دعوة اليماني في أفقها الأرحب

لمن تابع الدعوة اليمانية من خلال الكتابات التي ظهرت مؤخراً في بعض الصحف الالكترونية – وهي كتابات التزمت عموماً منحى محدداً تمثل بفضح مؤسسة المرجعية ، حتى لقد يُظن أن هدف الدعوة اليمانية لا يتعدى هذه الغاية ، وهو ظن مغلوط تماماً ، بل إن المؤسسة نفسها كانت تركز في خطابها الإعلامي المضاد على هذه الدلالة في خطاب الدعوة من أجل تحجيمها وإظهارها بمظهر الحركة السلبية التي لا تملك خطاباً أبعد من الخطاب الإنتقادي أو التحريضي غير المهتم بتقديم البدائل المناسبة ، أو غير المستند على مشروع تغييري حقيقي – أقول إن أفق الدعوة اليمانية أرحب بكثير من أن يتم حصره بهذا المضمون الضيق .
والحق إن ما كتبه المؤمنون بهذه الدعوة لم يكن هو المسؤول عن هذه الصورة الضيقة للدعوة بقدر ما كان المسؤول وسائل النشر المحكومة لتصورات وإيديولوجيات لا تتفق مع المشروع التغييري الذي تتبعه الدعوة ، أو بالأحرى هي لا تدرك حقيقة مشروع الدعوة التغييري ، بل غالباً ما تلقفته بظنونها وحددت صورته من خلال بعض الحركات المشابهة ، وصنفته في جردة حساباتها على أنه أحد مصاديق التصور الإسلامي المشوه الذي قدمته مؤسسة المرجعية المزيفة ، من هنا كان ضرورياً بالنسبة لنا أن نؤكد على مسافة البعد الشاسعة التي تفصلنا عن تصور المؤسسة المرجعية المشوه .
والواقع إن الكتابة عن العمق الحقيقي للدعوة أمر أعترف مسبقاً بعدم قدرتي عليه ، بل إني أؤمن بأن أياً من الإخوة الأنصار لا يسعه سوى فهم ما يسعه إناؤه من هذه الدعوة المباركة ، كيف لا وهي دعوة من سنخ الدعوات الإلهية الكبرى ، يقول السيد أحمد الحسن اليماني الموعود : (( فدعوتي كدعوة نوح (ع ) وكدعوة إبراهيم (ع) وكدعوة موسى (ع )وكدعوة عيسى (ع) وكدعوة محمد (ص) .
أن ينتشر التوحيد على كل بقعة في هذه الأرض هدف الأنبياء والأوصياء هو هدفي ، وأبين التوراة والإنجيل والقرآن ، وما اختلفتم فيه ، وأبين انحراف علماء اليهود والنصارى والمسلمين وخروجهم عن الشريعة الإلهية ، ومخالفتهم لوصايا الأنبياء (ع) .
إرادتي هي إرادة الله سبحانه وتعالى ومشيئته . أن لا يريد أهل الأرض إلا ما يريده الله سبحانه وتعالى ، أن تمتلئ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، أن يشبع الجياع ولا يبقى الفقراء في العراء ، أن يفرح الأيتام بعد حزنهم الطويل ، وتجد الأرامل ما يسد حاجتها المادية بعز وكرامة …… أن …… وأن …… أن يطبق أهم ما في الشريعة العدل والرحمة والصدق )) .
هذه الكلمة المقتبسة من جواب السيد أحمد الحسن على سؤال إحدى السيدات المسيحيات يضع المتأمل بإزاء العمق الحقيقي للدعوة المتمثل بإعادة الصلة التي قطعها الإنسان بالله وبرسالاته فامتلأت الأرض ظلماً وجوراً ، هي إذن دعوة للعودة بالإنسان الى جادة الصواب بعد أن أوغل بعيداً في صحراء المادة ونسي لون السماء الصافي تماماً .
دعوة اليماني بكلمة واحدة ثورة من سنخ الثورات الكبرى ( ثورات الأنبياء والمرسلين ) التي غيرت تأريخ الإنسانية ، وهي شأنها شأن تلك الثورات تنطلق من تحديد الإجابة الواقعية الصحيحة لمسألة وجود الإنسان على هذه الأرض والغاية التي تنتظره والطريق الرابط ما بين البداية والغاية الذي ينبغي للإنسان أن يسلكها في رحلة عودته الى الله تعالى {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ }الانشقاق6.
وإذا كانت كل النظريات والفلسفات الوضعية تنظّر للإنسان ولمشاكل وجوده ضمن إطار لا تتعدى دائرته حدود الواقع المادي الضيقة ، وتحدد معالجاتها ضمن هذا الإطار ، فإن الدعوة اليمانية بوصفها دعوة الإمام المهدي (ع) ودعوة الله تعالى بالنتيجة ترى المشكلة الإنسانية من زاوية نظر أعمق وأكثر شمولاً ، يقول السيد أحمد الحسن : (( اعلموا أيها الأحبة من المؤمنين والمؤمنات إن المخلوق الأول هو العقل وهو العالم الأول الروحاني وهو عالم كلي،الموجودات فيه مستغرقة بعضها في بعض ولا تنافي بينها . وأهله على درجات أعلاها المس بعالم اللاهوت سبحانه ، وهي درجه خاصة بمحمد وعلي (ع) . فمحمد (ص) (دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) (النجم 8-9) . وعلي (ع) نفسه قال تعالى (وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُم ) (آل عمران 61). وعلي ممسوس بذات الله كما ورد عنه ( ص ) ، ودونهما درجات ، فهما (ص) محيطان ويعلمان بكل من دونهما ، ومن دونهما يعلم منهما بقدر درجته ولا يعرفهما أحد بتمام معرفتهما غير خالقهما ، كما لا يعرف الله سبحانه أحد غيرهما بتمام معرفته الممكنة للإنسان . ورد عن صاحب المقام المحمود (ص) ما معناه : ( يا علي ما عرف الله إلا أنا وأنت ، وما عرفني إلا الله وأنت ، وما عرفك إلا الله وأنا ) .
أما العالم الثاني فهو عالم الملكوت ،وهو عالم مثالي صوري ، وهو عالم الأنفس شبيه بما يراه النائم . وذلك أن النائم غفل عن وجوده المادي فالتفت إلى وجوده الملكوتي ، ولك أن تقول المثالي أو النفسي .
أما العالم الثالث فهو العالم المادي وهو عالم شبيه بالعدم ليس له حظ من الوجود ، إلا قابليته للوجود ، وهو آخر درجات التـنـزل .فإذا أفيضت الصورة على المادة تكوّن الجسم ، وهو أول درجات الصعود أو العودة ، ثم أن الأجسام تنقسم بحسب درجاتها الوجودية إلى جماد ونبات وحيوان وإنسان ، والإنسان أما يرتقي ويعود إلى مبدأه سبحانه ، فيسبح في عالم العقل والقرب من الحي الذي لا يموت ، وأما يزري بنفسه ويدبر عن ربه ، فلا يرى إلا المادة التي لا تكاد تدرك أو يحصل العلم بها إلا عند إفاضة الصورة المثالية عليها ، وهكذا يصبح كالأنعام بل أضل سبيلا ، لأنه خلق ليقبل فأدبر ، وخُلق ليعقل فأبى إلا الجهل ، وخُلق ليحيا فأبى إلا الموت . قال أبو عبد الله (ع) : (أن الله عز وجل خلق العقل وهو أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره ، فقال أدبر فأدبر ثم قال له اقبل فاقبل . فقال الله تبارك وتعالى خلقتك خلقاً عظيماً وكرمتك على جميع خلقي ، قال ثم خلق الجهل من البحر الأجاج ظلمانياً : فقال له أدبر فأدبر ، ثم قال له اقبل فلم يقبل ، فقال له استكبرت فلعنه …)
أما العقل كل العقل فهو محمد (ص) ، ووصيه علي (ع) ، لأنه نفسه ، كما في الآية وأنفسنا وأنفسكم . وأما الجهل كل الجهل فهو الثاني (لعنه الله) وهو مبدأ التكبر وهو الذي أضل إبليس وأرداه في الهاوية . قال إبليس (لعنه الله) (ربِ بما أغويتني) أي بالذي أغويتني به ، أو بالنكرة التي تسببت بإغوائي . وهو في الآية النكرة الموصوفة لأنه ظلماني لا هوية له ، و (ما) التي تستعمل لـ(غير العاقل) لأنه لا عقل له (لعنه الله) وأخزاه . وهكذا فمن بني آدم (ع) من ارتقى بالعبادة والكمالات الأخلاقية ، حتى وصل إلى القاب قوسين أو أدنى ، فهو معلم الروحانيين والملائكة المقربين ، وهو الإنسان الكامل أي محمد (ص) وسلم ، كما إن آدم (ع) علم الملائكة ما لم يكونوا يعلمون ، قال أمير المؤمنين : ( خلق الإنسان ذا نفس ناطقة ، إن زكاها بالعلم والعمل ، فقد شابهت جواهر أوائل عللها ، وإذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد فقد شارك السبع الشداد ) . ومن بني آدم من أردى نفسه في الهاوية ، فهو يسبح في بحر أجاج ظلمات بعضها فوق بعض ، إذا اخرج يده لم يكد يراها ، حتى أمسى ظلمانياً لانور فيه ، وجهلاً لاعقل معه ، واضطراباً لا استقرار له ، وخوفاً لا طمأنينة فيه ، ولا سكينه تنـزل عليه . فلا يطمع في رحمة الله ويائس من روح الله مع إن إبليس لعنه الله إذا قامت القيامة يطمع في رحمة الله كما ورد في الحديث قال تعالى : ( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال : 48) وهؤلاء يوحون لشياطين الجن زخرف القول ، بأنفسهم الخبيثة المستكبرة . فشياطين الجن من شياطين الأنس تأخذ ، ومنهم تتعلم ، قال تعالى ( شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) (الأنعام : 112) .
وقال الحروري
وكنت فتى من جند إبليس فارتقى بي الأمر حتى صار إبليس من جندي
فلو مـات قبلـي كنت أحسن بعـده طـرائق فسق ليس يحسنها بعـدي
وبقي شيء ...
ولسائل أن يسأل فالذي عند الكفرة أليس بعقل فهم يخترعون به الطائرة وأجهزة الاتصال المتطورة ؟!، والجواب : سئل أبو عبد الله (ع) عن الذي كان عند معاوية فقال (ع) : ( تلك النكراء تلك الشيطنة وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل ) . فكل إنسان له نصيب في عالم الملكوت ، ونصيبه نفسه وهي صورة مثالية وظل للعقل ،وهذا الظل هو قوة الإدراك أو الناطقة المغروسة في الجنان . والحيوان الصامت يشاركنا فيها ، ولكن مرآة الإنسان أصفى ، فإشراق العقل على نفسه أبهى وأوضح ، فحظه من هذا الظل اكبر . ومن تتبع عالم الحيوان سيعلم انه لبعض الحيوانات القدرة على اختراع بعض الآلات ، كما ورد عن بعض علماء الأحياء . وكمثال القنادس تنصب السدود لترفع منسوب الماء ، فليس للإنسان فضل على الحيوان ، إلا أن ينظر في هذا الظل ليرى الحقيقة والعقل ، ويسير نحوها بالتكامل بالعبادة والشكر والأخلاق الحميدة ، وإلا فان اكتفى بهذا الظل فهو كالأنعام أي كالحيوان الصامت ، وان أزرى بنفسه بالأخلاق الذميمة ، فهو أظل سبيلا . والحمد لله وحده وما أوتينا من العلم إلا قليلا ربي أدخلني والمؤمنين والمؤمنات في رحمتك أنت ولي في الدنيا والآخرة فنعم المولى ونعم النصير )) . من هذا النص يتضح أن وجودنا المادي على هذه الأرض ليس هو الغاية وليس هو نهاية المطاف ، بل هو بالأحرى البداية والمنطلق لحياة أكثر كمالاً في حال سلكنا الطريق السوي ، أو التردي في مهاوي الجحيم في حال أخلدنا الى المادة ( وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) .
هذه التحديد لواقعية الحياة ينعكس بالضرورة على جميع المناهج التي تنظم سلوكنا في هذه الحياة وبما يتلائم مع النتيجة التي ينبغي تحقيقها ، فعلى هذا الأساس يكون المقياس دائماً هو ما يحقق رضا الله سبحانه وتعالى ، ويحوز الإنسان من خلاله نصيبه من التقدم والكمال باتجاه إنسانيته الحقيقية .
فليس المقياس هو مقدار اللذة المزعومة التي يتحصلها الإنسان في عالمه المادي الضيق ، ولا الحرية بمعناها الجنوني الذي هو في حقيقته عبودية للغرائز التي تخنق الروح الإنساني ، إن كل هذه المفاهيم ستجد لها أبعاداً هي أبعادها الحقيقية التي تختلف عن كل التحريفات التي طرأت عليها بفعل التلوث المادي الذي ران على الفطرة الإنسانية السليمة .
يقول السيد أحمد الحسن : (( الحقيقة إنه يوجد خلط كبير لدى أكثر الناس بين التقدم المادي والتقدم الأخلاقي للإنسان فيجعلون كل متقدم مادياً متقدماً أخلاقيا وذلك من خلال خلط الحضارة المادية بالحضارة الأخلاقية وجعلهما واحداً لكل أمة ، وهذا ميزان باطل وقياس باطل وإلا لكان الأنبياء والأوصياء (ع) وأتباعهم ممن خلت أيديهم من قليل وكثير زخرف هذه الدنيا وحضارتها المادية وسلطانها الزائل هم الأحط أخلاقيا وحاشاهم ، ولكان فرعون ونمرود وأشباههم ممن بنوا الأهرامات والأبراج والقصور والمدن الزاخرة هم أصحاب الأخلاق والفكر النير المتقدم وأنى لهم ذلك .
وأيضا لكان المتهم الأول هو هادم ومخرب الحضارات المادية بالعقوبات والمثلات سبحانه عما يشركون .
بل والله ما عرفوا أمرهم فاتعظوا بما كان فيمن سبقهم .
والحقيقة أن التقدم الحضاري الأخلاقي هو مشروع الأنبياء وهو ما جاءوا به من الله سبحانه وتعالى وكل ما موجود لدى الإنسانية من أخلاق كريمة ما هو إلا رشحات من تلك الأخلاق الإلهية التي جاء بها الأنبياء والأوصياء (ع) . وسيد الأنبياء والمرسلين وخاتمهم محمد (ص) حصر بعثه للناس بأنه ليتمم الأخلاق الإلهية قال (ص) ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) فالحق إن أصل ومعدن الأخلاق الكريمة هي تعاليم الأنبياء (ع) والأخلاق هي مقياس التقدم الحقيقي للأمم ولا قيمة لتقدم مادي (حضارة مادية) مهما كان كبيرا إذا لم يرافقه تقدم أخلاقي (حضارة أخلاقية ) ومع وضوح هذه الحقيقة وبساطتها لم يتبينها أكثر الناس .
وكانت النتيجة المنكوسة التي تحصلت لدى كثير من الناس من المقدمات الفاسدة هي أن الحروب التي تخوضها أمريكا ((المتقدمة ماديا وبالتالي لانقاش في تقدمها الأخلاقي !!!)) حق لأنها تهدف لإزالة الظلم والطغيان وإرساء الديمقراطية وحاكمية الناس والحرية . فمن يقف بوجه أمريكا أو القانون الذي وضعته أمريكا وتريد إرساءه على هذه الأرض يكون ظالماً وطاغياً وهكذا انقلبت الموازين ثم أن الخلط الموجود في الساحة العالمية اليوم ساعد على عدم وضوح الرؤية وتشويش الأفكار وأصبح طلاب الحق أندر من الكبريت الأحمر .
وربما لو وجه الناس لأنفسهم هذا السؤال (( من يضع القانون وينصب الحاكم الله أم الناس؟! )) لاتضحت الرؤية لديهم ولعادت لديهم أمريكا وديمقراطيتها وحريتها صنماً يعبد من دون الله حالها حال الطواغيت الذين أزالتهم في أفغانستان والعراق فأمريكا مسخ شيطاني تماما كما أن صداماً وابن لادن (لعنهم الله) وأتباعهم مسوخ شيطانية ، لأنهم جميعا ( أمريكا ، صدام ، ابن لادن وأشباههم ) لم ينصبهم الله سبحانه وتعالى كما أنهم لا يعرفون القانون الإلهي ولا يريدون إرسائه كما يدعي بعضهم ليخدع الناس باسم الدين وهو لا يفقه من الدين شيئاً .
ومن البديهي في الديانات الثلاث أن القانون يضعه الله والحاكم ينصبه الله والنصوص الدالة على ذلك كثيرة في التوراة والإنجيل والقرآن وببساطة فإن القانون في هذا الزمان هو القرآن والإنجيل والتوراة والحاكم هو المهدي وعيسى وإيليا عليهم السلام والكتب السماوية كلها واحد أنزل من واحد والأنبياء والإئمة كلهم واحد أرسل من واحد . أقول لو سأل الناس أنفسهم هذا السؤال وأجابوا بهذا الجواب البين لاجتمعت كلمتهم على التوحيد ولعبدوا الله سبحانه وتعالى وأقروا خليفته في أرضه وقانونه سبحانه ، ولايوجد موحد حقيقي لكل أهل الأرض إلا القانون الإلهي والحاكم الإلهي وهما يوحدان أهل الأرض على الحق والعدل والرحمة . فلابد للمؤمنين من الجهاد لإرساء القانون الإلهي والحاكم الإلهي خليفة الله في أرضه لتمتلئ الأرض قسطاً وعدلاً وأخلاقاً كريمة وحضارة أخلاقية كما هي اليوم مليئة بالظلم والفساد .
بل إن الحاصل هو أن جند الشيطان لعنه الله يقاتلون لإرساء حاكمية الشيطان وخلق الشيطان ، فلماذا لا يقاتل جند الله لإرساء حاكمية الله سبحانه وتعالى والأخلاق الإلهية والحال إن قتالهم وجهادهم هو دفاع عن الحضارة الأخلاقية للأنبياء والمرسلين (ع) في مقابل هجوم يشنه الشيطان وجنده أصحاب الحضارة المادية لمحق الأخلاق الإلهية .
والحقيقة أنه لا يوجد حياد فإما أن تنصر الله وتقر حاكميته وإما أن تقاتل مع الشيطان وعن حاكميته لعنه الله والساكت شيطان أخرس فالذين مع الله مع الله والذين مع الشيطان مع الشيطان والذين على التل كما يسمون أنفسهم شياطين خرس ... فالحضارة الحقيقية هي الحضارة الروحية والأخلاقية المبنية على ما جاء به الأنبياء والأوصياء (ع) وهي واحدة (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) وهي ليست حكراً على قوم دون آخرين بل أن هذه الحضارة الروحية الأخلاقية موجودة وبنسب متفاوتة هنا وهناك على هذه الأرض كما أن نقيضها موجود في نفس المكان الموجودة فيه ولدى نفس القوم الذين يحملون بعضها ويعملون به .
إذن فأهل الأرض بحاجة للبحث عن الحضارة الروحية والأخلاقية الإلهية ، فالحوار يكون للبحث عما يحمله كل طرف وعما يحمله الطرف المقابل له من الحضارة الروحية والأخلاقية وأيضاً عن مدى انحراف كل طرف ومدى انحراف الطرف المقابل عنها (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) وإذا كان البحث موضوعياً وبعيداً عن التعصب الأعمى ستكون النتيجة هي الوصول إلى الحضارة الإلهية الحقة وبالتالي معرفة صاحب الحق الإلهي والإعتراف بحقه عندها يتوحد أهل الأرض على طاعة الله الحقة والصراط المستقيم الذي يريده الله .
ويجب أن يعرف من يبحث عن الحضارة أولا أن الحضارة الحقيقية التي يبحث عنها تنسب إلى الأخلاق والروح أو يمكن أن نقول الدين الإلهي والقيم الأخلاقية ولا تنسب إلى الأرض أو القومية - وربما تبين هذا مما تقدم – فيمكن أن نقول الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية والحضارة اليهودية ولا يمكن أن نقول الحضارة العربية أو الأمريكية أو الرومانية .كما أن الحضارة الإسلامية الحقيقية والحضارة المسيحية الحقيقية والحضارة اليهودية الحقيقية هي المبنية على ما جاء به محمد (ص) وعيسى (ع) وموسى (ع) وأوصيائهم (ع) وليست ما جاء به أو قام به من حكم المسلمين أو المسيحيين أو اليهود ولا ما وصى به العلماء غير العاملين وهذه كلها واحدة وهي الحضارة الإلهية الحقة التي ضيعت وغيبت لمصلحة الحكام الطواغيت والعلماء غير العاملين قال تعالى (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ)
وأيضاً على ضوء ما تقدم ستكون هنالك نتيجة حتمية يجب أن لا نغفلها أو نتغافل عنها مع أولئك الطواغيت أو العلماء غير العاملين الذين لا يريدون سماع الكلمة الطيبة ولا يريدون البحث بموضوعية عن الحضارة الإلهية الحقيقية وأيضاً يريدون تشويه الحضارة الإلهية الحقيقية ونشر مسخ شيطاني على هذه الأرض وإضلال الناس وحرف الناس ليكونوا أتباعا لإبليس لعنه الله في إمتناعه عن السجود لآدم (ع) خليفة الله في أرضه ، أقول إن النتيجة الحتمية مع أولئك هي الصدام الذي لا مفر منه ولا سبيل لتجنبه لأنه يكون عندها الطريق الوحيد لنشر الحضارة الإلهية على هذه الأرض ... فالنتيجة إن الحوار لا يكون بين الحضارات بل هو بين بني آدم للبحث عن الحضارة الإلهية الحقيقية وكذلك الصدام لا يكون بين الحضارات بل بين الحضارة الإلهية الحقيقية ونقيضها أو قل بين النور والظلمة كما يمكن أن يكون الصدام بين الظلمات بعضها مع بعض ، فليس كل من يصطدم بالظلمة هو النور بل ربما كان ظلمة أيضاً ولكن كل من يصطدم بالنور هو ظلمة ، لذا فلابد أن نبحث ونعرف النور وبه نعرف الظلمات )) .
وهكذا فالدعوة اليمانية المباركة – التي هي دعوة الإمام المهدي (ع) – هي ثورة عالمية بكل المقاييس غايتها الإنعطاف بالإنسانية نحو أفق حضاري جديد يحقق للإنسان إنسانيته الحقيقية التي تمرغت طويلاً بطين المادة .
سأختم بما ختم به السيد أحمد الحسن إجاباته على أسئلة السيد المسيحية بالقول : ((س18/ آمل أن لا تنزعج من كلامي وآسفة إذا بدرت من أسئلتي شيء يسئ الأدب واكرر شكري وامتناني على اهتمامك فهذا دليل على روح أخلاقك العالية .في رعاية الأب والابن وروح القدس.
reta . jorj
امرأة مسيحية
2005
*****
ج/ لا انزعج … ولكني حزين لأجلكم فقد تهتم يا أهل الأرض في صحراء المادة كما تاه بنو إسرائيل في صحراء سيناء

أحمد الحسن .