نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


عبدالله احمد

تأليف: جمال سنكري

الناشر: دار الساقي

يقتفي كتاب جمال سنكري «مسيرة قائد شيعي»، الصادر عن دار الساقي (ترجمة آصف ناصر)، سيرة العلاَّمة محمد حسين فضل الله وحياته الفكرية والسياسية والدور المهم الذي لعبه في قيام الجمهورية الإسلامية الشيعية في إيران، ويتطرق إلى بعض الفتاوى الدينية المثيرة للجدل لفضل الله والتي شكلت خروجاً عن المألوف الديني الشيعي وتحدياً لعلماء الدين الشيعة، ويثير التباين الحاصل بين فضل الله والمرجعية الشيعية في إيران، وبينه وبين حزب الله في لبنان.

الفكر والعمل

يقدم سنكري كتابه فيعتبره محاولة لتحليل الأداء الوظيفي والعملي لفضل الله ولدراسة أفكاره السياسية وذهنيته، مع إيلاء منهاجه وأساليب عمله أهمية خاصة، من ضمن إطار يتجلى في ديناميكية الارتباط بين فكره وعمله، مع الإضاءة على الارتباط بين تفسيره النصي وملاءمته مع واقعية القرائن التاريخية في الرؤية الإسلامية. ويثمن الكتاب، القاعدة الصلبة التي اعتمدها السيد فضل الله وتأثيره من خلال محاضراته وخطبه ومواعظه، بالإضافة إلى المواقف السياسية التي اتخذها كرجل شيعي لبناني يتعاطى الشأن العام، حيث كانت للسيد فضل الله مساهمة فاعلة، كذلك سيوفر الاطلاع على أدائه الفكري معلومات جمة عن الحركة الإسلامية الشيعية في لبنان والعراق، وأساساً لفهم تأثيره الواسع في مجالي السياسة والاجتماع بين الناشطين الشيعة والسنة في لبنان وعلى نحو أشمل في العالم العربي كله.

يرى الكاتب أن أيديولوجية السيد فضل الله الفكرية والسياسية صقلتها قوى وعوامل معينة معاصرة موجودة في الشرق الأوسط، أي ان توجّهه الأيديولوجي وسلوكه السياسي تفاعلا بتداخل عوامل محلية وإقليمية عملت وما زالت في الأوساط الشيعية في العراق وإيران ولبنان، هذا ما يعارض التحولات في الخلفية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي حصلت في العراق الحديث من العام 1920 حتى 1966، التحولات المعاصرة في الساحة اللبنانية منذ منتصف الستينات حتى بداية التسعينات، والثورة الإيرانية منذ العام 1979. يظهر الكتاب أصول السيد فضل الله ويتمعن الكاتب في الأداء الفقهي والسياسي الذي مارسه.

شخصية اسلامية

يعتبر سنكري كتابه هذا مبنياً على افتراضات عدة، أولها وأهمها أن السيد فضل الله شخصية إسلامية راديكالية براغماتية، وصف نفسه من خلال طروحاته بأنه ثوري وعقلاني في آن واحد، إذ أنه يدعو إلى استراتيجية طويلة الأمد لإحداث التحول الجذري في المجتمع، فهو يعتقد أن الإنسان الثوري عقلاني بالضرورة لكونه يستخدم ذهنه لصوغ الوسائل وتنقيحها؛ تلك الوسائل التي تؤسس وتستعرض الجدول الزمني لإنجاز مثل هذه الأهداف الكبيرة. ومن هنا يعتبر الكاتب أن السيد فضل الله راديكالي لأنه يعيد صوغ الكثير من الصيغ الشرعية والمبدئية المعمول بها وشرحها، في قلب مستحدث، على رغم أنه يستقيها من مصادرها الفقهية، فهو يقدم تحليلاً وافياً للأنظمة والتشريعات التقليدية الإسلامية في فحوى يتماشى مع الزمن الحاضر، ليخاطب الحاجات الفورية والمركزية للمسلم الملتزم. كذلك يقدم قراءة متأنية للأحداث السياسية الجارية والتطورات على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، مع التأكيد على أن الإسلام يجب أن يلعب دوراً رئيساً في مجمل الأحداث.

ويرى سنكري أن السيد فضل الله يعتنق بإخلاص فكرة العدالة والحرية بمفهومها الإسلامي لتكون نموذجاً دولياً يُحتذى به، مع الإبقاء على الأهداف الثورية الطويلة الأمد، لدرجة أنه يحبذ إعادة هيكلة النظام الإسلامي على صُعُد الاقتصاد والاجتماع والسياسة في العالم الإسلامي الواسع، ومن ثم الأسلمة التدريجية للعالم غير المسلم، فهو بلا جدل شخصية راديكالية. وعلى الرغم من تفكيره الراديكالي وطبيعة أهدافه الثورية إلا أنه يتمتع بشخصية براغماتية تظهر من خلال تعاطيه مع الكثير من القضايا المحورية لدرجة أنه قد يبدو متناقضاً مع راديكاليته.

يعتبر سنكري أن النظرة المعمقة إلى براغماتية السيد فضل الله في قضايا عدة تبرر هذه الآراء فيه؛ فهو يرى أن السعي إلى إقامة دولة إسلامية في لبنان الحديث غير عملي ينطوي على مغامرة، على الأقل في المستوى المنظور، على أن تحرير فلسطين يمكن أن يتخذ المسار نفسه الذي اعتمده حزب الله في عملياته في جنوب لبنان. أما بالنسبة إلى الانتخابات البرلمانية، فقد آزر فضل الله عام 1992 هذه العملية مشجعاً الجماعات الإسلامية على المشاركة فيها، ودعا إلى تحالف سني-شيعي حول القضايا الشرعية والفقهية وصولاً إلى التضامن السياسي، فهو يُعتبر من دعاة الحوار المسيحي- الإسلامي في لبنان ومدافعاً جسوراً عن العيش المشترك والمصالحة الوطنية.

تحرر

يبحث سنكري في كون السيد فضل الله علاَّمة يدعو إلى الإنعاش النفسي والتحرر السياسي مستنداً في ذلك إلى نظريته في العدالة والتحرر وهي النظرية المستوحاة من القرآن والتي تؤكد أن المستضعفين والمظلومين سيرثون الأرض، ويطبق ذلك على أرض الواقع عندما يسعى الملتزمون بالعقيدة إلى تحرير المستضعفين والمظلومين من فساد السيطرة الخارجية الأجنبية.

يرى الكاتب أنه لا بد من البحث في أن تألق شخصية فضل الله، في أعقاب اختفاء السيد موسى الصدر، كان شاقاً سواء على صعيد اليقظة الدينية أو على صعيد التعاطي الشيعي الراديكالي في السياسة اللبنانية، حيث تعتبر الطائفة الشيعية نفسها أكبر طائفة من حيث العدد، وذلك ما يُؤكده تنامي الحركة الإسلامية الشيعية في لبنان، والتي لعب فيها السيد فضل الله دوراً قيادياً لا يستهان به بفعل كفايته الشرعية والسياسية، كذلك يُعتبر قدوة لحزب الدعوة وكوادره بينما تُعتبر كتاباته ومواعظه الأساس الأيديولوجي لتشكيل حزب الله وحزب الدعوة. إستخدم علاقته الفريدة مع حزب الله لنشر تأثير مكاتب هذا الحزب ودوائره، ويستخدم أقنيته الخاصة لبلوغ أهدافه، فقد تجاوز بتأثيره الأيديولوجي كوادر حزب الله وحزب الدعوة، ووصل إلى عامة الناس من الشيعة في لبنان، هؤلاء الذين يشعرون بالحرمان والقهر، ووصل إلى الناشطين والمفكرين من السنَّة. وعلى رغم أن فضل الله لا يحتل أي موقع رسمي في أي حزب، فإن دوره التنظيري في حزب الله وحزب الدعوة يتلاءم مع كفايته الفقهية المعترف بها من قبل الشيعة في لبنان، وعلى نحو أقل في العراق ودول الخليج.

يبين الكاتب أنه من الخطأ الافتراض بأن العلاقة بين فضل الله وحزب الله كانت العامل الحاسم في تألّق الأول وأن سرعة انتشار أيديولوجيته وأفكاره قد يكون لها علاقة بالصلة الوثيقة التي تربطه بحزب الله الذي يُعتبر حركة مقاومة ناجحة وملهمة. وحتى لو كان للسيد فضل الله علاقة بحزب الله، يرى سنكري أنه من المستبعد أن يكون لذلك تأثير على شهرته وتميّزه المعترف بهما في مجال الفقه والتشريع.

تقصير

ويشير إلى أنه لم يُكتب حول شخصية فضل الله أي كتاب بلغة أجنبية، ما خلا مقالتين أكاديميتين تناولتا فكره، كتبهما الباحث الفرنسي أوليفيه كاريه، بالإضافة إلى دراستين باللغة الإنكليزية في العام 1955 جُمعتا في كتاب. ويعتبر الكاتب أن المؤلفات الإنكليزية تبدو عموماً مقصرة في استيعاب العوامل التي بلورت طفولة فضل الله وفتوته وتوضيحها، بالإضافة إلى تطور فكره الإسلامي بدءاً من العراق ودوره في الحركات الإسلامية والشيعية في لبنان. تركز الدراسات العربية والإنكليزية، حسب سنكري، على الروابط الغامضة والمثيرة للجدل التي تربط فضل الله على صعيد الحركات الإسلامية الشيعية في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، وكذلك علاقته الوطيدة مع حزب الدعوة الإسلامية، وعلى رغم علاقته التي تبدو حميمة مع حزب الله، فإنها كانت تمر أحياناً بمنعطفات سمتها البارزة الجمود والاضطراب مع بعض التعقيد.

ويرى الكاتب أنه لا يمكن وصف العلاقة بين السيد فضل الله وحزب الله بالتناغم والتكافل اللذين توحيان بهما، وهذا ما سيتناوله في كتابه، لكن لا يمكن التغاضي عن الوسطين العراقي واللبناني اللذين عاش فيهما السيد فضل الله لاستنتاج صورة حقيقية عن فكره ونشاطه ورأيه، من المنظور الإسلامي، لمجمل الأحداث العالمية، وكذلك الأطوار البالغة التعقيد التي صنعت منه منظّراً ومفكراً أيديولوجياً راديكالياً. فالعراق بلد المولد والنشأة والتبلور والتطور، أتاح له علاقة غير رسمية مع حزب الدعوة سبقت علاقته مع حزب الله وظهرت بواسطته الحركة الإسلامية الشيعية على الساحة اللبنانية. ولبنان بلد أصوله وأجداده ومسكنه من عام 1966 حتى عام 1996، صقل فيه هذه الشخصية وأتيح له نشاط أدبي ومواقف تجاه مجمل القضايا العامة من دون تضخيم لعلاقته مع حزب الله التي كثيراً ما يساء فهمها، لذا يقتضي تجاوز هذه المقولات لتحليل التداخل بين النظرية والتطبيق، هذا التداخل الذي يجسد حقيقة التغيير والصلة بين البراغماتية والراديكالية.