لجنة حكومية عراقية للتحقيق بفضيحة ميتم فجر


اعتقال مشرفين وهرب اخرين والايتام الى كربلاء لرعايتهم





نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
غرفة مليئة بالاطعمة كان المشرفون يبعونها لحسابهم



أسامة مهدي من لندن


استجابت الحكومة العراقية لحملة الغضب المحلي والعالمي حول الاوضاع المأساوية لنزلاء ميتم "فجر" في بغداد الذين تناقلت اجهزة الاعلام صورهم المرعبة وهم ملقون عراة على ارض الميتم الاسمنتية وقد تعرضوا لاعتداءات مختلفة فأعلنت عن تشكيل لجنة رسمية للتحقيق في الفضيحة بينما امر رئيس الوزراء نوري المالكي باعتقال المشرفين على الميتم لكن معظمهم هرب وتوارى عن الانظار .. في وقت ارجع وزير العمل والشؤون الاجتماعية محمود الشيخ راضي تعري الصبية الى انقطاع التيار الكهربائي وشدة الحر متهما الاعلام بفبركة قصة الميتم.

فقد اعلن نائب رئيس الوزراء العراقي سلام الزوبعي عن تشكيل لجنة تحقيقة "بشأن الانباء التي تناقلتها بعض وسائل الاعلام عن وجود خروقات انسانية في احد دور الايتام المخصص للاطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة". واكد "على ضرورة محاسبة المقصرين بشدة بعد انتهاء اللجنة من تقصي الحقائق والوقوف على حيثيات المسألة والتباحث مع وزير العمل والشؤون الاجتماعية وزير حقوق الانسان وبعض المسؤولين في الوزارتين حول الامر" كما قال بيان عن مكتبه الذي اشار ايضا الى تخصيص مبلغ عاجل من المال من اجل دعم الدار وسد احتياجات الاطفال المقيمين فيه لكنه لم يذكر قيمته.

ويأتي هذا الاجراء اثر الكشف عن مزيد من المعلومات عن فضيحة معاملة سيئة لاربع وعشرين صبيا وجدوا عراة يضطجعون على ارض غرفة مطلة لاتحتوي على شبايبك في احدى غرف الميتم الاسمنتية وكانت اجسادهم من الضعف وحالتهم الصحية من السوء بحيث ان احدا منهم لم يقو على الوقوف حين داهم جنود عراقيون واميركيون الميتم ليكتشفوا الصبية وقد ربط عدد منهم باسرة نوم الغرفة في حي الفجر بالضاحية الشمالية الغربية لبغداد.

اوضاع مزرية للصبية والمالكي يأمر بأعتقال المسؤولين



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
مشرفة الى جانب صبية عراة على الارض


وقال ضابط اميركي انه وجد الاطفال عراة وملقون على الارض في حالة مزرية وقد بدت عظامهم واضحة للعيان من شدة الجوع وظهرت على اجسادهم حالات تعذيب واعتداء جنسي. واشار الى ان القوات المشتركة اعتقلت في عملية الدهم ثلاثة من العاملين في المبنى الحكومي المخصص لرعاية الاطفال الايتام وذوي الحاجات الخاصة هما مشرف وحارسين بينما هرب العاملون الاخرون. وقال الضابط ان حالة الاطفال قد افزعت الجنود الذين داهموا المركز.

ومن جهتها ذكرت مصادر في الجيش الاميركي لشبكة "سي بي أس" الاميركية ان العديد من الاطفال الاربع والعشرين الذين عثر عليهم في المبنى كانوا غير قادرين على الوقوف والحركة بسبب حالة الهزال التي سببتها المجاعة وبعضهم كان مربوطا في السرير لمدة تجاوزت الشهر. وقال أحد الضباط الأميركيين إنه كان بإستطاعة أي شخص أن يعد عظام الأطفال بسبب النحول الذي يعانون منه. واكد أن بعض الاطفال تعرضوا لحالات من الإعتداء الجنسي مشيرا الى ان هذه الحادثة تمثل إختبارا قاسيا للحكومة العراقية لا سيما وأنها كشفت عن هشاشة السلطات الصحية العراقية في واحدة من اهم مرافق الصحة في أي مجتمع في العالم.

وتتراوح اعمار الصبية بين 3 و15 عاما كانوا عراة ونحيلي الاجساد فيما وجدت غرفة مجاورة مليئة بالملابس والاطعمة حيث كان المشرفون يبيعونها الى الاسواق المحلية ويحرمون هؤلاء الصبية النزلاء منها. وقد قام الجنود العراقيون والاميركان بنقلهم في سيارات اسعاف على عجل الى مستشفى قريب لتلقي الرعاية الصحية والمزيد من العلاجات. ويؤكد الجنود انهم وجدوا في غرفة اخرى ثلاثة صبية عراة ومعتدى عليهم جنسيا يضطجعون على ارضها الاسمنتية.

وكان هؤلاء الصبية الاربع والعشرين قد نقلوا الى ميتم "فجر" من دار لرعاية الاطفال بمنطقة العطيفية في بغداد في ايار (مايو) الماضي اثر تعليمات من وزارة الصحة بفصل الاولاد عن البنات في الدار. واكد طبيب في المستشفى الذي نقل اليه الصبية ان وضعهم الصحي والنفسي في تحسن حيث سيتم نقلهم بعد ايام الى مدينة كربلاء (115 جنوب بغداد) لوضعهم تحت اشراف المختصين بالرعاية الاجتماعية. وقد امر رئيس الوزراء نوري المالكي باعتقال المشرفين على الميتم لكن معظمهم قد هرب ولم تتمكن السلطات الا من اعتقال مدير الملجأ واثنين من الحراس فيما بدأت وزارة الصحة بالتحقيق معهم قبل احالتهم الى السلطات القضائية.

ومن جانبه قال الناطق باسم عملية "فرض القانون" في بغداد العميد قاسم عطا إن القوات داهمت الملجأ إثر تلقي بلاغات بتعرض الأطفال هناك لانتهاكات.



وزير العمل العراقي : الصبية كانوا عرايا بسبب شدة الحر




نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
مجموعة من الصبية عراة او شبه عراة


واتهم وزير العمل والشؤون الإجتماعية العراقي القوات الأميركية وقنوات إعلامية ب"الفبركة والمبالغة" بعرضها صور الايتام.

وقال الوزير محمود الشيخ راضي خلال مؤتمر صحفي في بغداد عقده للتعليق على القضية إن القنوات التلفازية التي تناقلت الحدث "ساهمت بشكل غير موضوعي في تضخيم ما قامت به القوات الأميركية من عملية في تلك الدار." وأضاف " كم هو مخجل هذا الفعل" في إشارة إلى بث القنوات لصور أولئك الأطفال. وأضاف الوزير راضي " أنا شخصيا كوزير اتحمل المسؤولية الأخلاقية عن كل ما يحصل في هذه الوزارة ومنها ماحصل في تلك الدار.. وأنا اعتبر نفسي المسؤول الأول لما يحدث."

واتهم الوزير العراقي القوات الأميركية ب "فبركة الحدث" ، وقال "إن الموضوع الذي خلقته القوات الأمريكية يحتاج إلى تحليل موضوعي خاضع لتفهيم منطقي بعيدا عن التهييج والانفعالات العاطفية." وأضاف "إن ما قامت به القوات الأمريكية "يشكل في حقيقته إمتحانا لكرامة هؤلاء الأبناء وتشهيرا بهؤلاء المساكين وتصويرهم.. واعتقد أن من ارتكبوا هذه المداهمة يستحقون أن يحاكموا."

واعتبر الشيخ راضي أن مداهمة القوات الأميركية للدار "في وقت متأخر من الليل يخفي نيات مبيتة وسيئة من الأميركيين" . وتساءل قائلا "هل هناك من يأتي بدوافع إنسانية ليقتحم دارا فيها مرضى الساعة الثانية بعد منتصف الليل؟.. ولماذا اختير هذا الوقت المتأخر للمداهمة إذا كانت النيات سليمة وذات طابع إنساني كما يحاول الأمريكان إظهار أنفسهم ؟." وأضاف "هل يقبل عاقل أن يكون ترويع هؤلاء الأبناء وإدخال الرعب في نفوسهم في هذا الوقت المتأخر عملا إنسانيا..؟."

وارجع الوزير العراقي تعري الأطفال الى " إنقطاع التيار الكهربائي وشدة الحر" وقال ان وجود آثار قيود حول معاصم البعض منهم كان "بسبب اجتهاد المربيات في هذه الدار من ربط أيدي إثنين منهم بسبب معرفتهم بأن هؤلاء الأولاد يقومون على تناول فضلاتهم، لأنهم لا يستطيعون التمييز بين الأكل والفضلات." وقال "اوعزنا فورا إلى السيد المفتش العام لإجراء تحقيق فوري في الحادث، ونحن بانتظار استكماله لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل مقصر مهما كان وسنعلن على الملأ نتائجه."

وكانت فضيحة الميتم قد اكتشفت مصادفة بعد أن شاهد عدد من الجنود الأميركان الاسبوع الماضي عبر سياج عددا من الأطفال وهم ملقون على الأرض عرايا حيث ابلغ العريف "مايكل بيل" شبكة الأخبار التلفزيونية الأميركية CBS التي تهتم بشؤون الأطفال قائلاً "لقد رأيت هؤلاء الأطفال الذين يمكن أن تروا كل عظم من عظامهم بشكل واضح لإنهم كانوا نحيلين جدا ولم يكونوا قادرين على الحركة او التعبير عن انفسهم بالكلام أو بالإشارات". وقال الملازم اول "ستيفن دوبر": "كان هؤلاء الأطفال مربوطين وعرايا ومرميين كالنفايات وكان هناك ثلاثة أشخاص يطبخون لأنفسهم الطعام لا لهؤلاء الأطفال المساكين". ووصف النقيب "بنيامين مورالز" غضبه عندما اكتشف ان المسؤول عن ملجأ الأيتام يحتل مكتباً فاخراً ومخزناً مملوءاً بالطعام وبالملابس وبدلاً من يعطيها للأطفال اليتامى فإنه يحتفظ بها ليبيعها في السوق السوداء.

ملايين اليتامى في العراق بسبب الحروب والعنف

ومؤخرا أكدت دراسة متخصصة لمنظمة اليونيسيف التابعة للامم المتحدة في بغداد ان عدد الاطفال الايتام في العراق يتراوح بين4 و 5 ملايين طفل وانهم في تزايد نتيجة الاعمال المسلحة والوضع الامني غير المستقر. وتقول رئيسة لجنة المرأة والطفولة في مجلس محافظة بغداد، الدكتورة زينب الغربان إن الوقوف على حجم مشكلة عدد الايتام في العراق بشكل كامل وفي ظل هذه الظروف أمر غاية في الصعوبة لكن البدء بها بشكل تدريجي وجزئي والعمل على حل جزء منها ممكن مضيفة انه رغم وجود جهات معنية بمتابعة هذه المشاكل الاجتماعية ومنها مشكلة تنامي أعداد الأيتام وغيرها والعمل على علاجها الا انها لم تبادر بذلك.

وقالت دراسة عراقية انه يوجد في بغداد حاليا 8 دور للأيتام فيما تنتشر 18 دارا في بقية المحافظات العراقية وان كل هذه الدور لا يمكنها أن تتسع لأكثر من ألف فرد. ومن المفترض أن تقدم الحكومة لهذه الدور مبلغ 650 ألف دولار سنويا لكن أرقاما تكشف عن حالات اختلاس من هذه المبالغ.

ويفتقد غالبية الأيتام للرعاية الطبية والنفسية حيث أظهرت الدراسة ان 8 أيتام من كل 10 يعانون مرضا نفسيا وان 7 من كل 10 لم يحظوا برعاية صحية إطلاقا .. فيما يحظي عدد محدود من الأيتام بدعم من جمعيات ومنظمات محلية تعاني أصلا من ضعف التمويل.

ويقول ممثل اليونسيف في العراق "روجرت رايت" انه رغم استمرار البرامج الموجهة للأطفال التي يصل تمويلها الي نحو مئة مليون دولار سنويا في شتي انحاء العراق منذ عام 2003 والتي تنفذها الحكومة العراقية بدعم من الامم المتحدة الا أن هناك تباينا مؤسفا في مستويات التنفيذ وتأثيراته الايجابية . واضاف ان الجهود اللازمة لسد حاجة الأطفال ولا سيما في المناطق الاكثر حرمانا في محافظات الجنوب لا تتناسب مع تلك الامكانيات المتاحة كما ان تفاقم حالة انعدام الامن والاستقرار بسبب القتال الدائر هناك، يشكل تحديا انسانيا كبيرا يواجه أطفال العراق.

واشارت وزارة التخطيط والتعاون الانمائي العراقية في تقرير لها بالاشتراك مع مع برنامج الامم المتحدة الانمائي العام الماضي الى ان اوضاع مأساوية يعيشها الاطفال العراقيون حيث ان 18% منهم يعانون من سوء التغذية و 8% من سوء التغذية الحاد و 23% من سوء تغذية مزمن.

وقال التقرير ان عدد الأطفال الايتام في العراق يبلغ حوالي ملايين طفل اضافة الى 900 الف معوق واكثرمن مليون ونصف المليون ارملة زيادة على مئات الالاف من المطلقات واغلب هؤلاء النساء يقمن باعالة نحو 7 ملايين طفل ويعشن في مستوي مترد دون الحد الادني للمستوي المعيشي ويعانين من امراض عديدة مزمنة وخطيرة نتيجة الحروب المستمرة وتزايد الاعمال المسلحة.

واشار التقرير الى ان ايتام العراق لايلقون رعاية خاصة كأمثالهم في دول اخري بل ان عددا كبيرا منهم لم يذهب الي المدرسة بسبب سوء أوضاع عائلاتهم المادية ما يدفع بعضهم الي العمل في مهن مختلفة. ورغم ان نظام شبكة الرعاية الاجتماعية الذي نظمته وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية قد شمل برواتبه قرابة 180 الف شخص الا ان الأيتام ما زالوا في آخر سلم الاهتمام في الدولة، حيث لم تنشأ ومنذ ثلاث سنوات دور إضافية لرعاية الايتام الا قلة قليلة، فيما لم تكن قد أنشئت مثل تلك الدور في السنوات العشر الاخيرة بسبب ما كان يمر به العراق من حصار اقتصادي.

وغالبا ما ينتمي الأطفال الايتام الي عائلات فقيرة حيث ان آباءهم لم يكونوا موظفين في الدولة لذلك فليس بمقدورهم العيش برواتب أسرهم التقاعدية وتركت أعمال العنف في العراق التي غالبا ما يكون ضحاياها من المدنيين جيلا كبيرا من الأيتام لا يحصلون على الرعاية الصحية اوالتعليمية اوالمعيشية.