هل اغتيل سُليماني بطائرة خرجت من الكويت؟.. الجيش يتدخل لحماية “حياد” بلاده ولا يشفع لأسواقها: منَ زجّ بـ “إمارة التسويات” في تصعيد واشنطن- طهران؟.. التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا يحاصرونها.. وأزمة الاحواز لا تزال حاضرة في الاذهان.. ومصير حقليّ “الوفرة والخفجي” في “بنك أهداف الثأر” على المحك

برلين- “رأي اليوم” – فرح مرقه:

لعل الدولة الخليجية الأكثر تضرراً من التصعيد في الخليج هي ليست السعودية ولا الامارات ولا حتى قطر، إذ كل التحركات الأمريكية يبدو أنها تورّط الكويت في التصعيد الأخير على الأراضي العراقية، والتي هي بدورها (أي الكويت) لديها الكثير مما تخشاه في السياق سواء في التاريخ او الجغرافيا او حتى الديمغرافيا.

الكويت ورغم ان اميرها اعلن العام الماضي التزام بلاده “الحياد الإيجابي”، الا انها تجد نفسها في الازمة الأخيرة محل مراقبة ومتابعة، إذ طارت من قواعدها طائرات قوات المارينز التي ذهبت لحماية السفارة الامريكية في بغداد بعيد اطلاق الهجمات الخمسة على حزب الله العراقي الأسبوع الماضي، كما تجد نفسها مكان اتهام عراقي بأنها كانت مصدر اطلاق الطائرات بلا طيار التي استهدفت الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس الشهير، ومعه القيادي المعروف في الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، بالإضافة لخمسة آخرين.

مثل هذا الاتهام (اطلقته حركة عصائب اهل الحق التي يقودها قيس الخزعلي) يعني ان الكويت، والتي التزمت ما اسمته الحياد الإيجابي طوال السنوات الأخيرة ضمن محاولة للنأي بنفسها عن الازمات المتكاثرة حولها، قد تدخل ضمن اهداف اذرع ايران الانتقامية، وهو ما يفسر خروج جيش الكويت عن صمته ونفيه ان الطائرة التي اغتالت سليماني خرجت من احد مطارات الكويت.

وقال الجيش الكويتي في بيان نادر له صباح الاثنين:” حول استخدام قواعد دولة الكويت العسكرية لتنفيذ هجمات ضد أهداف محددة بإحدى دول الجوار، تنفي رئاسة الأركان العامة للجيش، نفيا قاطعا صحة هذه الأخبار”، مضيفاً “نؤكد بأنه، لم يتم استخدام القواعد الكويتية في هذه العمليات”.

هذا البيان جاء عقب بيان عصائب أهل الحق التابعة للحشد الشعبي، والذي اعتبر ان “الطائرة الأمريكية التي قصفت موكب قاسم سليماني “انطلقت من الكويت وليس من قطر”، وان “التقارير حول الطائرة بدون طيارMQ-9، والتي قتلت الشهيدين أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي”، وقاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، والتي قالوا عنها إن مقرها قطر، هي تماما معلومات مغلوطة بالنسبة للتحقيق الأولي”.

وأضافت الحركة “وجدنا أن مطار هذه الطائرة الوحيد هو دولة الكويت، وتحديدا في قاعدة علي السالم الجوية” التي تقع على بعد نحو 60 كيلومترا غرب العاصمة الكويت.

بيان العصائب، لا يورط الكويت مع العراقيين فقط، وانما يظهرها أيضا كعابثة مع جارتها طهران، والتي لم تستطع الأولى بعد احتواء أزمتها معها عقب استقبال لمؤتمر الاحواز، الذي أدى لبذار ازمة دبلوماسية بين الكويت وايران.

في الازمة الأخيرة (والتي حصلت قبل اقل من 10 أيام) بدت الكويت ولأول مرة منذ زمن “متحرّشة” بالإيرانيين، عبر استضافتها مؤتمرا للاحواز، وحضور رئيس البرلمان الكويتي المؤتمر، الامر الذي جعل طهران تستدعي القائم بالأعمال الكويتي لديها، وليخرج خلال ساعات بيان من وزارة الخارجية الكويتية يؤكد ان الاجتماع لم يحز الموافقات الرسمية وانها تحترم سيادة جوارها.

الكويت بهذا المعنى يبدو انها تتورط اليوم ودون الكثير من الجهد في الازمات المحيطة بها، ومن الواضح انها تدرك جيدا معنى دخولها ضمن دائرة الاستهداف خصوصا بعدما استعادت شراكتها مع السعودية فيما عرف بالمنطقة “المقسومة” والتي استمر النزاع الحدودي عليها لنحو خمسة أعوام، والتي تفضي (أي الشراكة والتفاهم التي حصلت مؤخرا في ديسمبر العام الماضي) لإعادة استغلال حقلي الخفجي والوفرة.
الحقلان، اذا ما حصلت أي محاولة لاستهداف الكويت والرياض معا سيكونان على قائمة الأهداف وهما ليسا بعيدين لا على ايران نفسها ولا عن حلفائها في المنطقة.

بهذا الشكل، ونظرا للتصعيد المستمر والذي لا يبدو ان الكويت بعيدة عنه- سواء برغبتها او رغما عنها-، قد تخرج الكويت عمليا من قائمة الدول المحايدة إن استمر استخدامها لاحقا بهذه الصورة في الازمة مع ايران، وتزداد الطين الكويتية بلّة كلما كان التصعيد المذكور مع جارتها ذات التاريخ العصيب معها في بغداد، ولعل الكويتين لم ينسوا بعد اشكال الضرر التي لحقت بهم سواء في الحرب العراقية أو وهي الأخطر في الازمة الامريكية الإيرانية في نهاية ثمانينيات القرن الماضي.

هنا التاريخ يلعب ضد الكويت، وتسانده في ذلك الجغرافيا، وحتى ديمغرافية الكويت التي تحوي مكونات شيعية قد تتأثر بتحركات الإقليم. وتبدو الكويت وكأنها تحيا تحت ضغوط كبير منعتها اليوم من ارسال أي من مسؤوليها لتشييع سليماني بخلاف ما فعلته سلطنة عُمان.

مؤشر السوق في الكويت الاثنين حاز أكثر انخفاض في الأسواق الخليجية، اذ انخفض 0.2 بالمئة بعد هبوطه بأكبر قدر خلال عامين في الجلسة السابقة؛ وتأتي هذه الأرقام بالتزامن مع الإعلان بأن بورصة الكويت كانت قد حققت افضل أداء في أسواق الخليج خلال عام 2019.

بكل الأحوال، تبدو الكويت اليوم في موقف دفاعي واضح عن نفسها وعن حيادها الإيجابي ودورها في التسويات الذي لعبته لسنوات وكادت تقطف ثماره سواء في الازمة الخليجية أو بالتصعيد مع ايران (اذ كانت شريكا في الترويج لاتفاق شراكة خليجية مع طهران) أو حتى في نزاعها مع السعودية بالإضافة لادوارها بخدمة الفلسطينيين والقضية الفلسطينية او حتى برعاية مصالح دول ابعد عنها كالاردن ولبنان وغيرهما.

هنا يؤكد محللون استراتيجيون وخبراء استخباراتيون ان الزج بالكويت في التصعيد لم يكن صدفة، وان بعض جيرانها لعبوا دورا حقيقيا ونشطا في ذلك، وبمظلة أمريكية.

هذا الدور يمكن ان تكشفه الكمية الهائلة من الاشاعات التي تطال الكويت هذه الأيام والتي باتت الدولة الخليجية ومسؤوليها متفرغين لنفيها وتفنيدها لمعرفتها جيدا أن المنطقة قد تشتعل فعلا بخبرٍ كاذب أو إشاعة.


https://www.raialyoum.com/index.php/...3%D9%88%D9%8A/