يقول تعالى : {أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُون} (المؤمنون:115)


فالله سبحانه وتعالى وهو الحكيم قد وضع الأشياء في مواضعها لأنه لا يفعل شيئاً عبثاً، ثم أمرهم بعبادته بعد معرفته، ولما كانت جميع أفعاله تعالى معللة بالأغراض والفائدة كلها عائدة إلى العباد وهي إيصالهم إلى السعادة الأبدية، فقد أعطاهم بلطفه وفق مصالحهم كما أنه أوجب على نفسه أن يعطي كل ذي حق حقه، فوجب علينا شكر نعمته، وأفضل الشكر هو الشكر القلبي لأن فيه تمييز بين المؤمن والمنافق الذي يذكر الله بلسانه فقط دون قلبه.


ولكي تشكر الله كما أراد وجب عليك أن تعرف الكيفية التي بها يكون شكرك منظوراً ومقبولاً، فتتعرف على صفته التي أظهرها لخلقه والتي بها تتوجه إليه، وهي الاسم الجامع لكل آثار الصفات الإلهية والدالة على الغنى والكمال المطلق والقدس والعزة والوحدة الذاتية وهي أول أنواره التي انفتقت في الوجود وهو النور الأعلى الأقدس لمحمدٍ وآله صلوات الله عليهم أجمعين.


فهم في ذلك المقام نور واحد ولكن الظهور البشري كان بالأربعة عشر المعصومين (ع)، وذلك مثله كالشخص الواحد التي تعددت منه الأفعال والصفات لكنه يبقى واحداً، فقد ظهروا في الهياكل المتعددة لحكمة يقصدونها حيث اقتضت ترجيح ظهور صفة من الصفات على غيرها، مع أن سائر الصفات كلها فيهم على حد سواء، لذلك ساوى تعالى بينه وبينهم في تكليف خلقه بالطاعة له دون فرق لأولهم عن آخرهم فقال: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (النور:54) وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ} (الفتح:10) لأنه أقامه في سائر العوالم في الأداء مقامه بالولاية التي تتضمن تدبير جميع ذرات الوجود هي بعينها الولاية المحمولة من أوصيائه الإثني عشر وهي قوله تعالى: {هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً} (الكهف:44) فلا يتحرك شيء ولا يسكن شيء في جميع الأحوال إلا باقتضاء الولاية، وهو قول الرضا (ع): "بنا تحركت المتحركات وسكنت السواكن" لأنهم متساوون في العلوم التي يحتاجها الخلق، فكل واحدٍ منهم حجة مستقل على كل الخلق وعلة لجميع الخلق، فيجب أن يكون عنده كل ما يحتاجون إليه، لأن الكل متوجه في سيره إلى المعصوم.


فالوصي بمقتضى ذاته صالح لقيادة الوجود كله، فهو يحمل الصفات بعينها التي يحملها النبي الأعظم (ص)، لذلك جعلهم الله أعلاماً لهداية الخلق وهو قوله : {وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُون} (النحل:16)


بهم يُعرف الله وبهم يُعبد لأنهم أسماؤه والاسم علامة ودليل على المسمى، وهي مخلوقة ومملوكة لله، فهم الصفة وهو الموصوف تعالى بهم وصفاً فعلياً، فهذه الأسماء هي عنوان الحق وظهوره في الإمكان لأنه تعالى ليس له اسم ولا رسم ولا صفة ذاتية يمكن ظهورها بين الخلق، فكانوا هم الصفة وهو الموصوف وهم المعرفة وهو المعروف وهم الاسم وهو المسمى، وهذا الاسم هو حقائقهم في الوجود، وهي وهذه الأسماء التي اختارها لنفسه وأمر أن يُدعى بها، والمراد من هذه الأسماء هو التعبير لا الكشف عن الذات، كما ورد عنهم (ع): "أسماؤه تعبير وصفاته تفهيم وذاته حقيقة وغيوره تحديد لما سواه".


فهم المثل الأعلى وهياكل التوحيد العليا في هذا الوجود والمكون من أربعة عشر هيكل، وذاتهم هي الذات التي سبقت كل الذوات، فكانت الأقرب إلى المبدأ الفياض، وهي ما يُطلق عليها صبح الأزل والتي قال فيها أمير المؤمنين لكميل في الحديث المعروف: "نور أشرق من صبح الأزل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره"، فالنور الذي أشرق منه هو نور العرش الذي استوى عليه الرحمن برحمانيته، وهو نور واحد في ذاته ولكنه أربعة أنوار من حيث متعلقاته من خلق ورزق وإحياء وإماتة، وهو محل فعل الله الأعظم المتنزل في الوجود المقدس الأنور لمحمدٍ وآله (ص).


فليس لك من طريق لمعرفته تعالى إلا من خلال معرفة الآيات والآثار، وأعظمها هم (ع) لأن رتبة الأثر تختلف باختلاف قربه من الله، فكانوا هم الأقرب على الإطلاق، فصارت رتب الخلق من بعد ذلك تترتب من حيث القرب والبعد منهم (ع)، فهم الطريق لمعرفته من خلال آياتهم .. فالوجود كله صفتهم وآية لهم، وأعظم صفاتهم وآياتهم أنت أيها الإنسان لأنك انطوى في وجودك العالم الأكبر، فإذا تفكرت ودققت النظر فيما هو بين يديك عرفت أن الإنسان الصغير على مثال الإنسان الكبير، والكل يجري كما أراد الله تعالى، إذا استُنطق أي منهما سمعته يقول:


"أولنا محمد أوسطنا محمد آخرنا محمد بل كلنا محمد فلا تفرقوا بيننا"

___________________________
المصدر: مجلة الفجر الصادق