لقاء مع الحاج داود الحسن بوحجي

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
الشيخ الاستاذ علي ال شبيث حفظه الله بجانب بوحجي



يعتبر الإنسان أغرب وأعجب ما أبدعه الله من كائنات، فقد خلقه بيمينه وكلتا يديه يمين وأسجد له ملائكته وجعله مستخلفاً في أرضه ونثر له مواداً خاماً ليعمل منها حاجته ويصوغ منها أداته. إنّ عظمة الإنسان تكمن في احتوائه على الكون كله فهو الصورة المصغرة لكل مافي الكون كما جاء عن مولانا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام: “أتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العلم الأكبر”. إن الدنيا ميدان واسع يدخل فيه كل يوم جمهور من الناس ويغادره آخرون ولكن المتميزين قلة.


إن هذه الحياة تزخر بالكثير من التجارب والعديد من الخبرات التي تَعدٌ معهداً كبيراً يتعلم فيه الإنسان وفي كل مكان يوجد من الأشخاص الذين صقلتهم الأيام وعلمتهم صنعة ومهَن وأعمال، وهؤلاء يُعتبرون كنوزاً لم يفتح الناس أعينهم عليها ولكننا وحرصاً على هذه الثروة الهائلة فتحنا أعين أقلامنا عليها وسطّرناها في أسلوب شائق وقد تكلمت مع أخي وعزيزي الحاج (فاضل العرادي) واستأذنت من سيدي ومولاي الذي نتفيأ ظلاله ويحرسنا برعايته ويرفعنا للعمل ويشجعنا عليه ويدعونا إلى الجهاد في نشر فضائل المعصومين عليهم السلام، مولاي خادم الشريعة الغراء المجاهد المولى المعظم آية الله الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي حفظه الله وزاده تأييداً فجاءت المباركة الكريمة منه لهذه الخطوة من خادمه الصغير علي محمد الشيخ علي الشبيث وقد أجريت العديد من المقابلات مع شخصيات مُخضرمة عاشت القديم والحاضر والتقت مع مشائخنا العظام وعاصرت مولانا المقدس الميرزاعلي الحائري والإمام المصلح والعبد الصالح وكذلك خادم الشريعة أيام كان هنا في الأحساء زمن طفولته وشبابه،وعاشوا الكثير من كرامات هؤلاء العظماء رحم الله من مات منهم وأيد مولاي خادم الشريعة وجعلنا خدماً له وآثرت أن يكون عنوان هذا الموضوع: (من وحي التراث الهجري الأحسائي) (قضية وشخصية) آملاً من إخواني القائمين على مجلة الفجر الصادق أن يعرفونا على شخصيات أخرى كويتية كان لهم دوراً مماثلاً وما أكثرهم، ليكون ذلك تواصلاً بين جماعتنا من الأحساء الحبيبة والكويت #######. ولنبدأ مع الشخصية الأولى وهو الحاج داوود بن محمد بن عبدالله الحسن المشهور بأبي حجي.


-السلام عليكم عم (بوحجي)!


-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.


-كيف حالكم؟


- بخير ولله الحمد.


-أبا حجي الكلام معكم لايُمل وأنا لا أدري من أي جهة أبدأ لكن هل عندك معلومات عن الشيخ حبيب بن قرين المجتهد الذي كان مرجعاً؟


- للأسف ذاك الزمان لم ألتفت فيه إلى هذا الموضوع أو أسأل العارفين عنه وعن أحواله ولكن الذي أذكره أن والدي كان يحمل (مصاخن) جراراً مليئة بالماء إلى المقبرة ليرُشوا قبر الميت وبدأت أبكي وأنا طفل صغير أريد أن أحمل جرة ولكن لا أستطيع حملها فحملني والدي وحمل الجرة معي وأذكر أن الملا داوود رحمه الله الخطيب المشهور قرأ على جنازة آية الله الشيخ حبيب بن قرين في مَحلة سوق الخضار الحالي قبل نقله بعد ما غسل ومن قبل يُغسل الميت في بيته ثم يُشيع إلى المقبرة. والمقدس الميرزا علي ألا تذكر عنه شيئا؟ بلى، المولى صليت خلفه قدس الله روحه في ثلاث مساجد الأول في مسجد الكوت ليلة الثلاثاء والثاني المسجد الكبير مسجد الشيخ موسى بوخمسين والثالث في مسجد الرقيات. فقط صليت خلفه؟ لا بل تشرفت بخدمته، أذكر أن والدي كان يدعوه إلى بيتنا بعد الصلاة في مسجد الرقيات في بيتنا الكائن في ساحة المسجد ولا يزال إلى الآن وقمت أنا بنفسي أقدم له القهوة هو ومن معه أمثال الحاج عبد الله الهاجري، وفي ذلك الوقت لا توجد فواكه مثل هذا الزمان وإنما فاكهتنا في الصيف (الجح) و(البطيخ الحساوي) وله رائحة زكية وطعم حلو كالعسل غير بطيخ هذا الزمن وأما فاكهتنا في الشتاء فهو (الترنج الحساوي) حيث يقطعونه قطعاً صغيرة ويغمسونه في ماء ساخن معه ملح أو سكر لكن مع هذا الضّر ما أجمل تلك الأيام مع أنوار المولى ميزا علي.


-وماذا عن سيدي ومولاي العبد الصالح ميزا حسن؟


-رأيته قليلا مدة وجود أخيه ميرزا علي فقد جاء هنا للضيافة ثم مضى للنجف الأشرف للدراسة.


-عم (بوحجي) كل شيء لو قورن بين الماضي والحاضر لرأينا به اختلافاً،حدثنا في ضوء ذلك عن المآتم؟


-الظروف من قبل يا ولدي صعبة جداً ومجالس الحسين نادرة جداً ولا يوجد آنذاك إلا حسينية بن عامر والبوخمسين وحسينية بوحليقة.


-أكان لك دور أبا حجي في مواكب العزاء والقراءة آنذاك؟


-نعم، نسأل الله أن نكون من خدام أبي عبد الله الحسين عليه السلام، فقد صنعت أشياء للمواكب العزائية منها : 1- كتابات منقوشة في قطع الخشب كتبت عليها عبارات مثل (اشرب الماء والعن قتلة الحسين) و(اشرب الماء واذكر عطش الحسين). 2- علم من خشب ثابت إذا رأيته علماً من قماش بهيئته ولونه الأحمر كتبت عليه (الحسين المظلوم). 3- مقابض فيلاأنصبةلالا لسلاسل الحديد التي يضرب بها المعزون ظهورهم في مأتم الحسين عليه السلام. 4- صنعت رأسين خشبيين يمثلان رأس الحسين عليه السلام وصبغت المنحر بصبغ أحمر شبيه بالدم، الأول للحسينية العباسية الكبيرة والآخر لمسجد الرقيات وكان القارئ فيه ملا طاهر البحراني عليه الرحمة. وبعد أحداث جرت خافوا من بقاء الرأسين، أما الرأس المستخدم في شبيه الحسينية العباسية الكبيرة فقد قال لهم جدك الشيخ علي آل شبيث رحمه الله : حرام تلقونه في أماكن غير محترمة لأنه كتب باسم الحسين (عليه السلام) فأخذوه ووضعوه في قاعدة من قواعد السلة في العباسية الكبيرة أظنها القاعدة الشمالية الغربية والذي بنى عليه هو الحاج معتوق الشبعان وأما الرأس الذي من نصيب مسجد الرقيات فقد أخذوه في منزل منصور القضيب وفيه يعملون (ملبس) في قدر كبير ووضعوا الرأس على النار، وأشغلوا عليه أسبوعاً كاملاً وإذا به لم يحترق ولم يتغير بل حتى الصبغ الذي هو في المنحر (وأنا صبغته بصبغ عادي جداً) لم يتغير، ومن خوفهم حملوه مع تراب ومخلفات بناء ودفنوه في البر في (البصيرة).


-لا اله إلا الله، ليس هذا بعجيب على الحسين ولاشك أن هذا علامة القبول عندهم عليهم السلام، لكن يا حاج لو انتقلنا من هذه الأجواء الإيمانية إلى عنوان آخر، من المعروف أنك تشتهر بفن القصة فهل هذه القصص أخذتها من الكتب؟


-القصص التي عندي بعضها من الخطباء وبعضها سماعاً من أشخاص آخرين وبعضها أؤلفها من خلال تجربتي ونظرتي إلى الحياة فهي مشاعر أصبها في قالب قصة.


-كيف تحفظ هذه القصص؟ وكم تستغرق قصصك من الوقت؟


-القصة التي أسمعها لا أنساها لأنني أُكرر إلقاءها على الأشخاص ولكل قصة في ذهني عنوان مثل: (ما دفع الله كان أعظم)، (العابد والصومعة)... وبعض القصص عندي تستغرق ساعتين والقصص عندي لكثرتها كل قصة تريد الخروج قبل غيرها؟؟


-ما شاء الله، زادك الله فهمًا وحفظا ولكن كيف توظف هذه القصص؟


-في عدة مجالات منها تربية أولادي فلي من كل سنة في شهر رمضان بعد صلاة الظهر والأهل يعملون بتهيئة طعام الفطور مجلس مع الأولاد ذكوراً وإناثاً فيسمعون مني القصص وأتعمد القصص التي فيها مواعظ عن بر الوالدين والعفة والأخلاق ..الخ.


-لاشك يا عم أن هذا أسلوب تربوي فقد أكثر الله من القصص في القرآن لتربية العباد، وأنت إلى جانب إجادتك فن القصة تجيد مهناً كثيرة حبذا لو تجيزها لنا؟


-أعمل تقريباً جل المهن، أعرف اللحام والسباكة والكهرباء وقبل أن يأتينا الكهرباء كنت أجمع البطاريات المستهلكة التي يرميها الناس وأعمل لإنارة غرفتي من مصابيح ومفاتيح من خشب.


-أسمع عنك أنك تصلح الإلكترونيات؟


-هذا صحيح، أنا في أوقات الفراغ أتسلى وسلوتي بها منفعة فأولادي أو أصحابي يأتوني هذا بمسجل وهذا بساعة وذاك بـمذياع وأنا أكتشف العطل وأصلحه وإذا احتجت شيئا فلا أحتار وإنما أصنعه من خشب أو حديد أو غيره.


-ولكن ما هي مهنتك الرئيسة؟


-المهنة الأساس هي النجارة.


-وهل أخذتها من أحد؟


-أبي كان (رئيس نجاجير) ويعمل في (السراج) عند الأمير عبد الله بن جلوي وكان والدي فنيا يدير (100) نجار من المبرز من عائلة البراهيم والشاوي وغيرهم ومن الهفوف مثل علي ابن عمي عبد الوهاب وغيره وكان يعمل أشغالاً من خشب إسلامي عند رجل يسمى (عبد العرابي) في (الثليثية) وذلك لتصديرها إلى الرياض وأنا أخذت هذه المهنة من والدي رحمه الله.


-هل توجد لك أعمال في بلد (الأحساء)؟


-بلى، كثير يا ولدي مثل الأبواب القديمة بطرازها المميز وقد عملت في مدرسة الهفوف الأولى الواقعة بجوار سوق اللحم بجوار بلدية الهفوف حيث ضربت الأسقف العلوية والسفلية بيدي وعمري (22) سنة أو (25) سنة تقريباً وأطلال هذه المدرسة لازالت قائمة.


-ذكرت الأبواب الخشبية التي تتميز بها الأحساء حدثنا أكثر عنها؟


-النجارة نوعان: خشن ونام أما الناعم فهي عبارة عن الزخارف والنقوشات والحفر وسأوريك بعضاً منها في باب مُصغر يوضع كمنظر جمالي. وأما الخشن فهو ما سوى هذا.


-وهل عملك في النجارة يقتصر على الأبواب وزخرفتها؟


-لا طبعاً، أنا أعمل كل شئ يحلولي،لقد صنعت دلةً للقهوة من خشب وفناجين خشبية وأعمل أخرى كثيرة وأصنع حتى الآلات مثل (البرندة - المخرطة - آله لقصٌ الفلين) وغيرها كثير.


-ياعم يا أبا حجي، إن حديثنا معك كلما طال كلما كان أكثر تشويقاً لكن للضيافة آداب ومن آدابها ألا نطيل عليكم!!


-لا بالعكس أنت شرحت صدري بهذا القدوم وأنا حاضر في كل وقت.


-في أمان الله ومع السلامة!


-في حفظ الكريم إنشاء الله، محروس بعين الله، نسألكم الدعاء.


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
أبوحجي يسرد بعض قصصه


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
دلة هجرية وفناجين صنعها من الخشب

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
المحارك والدلة والفناجين المصنوعة من الخشب


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
أبوحجي ممسكاً بالدلة والفناجين


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
فناجين خشبية وأدوات نجارة صنعها بنفسه


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
نقوشات خشبية من الأبواب الأحسائية



_______________________
إعداد : الشيخ الأستاذ علي آل شبيث (حفظه الله)
المصدر: مجلة الفجر الصادق
http://www.al-fjr.com/?x=434&y=88