21 ديسمبر 2019

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

مكتبات في «بين السرايات».. وهنا الوسطاء لبيع الشهادات

القاهرة - محمد عبد الناصر - مما لا شك فيه أن الجامعات المصرية على مدار تاريخها الممتد، من أعرق المؤسسات التعليمية في الوطن العربي والعالم، ويلتحق بكلياتها ملايين الدارسين المصريين والعرب والأجانب من شتى البلدان، لكن هذه الصورة البراقة باتت تهددها مجموعات تدعي انتسابها للجامعات المصرية، وتلتقط الباحثين وتعرض عليهم فرصة الحصول على درجتي الماجستير والدكتواره في زمن قياسي مقابل مبلغ من المال، يصل في متوسطه إلى ما يعادل 1500 دينار كويتي،

وهناك زبائن من الكويت ووسطاء لهم. القبس جالت في منطقة بين السرايات المصرية، والتقت عشرات الأشخاص الذين يعملون في تجارة بيع الرسائل العلمية، كما التقت عدة أشخاص يدّعون انتسابهم لجامعات مصرية عريقة، ويتخذون مكاتب وشققا مقرا لممارسة نشاطهم، ووثّقت الاتفاقات التي تمت معهم. كويتي يبحث عن ماجستير كانت البداية أمام بوابة كلية «تجارة» في جامعة القاهرة، الواقعة في محيط منطقة بين السرايات، التي تتمتع بشهرة كبيرة في مجال الأعمال المكتبية منذ سنوات طويلة، وادعى محرر القبس أنه طالب كويتي يريد الحصول على درجة الماجستير لتقديمها إلى وظيفته التي ستمنحه ترقية في حال الحصول عليها، وأمام عشرات المكتبات التي تتصدر لائحتها الإعلانية جملة «إعداد وكتابة رسائل علمية»، تهاتف أصحاب 9 مكاتب لعرض خدماتهم على الطالب الكويتي الباحث عن الماجستير. «حسب فلوسك»! رغم الصعوبة البالغة والجهد والوقت التي يقطعها الباحث حتى يحصل على درجة الماجستير، يمكن التغلب على تلك المعاناة بسهولة وفي وقت قياسي،

فقد عرض تجار ووسطاء بيع الرسائل العلمية، على الباحث الكويتي «محرر القبس» عدة طرق للحصول على الشهادة «حسب فلوسك»، معظمها تشابهت في الطريقة والكيفية، بداية من عمل الخطة وكتابة الفصل الأول وعمل تعديلات المشرف، وصولًا إلى إجراء كل الاستبانات والدراسات، وإعداد الرسالة كاملة للباحث تمهيدًا لمناقشتها.

أناقش ما لم أكتب؟!

سؤال وجهه الباحث الكويتي، مستغربًا من كيفية مناقشة بحث علمي ضخم ومناقشته من دون أن يقوم بنفسه بإجرائه، ولكن الرد جاء بأن من سيكتب له الرسالة أساتذة جامعة متخصصون في كتابة البحث العلمي منذ 30 عامًا، وأنهم سيعدّونه ليكون جاهزًا للمناقشة، مؤكدين أن المناقشة تعتمد على مدى استيفاء الرسالة، في حين قال بعض الوسطاء إن مشرفي الرسالة في بعض الكليات الكبيرة في عدة جامعات مصرية، متعاونون معهم، وبعد تذليل كل العراقيل، اتفق «محرر القبس» مع الوسطاء لتحديد مقابلة مع الدكتور للاتفاق على الآلية والأسعار.

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

السعر يبدأ من 500 دينار في شقة في شارع عبدالخالق ثروت بوسط القاهرة، تم تحديد موعد مع شخص في الخمسينيات من عمره، يدعي انتسابه لأحد أقسام كلية التجارة بإحدى الجامعات المصرية الكبرى، وقام الدكتور المدعي بشرح آلية الحصول على الماجستير، سواء من المعاهد المعتمدة والمعادلة، أو من الجامعات، و«كله حسب سعره»، حيث تبدأ الأسعار من 1500 دولار، وقد تتعدى 5 آلاف، ما يعادل في متوسطه 1500 دينار . وأكد الدكتور المدعي أن مشرفي الرسالة «على ضمانته»، وأن كل شيء له سعره، وأن المدة للحصول على الماجستير تستغرق عامًا، والدكتوراه تستغرق عامين، وأن مدة كتابة الرسالة بتعديلات المشرف تستغرق نحو 6 أشهر.

اتفاق جديد هذه المرة، ادعى «محرر القبس» عمله في قطاع السياحة، وأن لديه ثلاثة سائحين من الكويت يبحثون عن الحصول على درجتي الماجستير والدكتواره في مجالات مختلفة، ومع التوصل إلى أحد الوسطاء، للاتفاق على الآلية، التقى المحرر في شقة بمحيط جامعة القاهرة، مجموعة من الأشخاص تتراوح أعمارهم بين الخمسينيات والستينيات، يجلسون في غرفة واسعة على مكاتب ممتلئة بالأوراق وأجهزة الكمبيوتر، وبدأت عملية التفاوض مع أحدهم، واتضح للمحرر تشابه الطريقة والآلية مع اختلافات غير جوهرية بينها، حيث يعد الحصول على شهادة من المعاهد أكثر سهولة وتيسيرًا من الحصول عليها من الكليات، بينما يدعي الوسطاء عدم وجود أي مشكلة أو عراقيل، لأن لديهم حلاً لكل مشكلة، وبالطبع ترتفع تكلفة الدكتوراه مقارنة بالماجستير.

سرية تامة اتفاقات جديدة ولقاءات متعددة على مدار أسبوع، التقى فيها «محرر القبس» عدة أشخاص مجهولين، بعضهم كوسيط وآخرون يدعون انتسابهم للجامعة، وتتم العملية بعد دفع أول دفعة من المبلغ المتفق عليه، ويقوم بعدها الوسيط بالتواصل بين الباحث والدكتور القائم على الرسالة من دون التعرف على هويته، وتتم المراسلات بينهم من دون حاجة الباحث إلى الوجود في مصر، حيث إن التخصصات الأدبية لا تستدعي وجود الباحث،

ويمكن متابعة رسالته من الخارج حتى وقت المناقشة. إعلانات بالمئات بمجرد الكتابة في محرك البحث «رسائل الماجسيتر والدكتواره»، فستظهر مئات الإعلانات التي تستعرض تقديم تلك الخدمة للباحثين عن الحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه. وقام «محرر القبس» بالتواصل مع العديد من الإعلانات المنشورة والاتصال بالأرقام المرفقة بها، عن طريق رقم هاتف وواتس آب كويتي، وهو ما أدى لاستدراج أصحابها الذين وثقوا بالمتصل نتيجة رقم الهاتف الخارجي وتم التعرف على الطريقة التي يعملون بها والتي لا تختلف كثيرًا عن سابقتها.

«التعليم العالي» المصرية.. تنفي نفى الدكتور عادل عبد الغفار، المتحدث الرسمي باسم وزارة التعليم العالي المصرية، كل الادعاءات السابقة، مؤكدًا أن كل ما سبق لا علاقة له بالجامعات والمعاهد المصرية، بينما أكد مصدر رفيع داخل وزارة التعليم العالي المصرية، أن الجامعات المصرية تعتد بآلية دقيقة في اعتماد الدرجات العلمية، وفي حال ثبوت أي محاولة غش من قبل الباحث تتخذ فورًا الإجراءات القانونية بحقه، والتي تصل إلى شطب الطالب وفصله من الجامعة.

مدبولي: «مافيا» لابد من مواجهتها تعليقا على الخدمات «غير الأدبية»، قال حمدي مدبولي، أحد أصحاب المكتبات في منطقة بين السرايات لـ القبس، إن الوسطاء الذين يدعون قدرتهم على منح الباحثين رسائل الماجستير والدكتوراه ومساعدتهم في الحصول عليها، من أصحاب الدبلوم، وهذه آلية غير منطقية للتصديق، ومعظمهم يمارس النصب ويبيع الوهم للشباب، عبر شبكة مافيا كبيرة تلتقط الوافدين للدراسة في مصر، ويبيعون لهم شهادات ماجستير ودكتواره «مضروبة» بسبب سرقة أعمال غيرهم والاقتباس منها، مناشداً الدولة الرقابة على المكتبات ومتابعة أنشطتها، حيث إن العديد من العاملين في منطقة بين السرايات تضرروا بسبب مافيا الرسائل العلمية، كونهم يعملون بجانبهم ولا ذنب لهم بأنشطتهم المشبوهة، إذ يقتصر عملهم على الطباعة والتجليد والتصوير.



للمزيد: https://alqabas.com/article/5736461