هذا اول الغيث كما وعدتكم

مناهـج المنهـزمين

يقول الباري عز وجل في كتابه الكريم «وتلك الايام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين» (آل عمران: 140). ان الله جعل لحياة الانسان سننا وقوانين طبيعية تتعلق بالاسباب والنتائج ، وضرب بالأمم السابقة امثالا لكي يعتبر الانسان منها ولا يعتقد بأنه مخلد بالموقع القيادي الذي يعتليه في فترة من الزمن، فإن السقوط والتفوق محكوم بالاسباب والاداء، اذ يقول تعالى «فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره».
ولكن الانسان بطبيعته لا يتحمل هذه السنن الإلهية وان قبلها في النص ولكنه عادة ما يتناقض معها في الواقع والعمل الميداني خصوصا في اجواء الانحسار والتراجع والسقوط التي تصيب المجاميع والقوى العاملة في الساحة السياسية, وعندما تأتي هذه الهزائم بعد مرحلة من المكاسب التي ترافقها حالة من الغرور والكبرياء فإنها تلجأ بالبحث عن التبريرات الواهية والاسباب الزائفة في تعليل فشلها وسقوطها.
إن الكتل السياسية في الامم المتقدمة والحضارية عندما تتعرض الى انتكاسة او فشل في مرحلة من حياتها فإنها تعقد المؤتمرات والدراسات من اجل البحث عن نقاط الضعف والاسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا الفشل، وبالنتيجة تضع الحلول الموضوعية والحقيقية لمشاكلها من اجل الخروج من هذه المرحلة, وهذا ما يميز بلادنا المتخلفة عن الامم المتحضرة، ولكن في بلادنا غير المتحضرة عندما تتعرض احدى القوى السياسية الى الهزيمة في جولة من الجولات السياسية او الاجتماعية، فبدلا من البحث عن حقيقة هزيمتها وانحسار نفوذها واهتزاز البنية الداخلية فيها من خلال وسائل حضارية، فإن أول خطوة تلجأ اليها هي اتهام الاخرين والمنافسين لها بأنهم جزء من مؤامرة كبرى حيكت عليها مع قوى نافذة وحكومية وبدعم وتأييد من اطراف خارجية، بل بسبب العقلية الفردية والاحادية التي تلف هذه القوى فإن التقليل والرأي في تشخيص اسباب الهزيمة ينحسر في رأي واحد من القيادة فقط لا غير والذي يحكم بأن سقوطنا هو بسبب اتفاق العملاء والخونة والمنافقين من اعدائنا الذين تحالفوا لاسقاط هذه الفئة المؤمنة، ولكي تخفي هذه القوى الهزائم التي تكبدتها فإنها تلجأ الى اضفاء هالة من القدسية والنزاهة على الذات، وفي المقابل تشن هجوما قاسيا على الاخرين للتشهير وتشويه صورة منافسيها على أنهم وراء كل عمل مشبوه وتلجأ الى ارتكاب كل محرم قانونا وشرعا كالتزوير والتلاعب بالكشوف والبيانات, كل هذه التهم والتلاعب بأوراق زائفة لا تعالج مشاكل القوى المهزومة مما سعت وحاولت التستر وراء تضخيم بعض القضايا الحساسة في الساحة واستثمارها استثمارا سياسيا لاسقاط المنافسين لها بالساحة، وليس ذلك من شيم الرجال واصحاب المبادئ في سوء استغلال القضايا الخلافية من اجل التكسب السياسي وخلط الاوراق لضرب الشرفاء من ابناء الوطن، فإن المبادئ والشهامة هي في التحكم بالذات حتى في مقابل جرائم بحجم التعامل مع جهات اجنبية في وضح النهار وعدم استغلالها للتكسب السياسي, إن مناهج المكابرة وسوء استغلال الظروف الذي يتبعه المنهزمون في تبرير هزيمتهم سيعريهم اكثر في عيون قواعدهم وفي الساحة الجماهيرية ويبعدهم اكثر عن مستوى المنافسة في حال اصرارهم على التعامل والتنافس السلبي مع المنافسين, والطريق السليم للخروج من هذه الازمة هي من خلال العودة الى التحليل العقلاني في تحليل القضايا وبشكل موضوعي والبحث عن الاسباب الحقيقية التي ساقتهم الى هذا الوادي والتي تشكل ثمرة كل كيان يبني وجوده على أساس الفردية المطلقة في القرار والغاء الاخر والسعي المتفرد في الساحة.
كاتب ومهندس كويتي

هذا رابط المقال
http://www.alraialaam.com/06-12-2004/ie5/articles.htm#1