السيستاني
حين ينطق أحدهم اسم السيستاني تتبادر الى الذهن فوراً حزمة من الكلمات تشكل معاً كياناً لغوياً يُعرف بحقيقة هذا الرجل والدور المشبوه الذي لعبه في فترة من أهم وأخطر الفترات التي عاشها العراق على الإطلاق . ومن هذه الكلمات ؛ السكوت ، النوم ، الإستخفاف ، الركون الى الظالم ومداهنته ، وأخيراً العمالة للمحتل الأمريكي ، ويمكن أن تنضاف كلمات أخرى من قبيل التخاذل ، ومحاربة العلماء العاملين ... الخ . والحق إن القاموس المرتبط بهذا الرجل غني تماماً بالمفردات التي يمكن حصرها في حقل كلمات الهجاء ، بل لعل المدافعين عنه لا يجدون في سلوك الرجل أو مواقفه ما يعينهم على لملمة قاموس لغوي مختلف أو مواز لقاموس الهجاء الذي صنعته ألسنة الناس وهي تتداول مواقفه أو تستحضر تأريخه . والحقيقة إن المدافعين أو قل المستفيدين من هذا الرجل ذي التأريخ الغامض جربوا كثيراً اللجوء الى أساليب البلاغة الجوفاء في خلق ذاكرة لغوية لدى الناس قوامها التمجيد واصطناع المآثر والمناقب الدينية والوطنية معاً ، ولكن جهودهم الكبيرة كانت تذهب أدراج الرياح لأسباب من أهمها إن كلماتهم كانت عبارة عن أشباح لغوية تعوم في اللازمان واللامكان ، إذ أنها لم تجد في الواقع المعين للرجل ما يمكن أن يشكل مرتكزاً لخلق أساطير تصمد بإزاء ما تجترحه السليقة الشعبية التي تغترف من بحر الواقع المريب والأسطوري بكل المقاسات الذي يؤطر وجود السيستاني .
فلو إنك استعرضت حياة الرجل – هي حياة بالمعنى اللغوي الذي قد لا تكون له حقيقة خارجية – لصادفتك ثيمات (موضوعات) وصور وجودية أقرب الى قصص الخرافة والحكايات الشعبية الغرائبية ، فعلى سبيل المثال هذا الرجل يعيش حياة العزلة حتى عن أقرب مقربيه ، بل إن بإمكانك أن تراهن أهل مدينة بأكملها وبثقة كاملة على أن أياً منهم لم ير السيستاني ، ويمكنك أن تثق بقوة بفكرة أن الرجل في الحقيقة أكذوبة لغوية ، فهو شئ يتأرجح بين الوجود والعدم ، وما يجعله قريباً من الوجود ليس سوى حديث بعض الناس عنه ، وتوقيعات تصدر عن ما يسمى مكتب السيستاني يستدل منها أرباب العقول الفلسفية المتعمقة فكرة وجود الرجل !!
وغير هذا تتحدث الذاكرة الشعبية عن أكياس من النقود ، يصفها البعض بالأطنان ، أي بمقياس الكمية لا العدد دلالة على الكثرة ، ويقول الكثيرون أن بعضها تفوح منه رائحة العفن ، و تعيش فيها مستوطنات بأكملها من دودة الأرضة !! طبعاً أن هنا أروي ما تتناقله ألسنة الناس ولا مصدر لي غير هذا المصدر ، والحق إن الإعتماد على ما تحفظه ذاكرة الناس قد يشكل نقطة ضعف بالنسبة لأي بحث يتوخى الدقة ويهدف الى إحراز المصداقية ، ولكن غير هذا السبيل متعذر تماماً في حالة السيستاني ، إذ لا وجود لأي وثيقة يمكن الإستعانة بها في هذا الصدد ، فليس ثمة شئ غير صور على الحيطان وأقاويل يتناقلها الناس ، إذن يمكنكم القول إني أتحدث عن شخصية أسطورية ، أو حتى يمكنكم القول إني ألفق حكاية أسطورية ، فلا أكتمكم أنا نفسي أشك بوجود السيستاني .
والحق إن ثمة مسوغات كثيرة يمكن أن تبرر الشك بوجود السيستاني فلو أنك زرت موقعه ونظرت في اللقاءات التي أجرتها معه الصحف الأجنبية لصادفتك حالة غريبة هي أن من يجيب – والمفترض أنه السيستاني – يستعمل بين الفينة والفينة ضمير الشخص الثالث ( هو ) إشارة الى السيستاني الغائب ، فيقول مثلاً : ( إن رأي سماحة السيد كذا ) ، وهذه الحالة تتوضح أكثر في الإستفتاءات التي تصدر عنه ( أي الكائن المزعوم المدعو السيستاني ) فهذه الإستفتاءات تذيل دائماً بتوقيع ( مكتب السيد السيستاني ) ، وتختم بختم يحمل اسم السيستاني نفسه .
ومن الموسوغات ما يتحدث به البعض عن أن محمد رضا السيستاني نجل السيستاني هو المرجع الفعلي ، فكل ما يصدر عن السيستاني إنما يصدره ولده محمد رضا ، وهذه حالة علاوة على كونها كارثة فقهية ، باعتبار أن محمد رضا لم ينل درجة الإجتهاد المطلوبة وليس هو أعلم الموجودين ( بحسب النظام المعمول به في مؤسسة المرجعية ) فلا يحق له من ثَمَّ الإفتاء ، أقول علاوة على ما مر توحي هذه الظاهرة بالشك الذي نتحدث عنه ، وتعززه بالتأكيد .
ويمكن أن نضيف الى ما تقدم أمور أخرى من قبيل تصريح بعض من زاروا السيستاني من إنهم لم يلتقوا به بل التقوا بولده محمد رضا الذي زعم لهم أن ( السيد الوالد مريض ) ، ومنها إن الرجالات المحسوبة على مرجعيته كثيراً ما ينسبون للرجل أقوالاً متناقضة أشد التناقض ، فمرة يفتي السيستاني – بحسب هؤلاء – بوجوب جهاد المحتل ، ومرة ينفون صدور مثل هذه الفتوى عنه جملة وتفصيلاً ، ومرة يقولون إن السيد المرجع الأعلى لا يتدخل في الشؤون السياسية ولا يرتضي لأحد من وكلائه أو المتحدثين باسمه أن يتدخل بالشؤون السياسية ، فالمرجع الأعلى كما قال أحدهم يقف على مسافة بعد واحدة من الجميع ، فالجميع أبناؤه الشيعة والسنة والعلمانيين والمؤمنين والملاحدة والزنادقة كل هؤلاء أبناء السيد السيستاني وهو لا يفرق بينهم أبداً ، ولماذا يفرق وعلى أي أساس ، أ ليست التفرقة بخلاف الديمقراطية ؟ ولكننا مع ذلك نسمع جهاراً نهاراً من يخالف ديمقراطية السيستاني ، ويصدر باسمه فتاوى وتصريحات تحرض الناس على اختيار فريق معين على فريق آخر .
لا أريد أن أخلص مما تقدم الى نتيجة قد يرفضها الكثيرون ، ولا أريد أن أدعي أنني ظفرت بجلية السر الغامض المتعلق بوجود أو عدم وجود السيستاني ، فلا أخفي عليكم إنني ما زلت متحيراً مرتاباً تأخذني الظنون شمالاً مرة ويميناً مرة أخرى ، ولكني مع كل هذا أريد أن أقرر فكرة لا أظن منصفاً يمكن أن يختلف فيها معي هي أن السيستاني سواء كان فكرة مخادعة أو كان شخصاً يمتلك أنفاً يلجه الهواء هو بالنتيجة ألعوبة سياسية وفقهية بيد مجموعة من عصابات المافيا تستثمره لتحقيق مآربها الشخصية .