هند بنت المهلّب بن أبي ُصفرة الأزديّة البصريّة ...

أبوها قائد الكتائب، الأمير، البطل، المهلّب بن أبي صفرة، حدّث عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وسمرة بن جندب وابن عمر وكان المهلّب شجاعا، فاضلا، عاقلا، توفي غازيا.

أما هند فعرفت برجاحة العقل وبعد الهمّة كما اشتهرت بفصاحة نادرة وبلاغة واضحة وحكمة هادفة وكمال أدب وحسن خصال ومروءة فقد كانت هند أشهر نساء عصرها ذات ذكاء حاد، شاعرة، ذات حضور، بنت حسب ونسب، وطلعة بهية وجمال أخاذ، بالإضافة إلى ما حباها الله من ذوق وفهم بليغ تتذوق الشعر.

وقد تزوجها الحجاج بن يوسف الثقفي وطلّقها وكانت لها معه أخبار.

ففي عهد عبدالملك بن مروان، الذي كان يواجه متاعب في حكم العراق نظرا لولاء أهلها لأهل البيت أعجزت من حكمها من رجال الأمويين مما حدا الخليفة إلى تعيين الحجاج وعندما وصل إلى العراق دعا القوم وقال:

أنا ابن جلا وطلاّع الثنايا

متى أضع العمامة تعرفوني

يا أهل العراق.. يا نبع الشقاق والنفاق.. إني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها.


شهور قليلة واستتب له الأمر، وذاع صيته بأنه شديد المراس، وأصبح تهابه العامة والخاصة، وجاء من نصحه قائلا: لماذا لا تتزوج من أهل العراق لتقوي صلة الرحم بينك وبينهم عسى أن تكون لك مودة ومحبة، ورشح له هند بنت المهلب من سادة البصرة لذكائها وعلمها، فأرسل يخطبها فترددت لعدم معرفتها به، قدم لها مهرا لم تسمع به العرب من قبل، وعندما تأخرت بالقبول عرض عليها 200 ألف دينار عربي مؤخرا لصداقها.. فوافقت دون أن تعرف شكله ولكن حبّا بسمعته.

وبعد الزواج شعرت بأنها لم تحسن الاختيار، حيث تزوجت رجلا دميما، شديد المراس، ولما لم تحمل منه بعد مرور عام على الزواج أخذها سرا إلى إحدى طبيبات العرب ذات خبرة ودراية.. ولما دخلت عليها سألتها العجوز من تكون التي تريد أن تحمل؟ أجابتها هند:

وما هند إلا مهرة عربية

سليلة أفراس تجللَّها بغل

فان ولدت فحلاً فلله درها

وان ولدت بغلاً فجاء به البغل


سمع الحجاج ذلك، وساءه ما سمع وانصرف راجعا وأرسل لها مع احد أعوانه مائتي ألف دينار، وقال له طلقها بكلمتين: كنتِ فبنتِ.. وهذا مالك، فردت عليه شاكرة وقالت: كنا فما حمدنا وبنا فما ندمنا.

فيا بشير الخير.. هذه المائتا ألف بشارة لك ومن معك على خلاصي من كل بني ثقيف.

وقيل ان الخليفة عبدالملك بن مروان أعجب بذكائها وفتنه شوقا جمالها، فبعث لها برسالة يخطبها لنفسه، وردت عليه وقالت:

لقد نقض وضوئي كلب فلست بطاهرة

ففهم الخليفة قصدها، وعرف مرادها.. فأجابها: توضئي واغسلي سبع مرات إحداها بالتراب فسيكون الإناء طاهرا بإذن الله فاشترطت هند بنت المهلب على ملك بني أمية أن يقود هودجها الحجاج بنفسه إلى عاصمة الشام بعد أن قالت له: لقد اغتسلت فطهرت وهكذا أمر الخليفة عبدالملك عامله الحجاج أن يقود هودج بنت المهلب بنفسه إلى دمشق، وكان له السمع والطاعة بعد أن كظم غيظه وبعد أن دخل الهودج دمشق جاء الحجاج ليقول لها لم يبق على قصر الخليفة إلا ساعة، وإذا كانت تريد أن تستريح قبل الوصول إلى القصر أم يكمل السير؟

وفي هذه الأثناء كانت تضحك مع جاريتها، ورمت دينارا على الأرض وعندما جاء الحجاج قالت له: لقد سقط مني درهم ابحثوا عنه، فلم يجد الدرهم ولكنه وجد الدينار، وقال لها يا بنت المهلب لم نجد الدرهم ولكن وجدنا دينارا فقالت: الحمد لله أضعنا درهما وانعم الله علينا دينارا.

فقال:


فان تضحكي مني فيا طول ليلة
تركتك فيها كالقباء تبكين

فختمت بقولها:

فالمال مكتسب والعز مرتجع
إذا النفوس وقاها الله من عطب



ولهند موقف مع عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، يدل على وفرة عقلها وتمكّنها من البلاغة المقرونة بالحجّة اللطيفة، حدّث ابن عساكر فقال: قدمت هند بنت المهلب على عمر بن عبد العزيز رحمه الله، بخناصرة، وكان قد حبس أخاها يزيد فقالت له: يا أمير المؤمنين علام حبست أخي؟ قال: تخوّفت أن يشقّ عصا المسلمين، فقالت له: فالعقوبة بعد الذنب أو قبل الذنب؟


قال التابعي الفقيه أيوب السختياني- رحمه الله-: ما رأيت امرأة أعقل من هند بنت المهلب. حدثت هند عن أبيها- وكان أحد رواة الحديث- كما حدثت عن الحسن البصري وغيرهما.

ودخل زياد القرشي عليها، فرأى في يدها مغزلاً فقال لها: أتغزلين وأنت امرأة أمير؟ فقالت: سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أطولكنّ طاقة أعظمكنّ أجراً وهو يطرد الشيطان ويذهب بحديث النفس».


وقيل أن مسلمة بن عبدالملك أرسلإلى هند يخطبها على نفسه، فقالت لرسوله: «والله لو أحيا من قتل من أهل بيتي ومواليّ، ما طابت نفسي بتزويجه، بل كيف يأمنني على نفسه، وأنا أذكر ما كان منه، ثأري عنده.


وحدّثت أم عبدالله فقالت: كنت أدخل علي هند، وهي تسبّح بحبّات اللؤلؤ، فإذا فرغت من تسبيحها ألقته إلينا فقالت: اقتسمنه بينكنّ. «229».


لها أقوال مأثورة في الحكمة وكانت مشهورة بالذكاء والفطنة والعقل.


ومن أقوالها:


"ما رأيت لصالحي النساء وشرارهن خيراً من إلحاقهن بمن يسكنَّ إليه من الرجال، ولرب مسكون إليه غير طائل والسكن على كلّ حالٍ أوْفق" [روضة المحبين]



ومن أبداع أقوالها وأجملها عن المرأة قولها: شيئان لا تؤمن المرأة عليهما: الرجال والطيب، وهذه القاعدة المبنية على الحكمة، لا تخرج عن محور الدين، فالدين حرّم الاختلاط، كما حرّم الطيب على المرأة إن أرادت الخروج.


وتقول أيضا: رأيت صلاح الحرّة إلفها، وفسادها بحدّتها، وإنما يجمع ذلك ويفرّقه التوفيق.


وقولها حين ُذكرت إمرأة بجمال فقالت : ما تحلّين النساء بحلية عليهن من لبّ ظاهر، تحته أدب كامل.

ومن فرائد قولها في حثّها على الشكر لأنعم الله عزّ وجلّ، قولها: إذا رأيتم النعم مستدرة، فبادروها بتعجيل الشكر قبل حلول الزوال.

ذكر ابن عبدربه في كتابه العقد الفريد، بعضاً من أخبارها، ومن ذلك قوله: قال السجستاني: ما رأيت امرأة أعقل من هند بنت المهلب، وكانت تقول: النساء ما زُيِّنَّ بشيء كأدب بارع، تحته لبٌّ طاهر.


وحكى مسدد عن محمد بن الحسين عن أبي عمر الضرير قال سمعت أبا مسلمة العتكي مولاهم يقول قالت هند بنت المهلب: إذا رأيتم النعمة مستدرة فبادروها بالشكر قبل حلول الزوال.

وقالت هند: ما رأيت لصالح النساء وشرارهنّ، خيراً لهنّ من إلحاقهنّ بأسكانهن.
.