تاليف : عمر عبد السلام

بسم الله الرحمن الرحیم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته محمد المصطفى وعلى آله وصحبه الكرام



المقدمة:
سافرت في سن الشباب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة حج بيت الله الحرام، وذلك في سنة 1395. وفي المدينة المنورة عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم لاحظت الإهانات التي كان الوهابيون يوجهونها للمسلمين، إذ كانوا يقذفون حجاج بيت الله وضيوف الرحمن بأقذع أنواع السباب والشتائم، وبشكل متواصل، لا ينقطع ولا يهدأ. فعندما كان زوار رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتربون من ضريحه، ويقبلون شبابيك المرقد المقدس تعبيراً عن حبهم له، بينما كان الوهابيون يقولون لهم:«ابتعدوا أيها المشركون» لقد تألمت كثيراً وضاق صدري وأنا أشاهد تلك الإهانات الفظة الغليظة التي كانوا يوجهونها لزوار رسول الله. وعندما راجعت كتب التاريخ وجدت أنهم كانوا ـ في أول تسلطهم على المدينة ـ يرتكبون المجازر بحق زوار النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أي حال: فأن زعماء الوهابية وواضعي أسسها ـ من أمثال ابن تيمية وأشباهه ـ هم الذين سنوا تلك العقائد، إلا أن محمد بن عبد الوهاب هو الذي أسس حزباً يرتكز على تلك المعتقدات، وأنشأ فرقة جديدة تعتبر جميع من سواها من المسلمين كفرة ومهدوري الدم.

وإنني هنا، أنشر نتائج دراستي في أعداد هذه النشرة، لأضعها بين يدي الجميع إن شاء الله.
غرة ذي الحجة سنة 1414 ه‍، عمر عبد السلام

1 التوحيد
التوحيد من أهم الأصول الاعتقادية في جميع الأديان السماوية، لا سيما الدين الإسلامي الحنيف، وقد جعل الله سبحانه وتعالى العمل على نشره وترسيخه مسؤولية الأنبياء الأساسية، ولذا أشبع القرآن والسنة هذا الموضوع توضيحاً وتبياناً، ولذا فإن على كل مسلم الرجوع إلى هذين المنبعين الصافيين للتعرف على أفكار التوحيد الأساسية.
إن قليلاً من التأمل في عقائد الوهابية وأفكارهم يوضح بجلاء بعدهم التام في اعتقاداتهم عن القرآن الكريم والسنة المطهرة. فهم لا يعتقدون بالله كما وصفته آيات القرآن الكريم المحكمات، بل هو باعتقادهم فوق العرش محدود، ومحاط يحتاج إلى المكان.

راجع «رسالة العقيدة الحموية» و «رسالة العقيدة الواسطية» (من كتاب مجموعة الرسائل الكبرى) و «الفتاوي الكبرى» و«منهاج السنة» تأليف ابن تيمية، وكذا «مختصر الصواعق المرسلة» لابن قيم.

وأيد "ابن باز" ما في رسالة الحموية (راجع كتاب العقيدة الصحيحة ونواقض الإسلام لابن باز).
وقد اعترف ابن تيمية ـ المبدع الأول لفكرة الوهابية ـ في كتبه بهذه الاعتقادات المنحرفة، مستدلاً بآيات من القرآن المتشابهة وببعض الأحاديث الموضوعة، مغضياً نظره عن الآيات المحكمات والأحاديث الثابتة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم.
فقد استند في إثبات اعتقاداته مثلاً إلى الحديث القائل: «إن الله ينزل في كل ليلة إلى الأرض، ثم يعود إلى عرشه أول الصباح» في حين إن أدنى نظرة تأمل منصفة بسيطة تقود إلى الاعتقاد بأن هذا الحديث موضوع، لأن الليل دائم الحلول على الأرض، فما من لحظة تمر حتى يكون نصف الكرة الأرضية غارقاً في الليل ونصفها الآخر مسفراً بالنهار، ولو أن الله ـ معاذ الله ـ كان قد نزل عن عرشه إلى الأرض، لما عاد إلى عرشه أبداً ما دامت الأرض موجودة وما دام ليلها مستمراً، وبالنتيجة إن الحديث يكذب نفسه، لأن نزول الله إلى الأرض يقتضي بقاء ه فيها ببقاء الليل وبقاء العرش خالياً من وجوده دائماً إلى يوم القيامة لدوام الليل في الأرض كذلك ولذا فإننا إذا سلمنا سند الحديث، فينبغي تأويله كما فعل مالك بن أنس . (راجع مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيمية / رسالة الوصية الكبرى وكتاب الصواعق المرسلة لابن قيم / باب ثبوت الانتقال والحركة لله).
خلافاً لما قاله "ابن قيم" ـ في كتابه مختصر الصواعق المرسلة (الطبعة الأولى في بيروت سنة 1405) الصفحة 113 ـ حيث إنه غضب على الموحدين ممن قال إن الله ليس بجسم حين سماهم بالنفاة المعطلة بقوله:
ـ فانظر ماذا تحت تنزيه المعطلة النفاة بقولهم: «إن الله ليس بجسم ولا جوهر ولا مركب ولا تقوم به الأعراض ولا يوصف بالابعاض... ولا تحيط به الجهات ولا يقال في حقه أين وليس بمتحيز...» ثم كفّروا وضلّلوا من أثبتها واستحلوا منه ما لم يستحلوه من أعداء الله من اليهود والنصارى، فإلى الله الموعد، وإليه الملتجأ، وإليه التحاكم، وبين يديه التخاصم
ـ قال ابن تيمية في كتابه الموسوم بالفتاوي الكبرى المجلد الخامس ص 23 ـ 21 (طبع بيروت في دار المعرفة):
... أنه ليس في شئ من ذلك (يعني الآيات) نفي الجهة والتحيز عن الله، ولا وصفه بما يستلزم لزوماً بيناً نفي ذلك.
أقول وليت شعري كأنه لم يلحظ وصف الله نفسه في القرآن بقوله: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ البقرة 115 ـ ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ ق 16 ـ ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ الحديد 4 ـ ﴿وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً﴾ النساء 26 وآيات أخرى كثيرة، فلو كان جسماً يشغل حيزاً ذا جهة خاصة فولى الإنسان وجهه عنه لم يكن ثم وجه الله ولم يكن الله أقرب إليه من حبل الوريد، ولا معه في كل مكان، ولم يكن محيطا بكل شئ، بل كان ككل متحيز محاطا بمكان خاص، وسائر الأمكنة خالية منه كما صرح بذلك الدليل علي بن أبي طالب بقوله: ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال علام (على العرش) فقد أخلا منه (تحت العرش).
«... والحمد لله الكائن قبل أن يكون كرسي أو عرش أو سماء أو أرض أو جان أو إنس...»
وقد عد الجزيري في كتابه «الفقه على المذاهب الأربعة» الاعتقادَ بتجسيم الله تعالى وما يستلزم الاعتقاد بالتجسيم مستوجباً للكفر، والمعتقدَ به كافراً ومشركاً ، (فالوهابيون مشركون عند المذاهب الأربعة).
والعجيب في أمر ابن تيمية أنه ينكر الحقائق الواضحة بشكل صريح ومباشر، فيقول:
«لم ينطق القرآن والسنة والإجماع بأن الله ليس بجسم ولم ينف التشبيه» .
الأمر الذي أثار حفيظة القضاة الحنفيين والمالكيين والشافعيين ضده فألقوه في السجن حتى مات. تأمل عزيزي القارئ نص ما ورد في حكم السلطان:
«... وكان الشقي ابن تيمية في هذه المدة قد بسط لسان قلمه ومد عنان كلمه ونص في كلامه على أمور ومنكرات، وأتى في ذلك بما أنكره أئمة الإسلام وانعقد على خلافه إجماع العلماء الأعلام وخالف في ذلك علماء عصره وفقهاء شامه ومصره وعلمنا أنه استخف قومه فأطاعوه حتى اتصل بنا أنهم صرحوا في حق الله بالتجسيم» .

2 فضائل الانبياء والاولياء
فضائل الأنبياء والأولياء في القرآن
لقد أنكر الوهابيون ما من الله تعالى به على خاصة أوليائه من العلم والفضائل والقدرات الخاصة، فهم يرفضون بشكل تام أي شكل من أشكال القدرة لأي أحد من الخلق، فلا عيسى يشفي المرضى بإذن الله، ولا من عنده علم من الكتاب يمكنه إحضار عرش بلقيس، ولا سليمان يمكنه فهم لسان النمل والطير والحديث معها، ولا مريم يمكنها الأخبار عما سيكون في رحمها، ولا الرسول الأكرم يمكنه الإخبار عن حوادث مستقبلية، والحال أن القرآن الكريم يزخر بالأمثلة الكثيرة على ما خص به الأنبياء والأولياء من خوارق العلوم والقدرات والفضائل. ونسوق أدناه أمثلة على ذلك:
يقول تعالى في ذكر داود وسليمان ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيد * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ سبأ / 10 – 13.
﴿قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ...﴾ النمل/38 ـ 40 .
وقال تعالى: ﴿فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً﴾ الكهف / 65.
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ * وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ * وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ النمل / 15ـ 17.

تعليم الله الأنبياء والأولياء أنباء ما كان وما سيكون وما هو كائن مما يخفى على الأعين:
يقول تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً﴾ الجن / 26 – 27.
تأمل في قوله: إلا من ارتضى من رسول...
قال عيسى ابن مريم للناس: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُم﴾ آل عمران / 49 ـ يعني أنبئكم بما سيكون من أكلكم وأنبئكم بما تخفون في بيوتكم (ولو في بطن الأرض).
وقال تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ آل عمران / 45 – 47.
وهذه الآيات أكبر شاهد على اختصاص الأنبياء والأولياء بعلوم من عند الله لا نعلمها بل تختص بهم ومن فضائلهم، حتى بالنسبة إلى مريم التي لم تكن من الأنبياء ومع ذلك تكلمها الملائكة وتخبرها بحوادث لم يكن يعلمها إلا الله فتعلمها بإذن الله،
مثل أنه سيولد منها بلا زوج ولد صالح يكلم في المهد.
أما ما ورد في الأحاديث فهو متواتر بدرجة لا يمكن معها إحصاؤه في هذه الوريقات، ولكن نشير إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب كانا يحملان علما لدنيّاً كثيراً ويخبران عن أحداث تقع في آخر الزمان، كما في إخبار علي بن أبي طالب عن هجوم الترك والمغول والتتار على بلاد المسلمين، وقد ورد في نفس الرواية أن رجلاً كلبياً سأله «أتعلم الغيب يا علي؟» فقال: «ليس هو بعلم غيب وإنما هو تعلم من ذي علم... فعلم علمه الله نبيه فعلمنيه».
وقد تواترت الأحاديث التي تشير إلى إخبار الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وعلي عن أحداث آخر الزمان في الكتب المعتبرة وبأسانيد صحيحة.
فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عما سيقع بعد وفاته من الحوادث، وعن المهدي في آخر الزمان، كما أخبر علي بن أبي طالب عن استيلاء بني أمية على الخلافة، ثم إبادتهم على أيدي بني العباس، وعن الكثير من الحوادث التي تلي انقراض بني العباس وإلى قيام المهدي.
فلو أراد الله أن يعلم رسوله أو وليه جميع أنباء ما كان وما هو كائن وما سيكون من حوادث الدنيا لفعل لإمكان ذلك لأن حوادث الدنيا محدودة يمكن أن يعلمها الله بشراً.

إنكار الوهابين الشفاعة والتوسل:
من العقائد الإسلامية الأخرى المسلم بها والتي يردها الوهابيون قضية «التوسل» يقول محمد بن عبد الوهاب:
«إذا قال لك بعض المشركين [يعني: المسلمين غير الوهابين] ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أو استدل بالشفاعة أنها حق، أو أن الأنبياء لهم جاه عند الله، أو ذكر كلاماً للنبي يستدل به على شيء من باطله، (يعني الشفاعة و...) وأنت لا تفهم (أي لا تقدر على جوابه) فجاوبه بقولك: «إن الله ذكر في كتابه أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه».
راجع كشف الشبهات في التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب طبع قاهرة الصفحة 6.
والملفت للنظر أن محمد بن عبد الوهاب وأمثاله هم الذين يستدلون بالمتشابهات دون «المحكمات كالآيات الصريحة السابقة في توسل الأمم بأنبيائهم، والروايات الصحيحة الصريحة في الاستشفاع» ـ وكتاب تفسير الفاتحة لمحمد بن عبد الوهاب طبع الرياض مكتبة الحرمين الطبعة الأولى 1407 ه‍.
وتاريخ المملكة السعودية لصلاح الدين المختار طبع بيروت في الجزء الثاني الصفحة 344 ما نصه:
أصدر العلماء (الوهابيون) بياناً منه: «من جعل بينه وبين الله وسائط فهذا كافر، يستتاب ثلاثاً وإلا قتل».
وورد في كتاب «العقيدة الصحيحة ونواقض الإسلام» لعبد العزيز بن عبد الله بن باز ما يلي:
«من سأل النبي وطلب منه الشفاعة فقد نقض إسلامه».
الشفاعة والتوسل بالأنبياء في القرآن والسنة:
إذن فطبقاً لعقائدهم فإن جميع أنبياء الله وأوليائه مشركون وكفار، لأن الأنبياء يقرون الاستشفاع والتوسل. فالقرآن الكريم والروايات الشريفة تعرضا لذكر العديد من فضائل الأنبياء والموارد التي توسل فيها الناس بالأنبياء والأولياء إلى الله، من ذلك مثلا:
1 ـ عيسى يشفي المريض المتوسل به بإذن الله * ﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ آل عمران / 48 ـ 49. ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ﴾ الأنبياء / 81. ـ (يجري الريح بأمر سليمان) فتوسل الناس إلى عيسى إنما كان لاعتقادهم بأن الله قد حباه قدرة تمكنه من شفاء المرضى. أي أنهم يعتقدون بأنه كان نبي الله وعبده المخلص وأنه قد حصل له لأجل هذه العبودية علم كذاك وقدرة كتلك. وهذا ما لا يمكن عده شركا أبدا إذا لم نقل إنه عين التوحيد. بل الشرك فقط لو كان الناس قد اعتقدوا بأن لعيسى قدرة مستقلة عن قدرة الله تعالى، ولن يقول أحد من المسلمين بذلك.
فتحصل أن توسل الأمم بالأنبياء لشفاء مرضاهم أو قضاء بعض حوائجهم كان لاعتقادهم بأن الله قد حباهم قدرة شفاء المريض أو قضاء هذه الحاجة كما يتوسلون بهم ليدعوا لهم عند الله لأنهم مخلصون ومقربون ولهم عند الله مقام محمود وجاه عظيم فيقبل الله دعاء أوليائه سواء كان الدعاء لأنفسهم أو لمن توسل بهم كما يأتي في توسل أبناء يعقوب به ليستغفر لهم عند الله أو مجيء الصحابة إلى النبي ليستغفر لهم أو يدعو لهم عند الله لنزول المطر أو يشفع لهم يوم القيامة أو... آل عمران / 45 ـ 47: ﴿عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ الأنفال / 33: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ ـ آية ـ ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً﴾ النساء / 64
2ـ توسل أبناء يعقوب به، ليستغفر لهم، قال تعالى: ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ يوسف / 97.
وهم قد طلبوا المغفرة من الله تعالى لا من يعقوب، إلا أنهم وسطوا لذلك يعقوب، لأنه كان مقربا وذا جاه عند الله يقتضي أن لا يرد الله دعاءه إذا دعاه. والأمر يتضح بجلاء من جواب يعقوب لأبنائه، يقول تعالى: ﴿قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ يوسف / 98.
كذا مقبولية استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين التائبين لأن لرسول الله جاه عند الله في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً﴾ النساء / 64، دلت الآية على حث الأمة على المجيئ إليه ليستغفر لهم.
ما ورد في القرآن الكريم حول التبرك:
قوله تعالى حول قصة يعقوب مع أبنائه كيف ارتد بصيرا ببركة قميص يوسف * ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ يوسف / 93.
علاوة على ما أوردنا فهناك أيضا العديد من الروايات التي تدل على أن صحابة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم قد لجأوا إليه صلى الله عليه وسلم في الكثير مما كانوا يواجهونه من ابتلاءات كالقحط والابتلاء بالمعاصي وشفاء المرضى، كما تدل على أنهم كانوا يتبركون بماء وضوئه وما تساقط من شعر رأسه بقصد التبرك ولم يعترض الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، بل إنه صلى الله عليه وسلم كان يصرح بأنهم سيشفون نتيجة ذلك.
وأما ما ورد في «الأحاديث الشريفة» حول التوسل بالرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم فكثير، نورد منه ما يلي:
1 ـ صحيح البخاري / كتاب صلاة الجمعة / باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة:
عن أنس بن مالك: قال: أصابت الناس سنة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فبينا النبي يخاطبنا في يوم جمعة قام أعرابي فقال يا رسول الله: هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا فرفع يديه وما نرى في السماء من قزعة، فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل من منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، وبعد الغد، والذي يليه، حتى الجمعة الأخرى.

وقام ذلك الأعرابي أو قام غيره فقال: «يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه فقال: اللهم حوالينا ولا علينا. فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت وصارت المدينة مثل الجوبه، وسال الوادي قناة شهرا ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدّث بالجود». (وهذه الرواية تدل بأن لرسول الله عند الله مقام محمود وجاه عظيم) ولذا كان الصحابة يجعلونه وسطا بينهم وبين الله جل وعلا. كذلك توسل الأمم السالفة بأنبيائهم مثلا: الأعراف / 160، البقرة / 60: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً...﴾.
وقريب منه في مسند أحمد (مسند أنس بن مالك) ج 3 / ص 271 وفي صحيح البخاري، باب الاستسقاء وخروج النبي وفي باب علامات النبوة أيضا.

2 ـ صحيح البخاري / باب الاستسقاء وخروج النبي صلى الله عليه وسلم وكذا في باب مناقب قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وكتاب مجموعة الرسائل والمسائل «لابن تيمية» طبع بيروت المجلد 1 ص 17 عن أنس بن مالك "أن عمر بن الخطاب"، كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: «اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. قال: فيسقون».


أما في كتاب الإستيعاب لابن عبد البر / فيما نقل حول العباس، عن ابن عباس وأنس بن مالك «أن عمر بن الخطاب كان إذا قحط أهل المدينة استسقى بالعباس. قال أبو عمر وكان سبب ذلك أن الأرض أجدبت إجدابا شديدا على عهد عمر زمن الرمادة سنة سبع عشرة فقال كعب: يا أمير المؤمنين إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم مثل هذا استسقوا بعصبة الأنبياء. فقال عمر: هذا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنو أبيه وشكا إليه ما فيه الناس من القحط ثم صعد المنبر ومعه العباس فقال: اللهم إنا قد توجهنا إليك بعم نبينا وصنو أبيه فاسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. ثم قال: يا أبا الفضل، قم فادع (فدعا العباس دعاء كثيرا) فسقوا والحمد لله، فأرخت السماء عزاليها...
قال أبو عمر هذه والله الوسيلة إلى الله».