كم هو كبير هذا الأغراء الذي تقدمه المناصب الرئاسية والوزارية السيادية منها والخدمية وحتى الأدنى منها ، انه الأغراء الذي لا يقاومه أحد وأضعفهم طبعاً .. السياسي .. أما لماذا هو أضعفهم ؟ فذلك لكون الوطنية قد انتزعت منه كما تنتزع الروح من الجسد ولكون العراق خلال السبع سنوات الماضية أصبح ساحة لتنفيذ الرغبات وتحقيق الأمان العراض في الحصول على كل أنواع المنافع التي توفرها المنصب والكثير منهم قد ذاق حلاوة "البلوكات" الحمر منها والخضر التي يتقاضها ، والمئآت من حاشيته ، بعد طول حرمان أمام إداء سياسي وحكومي لا يصل في درجته الى مستوى الطموح الشعبي لأبناء العراق .

بعد كل الدمار الذي حصل للعراق والتضحيات التي قدمها العراقيون والتي لا توصف والتشرد وما زال الإحتلال جاثم على صدورنا, الثمرة الوحيدة الشائكة الباقية بيد العراقيين هو العملية السياسية البرلمانية وأملنا في إستمرار تداول السلطة لعله نصل إلى بر الأمان. وهناك من يريد سحب هذا المكسب الوحيد منّا! وذلك بتشويه صورة الديمقراطية للعرب. وللعرب فقط حتى يبقوا في سباتهم والأنظمة على رقابهم ولا نزول عن الكرسي الاّ بالموت.
لكثير من الكتل السياسية كانت لها مواقف متشددة على شخصيات معينة وترفض رفضاً مطلقاً وقاطعاً ونهائياً وحاسماً وبلا رجعة ، في المشاركة في حكومة تشكلها كتلة أخرى وعندما أزفت ساعة الأعتراضات وانزوى المتحدثين الأعلاميين الى المقاعد الخلفية ليشغل السياسيون "الكبار" كل شاشات العرض ولتبان بعد أتضاح صورة الحكومة بتشكيلتها التي ستخوض بها الى المبارات النهائية

إياكم أن تُفشلوا الديمقراطية والعملية السياسية في العراق وأن تخذلوا الجمهور الذي إختاركم وينتظر منكم القرار والعمل والصبر له حدود. إن التأخر في تشكيل حكومة عراقية أشهر بعد نتائج الإنتخابات دليل واضح على أن الحكم الدستوري تحول إلى صراع على السلطة بين قيادات الكتل والتمسك بالكراسي ونتمنى أن تكون لديهم الشجاعة للتنازل والمساهمة في تداول السلطة وبها يزداد إحترامهم ومكانتهم.

إن القيادات السياسية المتأثرة بثقافة النظام السلطوي يتحمل المسؤولية الأكبر في عدم التفاهم لأجل الوطن وهؤلاء لايستحقون ثقة الشعب الذي إنتخب بإلتزام وطني رغم محدوديةً الخيارات المفروضة عليه. ثم التدخل الإقليمي الذي لا يريد نجاح العملية السياسية الديمقراطية في العراق وما قد يشكل ذلك من تداعيات وخطر عليها. أما السبب الأساسي للتأخير فهو التقسيم والفرقة الذي فرضه الإحتلال ويعمل بإصرار على إبقاء الخلافات! بالرغم من إدعائاته وتصريحاته بلم الشمل العراقي.

اذن سقط القناع عن المحتل وعن عمليته السياسية وافتضحت اكاذيبه عن العراق الديمقراطي وعن وعوده بان يفيض على العراقيين اللبن والعسل وان يكون بلدهم منارة للديمقراطية. ولا نجازف ابدا في القول بان الحكومة ومناصبها ستوزع بصرف النظر عن الاسماء والالقاب على الطوائف كما جرى توزيعها في السابق منذ تشكيل مجلس الحكم المقبور حيث سيكون منصب رئيس الوزراء للشيعة ومنصب رئيس الجمهورية ورئاسة المجلس للسنة ويشترط ان يكون احدهم كرديا والاخر عربيا. وعلى هذه القواعد والاسس ذاتها ستوزع الوزارات والمناصب الاخرى. ومن الطريف فان التحالف الكردستاني قد وضع من بين مطالبه الـ 19 مطلبا ان يكون منصب الامين العام لمجلس الوزراء من نصيبهم.
ليس هناك ما يدعو للاستغراب اطلاقا ، فامريكا لم تات الى العراق لبناء نظام ديمقراطي يخدم العراق واهله. فالمحتل عبر تاريخه الاسود، وبصرف النظر عن جنسيته والدولة التي ينتمي اليها، لم يجلب للبلد المحتل سوى الدمار والخراب. والعراق خير نموذج على ذلك. فما حدث له ولاهله لا يحتاج الى شهود او ادلة، فهو موثق بالصوت والصورة وتم عرضه على الملأ وفي وضح النار. اما على ارض الواقع فقد اقامت امريكا نظاما في العراق يتعاكس تماما ومبادىء النظم الديمقراطية في كل انحاء العالم، حيث استند على اسس المحاصصة الطائفية والعرقية سواء في الحكومة أو البرلمان وقد تمت شرعنة ذلك بما يسمى بالدستور الدائم الذي كتبه الامريكي الجنسية واليهودي الصهيوني الانتماء نوح فلدمان. حيث الولاء في هذا البناء يكون للطائفة او العرق او الدين، في حين يكون الولاء في النظام الديمقراطي للوطن وعلى اساس الكفاءة والاخلاص والنزاهة الخ..
بالمقابل وعلى الجهة الاخرى. فالعملية السياسية بكل مكوناتها من انتخابات وحكومة وبرلمان ودستور، قد جرى تصميمها بطريقة لا تسمح اطلاقا للقادمين الجدد على تغيير قواعدها التي استندت اليها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فان تعديل المواد الواردة في الدستور فيما يخص مسألة الاقاليم وكذلك نزع هوية العراق العربية، يعد امرا اشبه بالمستحيل . فما يسمى بالدستور الدائم فانه يمنع في مادته 123 اي تعديل لاي مادة وردت في ‘الباب الاول - المباديء الاساسية’ والتي تنص على: ‘لا يجوز تعديل المبادىء الاساسية الواردة في الباب الاول الا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين وبناء على موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب عليه وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة ايام’. ومعلوم ان المادة الاولى والثالثة التي قسمت العراق ونزعت عروبته تدخل في هذا الباب . ومع ذلك وفي حال تم الاتفاق على اي تعديل فبامكان ثلاث محافظات الغاء هذا التعديل اذا صوت ثلثا سكانها على ذلك. وبالتالي فالاحزاب الكردية مثلا، والتي تسيطر على ثلاث محافظات اربيل والسليمانية ودهوك، قادرة على نسف اي تعديل يضر بمصالحها العنصرية او الانفصالية. خصوصا تعديل المادة 118 من الدستور التي تعطي الحق لكل محافظة بان تتصرف كدولة مستقلة

أن الثبات السياسي المبدئي على منهاج الحزب أو الكتلة أمام مغريات الحكومة أصبح أمراً مبهماً إزاء كل تلك التغيرات التي طرأت خلال سبعة أيام فبين آذار وتشرين الثاني 2010 كانت هناك معارك سياسية كبيرة لم تظهرها شاشات التلفاز ولم يحدثونا عنها المتحدثين الأعلاميين ، والسبب في عدم الثبات هو أن الانتماء لتلك الكتل لم يكن بالمبدئية المعروفة في كل أحزاب العالم أنها المبدئية المهزوزة التي أخترعها الساسة العراقيون في القرن الواحد والعشرين .. كما أن ضعف الثقافة السياسية لهم دفعتهم للاهتزاز بشدة أمام المناصب وهذا خلل كبير يعتري العملية السياسية في البلاد علينا أن نجد الحل له .

الغريب أننا لم نتعلم الدروس عندما كنّا الضحية وكنا نشكوا أن الأمور ليست بيد أهلها. أما اليوم فخيبة أمل أكبر حيث نجد صراعاً على السلطة بين قيادات عدد من الكتل التي كنا نرجوا أن تفتخر بعراقيتها وبشعبها لا ضعفها بإرتباطاتها المشبوهة والمادية وجميعها دون إستثناء لا تعكس إدعاءاتها الوطنية ولو صدقت إحداها لإنسحبت من العملية السياسية الحالية! الرجاء إعملوا بإسناد الأمور إلى أهلها قبل أن يكون مصيركم مصير من سبقوكم والذين كنتم تشكون منه.

العراق محتل ومدمر كليا والمسؤولية كبيرة كبيرة جداً ويحتاج الى أهل العزائم ومن هم أهلا لإعادة الإصلاح والبناء والإعمار وإعادة مكانة العراق في العالم, أين الغيرة العراقية وأين وصلت؟ العراق بحاجة الى بناة ومصلحون لا قيادات تتصارع على كراسي. هل تعلمون أن العراق لو إستلمها شخص أمّي مخلص لأنجز أكثر مما أنجزتم في السنين الماضية لأن إنجاز أي شيء في هذا البلد المدمرسيكون إنجازاً كبيراً نسبياً, في الحقيقة لم ينجز شيء ملموس سوى ضمان ألإمتيازات والمخصصات العالية لأعضاء الحكومة والتي لا تتناسب وحال العراق والمواطن العادي وهذا معيب للمسؤول الذي يعلم أن هناك مواطنون لايجدوا مياه الشرب.

إن المرتبات العالية جداً قد يتماشى مع دول عامرة رأسمالية متقدمة ذات رفاه وإستقرار حصل بجهود وإنجازات مسؤوليها ولكن بالتأكيد غير لائق بالعراق المدمر ولعله يتناسب فقط وحجم الدمار ونزف الدم في البلد. لم يكن ذلك إلاّ إسفين وأداة خلاف إقترحه المحتل ليضعف المسؤول أمام المواطن ولغم قد يفجر عند اللزوم.

هل نعلم أن المحتل الذي أعدّ وأكمل التدمير لا يريد التوافق وهومسؤول عن كل ما يجري وحصل ومن مصلحته ترسيخ الطائفية وكل أشكال التفرقة والخلاف واستمرار التدمير. لم تكن الطائفة أو القومية ولا الدين يفرق العراقيين أو يميزهم

مع وصول تلك المسرحية الممتعة المحزنة الى فصولها الأخيرة والبدء في عرض المشهد الأخير منها ندعوا الله أن يلقي عليكم أمنه وأمانه وأن يغرس فيكم كل نبت طيب يحبه شعبكم أولاً لا ذلك الذي يحبه الآخرون .. وأبعدوا عن مناضدكم كل الأجندات التي حاولت دفعكم بكل الطرق واتركوا عليها أجندة واحدة هي أجندة الوطن وتقويم المستقبل المحفوف بآمال كل فرد من أبناء شعبكم الصابر .. وتناسوا ما حدث وأطووا الصفحة الغابرة وأفتحوا صفحة جديدة بيضاء أكتبوا عليها كلكم بقلم واحد " معنا فداء للوطن " معاً فداءاً لشعب العراق .
.