مروان القصّار يحنّ إلى العراق ويرغب في العودة إليه رغم احتجازه 39 يوماً:
من خطفوني بشر وليسوا وحوشاً ويدافعون عن وطنهم انطلاقاً من الدين والشريعة


بيروت ـ من دارين الحلوي:

كان هدوؤه غريباً، والاغرب رغبته في العودة الى العراق بعد خطف استمر 39 يوماً, مروان القصّار المهندس في شركة «الجبيلي» اللبنانية خطف وزميله محمد جودت حسين في الخامس والعشرين من سبتمبر الماضي في اثناء توجههما الى العراق من طريق الاردن، وذلك بناء على طلب الشركة العراقية «قصواء» التي يملكها محمد العبيدي بهدف تدريب الكادر البشري فيها.
لم يعد القصار الى لبنان سليماً، فقد اصيب بالتهاب في المرارة اضطره الى إجراء جراحة، ما أخر لقاءنا اياه, وبعد خروجه من المستشفى زارته «الرأي العام» في منزله في منطقة برج ابي حيدر (غرب بيروت)، واستهل روايته بالقول:

«في 25/9/2004 توجهنا الى العراق بدعوة من شركة «قصواء» العراقية, وتم الاتفاق على ان تلاقينا سيارتان تابعتان لها، وبالفعل وجدنا اربعة مسلحين بانتظارنا، وكان بصحبتهم فتاتان اندونيسيتان عرفنا لاحقاً انهما قدمتا للعمل كخادمتين لدى صاحب الشركة محمد العبيدي, سار الموكب في اتجاه مدينة الرمادي, وفي الطريق، مررنا بحاجز جيش عراقي لم يوقفنا، وفوجئنا بحاجز آخر يطلق النار على الموكب في شكل عشوائي ما دفع السائق الى الالتفاف والعودة الى الخلف محاولاً الهرب، فلحقوا بنا وأوقفوا السيارة واعتقلوا كل من فيها, ثم وضعونا في صناديق سياراتهم وأخذونا الى منطقة قريبة حيث تم إبدال السيارات، ونقلونا مجدداً الى الفلوجة، كما أخبرونا».

وصلوا الى منزل مسور يملأه مسلحون ملثمون، بخلاف الخاطفين الذين كانوا مكشوفين, هناك، أدخلوا غرفة صغيرة وأجلسوا على ركبهم وجلدوا على القسم الاعلى من ظهورهم بأسلاك وكابلات كهرباء.
واضاف مروان: «استمرت حفلة التعذيب ساعة علمنا بعدها من الخاطفين ان الاندونيسيتين تتعاملان مع «الموساد» الاسرائيلي بالتعاون مع لبنانيين, واعتقدوا ان اجهزة الكومبيوتر التي في حوزتنا هي اجهزة اتصال وتنصت, وبعدما تأكدوا ان الفتاتين ليستا سوى خادمتين اصبحت التهمة الموجهة الى اللبنانيين التعامل مع الاميركيين».

التحقيق
أدخل القصار غرفة التحقيق وكان المحقق اسمر ملتحياً ويحمل سلاحاً, طلب من مروان الاجابة بصدق عن الاسئلة الموجهة اليه لئلا يقطع رأسه, وفي اثناء التحقيق، كان يدخل مسلحون بسيوف وسكاكين في محاولة لإرهاب المخطوف, الا ان هذه الضغوط لم تؤثر على القصار الذي يقول عن ذلك: «كان ايماني بالله يهدئ من روعي، حتى اني عندما هددت بالقتل اجبت انها إرادة الله», وأضاف:

«بعدما سجلوا أقوالنا، ادخلونا غرفة لتصويرنا لثلاث دقائق تمهيداً لإرسال التحقيق والشهادات الى المحكمة الشرعية التابعة لهم من اجل إصدار الحكم, بعد ذلك، اجبرونا على الاعتراف بأننا نعمل في شركة «الجبيلي» التي تتعامل مع الاميركيين وبأن نطالبها بدفع فدية مليون دولار، لكنهم اخبرونا فيما بعد انهم يريدون فقط خمسين الفاً, وفي انتظار صدور حكم محكمتهم، بقينا خمسة ايام في غرفة لا تتعدى مساحتها 12 متراً مربعاً بابها حديد وفيها شباك صغير يدخل منه النور، وكان معنا ستة آخرون، ثم صدر الحكم الذي اقر فيه ثلاثة من القضاة بتغريم الشركة, وبعد ذلك تحسنت معاملة الخاطفين حتى انهم كانوا يطمئنوننا ويعدوننا بالحرية عند انتهاء المفاوضات مع الشركة وسداد المبلغ المطلوب».

ايام عاديّة
خلال 34 يوماً صارت حياتهم اشبه بالعادية, يتناولون ثلاث وجبات تتنوع بين الجبنة والقشدة والزيتون والشاي صباحاً، والارز مع اللحم او الدجاج ظهراً ومساءً، «باستثناء الايام التي يشتد فيها القصف الاميركي على الفلوجة، اذ كان الخاطفون يحضرون الحبوب والخضر ويعده المخطوفون في المطبخ», وحتى في رمضان، كانوا يوقظونهم للعشاء والسحور ولم تخل الوجبات من بعض انواع الفواكه, وفي موازاة ذلك كانوا يتحركون بسهولة، فيدخلون المرحاض عند الحاجة ويستحمون كل يومين ويقول مروان:

«لم نكن نشعر بأننا معتقلون، كان افراد المجموعة يدخلون الغرفة فنناقشهم, حتى انهم كانوا ينصحوننا ويرشدوننا الى احكام الشريعة، وكنا نصلي معاً احياناً», وعزا هذه المعاملة الحسنة الى «ايمانهم بالله وتطبيقهم أحكام الدين» حسب قوله.

واضاف: «قبل مغادرتنا اعطونا الاغراض التي صادروها منا اثناء الاعتقال، وسألونا هل ينقصها شيء ما, وعندما سألتهم عن ساعتي التي فقدتها، اعطاني احدهم خمسين دولاراً بدلاً منها, لكنهم احتفظوا بكل ما يعود للشركة من اغراض ومعدات».

امضى المحتجزون الفترة الاخيرة من خطفهم في انتظار انتهاء المفاوضات، وعلم القصار ان وسيطاً عراقياً تدخل, لكن الانباء تضاربت ورغم ذلك وقال: «لم نتأثر بما يحصل وكنت على يقين ان موعد العودة الى لبنان اقترب, وعند الثانية بعد ظهر الاربعاء 3/11/2004، حضر شيخ احدى العشائر الى الموقع لنقلنا منه، فودعنا أفراد المجموعة وانتقلنا معه الى حدود الفلوجة معصوبي الاعين، ثم توجهنا معه الى بغداد حيث تناولنا الإفطار وأمضينا الليلة في منزل احد معارفه, وفي الصباح، نقلتنا سيارة الى مطار العاصمة، حيث استقللنا طائرة مدنية الى مطار دمشق الدولي حيث استقبلنا مسؤولون في شركتنا، ومنه الى لبنان».

لم يبدُ مروان خائفاً او حزيناً لتجربته، كانت ردود فعله عادية, لم ينفعل ودافع احياناً عن خاطفيه، بحجة انهم «ملزمون بحكم الشريعة والدين، الدفاع عن بلدهم والشهادة في سبيله، وقد يستفيدون لابتزاز الشركات وتغريمها من اجل شراء الاسلحة» حسب ما قال.

وأليس غريباً ان يتحدث عنهم على هذا النحو في حين انهم قد يكونون هم انفسهم من يظهرون على شاشات التلفزة وهم يذبحون الرهائن، اجاب مبتسماً: «نحن اللبنانيين ايضاً اعتبرونا ارهابيين عندما كنا ندافع عن الجنوب ونحارب جيش الاحتلال», وأضاف مدافعاً: «انهم بشر مثلنا وليسوا وحوشاً, لقد اصيب احد المخطوفين بالتهاب في الزائدة فنقلوه الى المستشفى وأجروا له جراحة ثم أعادوه الى منزله».

مروان يحنّ الى العراق دائماً وسيعود اليه اذا طلبت منه الشركة ذلك ولا يخشى ان يخطف مجدداً.