[COLOR="DarkGreen"][SIZE="5"][FONT="Arial Black"][B]التقليد والإجتهادالأحاديث التي استدلوا بها على فكرة الإجتهاد والتقليد المبتدعة :-
القسم الأخير
- ما ورد عن الإمام العسكري (عليه السلام ): ( فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه ) )).
ويرد عليه :
1- أن هذه الرواية ضعيفة ومرسلة بإجماع الشيعة فلا يجوز الاستدلال بها -حسب قواعدكم- فكيف جاز للسيد محمود الحسني الذي يدعي الأعلمية الاستدلال بها ؟!!
2- أنها مؤولة في نقلة الأخبار وليس أصحاب الرأي والاجتهاد فتكون ظنية الدلالة وفي هذه الحالة أيضا لا يمكن للسيد محمود الحسني الاستدلال بها لأنه يشترط في الدليل أن يكون قطعي الدلالة لا ظني.
3- أنها معارضة بروايات متواترة وصحيحة تمنع عن الإفتاء بالرأي والاجتهاد ومن البديهي انه عند تعارض أخبار متواترة مع خبر آحاد ضعيف تقدم الأخبار المتواترة ويؤول الخبر الضعيف ليوافقها أو يرد علمه إلى الله ورسوله (ص) والأئمة (ع) .
4- ومع غض النظر عن كل شيء فان الرواية ليس لها نص أو ظهور في وجوب التقليد بل ورد فيها (( فللعوام أن يقلدوه )) وهذه العبارة ظاهرة في التخيير وليس في الوجوب ، فكيف يصفها السيد محمود الحسني بأنها من الأخبار التي تشير إلى وجوب التقليد. ؟!!
وإلى القارئ المنصف انقل بعض تعليقات العلماء المحققين في هذه الموضوع :
1- الحر العاملي في كتابه وسائل الشيعة ج18 ص94-95 ، قال بعد نقله للرواية :
(( أقول: التقليد المرخص فيه هنا إنما هو قبول الرواية لا قبول الرأي والاجتهاد والظن وهذا واضح، وذلك لا خلاف فيه.....على أن هذا الحديث لا يجوز عند الأصوليين الاعتماد عليه في الأصول ولا في الفروع، لأنه خبر واحد مرسل، ظني السند والمتن ضعيفا عندهم، ومعارضه متواتر قطعي السند والدلالة، ومع ذلك يحتمل الحمل على التقية)).
2- السيد الخميني في كتابه الاجتهاد والتقليد ص97، قال بعد كلام طويل في إثبات ونفي حجية هذه الرواية:
( ....كما ترى ، فالرواية مع ضعفها سنداً ، واغتشاشها متناً لا تصلح للحجية ...).
3- الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر في موسوعة الإمام المهدي تاريخ الغيبة الصغرى ص197 ، قال حول التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري والذي يحتوي على هذه الرواية ((فللعوام أن يقلدوه)) . قال : (( ونسب إليه أيضا ( أي للحسن العسكري ) بشكل غير موثوق ، التفسير المشهور : بتفسير الإمام العسكري . وهو يحتوي على تفسير سورتي الحمد والبقرة .... وهو -على أي حال- ليس بقلم الإمام عليه السلام بل بتقرير بعض طلابه عن تدريسه إياه. فكان عليه السلام يدرس الطالب بحسب ما يراه مناسبا مع فهمه ، وكان الطالب يتلقى عنه ويكتب ما يفهمه منه . ومن هنا جاء مستوى التفسير منخفضاً عن مستوى الإمام بكثير . على أن روايته ضعيفة , ولا تصلح للإثبات التاريخي )). انتهى .
أقول:
ان كلام ( السيد الشهيد الصدر ) واضح في أن تفسير الحسن العسكري (ع) لا يصلح للإثبات التاريخي فكيف السيد محمود الحسني يحتج به في قضية عقائدية وهو لا يصلح حتى للاستدلال الفقهي حسب قواعدكم.
4- المحقق الخوئي في كتابه الاجتهاد والتقليد ص81 ، قال بعد كلام طويل : (( ....ثم أن التكلم في مفهوم التقليد لا يكاد أن يترتب عليه ثمرة فقهية اللهم إلا في النذر. وذلك لعدم وروده في شيء من الروايات . نعم ورد في رواية الاحتجاج (( فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه )) إلا أنها رواية مرسلة غير قابلة للاعتماد عليها...)).
وقال في ص221 : (( أن الرواية ضعيفة السند لأن التفسير المنسوب إلى العسكري -عليه السلام- لم تثبت بطريق قابل للاعتماد عليه فان في طريقه جملة من المجاهيل كمحمد بن القاسم الاسترابادي ، ويوسف بن محمد بن زياد ، وعلي بن محمد بن سيار فليلاحظ...)) .
5- السيد محمد سعيد الحكيم في كتابه مصباح المنهاج –التقليد ـ ص13، قال بعد كلام طويل: (( .... نعم قد يستفاد العموم من التوقيع الشريف :
(( وَأَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إلى رُوَاةِ حَدِيثِنَا فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَأَنَا حُجَّةُ اللَّهِ )).
ومثله ما عن الاحتجاج من قوله عليه السلام : (( فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه )). وما عن أبي الحسن عليه السلام:
(( اعتمدوا في دينكم على كل مسن في حبنا، كثير القدم في أمرنا)).
اللهم إلا أن يُستشكل في الأول بقرب كون الرجوع للرواة لأخذ الرواية منهم، لا لأخذ الحكم الذي استنبطوه منها. مضافاً إلى الإشكالات في الجميع بضعف السند ، خصوصا مع الأخيرين وعدم وضوح الإنجبار بعمل الأصحاب ومفروغيتهم عن الحكم ، لقرب احتمال اعتمادهم على الأدلة الأخر فلا مجال للتعويل عليها في استفادة العموم )) انتهى
- ما ورد عن الإمام صاحب الزمان (عليه السلام ): ( وَ أَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إلى رُوَاةِ حَدِيثِنَا ).
ويرد عليه :
1- هذا التوقيع ضعيف السند بإسحاق بن يعقوب الذي لم يوثق في كتب الرجال وعلى هذا فلا يمكن الاستدلال به حسب قواعدكم .
2- ان هذا الحديث ذكر ( رواة الحديث ) وليس المجتهدين والفرق واضح كما لا يخفى، فلا يمكن تعديته للانطباق على المجتهدين إلا بدليل ولا دليل بل الدليل ضده.
3- صدر هذا التوقيع على يد السفير الثاني مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ الْعَمْرِيَّ أي انه في عصر الغيبة الصغرى والرجوع الذي سأل عنه إِسْحَاقَ بْنِ يَعْقُوبَ والذي أجاب عنه الإمام هو الرجوع في الغيبة الصغرى وليس الكبرى فيكون منطبقاً على السفراء الأربعة لأن الإمام المهدي (ع) لا يمكن أن يرجع الناس الى عامة الرواة في المسائل المستحدثة مع وجود النواب الخاصين وهم السفراء الأربعة لأنهم هم الأبواب اليه (ع) ورجوع الناس الى غيرهم يعتبر نقضاً للغرض من وجودهم ، وخصوصاً بعد ملاحظة بعض القرائن المؤيدة لهذا المعنى كقول الإمام (ع) : (فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ) ومن المعلوم أن الحجة الذي تجب طاعته هو من كان معصوماً فلا ينطبق إلا على المعصوم (ع) أو نائب المعصوم الخاص ، كتوثيق الإمام لمحمد بن عثمان وأبوه ووصفهما بأنهما وكلائه ، بعد هذا الحديث مباشرة ، فربما يكون ذكره لهما من باب ذكر مصاديق قوله (ع) :( رواة حديثنا ).
4- يحتمل أن تكون اللام التي في ( الحوادث ) للعهد ، أي أن هناك مسائل معهودة ذكرت في رسالة إِسْحَاقَ بْنِ يَعْقُوبَ للإمام، وليس معناها لام الاستغراق فتشمل كل الحوادث الواقعة ومما يؤيد ذلك أن كتاب إِسْحَاقَ بْنِ يَعْقُوبَ لم ينقل في الرواية بل اكتفى بقوله :
(( قَالَ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ الْعَمْرِيَّ أَنْ يُوصِلَ لِي كِتَاباً قَدْ سَأَلْتُ فِيهِ عَنْ مَسَائِلَ أَشْكَلَتْ علي فَوَرَدَ التَّوْقِيعُ بِخَطِّ مَوْلَانَا صَاحِبِ الزَّمَانِ (ع) .... )) فالمسائل التي أشكلت على إسحاق بن يعقوب كانت في زمن السفير الثاني محمد بن عثمان العمري (ع) أي قبل انتهاء الغيبة الصغرى بخمسين سنة تقريباً وهي مسائل موثقة باستفتاء إسحاق بن يعقوب أو مطلق المسائل الحادثة في تلك الفترة ، فكيف تطبقون أحكام الغيبة الصغرى على الغيبة الكبرى ؟؟وأنتم تقرون بأن الأحكام تختلف باختلاف العناوين ، وموضوع الغيبة الصغرى قطعاً يختلف عن موضوع الغيبة الكبرى فكيف يحمل حكم احداهما على الاخرى؟؟
واليك بعض تعليقات العلماء حول هذا التوقيع :-
1ـ الفيض الكاشاني في كتابه الحق المبين ص9-10 ، قال :
(( وقال صاحب زماننا - صلوات ربي عليه - : وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله )) وبالجملة قد أذنوا في الأخذ بالأخبار والكتب بالتسليم والانقياد ولم يأذنوا في الأخذ بالآراء والاجتهاد بل نهوا عنه فليس لنا إلا الإتباع والاقتصار على السماع من دون ابتغاء الدليل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل )) .
2- السيد الخميني في كتابه الاجتهاد والتقليد (ص) 100، قال بعد كلام طويل حول هذا التوقيع : ((.... وفيه بعد ضعف التوقيع سنداً - أن صدره غير منقول إلينا ، ولعله كان مكتنفاً بقرائن لا يفهم منه إلا حجية حكمهم في المتشابهات الموضوعية ، أو الأعم وكان الإرجاع في القضاء لا في الفتوى )) .
وقال أيضاً في كتاب البيع ج2 ص474 : (( وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله )) وعن الشيخ ( قده ) روايته في كتاب الغيبة بسنده إلى محمد بن يعقوب والرواية من جهة إسحاق بن يعقوب غير معتبرة )).
2- المحقق الخوئي في كتابه الاجتهاد والتقليد ص358 ، قال بعد كلام طويل نأخذ منه ما يخص هذا التوقيع سنداً ودلالة ، إذ قال : ( ويرد عليه : ..... وكذلك الحال في التوقيع الشريف فان في سنده إسحاق بن يعقوب ومحمد بن محمد بن عصام ولم تثبت وثاقتهما . نعم محمد بن محمد شيخ الصدوق ( قده ) إلا أن مجرد الشيخوخة لمثله لا يقتضي التوثيق أبداً .
هذا مضافا إلى إمكان المناقشة في دلالته ، فان الإرجاع إلى رواة الحديث ظاهره الإرجاع إليهم بما هم رواة حديث لا بما أنهم مجتهدون ...) .
3- السيد أحمد الخونساري في كتابه جامع المدارك ج3 ص100 قال:
( .... والتوقيع لم يعلم المراد من الحوادث الواقعة المذكورة فيها لان الظاهر أن اللام فيه للعهد وما ذكرت من المقربات لا يوجب سكون النفس كما لا يخفى بل يستبعد من جهة أن مقتضى الاستظهار المذكور ثبوت الولاية لكل من يروي ويصدق عليه الراوي ، وهل يمكن ثبوت هذا المنصب الخطير له مضافاً إلى أن الراوي لا يصدق على المطلع على كتب الحديث وإلا لصدق على كل من طالع كتب الحديث انه راوي للحديث .... ) .
- ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام ) : (( إذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس ، وأومأ إلى رجل ، فسالت أصحابنا ، فقالوا ، زرارة بن أعين )) .
ويرد عليه :-
إن الاستدلال بهذا الحديث على وجوب التقليد دونه خرط القتاد لأن الإمام الصادق (ع) أشار إلى الرجوع إلى زرارة لأنه راوٍ لحديثهم لا لأنه مجتهد يفتي برأيه والدليل أن الإمام الصادق (ع) قال : (( إذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس )) ولم يقل إذا أردت أحكامك أو تكليفك. ثم إن زرارة بن أعين يعتبر نائب خاص - حسب تصريح الصادق (ع) - وهذا الكلام خارج عما نحن فيه ، لأننا في مقام هل يجب التقليد في عصر الغيبة الكبرى أم لا ؟ والفرق واضح وشاسع فلا أحد يناقش في وجوب الرجوع إلى نواب الأئمة (ع) الخاصين لأخذ الأحكام والشرائع لأنهم خزنة أحاديث أهل البيت (ص) . والحقيقة أن هذه الرواية أجنبية عن قضية وجوب التقليد وذكرها يعتبر من التطويل بلا طائل !!!
- الأخبار المشيرة إلى الرجوع والإطاعة لأشخاص معينين :
رواية أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (ع) قَالَ: سَأَلْتُهُ وَقُلْتُ مَنْ أُعَامِلُ ) وَعَمَّنْ ( آخُذُ وَقَوْلَ مَنْ أَقْبَلُ فَقَالَ الْعَمْرِيُّ ثِقَتِي فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي وَمَا قَالَ لَكَ عَنِّي فَعَنِّي يَقُولُ فَاسْمَعْ لَهُ وَأَطِعْ فَإِنَّهُ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ قَالَ وَسَأَلْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ (ع) عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَقَالَ الْعَمْرِيُّ وَابْنُهُ ثِقَتَانِ فَمَا أَدَّيَا إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّيَانِ وَمَا قَالَا لَكَ فَعَنِّي يَقُولَانِ فَاسْمَعْ لَهُمَا وَأَطِعْهُمَا فَإِنَّهُمَا الثِّقَتَانِ الْمَأْمُونَانِ .
ويرد عليه :
إن هذا الكلام مما يضحك الثكلى فكيف يُستدل بروايات تدل على النيابة الخاصة ، كنيابة عثمان بن سعيد العمري عن الإمام الهادي (ع) أو نيابته هو وابنه عن الإمام الحسن العسكري (ع) وعن الإمام المهدي (مكن الله له في الأرض) فمن المعلوم انه لا نقاش في وجوب طاعة النواب الخاصين للائمة (ص) وهو من المسلمات لدى الشيعة الإمامية ولكن الكلام في وجوب التقليد لغير النواب الخاصين في زمن الغيبة الكبرى للإمام . فما هذا الخلط في المواضيع ؟، لأنه كما يقال أن الأحكام تدور مدار العناوين. ثم أن هناك فرقاً جوهرياً بين النائب الخاص والمجتهد في عصر الغيبة الكبرى ، وهو أن النائب الخاص وظيفته نقل الرواية فقط لا الرأي والاستنباط والاجتهاد كما هو حال المجتهد في عصر الغيبة الكبرى ، والدليل موجود في نفس الروايتين ، وهو قول الإمام الهادي (ع) في حق العمري : ((.. فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي وَمَا قَالَ لَكَ عَنِّي فَعَنِّي يَقُولُ..)) وقول الإمام العسكري (ع) في حق العمري وابنه : (( ... فَمَا أَدَّيَا إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّيَانِ وَمَا قَالَا لَكَ فَعَنِّي يَقُولَانِ فَاسْمَعْ لَهُمَا وَأَطِعْهُمَا... )) فقولهم قول الإمام (ع) لا رأيهم واستنباطهم فلذلك قال الإمام (ع): ((... فَاسْمَعْ لَهُمَا وَأَطِعْ ... ))
أي أن سبب طاعتهم لأنهم ينقلون عن الإمام فالراد عليهم يعتبر راداً على الإمام المعصوم (ع).
ويدل على ذلك أيضا ما نقله الشيخ الطوسي في الغيبة ص242 ، عن عثمان بن سعيد العمري عندما سئل عن اسم الإمام المهدي ((مكن الله له في الأرض)) فقال :
(( ... مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا عَنْ ذَلِكَ وَلَا أَقُولُ هَذَا مِنْ عِنْدِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُحَلِّلَ وَلَا أُحَرِّمَ وَلَكِنْ عَنْهُ (ع)....)) وهذا بيان واضح من السفير الأول بأنه ليس له أن يحلل أو يحرم بل وظيفته النقل فقط ، وهذا خلاف وظيفة المجتهد في عصر الغيبة الكبرى فانه إذا عرضت عليه مسالة ولم يجد لها شاهداً في القران أوالسنة التجأ إلى الدليل العقلي وأفتى بحسب ما تقضي به الأصول العملية المقرة عنده .
ويدل على ذلك ما نقله الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر في تاريخ الغيبة الصغرى ص443 نقلاً عن غيبة الشيخ الطوسي ، قول السفير الثالث ((عليه السلام)) : ((لأن أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحب إلي من أن أقول في دين الله عز و جل برأيي أومن عند نفسي بل ذلك عن الأصل و مسموع عن الحجة (ع) ))
وقد صرح السيد الشهيد الصدر ((رحمه الله )) بذلك في تاريخ الغيبة الصغرى (ص) 409 ، إذ قال : (( .... أن مهمة السفارة إنما تستدعي هذه الدرجة من الإخلاص لأهميتها وخطر شأنها، ولا تستدعي العمق الكبير في الثقافة الإسلامية، أو سبق التاريخ مع الأئمة عليهم السلام فإنها إنما تعني بشكل مباشر نقل الرسائل من المهدي عليه السلام واليه وتطبيق تعاليمه...))
- ما ورد أن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول لأبان بن تغلب : ( إجلس في المسجد أو مسجد المدينة و أفت الناس، فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك ) .
ويرد عليه :
هنا نقطة مهمة يجب التركيز عليها قبل الرد ، وهي قضية الإفتاء ، فالإفتاء تارة يكون بما ورد عن أهل البيت (ع) كما كان يفعله أبان بن تغلب و زرارة ومحمد بن مسلم و أضرابهم ، وهذا الأسلوب في الإفتاء لا خلاف فيه أبداً .
وتارة يكون الإفتاء بالاجتهاد والرأي والنظر بحيث إذا فقد المجتهد النص الشرعي من قرآن أو سنة , التجأ إلى الأدلة العقلية الأصولية ، كأصالة البراءة والاستصحاب وغيرهما مما ليس هذا محل تفصيله أو نقاشه . وهذا النوع من الإفتاء هو الذي حصل به النزاع بين الشيعة أنفسهم ولم يتحرر النزاع إلى يومنا هذا ، فطائفة جوزته وأخرى منعته ، والمعنى الأول لا نزاع في صحة جوازه أبداً فهو عبارة عن نقل الرواية عن المعصوم (ع) لا غير .
ولا يمكن حمل قول الإمام لأبان (( أفت الناس )) على معنى الإفتاء الاجتهادي المعاصر لعدة أمور: قد صرح الإمام الصادق (ع) في أحاديث أخرى بأنه أحال الناس إلى أبان بن تغلب لأنه راوٍ لحديثهم وقد سمع الكثير منه وان أبان من رواته ومن رجاله وبهذا يكون معنى ( أفت الناس ) أي انقل لهم كلامنا أهل البيت لا أن يفتيهم برأيه واجتهاده .
(( فعَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي حَيَّةَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) فِي خِدْمَتِهِ فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أُفَارِقَهُ وَدَّعْتُهُ وَ قُلْتُ أُحِبُّ أَنْ تُزَوِّدَنِي فَقَالَ ائْتِ أَبَانَ بْنَ تَغْلِبَ فَإِنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِنِّي حَدِيثاً كَثِيراً فَمَا رَوَاهُ لَكَ فَارْوِهِ عَنِّي )) وسائل الشيعة ج19 ص317
وقال الصادق (ع) : (( يا أبان ناظر أهل المدينة، فإني أحب أن يكون مثلك من رواتي و رجالي )) وسائل الشيعة ج19 ص317.
وقال الصادق (ع) لأَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ َ:
(( إِنَّ أَبَانَ بْنَ تَغْلِبَ قَدْ رَوَى عَنِّي رِوَايَةً كَثِيرَةً فَمَا رَوَاهُ لَكَ عَنِّي فَارْوِهِ عَنِّي )) وسائل الشيعة ج19 ص318.
وذكر الحر العاملي أن أبان نقل عن الصادق (ع) ثلاثين ألف حديث كما هو المشهور.
أقول : صار واضحاً أن العلة التي من أجلها أمر الإمام الصادق (ع) بالرجوع إلى أبان بن تغلب هي ما ورد في كلام الإمام الصادق (ع) مثل: (( فَإِنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِنِّي حَدِيثاً كَثِيراً))
ومثل: (( أحب أن يكون مثلك من رواتي و رجالي )) .
ومثل : ((أَبَانَ بْنَ تَغْلِبَ قَدْ رَوَى عَنِّي رِوَايَةً كَثِيرَةً ))
وكيف يتوقع أن أهل البيت (ع) يجوزون للناس الإفتاء بالرأي والاجتهاد وهم الذين ورد عنهم (ع) بأنهم أنفسهم لا يجوز لهم ذلك مع أنهم معصومون عن الزلل والخطأ ؟!!
( عن أبي جعفر(ع) أنه قال : (( لو أنا حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا و لكنا حدثنا ببينة من ربنا بينها لنبيه فبينها لنا )) بصائر الدرجات (ص) 299.
وعن الباقر(ع) : ((إنا لو كنا نفتي الناس برأينا و هوانا لكنا من الهالكين و لكنا نفتيهم بآثار من رسول الله (ص) و أصول علم عندنا نتوارثها كابر عن كابر نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم و فضتهم )) بحار الأنوارج2ص172/ ميزان الحكمة ج3 ص 2374 لمحمدي الريشهري.
وعن الصادق (ع) : ((فو الله ما نقول بأهوائنا و لا نقول برأينا و لا نقول إلا ما قال ربنا )) الأمالي (ص) 60 للشيخ المفيد / بصائر الدرجات ص320 /البحار ج2 ص173 .
وعن علي بن الحسين (ع) : (( إن دين الله عز و جل لا يصاب بالعقول الناقصة و الآراء الباطلة و المقاييس الفاسدة و لا يصاب إلا بالتسليم فمن سلم لنا سلم و من اقتدى بنا هدي و من كان يعمل بالقياس و الرأي هلك و من وجد في نفسه شيئا مما نقوله أو نقضي به حرجاً كفر بالذي أنزل السبع المثاني و القرآن العظيم و هو لا يعلم )) كمال الدين ص324/ البحار ج17 (ص) 262 .
- الروايات التي تشير إلى أن العلماء ورثة الأنبياء :-
ومنها ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام ) : (( إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَذَاكَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُورِثُوا دِرْهَماً وَلَا دِينَاراً وَإِنَّمَا أَوْرَثُوا أَحَادِيثَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ...))
ويرد عليه :
من الواضح انه ليس كلما ذكرت الروايات كلمة ( العلماء ) فالمقصود به عامة العلماء بل أكثر الروايات التي تتطرق إلى مدح العلماء وعلو منزلتهم وأنهم أفضل البشر بعد الأنبياء، فالمقصود من هكذا روايات هم علماء آل محمد وهم الأئمة المعصومين (ع). ومن البديهي انه لا يعقل أن يكون فقيه غير معصوم قابل للخطأ والانحراف أفضل من نبي من أنبياء بني إسرائيل (ع) كنبي الله موسى (ع) أو نبي الله عيسى (ع) روح الله ، فمهما بلغ الإنسان من الكمال دون العصمة لا يفضل على الذي يمتلك العصمة . وقد صرحت الروايات المتواترة بان الأئمة المعصومين (ص) هم ورثة الأنبياء فأنت تقرأ في الزيارة : (( السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُوسَى كَلِيمِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ عِيسَى رُوحِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللَّهِ ))
فهل يستطيع أحد أن يزور عامة العلماء بهذه الزيارة المخصوصة للأئمة (ع) اللهم إلا أن يكون من الذين لا يتورعون من التعدي على منازل الأئمة (ع).
والدليل على أن المقصود من العلماء في هذه الرواية ونظائرها هم الأئمة (ع) الروايات الآتية التي تنص على أن العلماء الحقيقيين هم الأئمة المعصومين (ع) لا غير أما غيرهم فهم متعلمون أو غثاء كغثاء السيل:
عن الصادق (ع) انه قال : (( يَغْدُو النَّاسُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ عَالِمٍ وَمُتَعَلِّمٍ وَغُثَاءٍ فَنَحْنُ الْعُلَمَاءُ وَشِيعَتُنَا الْمُتَعَلِّمُونَ وَسَائِرُ النَّاسِ غُثَاءٌ )) الكافي ج : 1 ص 51 .
وعن أمير المؤمنين (ع) : (( إِنَّ النَّاسَ آلُوا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ (ص) إلى ثَلَاثَةٍ آلُوا إلى عَالِمٍ عَلَى هُدًى مِنَ اللَّهِ قَدْ أَغْنَاهُ اللَّهُ بِمَا عَلِمَ عَنْ عِلْمِ غَيْرِهِ وَ جَاهل مُدَّعٍ لِلْعِلْمِ لَا عِلْمَ لَهُ مُعْجَبٍ بِمَا عِنْدَهُ قَدْ فَتَنَتْهُ الدُّنْيَا وَفَتَنَ غَيْرَهُ وَمُتَعَلِّمٍ مِنْ عَالِمٍ عَلَى سَبِيلِ هُدًى مِنَ اللَّهِ وَنَجَاةٍ ثُمَّ هَلَكَ مَنِ ادَّعَى وَخَابَ مَنِ افْتَرَى )) الكافي ج : 1 ص51.
ومن كلام للإمام الرضا مع أحد أصحابه نأخذ منه مقدار الحاجة (( ... أفتدري من السفهاء؟ فقلت : لا يا ابن رسول الله . فقال: هم قصاص من مخالفينا و تدري من العلماء؟ فقلت :لا يا ابن رسول الله. قال: فقال: هم علماء آل محمد (ع) الذين فرض الله عز و جل طاعتهم و أوجب مودتهم.... )) معاني الأخبار ص 180.
المفضلات