المنقذ العالمي في فكر الشعوب والأمم الباحث الأستاذ عماد جميل خليف
إن فكرة المنتظر والمنقذ العالمي تكاد تكون القاسم المشترك بين جميع الشعوب والأمم والحضارات فقد أكدت الدراسات والبحوث والاستقراء لجميع الأديان والعقائد، انه لا يكاد شعب من الشعوب أو أمة من الأمم تخلو من هذه الفكرة، وهي ضاربة في عمق التاريخ البشري منذ نشوء الخليقة، فكل شعب وكل أمة تنتظر المنقذ الذي يخلصها من الشرور والظلم ويحقق لها الحياة الحرة الكريمة حيث يسود العدل والأمان والاطمئنان.
حتى لنرى أن هذه الفكرة قد استغلت بشكل واضح وكبير من قبل بعض الأفراد ذوي النفوس المريضة من أجل الوصول إلى السلطة، من خلال إيهام شعوبهم بأنهم هم المنتظرون لإنقاذ الأمة، حتى إذا ما استمكنوا من السلطة بطشوا بالشعب وأصبح حكمهم ملكاً عضوضاً يتوارثه الأبناء عن الآباء.
إذاً فاصل الفكرة مشتركة بين جميع الأديان والشعوب، ولكن الاختلاف يقع في نفس مصداق المصطلح، ومن هو؟
إذن فالمنتظر هو (عنوان لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطري، أدرك الناس من خلاله ـ على الرغم من تنوع عقائدهم إلى الغيب ـ إن للإنسانية يوماً موعوداً على الأرض، تحقق فيه رسالات السماء بمغزاها الكبير وهدفها النهائي وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مر التاريخ استقرارها وطمأنينتها بعد عناء طويل).(1)
ففكرة المنتظر والمصلح العالمي من البديهيات والضروريات الإنسانية، فالشعوب المظلومة تنتظر من يحقق العدل ويأتي بقوانين عادلة حقيقية، ويخلصها من القوانين الظالمة التي شرعها بعض الحكام والجبابرة من أجل السيطرة عليهم وتقييد حرياتهم وقتل الروح الإنسانية فيهم لا لشيء سوى الأنانية والطمع.
(فقد آمن الزرادشتيون بعودة بهرام شاه، وآمن الهنود بعودة فيشنو، وينتظر البوذيون ظهور بوذا،(2) كما ينتظر الأسبان ملكهم روذريق، والمغول قائدهم جنكيز خان، وقد وجد هذا المعتقد عند قدامى المصريين، كما وجد في القديم من كتب الصينيين، وينتظر المجوس اشيدربابي أحد أعقاب زرادشت، وان مسيحي الأحباش ينتظرون عودة تيودور كمهدي في آخر الزمان).(3)
فجميع الشعوب والأمم تحمل في عقائدها وطيات فكرها الفكرة أو الأطروحة المهدوية، ولم يقتصر الأمر على الشعوب المتدينة أو التي نشأت الفكرة لديها عن طريق الاعتقاد الديني.
بل إن الكثير من الملحدين والمنكرين للوجود الإلهي، آمنوا بهذه الفكرة وكذلك الفلاسفة والكتاب والعلماء وخاصة من أهل الغرب.
فقد (صرح عباقرة الغرب وفلاسفته بأن العالم في انتظار المصلح العظيم الذي سيأخذ بزمام الأمور ويوحد الجميع تحت راية واحدة وشعار واحد.
منهم الفيلسوف الانكليزي الشهير برتراندراسل قال (إن العالم في انتظار مصلح يوحد العالم تحت علم واحد وشعار واحد).
ومنهم العلامة اينشتاين صاحب النظرية النسبية، قال: (ان اليوم الذي يسود العالم كله الصلح والصفاء ويكون الناس متحابين متآخين ليس ببعيد).(4)
وكذلك الفيلسوف الانكليزي برناردشو بشّر بمجيء المصلح في كتابه (الإنسان والسوبرمان).(5)
ومنهم أيضاً مينا جرجس (إن العلامات التي ذكرها الرب في الإنجيل تبدو واضحة بأكثر جلاء هذه الأيام وأصبحنا نعيشها كلها... كما أنه لا توجد علامة من تلك العلامات التي ذكرها الرب في الإنجيل إلا ونراها واضحة هذه الأيام، الأمر الذي يدعونا أن نكون في حالة استعداد قصوى لاستقبال الرب الآتي على سحب السماء).(6)
إذاً فاصل الفكرة ثابت عند جميع شعوب العالم ولا وجود للشك فيه وان كان هناك اختلاف في شيء ما، فمرده إلى الاختلاف في ثقافة الشعوب نفسها، إذ أن كل شعب يدعي أن المنقذ سوف يكون منه، أو كل شعب يرى أن قائده هو الذي سيخلصه في نهاية المطاف من الظلم وبغض النظر أيضاً عن كون هذا الشعب موحِداً أم لا.
المنقذ العالمي في الأديان الثلاث
تكاد تكون فكرة المنقذ أو المصلح العالمي واضحة المعالم وبشكل بارز في الديانات الثلاث الرئيسية (اليهودية والمسيحية والإسلام).
وان الدين الإسلامي قد انفرد ـ باعتباره خاتم الأديان والشرائع ـ بكونه يعطي الصورة الحقيقية والواضحة بكل أبعادها عن المصلح العالمي، بل حتى انه يسميه ويذكر نسبه وأصله وصفاته وحركته وغيرها.
ولكن مع ذلك نجد إن بعض أجزاء هذه الصورة أو مركباتها قد سبق أن ظهرت في الديانتين السابقتين (اليهودية والمسيحية)، ومع كل ما جرى على الكتابين المقدسين (التوراة والإنجيل) من تحريف وتزوير ودس وحذف وإضافة، لكي يناسب أذواق الأحبار والرهبان، إلا إننا نجد بعض الخيوط والإشارات متبقية هنا أو هناك في هذين الكتابين تشير وبشكل واضح إلى المصلح العالمي.
(فاليهودية تؤمن بوجود منقذ ومخلص يظهر في (جبل صهيون) وقد جاءت البشارة من سفر اشعيا لتشير إلى هذا المعنى:
ستخرج بقية من القدس من (جبل صهيون).
غيرة رب الجنود ستصنع هذا.
وكما ورد التأكيد على هذا المعنى في سفر (زكريا) ابتهجي كثيراً يا بنت صهيون.
هو ذا ملكك سيأتي إليك. عادل منصور.
نجد في هذه البشارة التأكيد على مجيء المنقذ في المستقبل).(7)
هذه الإشارات وغيرها كثير، نراها بوضوح موجودة ويؤمن بها اليهود، وهم يؤمنون بعودة عزير عليه السلام.
(وبغض النظر عن مناقشة صحة ما ورد من تفصيلات في هذه العقيدة عند اليهود، إلاّ ان المقدار الثابت هو أنها فكرة متأصلة في تراثهم الديني وبقوة بالغة مكّنت اليهود ـ من خلال تحريف تفصيلاتها ومصاديقها ـ أن تقيم على أساسها تحركاً استراتيجياً طويل المدى وطويل النفس، استقطبت له الطاقات اليهودية المتباينة الأفكار والاتجاهات ـ ونجحت في تجميع جهودها وتحريكها باتجاه تحقيق ما صوره قادة اليهودية لأتباعهم بأنه مصداق التمهيد لظهور المنقذ الموعود).(8)
أما المسيحيون فإن إيمانهم برجوع المسيح عيسى بن مريمl، وانه هو المنقذ فهو من الواضحات التي لا تحتاج إلى دليل، بل إننا نجدها واضحة على ألسنة كتابهم ومثقفيهم وعلمائهم واضحة جلية كما أشرنا إليها سابقاً.
وفي الإسلام فإن فكرة المصلح العالمي من البديهيات لدى جميع المسلمين ولا نكاد نرى منكر لها إلا من بعض الكتّاب في العصر الحديث (كأحمد أمين) ويرجع أسبب في ذلك إلى تأثرهم بالمستشرقين، مثل (جولدزيهر المجري في كتابه (العقيدة والشريعة في الإسلام) حيث وصفها بأنها من الأساطير ذات الجذور غير الإسلامية لكنه قال أيضاً باتفاق كلمة الأديان عليها).(9)
وما عدا ذلك فإن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة قد دلت بوضوح وبشكل لا يدعو إلى الريب أو الشك إن المنتظر والمنقذ الإسلامي العالمي سيظهر في آخر الزمان لكي يقيم الحق والقسط ويوحد العالم.
قال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ).(10) وقال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ).(11)
وقال عز وجل: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).(12)
أما الأحاديث النبوية الشريفة فهي متواترة وكثيرة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنور ربها ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب).(13)
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (سيكون بعدي خلفاء ومن بعد الخلفاء أمراء ومن بعد الأمراء ملوك جبابرة ثم يخرج المهدي عليه السلام من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً).(14)
فهذه الأحاديث وغيرها دليل على ثبوت الفكرة المهدوية وفكرة المصلح العالمي عند المسلمين، وفي ذلك يقول ابن خلدون (اعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار، أنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت عليهم السلام ، يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى الهدي).(15)
لذلك نرى أن المسلمين في كل مكان في شوق كبير وعظيم ليوم الظهور المقدس، فكلما زادت التحديات وازدادت قوى الظلم الغربية بطشاً وتنكيلاً بالشعوب الإسلامية، ازداد معها الإيمان بقرب الظهور المبارك وانتصار المسلمين، وإظهار الإسلام بحقيقته على يدي الإمام المنتظر عجل الله فرجه.
الركائز الأساسية لعالمية الفكرة المهدوية
إن فكرة المنتظر والمصلح العالمي أو المهدي المنتظر وحكومته العالمية في دولة الحق الإلهية تنطلق من أساسين متينين رئيسيين يمثلان القاعدة الرئيسية والحقيقية لعالمية الأطروحة المهدوية:
1 ـ أطروحة إلهية:
إن أطروحة المهدي المنتظر عجل الله فرجه هي أطروحة إلهية، لأنها تمثل إرادة الله عز وجل في الوصول بالإنسان ـ هذا المخلوق الأرضي الذي كرمه الله عز وجل على سائر الموجودات ـ إلى درجات الكمال والرقي في جميع المجالات الروحية والمادية من خلال قيادة موحدة لجميع شعوب الأرض في دولة واحدة عظيمة تدين بدين واحد هو الإسلام، وما هدف إرسال الرسل والأنبياء إلا هذا الأمر والذي وعد الله عز وجل في كتابه الكريم بأنه سينجزه لعباده لا محالة في كثير من الآيات المباركة.
قال تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ).
وقال تعالى: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
وإلا إذا لم تظهر هذه الدولة وتتوحد الشعوب وتوحد الله عز وجل، ويتم القضاء على الفساد والجور والطواغيت، فما هي الفائدة من بعثة الأنبياء والرسل وإنزال الكتب السماوية، إذ سيكون الأمر كله عبثاً ولهواً، وحاشا الله عز وجل أن يفعل هذا، قال تعالى: (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالأَْرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ).
2 ـ ضرورة إنسانية:
إن جميع الشعوب والقبائل والحضارات كانت وما تزال تؤمن بوجود مصلح عالمي يظهر لكي يوحد البشرية جمعاء تحت لوائه وحكومته فيزيل كل الحواجز والمعوقات نحو التوحد ونشر الأخوة بين الشعوب ويزيل كل أنواع الظلم والاستعباد، وهذه الفكرة لا يختص بها شعب دون شعب آخر، ولا يختص بها الدين الإسلامي أو الشعب الإسلامي فقط، وان كان المنتظر الإسلامي هو المصداق الحقيقي والوحيد لمفهوم المصلح العالمي.
عالمية المهدي الإسلامي
إن عالمية المهدي الإسلامي تنطلق من عالمية الإسلام باعتباره خاتم الأديان والشرائع وكتابه المنزل (القرآن الكريم) خاتم الكتب السماوية.
فالإسلام دين لكل الشعوب، قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِْسْلامُ) ومن يأت يوم القيامة بغير هذا الدين فلن يقبل منه (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِْسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ).
(إن الإسلام في عقائده وعباداته وأخلاقه وشرائعه ونظمه السياسية والاقتصادية والاجتماعية رباني بصورة مطلقة من حيث المبادئ الأساسية والقواعد الكلية).(16)
فكل ما جاء به الإسلام من قوانين ونظم وتشريعات وأحكام، هي عالمية صالحة لكل البشر في كل زمان ومكان، وان حدث ما حدث في تاريخ الشعوب الإسلامية من حروب ودمار وخراب وتأخر فليس مرده إلى قصور في الدين الإسلامي بل إلى تقصير في المسلمين أنفسهم فهم لا يستوعبوا التشريع الإسلامي بكامل حدوده وأطره.
والفكرة المهدوية الإسلامية تعد من ركائز الدين الإسلامي العقائدية، إذ أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة أشارت بوضوح إلى ذلك، والمهدي الإسلامي ضرورة لابد منها من أجل إكمال مسيرة الخط الرسالي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فخاتم الأنبياء قد رحل إلى دار البقاء ولم يتحقق معه الهدف الأكبر من نشر الرسالة المحمدية في جميع بلاد الأرض، وهذا الهدف سيبقى منوطاً بظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه.وجميع الفرق الإسلامية تتفق على ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه في آخر الزمان، وانه لابد من ظهوره وقيام الدولة الإسلامية العظيمة وجعل الإسلام الدين الوحيد الذي تدين به البشرية ويوحد الله عز وجل أهل الشرق وأهل الغرب، حتى لا يبقى على الأرض مشرك.
قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً).(17)
وقال تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).(18)
وقال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ).(19)
فهذه الآيات وغيرها تشير بوضوح إلى الوعد الإلهي للمؤمنين باستخلاف الأرض وإظهار الدين الإسلامي في جميع أرجاء المعمورة.
وقد بشر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإمام المهدي عجل الله فرجه وانه من أهل البيت عليهم السلام ، وبالخصوص من ولد فاطمة الزهراءp، وانه الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام.
(قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أبشركم بالمهدي، يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً).(20)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (الأئمة من بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم، هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي، وحجج الله على أمتي بعدي، المقر بهم مؤمن والمنكر لهم كافر).(21)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إني تارك فيكم الثقلين ما أن تمسكتم بهما بعدي لن تضلوا: كتاب الله وعترتي، وإنما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
وكان أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم خير من عرفهم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأمر من الله تعالى لقيادة الأمة من بعده).(22)
فإذا كان الدين الإسلامي خاتم الأديان فإن مهديه هو من سيحكم الأرض ويوحد العالم، وينشر القسط والعدل، وأي ادعاء غير ذلك فهو باطل لأن جميع الأديان السابقة قد نسخها الدين الإسلامي، فلا يؤخذ بها، ولا يؤخذ بشيء مما يدعيه أتباعها.
وأما أهل الإلحاد والكفر كالبوذيين والمجوس وغيرهم، فإن بطلان عقائدهم وادعاءاتهم واضح لا يحتاج إلى دليل.
والمشروع الإسلامي المهدوي مشروع متكامل من جميع نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، بل حتى الروحية منها.
(وإذا كانت الظروف والأوضاع لم تساعد على إقامة الدولة الإسلامية العالمية فإنها ستكون مؤاتية في عهد الظهور بلا معوقات ولا عراقيل وخصوصاً بعد فشل الأطروحات غير الإسلامية وفشل الحكومات السابقة للظهور في إقامة الدولة الموحدة).(23)
ان دولة الحق الإلهي بقيادة الإمام المهدي عجل الله فرجه سوف تظهر للوجود بعد أن تصل البشرية إلى مرحلة اليأس من جميع القوانين الوضعية والتي لن تحقق له إلا الشقاء والعناء والقهر، عند ذلك يبدأ الناس يلهجون بذكر المهدي عجل الله فرجه ، وينادون باسمه لكي يخلصهم مما هم فيه من ظلم واستبداد، فيبدأ تحركه المبارك، لذلك فإن: (الخطوة الأولى في توحيد العالم والمجتمع البشري هو إيمان الأديان جميعاً بالإمام المهدي عجل الله فرجه ، والدخول تحت رايته ذلك أن الدعوة لدمج العالم ليست دعوة حديثة بل إنها ارتبطت تاريخياً بالديانات المساوية القديمة، لقد انطلقت هذه الديانات من فكرة وحدة البشرية أمام الخالق وبالتالي فإن الجوهر بالنسبة لكل الديانات هو دعوة الشعوب والأمم للتقارب والتكامل تحت راية الإيمان بوجود رب واحد وخالق واحد وقيم وقناعات ومسلمات مشتركة تحكم السلوك الإنساني في كل أنحاء العالم).(24)
ثم يبدأ الإمام المهدي عجل الله فرجه رحلته العظيمة في السير بالبشرية نحو التكامل والرقي والسعادة من خلال بناء المجتمع الموحد المتكامل فيدعو الشعوب إلى التوحد تحت رايته ويعطيهم الأدلة على عالمية قيادته وشموليتها، فيخرج لليهود التوراة، وينزل عيسى عليه السلام فيدعو المسيحيين للإيمان بالمهدي عليه السلام، والدخول في الإسلام وتنقاد له الأمة الإسلامية لأنه هو القائد الحقيقي الذي سيبعث الأمة من سباتها العميق فيحيي معالم الدين الإسلامي وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فيدين له القاصي والداني، وإلى ذلك يشير القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً).(25) وكذلك قول الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (والذي بعثني بالحق بشيراً لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنور ربها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب).(26)
أهداف المهدوية ونتائجها
(لم يعد المهدي عليه السلام فكرة ننتظر ولادتها، ونبوءة نتطلع إلى مصداقها بل واقعاً قائماً ننتظر فاعليته وإنساناً معيناً يعيش بيننا بلحمه ودمه ونراه ويرانا ويعيش آمالنا وآلامنا ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا، ويشهد كل ما تزخر به الساحة على وجه الأرض من عذاب المعذبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين، ويكتوي بذلك من قريب أو بعيد، وينتظر بلهفة اللحظة التي يتاح له فيها أن يمد يده إلى كل مظلوم وكل محروم وكل يائس ويقطع دابر الظالمين).(27)
والمهدي المنتظر عجل الله فرجه يمثل حلاً لجميع معاناة الشعوب المحرومة، ويمثل الحل الإلهي لمشكلة الحكم الجائر والتسلط المزمنة في تاريخ البشرية، إذ إن كل ما جرى ويجري من ظلامات مرده إلى جور الحكام وفسادهم.
وقد أكد ذلك القرآن الكريم فهو:
(يرفض بشدة النظرة العبثية إلى التاريخ ويشدد على وجود قواعد ثابتة لمسيرة الأمم والجماعات فيقول (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأَْوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً)).(28)
فالسنة الإلهية تقتضي انتصار الحق على الشر، وزوال ملك الجبابرة وانتصار المستضعفين والمحرومين.
وانه لابد لكل فرعون من موسى، والمهدي عجل الله فرجه يمثل آخر حلقة من حلقات الصراع بين قوى الخير والشر فهو المجتث لأصول الظالمين والكافرين.
فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام انه قال (دولتنا آخر الدول ولم يبق أهل البيت ـ لهم دولة ـ إلا ملكوا قبلنا ـ لئلا يقولوا ـ إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله عز وجل (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)).(29)
إن هدف الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه هو نشر العدل والمساواة وتحقيق الأمن والسعادة لجميع الشعوب (إن العالم البشري الذي يتخبط في أزماته وحروبه وان العولمة تسير في الاتجاه المعاكس لتحقيق السعادة البشرية، دليل على أن العدالة حلم بشري تحن لتحقيقه، ومن هنا فإن هذا الحلم البشري لا يتحقق إلا عند ظهور المنتظر الذي يحمل راية نشر العدل والقضاء على الظلم).(30)
ويمكن أن نوجز مظاهر الدولة العالمية المهدوية بما يأتي:
1 ـ انتصار الحق والتقوى والعدل والحرية على الظلم والدجل والاستكبار والاستعباد.
2 ـ عمران الأرض بحيث لا تبقى بقعة غير عامرة.
3 ـ بلوغ البشرية حد النضج والتكامل يلتزم فيه الإنسان طريق العقل والعقيدة.
4 ـ قيام حكومة عالمية موحدة.(31)
5 ـ القضاء على أعداء الإسلام وحكام الجور.
6 ـ وحدة العقيدة والفكر.(32)
7 ـ بسط الأمن وانتهاء الحروب والنزاعات.
إن هذه المظاهر للدولة المهدوية بالتأكيد سوف تأتي ثمارها على جميع الأصعدة، فمن أبرز أهدافه عليه السلام هو القضاء على الظالمين والمستكبرين الذين أذاقوا شعوبهم كل أنواع العذاب، فعن الصادق عليه السلام: (ان القائم منا منصور بالرعب مؤيد بالنصر، تطوى له الأرض وتظهر الكنوز كلها ويظهر الله به دينه ولو كره المشركون).(33) وفي عهده عليه السلام تنعم شعوب الأرض نعمة عظيمة لا مثيل لها، إذ تؤتي الأرض خيراتها وتمطر السماء مدرارا، وتصفو الدنيا لأهلها، فعن الإمام علي عليه السلام: (لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء مطرها ولأخرجت الأرض نباتها وذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتى تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدما إلا على النبات وعلى رأسها مكتلها لا يهيجها سبع ولا تخافه).(34) ويكون قانون الدولة هو القانون والتشريع الإسلامي، ويطبق كل ما جاء في الإسلام من أحكام ونظم. وبطبيعة الحال فإن سعادة الشعوب هو من خلال عدالة القوانين السائدة ودقة تطبيقها.
(إن القوانين بشتى أقسامها وأنواعها من جميع جوانبها ومجالاتها تعتبر هي الأداة التوجيهية والجهاز التربوي الذي يسيّر المجتمع نحو الفضائل والرذائل ويسوقهم نحو الخير أو الشر).(35)
كما أنه عليه السلام يصل بالإنسان إلى مرحلة التكامل والنضج العقلي والمعرفي فيزيل ما في عقول الناس من عاهة وما في قلوبهم من أمراض اجتماعية أو نفسية، وسوف تنفتح شعوب الأرض على العوالم الكونية الأخرى التي عجز الإنسان عن الوصول إليها إذ أن نشر العلم والمعرفة واكتمال حلقة التطور التقني على يد الإمام المهدي عليه السلام سيجعل الإنسان قادراً على الاتصال بالعوالم الكونية البعيدة عنه.