هل انتهى ما يسمى بجيش المهدي أم أن ثمة سهماً أخيراً في الجعبة

أقوى الإحتمالات التي يمكن أن تترجح لقارئ الواقع السياسي العراقي هو أن محترفي السياسة من الأحزاب الشيعية كانوا يستهدفون تحقيق غاية ستراتيجية مهمة من وراء الضربات المتلاحقة والمؤلمة التي وجهوها لجيش المهدي التابع للسيد مقتدى الصدر تتمثل بتشتيت القاعدة الشعبية العريضة التي يتمتع بها التيار الصدري عبر ضرب الركيزة الأساس التي تستقطب جموعهم والمتمثلة بشعار المقاومة .
فلعله جلي لكل متابع أن صورة التيار الصدري – كما تبدو لعيون جماهيره على الأقل – تتقوم بشعار المقاومة ذي البعدين الوطني والديني بطبيعته ، فصورة التيار كما تنعكس في خيال الجماهير المعجبة به تتلبس أهاب البطل الرومانسي الذي لا يتطلب شيئاً من جهة ، أي على مستوى المكاسب السياسية ، ولا يملك ما يعطي غير العمل البطولي الممتزج بالصبغة الدينية من جهة أخرى .
هذه الصورة وبصرف النظر عن مدى مصداقيتها أو انطباقها على الواقع يدرك الساسة الشيعة المنخرطين في المشروع الأمريكي أنها تشكل عقبة كبيرة أمام تمريرهم المشروع الأمريكي ، كما إنهم يدركون بالتأكيد أنها تمثل ثقباً أسود مرشح لإبتلاع جماهيرهم التي لابد أن تصحو يوماً على حقيقة عمالتهم لقوى الإحتلال .
من هنا يبدو واضحاً أن ضرب هذه الصورة وإسقاطها سيترتب عليه بالضرورة انفراط عقد التيار الصدري وتفرق جماهيره بين القوى والأحزاب الأخرى وهذا الأمر يمثل غنيمة يسيل لها لعاب قوى السلطة التي بدأت الصراعات تستفحل بين أطرافها ، وبات كل طرف منها يفكر بقلق بمقدار حصته من الجماهير .
فالمسألة إذا ما استثنينا هدف المحتل من ضرب التيار الصدري ، وتجاوزنا كل الذرائع التي يمكن أن يحتج بها سياسيو الحكومة من قبيل الخروج عن القانون والبعثية المقنعة ، لا تخرج عن فكرة الهم الإنتخابي المصلحي والسيطرة على القرار السياسي للشيعة من قبل أحزاب الحكومة الشيعية ، ولعل التوقيت الذي حدثت به صولات الحكومة على المعاقل الصدرية يشي بهذه الغاية .
وإذا عدنا الى السؤال الذي عنونا به المقالة سنجد الكثير من المسوغات التي تجعل منه طرحاً إشكالياً لا يمكن الإجابة عليه دون ملاحظة الكثير من المعطيات التي بدأت تطفو على أرض الواقع ، فالكثير من الصدريين وأكثر منهم الجموع المتعاطفة مع التيار الصدري بدأت بتغيير قناعاتها ، واستحالت نظرة الإعجاب التي كانت تنظر بها الى التيار وجيشه الى نظرة تتساءل عن النتائج التي جنتها من تجربة أربع سنوات أو أكثر ، بل إن البعض بدأ ينظر الى التيار نظرته الى مغامر يفتقد العمق والحصافة في النظرة والتوجه ، وهو الأمر الذي تفاقم بعد أن شرعت الحكومة بإيصال رشاوى الرواتب العالية .
وإذا كانت هذه جهة سلبية بالنسبة لمصير التيار الصدري ، فإن التيار لا يزال يملك بعض الأوراق الإيجابية ، فالكبوات الحكومية المتلاحقة على الصعيدين الأمني والسياسي ، وموقفها الضعيف المستخذي بإزاء الموقف الأمريكي ، وكذلك العلاقة مع الطرف الإقليمي المعروف الذي لا يريد التفريط بورقة التيار بشكل كامل على الرغم من الصفعة المدوية التي وجهها له ، كل هذه الأوراق يمكن للتيار أن يستثمرها في استعادة ما فقده في الأشهر المنصرمة .
بيد أن ما ينبغي للتيار الصدري أن يلتفت إليه هو أن العودة لا تكون ناجحة ما لم تسبقها عملية نقد ومراجعة للذات ، فإن تجربة الأشهر الفائتة برهنت على حقيقة ملفتة هي أن الكثير من القادة الصدريين السياسيين ولاسيما البرلمانيين منهم لا تهمهم حقيقة الشعار الذي يرفعه التيار الصدري بقدر ما تهمهم مصالحهم الذاتية والكراسي التي تبوأوها على حساب القاعدة المنكوبة .
فالأداء السياسي الذي قدموه كان مخيباً لآمال القواعد الشعبية الى حد بعيد ، بل لقد شكل نوعاً من التخلي عن هذه القواعد في أكثر الظروف تعقيداً وأشدها صعوبة ، والحق إن مثل هذا الكلام يقال عن موقف السيد مقتدى الصدر نفسه ، ولا أقل من أن كلمات كثيرة صدرت عن نفس قواعد الصدريين كانت تنحو هذا المنحى من التعبير .
كما أن التجربة المشار إليها أثبتت بما لا حاجة لمزيد من التحليل لإثباته بأن حظ التيار الصدري من حسابات الطرف الإقليمي لا تتجاوز لا تتعدى كونه ورقة تستثمرها الجهة الإقليمية المشار إليها في لعبة الأمم .
وإذا كان يطيب للصدريين أن يشبهوا أنفسهم بحركة حزب الله اللبناني فإن الفرق بينهما بالنسبة للطرف الإقليمي الحاضن كبير ، فلا أقل من أن هذا الطرف لا يزال يراهن بقوة على الأحزاب الشيعية الماسكة بزمام السلطة .