نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نيويورك تايمز

20 يناير 2021

توماس فريدمان (نيويورك تايمز) ترجمة: محمد أمين

لقد نجونا للتو من شيء فظيع حقا: أربع سنوات من رئيس بلا خجل، مدعوماً بحزب بلا قيادة، ضخمتها قناة إخبارية بلا نزاهة، وعملوا جميعا على ترويج نظريات المؤامرة، بعيداً عن الحقيقة، التي تم زرعها في أدمغتنا، من خلال شبكات تواصل اجتماعي بلا أخلاق، وعزز كل ذلك، جائحة بلا رحمة.

إنه لأمر مدهش أن نظامنا بالكامل لم ينفجر، لأن البلد أصبح حقاً مثل محرك بخاري عملاق محموم. ما رأيناه في مبنى الكابيتول، الأسبوع الماضي، يعني أن البراغي والمفاصل بدأت تتهاوى. إن رحيل دونالد ترامب من البيت الأبيض واستنفاد قوة الداعمين له في مجلس الشيوخ لن يحدث قبل الأوان.

وكذا تنصيب جو بايدن، لكن أمامه الكثير من العمل. لأننا لم نبدأ حتى في فهم مدى الضرر الذي أحدثه ترامب، المسلح بـ «تويتر» و«فيسبوك»، واستغلاله لمنبر الرئاسة وجبن الكثيرين ممن يعرفون أفضل، لحياة أمتنا العامة والمؤسسات والحصانة المعرفية. لقد كانت تجربة مروعة ورهيبة حقاً.

ولا يعني ذلك أن ترامب لم يفعل شيئاً جيداً أبداً. لكن ذلك لا يساوي شيئاً أمام جعل الأمة في حالة انقسام ومرض وجعل أكبر عدد من الناس منغمسين في نظريات المؤامرة أكثر من أي وقت مضى في التاريخ الحديث. نحن بحاجة إلى لم شملنا وإعادة برمجتنا وإعادة تركيزنا وطمأنتنا في الوقت ذاته. البلد بأسره بحاجة للذهاب في عطلة نهاية الأسبوع لإعادة اكتشاف من نحن والروابط التي توحدنا. أعتقد بصدق أننا يمكن أن نكون أفضل مرة أخرى، ولكن ذلك يتوقف علينا جميعاً.. كيف؟

اتجاه تصاعدي كانت السمة الأكثر لفتا للانتباه في رئاسة ترامب أنه ظل يفاجئنا عاماً بعد عام، بالانزلاق لأعماق جديدة من خرق المعايير والكذب وتلويث سمعة الآخرين. لكنه لم يفاجئنا - ولا مرة واحدة - في الاتجاه التصاعدي بعمل لطيف أو نقد ذاتي أو مد يده إلى معارضيه. شخصية ترامب كانت قَدَره وقدرَنا أيضا. لكن هناك أخبارا طيبة: يمكننا التعافي، شرط أن نركز جميعا - السياسيون والإعلام والنشطاء - على فعل ما لم يستطع ترامب فعله أبدا: مفاجأة بعضنا بعضاً في الاتجاه التصاعدي.

المفاجآت التصاعدية هي قوة تم التقليل من شأنها بشكل كبير في السياسة والدبلوماسية. فهي التي تكسر روابط التشاؤم وترفع حدود ما نعتقد أنه ممكن. إنهم يذكروننا بأن المستقبل ليس قدرا بل خيار، فإما أن نترك الماضي يدفن المستقبل أو أن يدفن المستقبل الماضي. لم أتردد أبدا في تأييد ترامب عندما فعل شيئا اعتقدت أنه صحيح. لو كان ترامب قد خرج من شخصيته ذات مرة في شيء كبير وصعب وتحدى قاعدته الانتخابية وفاجأنا على الجانب الإيجابي في قضايا مثل المناخ أو الهجرة، لكنت امتدحت ذلك.

لكنه لن يفعل. وهذا أمر سيئ للغاية، لأننا كصحافيين ومواطنين نحلم بمفاجآت على الجانب الإيجابي، تصدر من قادتنا. لقد فاجأني ميت رومني وليز تشيني تماما في الاتجاه التصاعدي الأسبوع الماضي عندما وضعا الدولة والدستور قبل الطموح الحزبي والشخصي وتأييدهما التصويت بعزل ترامب. كذبة كبرى في مايو الماضي، بعد وفاة جورج فلويد على يد الشرطة، تم تجنيد مغني الراب كيلر مايك من قبل عمدة أتلانتا، كيشا لانس بوتومز، للمساعدة في قمع العنف في أحياء السود. وقام بتوبيخ متظاهري أتلانتا الذين ارتكبوا أعمال عنف.

هناك مهمتان ملقاتان على عاتق كل أميركي الآن: امنح جو بايدن فرصة لمفاجأتك على الجانب الإيجابي، وتحدّ نفسك. على الشركات الأميركية أن تفاجئنا بأن تُبلغ روبرت ولاكلان ميردوخ أن شبكتهما الاخبارية غذت الكذبة الكبرى التي أدت إلى اقتحام مبنى الكابيتول، وأنها لن تعلن بعد اليوم في أي برنامج ينشر نظريات المؤامرة.

أفضل الأخبار التي سمعتها هذا الأسبوع أن عددا كبيراً من شركات التجزئة قاطعت منتجات مايك ليندل، الرئيس التنفيذي لشركة My Pillow المؤيد المتحمس لترامب والمعلن على قناة Fox، الذي أيد مزاعم ترامب حول تزوير انتخابات 2020. وعلى مارك زوكربيرغ وشيريل ساندبرغ أن يفاجئانا مرة واحدة وإلى الأبد بوقف ترويج الأخبار التي تثير الانقسام والاستياء من أجل تحقيق الربح.

لا يوجد في اليسار الأميركي ما يماثل اليمين المتطرف أو أصحاب نظريات تفوق العنصر الأبيض وغيرهم من المتطرفين الذين اقتحموا مبنى الكابيتول. لكن الليبراليين سيفاجئون الكثير من الناس من اليمين، وربما يحصلون على القليل بدعم بايدن، إذا رفضوا بقوة التصحيح السياسي.

والآن بعد أن ذهب تهديد ترامب، على جميع العاملين في مجال الإعلام العودة إلى فصل الأخبار عن الآراء. نحن بحاجة إلى المزيد من الأماكن التي يشعر فيها الأميركيون من جميع الأطياف السياسية أنهم يتلقون أخباراً لا تثير الانقسام والخلاف.

أخيرا، علينا أن نمنح بايدن بضعة أشهر لمفاجأتنا على الجانب التصاعدي. لنمنحه الفرصة لوضع البلد قبل الحزب والإيفاء بقَسَم الرئاسة.


للمزيد: https://alqabas.com/article/5833208