السلام عليكم ..

ينقل لنا الكاتب صورة اعتبرها متوازنة للخليفة الثاني عمر بن الخطاب ... متوازنة بحيث انه لا يتطرف في ذمها و لا مدحها انما اراد دراستها دراسة موضوعية ... فكان المقال في جله انتقادا موضوعيا لسيرة الخليفة الثاني ...
برأيي ان الكاتب وفق لهذا الامر و انه نجح في الاقتراب من حقيقة شخصية الخليفة الثاني ... و هذا ما يفتقده العديد من السنة و الشيعة ... فالسنة يبالغون في مدحه الى درجة انهم البسوه لباس العصمة الا قليلا ... و الشيعة يبالغون في ذمه فيجعلونه شيطانا امرد و وحش كاسر لا يعرف الا منطق القسوة ... و كلا الصورتين تبتعد عن الطباع الانسانية للشخصيات الجدلية في التاريخ ... فهتلر و ان كان ظالما متمردا حاز رضا الشعب الجرماني بمجمله لانه استطاع ان يخاطبهم من خلال تعصباتهم و عقدهم ... موسيليني ضرب على وتر الطليان الوطني و مناهم بالامبراطورية الرومانية و امجادها ... فكان ان غاب وعي الطليان و الجرمان عن حقيقة ظلم هاتين الشخصيتين...

و هكذا علينا ان نقرأ الحالة الطاغوتية من خلال جدليتها و تناقضها ...
و من خلال هكذا دراسة يجد الانسان القيمة الحقيقية للشخصية الرسالية المناضلة ضد هذا الطاغوت ... كموسى حين نصر الله به المستضعفين في مقابل فرعون الذي استضعفهم و استكبر عليهم ... فلا عجب ان يعشق المستضعفون عليا عليه السلام و يبغضه المستكبرون ... فاصحاب المصلحة الشخصية لا يستسلمون للعدل ... اما صاحب العدل لا يحيد عنه و ان كان فيه قطع يده ... و لو ان عليا اغدق نعيم الدنيا على المنافق على ان يحبه لما احبه ... لان المنافق يعيش الظلم في ابعاد شخصيته و يجد مصلحته فيها و لا يتورع عنه و ان كان في ذلك غضب الله ... اما المؤمن الذي يعيش العدل في وجوده ... فيبتعد عن الظلم و لو كان فيه ضرره ... و يقترب من العدل و ان كان فيه هلاكه ...
ليس الامر امرا تكوينيا يولد الانسان به ... لكنها سجية الانسان في تعامله مع نفسه و الاخرين ... سجية بنيت على قرارات اساسية اتخذها هذا الانسان في حياته ... و هذه هي جدلية المبدأ و المصلحة ... أيهما يتغلب على الاخر ...

كان عليا عليه السلام يأسى لفقراء المدينة ... و كان غيره يأنس باموال اكتنزوها و شهوات سلبوها ... لذا كان حب الناس لعلي عليه السلام و حبه لهم امرا في غاية الانسانية ... و كان حب هؤلاء لانفسهم و شهواتهم و تعصباتهم امرا في غاية الحيوانية ... و كان هذا التناقض بينهم و بين علي بن ابي طالب عليه السلام مدعاة لتظاهرهم عليه ... و كان في عدله عليه السلام يمثل الانسانية بكل ما تحملها كلمة الانسانية من رقة و رحمة و عطف و حنان .. كان علي عليه السلام المبدأ بينما مناوؤوه كانوا المصلحة ...
عليا عليه السلام ترك وراؤه بضع دراهم ... و غيره ترك الالاف المؤلفة ... ادخر عليا عليه السلام التقوى ... و ادخر غيره السحت ... اكتفى عليا بقليل الدنيا لكثير الاخرة ... و اكتفى غيره بجحيم الاخرة و حطام الدنيا ...

ما هو هذا الانسان الذي كلما اعتقدت اني عرفت سر عظمته تجلى لي جانب من شخصيته يحوي ما هو اعظم ... حار في وصفه لساني ... و ضاع في ثنائه عقلي ...
لك الله يا ابا الحسن ما عرفك قومك و ما عرفك الناس و قد كنت فيهم كأحدهم و قلبك معلق بصدى التسبيح الاعلى ... سيذكر من يخشى .. و يتجنبها الاشقى ... الذي يصلى النار الكبرى ...