرض مثلاً من كتابي حق اليقين وحياة القلوب، وهما من الكتب الفارسية؟ التبليغ طبعاً. المرحوم النراقي [أيضاً] له كتاب فارسي، وبعد ذلك كانت هناك كتب أيضاً وبعضها حاضر في بالي الآن. مثلاً تفسير منهج الصادقين[4] وأمثاله بالفارسية.

بالفارسية لِمَن؟

الفارسية ليست للعلماء والفضلاء وما إلى ذلك؛ إنها تبليغ لآحاد الناس. هذا يعني أن العلماء كانوا يولون أهمية لسنّة التبليغ. طبعاً، لم يسنح لي المجال [لأرى] ممن جاء المنبر والشكل التبليغي للمنبر؛ كنت أود أن أراجع لو كان في إمكاني، ولكن على سبيل المثال هذا الملا حسين كاشفي السبزواري في القرنين التاسع والعاشر، أو مثلاً واعظ القزويني في القرن العاشر – هو شاعر عظيم أيضاً – وما يحضر في بالي أن هؤلاء كانوا من أهل المنبر ويذهبون ويتحدثون، وكانت سنّة المنبر هذه منذ تلك الأزمنة.

الملا حسين كاشفي هو صاحب روضة الشهداء والعزاء الذين نقرؤه في الحقيقة مأخوذ من كتاب ذلك الجليل. وكذلك لاحقاً علماء عظماء مثل الشيخ جعفر الشوشتري [كانوا من أهل المنبر]. الشيخ جعفر الشوشتري معروفٌ بالوعظ. إنه مُلّا وفقيه عظيم وبالطّبع كان من أهل المنبر.