الأردن بوابة الخليجيين إلى الجحيم
من قلم : د. عمر ظاهر - عرب تايمز
الحديث عن مخاطر التدخل الخارجي المحتمل في سوريا يرد اليوم على ألسنة الكثيرين، وهو بلا شك حديث ينطوي على مغالطة كبيرة، ذلك لأن هذا التدخل قد حصل منذ زمن بعيد، وليس أدل على ذلك من السلاح والمال اللذين لا تتردد قطر والسعودية في الإعلان عن تقديمهما لثوار الناتو السوريين، وكذلك الأعداد الكبيرة من المرتزقة الذين تجندهم مخابرات بلدان عديدة وترسلهم إلى سوريا لنشر الرعب والدمار في القرى والمدن الآمنة، ناهيك عن وجود المستشارين العسكريين والمخابراتيين الأجانب على الأرض السورية والجهود الاستخبارية الناتوية التي تصب في المعركة لصالح الإرهابيين ضد الشعب السوري ودولته.
هناك تدخل سافر عربي وغير عربي، ولولا هذا التدخل الخارجي وبهذا الشكل لكان السوريون قد نجحوا في حل مشاكلهم منذ زمن بعيد عبر الحوار، ولما تحولت مطالبات مشروعة بالإصلاح إلى حرب شعواء على الدولة السورية ومؤسساتها وجيشها. على أن هناك عنصراً واحداً ينقص هذا التدخل السافر وهو الدعم الجوي من حلف الناتو، رغم أن الحلف حاضر في الصراع بكل قوة في كل المجالات الأخرى، التسليحية والاستخبارية، وفي فرض الحصار الاقتصادي على الشعب السوري، وغير ذلك. وهذا الدعم الجوي هو ما يستجديه من يقف وراء العصابات الإرهابية في قطر والسعودية وغيرهما من بلدان التخلف والبربرية.
موضوع الدعم الجوي من الناتو أمر يزداد تعقيداً وصعوبة كل يوم، فمن ناحية يصبح هذا الدعم ضرورة قصوى لاستمرار الإرهابيين في ارتكاب جرائمهم وتقويض الدولة السورية، ومن ناحية أخرى تقل قيمته مع كل ساعة تمر في الصراع الذي أخذ الآن شكلاً يمكن أن نطلق عليه تسمية "كسر عظم"، فالدولة السورية، بعد أن استنفذت كل الإمكانات في إنهاء الإرهاب عن طريق التحاور مع من قد يكون عاقلاً في صفوف هؤلاء ممن يقف مع الإرهابيين، فتحت عليهم فوهة الجحيم في معركة شرسة وحاسمة، والدعم الجوي من الناتو لم يأت بعد.
لقد رأينا من قبل نموذجين لمثل هذا الدعم الجوي من الولايات المتحدة وحلف الناتو؛ الأول كان في العراق حيث مهّد القصف الجوي وتدمير المنشآت العسكرية والآلة الحربية العراقية عامي 1991 و2003 لدخول العراقيين المتحالفين مع قوات الغزو؛ والثانية في ليبيا حيث ترافق القصف الجوي مع تحركات الإرهابيين تحت قيادة قوات النخبة البريطانية والفرنسية للإستيلاء على المدن. أما في سوريا فإن الدعم الجوي لم يمهد للفتنة، كما فعل في العراق، وكذلك لم تسنح له الفرصة ليترافق مع الفتنة، كما في الحالة الليبية، بل نجد أن العمود الفقري للإرهابيين يوشك على أن ينكسر ولم يتسن للناتو بعد أن يجد منفذاً لزج دعمه الجوي في الصراع لمساعدتهم.
لقد ركزت دول الناتو حتى الآن جهودها لشرعنة تقديم الدعم الجوي على المحاولات الخائبة في مجلس الأمن حيث يتصدى لها الفيتو الروسي الصيني المرة تلو الأخرى. وحيث أن الطريق في مجلس الأمن أصبح موصداً بشكل يبعث اليأس في نفوس الإرهابيين، فإن الناتو يبحث على عجل عن منافذ أخرى لتقديم هذا الدعم الجوي لثواره قبل فوات الأوان.
لقد حاول حلف الناتو من قبل، عبر التصريحات السافرة للسعودية وقطر عن الدعم المباشر للإرهابيين، استدراج سوريا إلى الرد على تلك الدول التي تساند الإرهابيين - وهو حق مشروع لسوريا، غير أن الناتو كان بالتأكيد يتهيأ للعدوان في حال ردت سوريا على قطر أو السعودية بإطلاق بعض الصواريخ عليهما مثلاً. كان ذلك سيوفر الفرصة للناتو لتحريك طائراتها بحجة الدفاع عن الحلفاء، إلا أن القيادة السورية لم تبلع مثل ذلك الطعم.
ثم حاول الناتو ابتداع لعبة وجود ونقل الأسلحة الكيمياوية من قبل الدولة السورية للمباشرة بمثل هذا العدوان الجوي، لكن يبدو أن تلميح سوريا إلى إمتلاكها الفعلي للأسلحة الكيمياوية واحتمال استخدامها في حال وقوع عدوان خارجي عليها قد شكّل عامل ردع، وكبح جماح المستهترين في قيادة حلف الناتو، فصار هذا الباب غير صالح للدخول أو التدخل أيضاً.
إن فرص التدخل المباشر للناتو تتضاءل وتصبح تدريجياً عبثية إن وقعت، خاصة مع الضربات التي وجهتها الدولة السورية للإرهابيين بعد محاولة دمشق الفاشلة بحيث صار وجودهم على الأرض السورية يتقلص. لكن هناك مأزق كبير، فالحركة الإرهابية في سوريا ستندحر بشكل مأساوي إن لم يصل المدد الناتوي على الفور .. وستكون الهزيمة النهائية للإرهابيين في سوريا منعطفاً خطيراً في كل الأحداث الجارية في الشرق الأوسط. إن الولايات المتحدة وحلف الناتو يبحثان عن حل بديل وسريع للتدخل المباشر ينقذ الوضع الحرج الذي تورطوا فيه.
العدوان الإسرائيلي وارد تماماً، لكنه "آخر الدواء" كما يمكن أن يقال لأن الجميع يدرك أن ثمن العدوان الإسرائيلي المباشر سيكون باهضاً جداً، وستذوق إسرائيل ويلات لا تريد حتى أن تتخيلها. أما البديل الذي قد لا يجر الويلات على إسرائيل فيكون في توريط دولة من دول الجوار مباشرة في الصراع بحيث يدخل سلاحها الجوي المدعوم من الناتو على خط الصراع في سوريا.
وهنا لا يمكن التفكير إلا بتركيا والأردن. إن كلتا الدولتين حاضرتان في الصراع في سوريا وبكل قوة، غير أنهما تختلفان في تهيئهما للانجرار المباشر إلى الصراع، فتركيا، رغم كونها عضواً في حلف الناتو، لديها إعتبارات وحسابات كثيرة تجعلها تحجم عن التورط المباشر.
إن الجار الوحيد لسوريا والذي يبدو أن قدره هو أن يكون كبش الفداء لمصالح الناتوً، وأصبح قاب قوسين أو أدنى من الإنزلاق إلى الصراع، هو الأردن الذي يمثل أصلاً ومنذ زمن بعيد أحد ممرات الإرهابيين والسلاح إلى سوريا، خاصة من السعودية، وبات يشكل مأوى لهم وساحة تدريب.
والأردن اليوم واقع بين المطرقة والسندان، ففي الداخل حركة قوية للإخوان المسلمين المتحمسين للمشاركة في ثورات حلف الناتو، إن ليس في بلدهم فعلى الأقل في البلدان المجاورة، وفي الخارج ضغط أمريكي وإسرائيلي وخليجي عليه للدخول في حلبة الصراع نيابة عنهم، أو كمنفذ لدخولهم هم. إن ملك الأردن أضعف من أن يستطيع مقاومة هذه الضغوط، خاصة أن المساعدات الخليجية تشكل عصب الاقتصاد الأردني، ناهيك عن كون ملك الأردن أصلاً بيدقاً أمريكياً تحركه متى ما تشاء.
نعم، محاولات الناتو للخروج من المأزق السوري تؤشر بشكل واضح باتجاه توريط الأردن في الصراع. ربما يكون ذلك حل اللحظة الأخيرة الذي يدخل الفرح والحبور في قلوب الإرهابيين وطواغيت الخليج. وقد تكون طائرات حلف الناتو قد جرى تمويه مظهرها بحيث تبدو كطائرات سلاح الجو الملكي الأردني وهي تنطلق من قواعد في الأردن وفي شمال السعودية.
لكن لا ينبغي لأحد من المعتدين على سوريا أن يتفاءل خيراً بذلك، بل عليهم أن ينظروا إلى الأردن باعتباره مفتاح بوابة الجحيم الذي ستنزلق عبره بلدان الخليج كلها إلى دائرة الصراع المباشر، بعد هذه الفترة الطويلة من السلامة. فما تجنبته الدوحة والرياض على مدى الأشهر الماضية ستتلقيانه حين يصبح الأردن امتداداً لساحة الصراع في سوريا.
الأردن وقف حتى الآن حاجزاً بين سوريا والسعودية، يسمح بالانتقال في اتجاه واحد، لكن دخوله المباشر في الصراع سيؤدي إضافة إلى خراب الأردن نفسه - إذ من المستحيل على الملك البيدق ضبط وضع بلده بعد ذلك، إلى شيء أبعد من ذلك، إلى السماح بالحركة بالإتجاهين؛ فاهتزاز الوضع في الأردن ستكون من أبرز عواقبه تقريب سوريا من السعودية بحيث تكون لسوريا حدود مشتركة مع السعودية! وحينها لن تحتاج سوريا إلى الرد على السعودية بضرب الرياض بالصواريخ ..!
http://www.arabtimes.com/portal/arti...rticleID=27920
المفضلات