رجال الدين وضرورات الثقافة

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
عبد الرحمن الراشد * - « صحيفة الشرق الأوسط » - 19 / 4 / 2007م - 9:07 ص
قرأت فتوى غاضبة من أحد المجتهدين دينيا، والغاضبون منهم كثر هذه الأيام، يعلن بان كذبة ابريل حرام في الاسلام، مع انها مجرد مزحة بريئة بين الاصدقاء. وفي نفس الصحيفة طالعت فتوى يقول صاحبها انه يجوز للرجل ان يتزوج بنية الطلاق، أي يجوز له ان يكذب على امرأته حتى يقضي وطره. وشتان بين تحريم المزاح وتحليل الاستغلال.

الوسط الديني، الذي تزايد المشتغلون فيه، بات عاجزا عن توحيد مراجعه وصار كل يجد مخارج «شرعية» للتشدد او التساهل، في ما كرهه او تمناه. والبعض لجأ الى التغليف تحت مسميات مختلفة كالمرابحة بدل الفائدة، والمسيار بدل المتعة، والأصوات الغنائية بدل الموسيقى، وغيرها من المناطيد التي تسهل عملية القفز.

وصارت الساحة تعج بالفوضى سواء في الطرح او الممارسات، بعضها يحرم الاحتفال بالورد الاحمر من جانب ويجيز اطفال الانابيب من جانب آخر. وبعضها يربك النظام الاجتماعي السائد فيسمح بحبوب الفياغرا ويمنع عوازل الجماع في آن واحد.

ولا أحد يستطيع ان يلوم المجتهدين على التضارب والاختلافات التي اشغلت الناس وحيرتهم. فقد اوقعت المستجدات التقنية والعلمية المفسرين في اشكالات لم تكن على ذي بال عالم دين من قبل، وكذلك خلطت التغييرات الاجتماعية المفاهيم خاصة بفعل حركة النزوح الجماعي الضخم بين المدن والأرياف والدول والقارات، والتداخل المعلوماتي.

والدين ان يكون اكثر قدرة على استشراف المستقبل، وأكثر فهما للعلوم الحديثة، واقدر على حساب نتائجها، على اعتبار ان فتوى واحدة قد تدفع الى كارثة او تحول دون أخرى. وهناك تجربة تستحق التذكير مرة ثانية وهي الكيفية التي تعاملت بها ايران مع قضية تحديد النسل. ففي السابق كان من بين طروحات المعارضة الدينية ضد نظام الشاه قوانين تنظيم الاسرة لأنه سعى للحد من التوالد. اعتبروه كفرا وهاجموه. وبعد الثورة الايرانية درس علماء الدين الايرانيون الاسباب وخلصوا الى نفس النتيجة، ان ايران على شفا انفجار سكاني ولا بد من الحد منه وإلا فان للتكاثر تبعات اقتصادية ومعيشية وأمنية خطيرة. لم يكتف النظام الجديد بالسماح ببيع موانع الحمل بل نظم دورات في المساجد لتوعية المواطنين الى اهمية تحديد النسل، وصارت ايران من انجح الدول الاسلامية في هذا الشأن بخلاف مصر التي تراجعت الحكومة عن برنامجها بسبب الهجمة التي واجهتها من قبل الجماعات الدينية المتطرفة التي اعلنت انه حرام.

لم يعرف العلماء في الماضي مشكلة اسمها الازمة السكانية، فقد كانت الاوبئة، والمجاعات، ونقص الموارد كفيلة بالحد من نمو السكان بصورة طبيعية. لهذا نفهم ان التشدد ضد كل جديد امر طبيعي، فالناس اعداء لما جهلوا. انما ان كان هناك ما يستحق قوله في هذا المجال فهو دعوة المنشغلين بالاجتهاد الديني ان يوسعوا مداركهم العلمية العامة وان يسعوا لفهم القضايا بتفاصيلها وكل ابعادها