الصدق منجاة
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
تميزت إحدى مدارس الصف الإبتدائي فى إبتكار حصة أسبوعية تقدم للطلاب عن التنمية البشرية ومكارم الأخلاق ، وفكرتها تقوم على أساس أن يقوم كل طالب فى الفصل بذكر أفضل عمل قام به خلال أسبوع أمام زملائه ، ويحصل الطالب الفائز على هدية رمزية تكون بمثابة المكافأة والتشجيع له ودعما لسلوكه الإيجابي .

وفى اليوم المحدد .. قام بعض الطلاب واحدا تلو الآخريذكرو يتذكر ما قام به من أعمال إيجابية أو سلوك إنساني رفيع .. إلى أن جاء الدور على أحد الطلاب ، وبعد أن أشارت إليه معلمة الفصل بالوقوف ، نهض متثاقلا ، بعينين مرتجفتين ، وجبينه يزداد عرقا ، يداه ترتعشان , وأخذ يتلعثم وهو يقول .. أنا , أنا .. وأخذ يستعرض ما قام به خلال الأسبوع الماضي ، فلم يجد خيرا قدمه قط ، بل على النقيض لقد قام بأعمال شيطانية وكان مشاكسا لأبعد حد بدءا مع زملائه فى الفصل الذين لم يسلموا من مقالبه المتتالية وعراكه الدائم مع الآخرين ، وكذلك والداه الذين لم يكن ليسمع كلامهما إطلاقا وكان طفل مشاغب لا يذاكر دروسه ويهوى اللعب ومشاهدة التلفاز .. تذكر سخريته وتهكمه على الشحاذ الذي كان يمر بجوار المدرسة وكان رجلا مسنا يسير متكئا على عصى ، تذكر القطة التي كان يبالغ فى ضربها وركلها ويمسكها من ذيلها بدعوى اللعب واللهو .. بلغ العرق الغزير مبلغه وهو ينظر فى الأرض لا يملك أن يقول شيئا .. كان باستطاعته الكذب فى منتهى البساطة مثلما يفعل البعض ولكنه كان يكره الكذب دوما .. نعم كانت تلك هي الحسنة الوحيدة التي يفخر بها أمام نفسه على الأقل .. لم يكن ليكذب فى حياته قط .. أنه يمقت الكذب إلى أقصى درجة .. لذا فضل الصمت وأن يلقى موقفه الخزي والعار على أن يكلل بالتصفيق والإعجاب من الحاضرين على ما يقوله من أكاذيب .

قرر أن يصلح من نفسه حتى لا يقف ذلك الموقف أبدا .. خرج من المدرسة وأبصر الشحاذ .. أخرج ما معه من نقود ثم أعطاه له وعندما رأى الرجل ذلك لم يصدق فى بادىء الأمر معتقدا أنه فخا من الأعيبه الصبيانية المعتادة ولكنه تأكد بالفعل أن النقود سليمة وليست مزحة ,, شكر الرجل له ودعا له بالهداية والنجاح والتوفق والصحة والستر .. شعر الطفل لأول مرة بقيمة العمل الصالح والعطف على المساكين .. اطمأن قلبه وازداد عطشا للمزيد من تلك الأعمال .. وفى الطريق رأى القطة التي كان يراها كل يوم بجانب منزله أخرج ما معه من طعام متبقي وناوله للقطة التي تناولته فى نهم وجوع شديد .. وقرر فى اليوم التالي أن يشتري لها زجاجة لبن لإطعامها .. شعرت القطة بالسعادة والامتنان وأخذت تدور حول قدمه " متمسحة فيها " ثم ربت هو على رأسها .

دخل البيت واستقبلته أمه .. أمرته أن يغسل يديه قبل الغداء .. سمع الكلام وبالفعل ذهب إلى دورة المياه وغسل يديه جيدا .. دهشت الأم عندما نظرت إليه يسمع الكلام بعكس عاداته اليومية المشاكسة ..
رأى والده يتوضأ ويستعد للصلاة فى المسجد .. فأسرع يقلده فى الوضوء ويفعل مثلما يفعل ثم رافق والده للخروج من البيت والصلاة فى المسجد .. كانت تلك المرة الأولى التي يدخل فيها المسجد - بخلاف صلاة الجمعة مع والده بالطبع - .. وشعر براحة نفسية هائلة وطاقة تملأ جوانحه .. وكأنما وجد نفسه .

وفى الفصل بدأ يميل إلى التحدث مع زملائه بهدوء وحب .. بدون غلظة أو شراسة .. بدون تكبر أو سخافة .. وإن لم يخلو أحاديثه من لهو وشقاوة بحكم العادة ...
واستمر هكذا طوال الأسبوع .. حتى جاءت موعد حصة التنمية البشرية .. وجاء دوره فى الحديث عن نفسه وعن أفضل ما قدمه .. قام هذه المرة فورا بنشاط وثقة .. تحدث عن كل ما قام به هذا الأسبوع من أعمال إيجابية وإنسانية .. وبعد انتهائه .. صفق له جميع الحاضرين وقدمت له المدرسة هدية رمزية كمكافآة له على سلوكه الطيب والإيجابي مع الآخرين.. هنا فقط تنفس الصعداء وشعر بارتياح نفسي كبير وقرر أن يواصل ذلك .


المصدر:
التغيير -
باسم عاصم