1 مرفق
العلامة المرجع فضل الله و الشيخ المفيد في كتابة " تصحيح الاعتقاد بصواب الانتقاد "
http://www.bayynat.org/www/arabic/na...ics/sayiid.gif
(1)
مع الشيخ المفيد في كتابه "تصحيح الاعتقاد"
قد تكون قيمة هذا الكتاب «تصحيح الاعتقاد» ـ في عنوانه ـ باعتبار انّه يثير امامنا مسألة مهمة، وهي أن كتب الاعتقاد، المؤلفة من قبل علماء المسلمين الشيعة ـ لا تمثل الفكرة النهائية الحاسمة في اعتقادات الشيعة لانها انطلقت من اجتهادات هؤلاء العلماء في فهم القواعد والنصوص التي يحفل بها التراث الشيعي في الكلام والتفسير والفقه ونحوه، الامر الذي يترك المجال واسعاً للدخول في مناقشة هذه الاعتقادات الاجتهادية من دون مشكلة لا سيما إذا عرفنا ان هذه الاعتقادات لم تؤسس كبرنامج عقيدي منهجي على مستوى القاعدة العامة من قبل الائمة عليهم السلام الذين هم المراجع للشيعة في التفاصيل العقيدية التي قد يختلف فيها الشيعة عن السنة ـ بل كان الحديث عنها ـ في الغالب - كردّ فعل للاتهامات الموجهة للشعية في عقائدهم في كلمات الاثارة التي يحاول البعض تحريكها في مواجهة الخط الاسلامي الذي يسيرون عليه في خلافهم للمسلمين الآخرين لايحاء بانحرافهم عن الاستقامة في الدين.
وفي ضوء ذلك قد نحتاج في كل مرحلة من مراحل نمونا الفكري ان نضع تراثنا العقيدي الاجتهادي في نطاق البحث والمناقشة. فقد نكتشف خطأ في اجتهاد، وانحرافاً في تصوّر، وضعفاً في حديث مما يؤدي إلى تصحيح بعض ما اخذ الناس به من عقائد. وقد نلاحظ ـ كما لاحظ الشيخ المفيد في كتابه ـ ان مؤلفي الاعتقادات كانوا خاضعين للسطحية في فهم هذا الحديث أو ذاك ـ أو مخطئين في توثيق رواية لا وثاقة لرواتها، أو منطلقين في استنتاجهم لترجيح رواية على رواية معارضة لها.
وربما كانت ضرورة هذا اللون من المناقشة واعادة النظر في امثال ذلك، منطلقة من شياع هذه الاجتهادات العقيدية لدى العامة، وتأثيرها السلبي على النظرة الاخرى للتشيع في هذه التفاصيل البعيدة عن التوازن في النظرة وفي النتائج.
وقد يخضع الناس في بعض المراحل التاريخية المتأخرة لتقديس العلماء المتقدمين، لا سيما إذا كانوا من المؤسسين للمذهب في نتاجهم العلمي، فيتهيبون مناقشتهم وتخطئة اجتهاداتهم بحجة قربهم من زمان الائمة المعصومين(ع) مما يجعل افكارهم قريبة من مواقع الحقيقة التي لا تبتعد مصادرها عنهم كثيراً بالحجم الذي تبتعد به عنا، أو بحجة المستوى العلمي الكبير الذي يتضاءل امامه علم المتأخرين.
ولكننا عندما ندرس نتاج امثال هؤلاء الاعلام، فاننا لا نجد هناك اشياء خفية، مما يعلمونه من مصادر الفكر، كما لو كانت اسراراً غامضة اختصوا بها، بل نجد الادلة التي يقدمونها على هذه الفكرة أو تلك، أو على هذا الحكم الشرعي أو ذاك، لا تختلف عن الادلة التي يملكها العلماء المتأخرون في خضوعها لاكثر من اجتهاد أو فهم، فلا يبقى هناك فرق بين المتقدمين والمتأُخرين في مواجهة هذه الاحاديث، أو القواعد العامة.
وإذا كنا نلاحظ اختلاف اصحاب الائمة في فهمهم للقضايا المرتبطة بموقع الامئة وصلاحياتهم، فكيف يمكن ان نظن بأن القرب من زمانهم يمثل صفاء الحقيقة فيما يلتزمه الناس الذين يعيشون معهم أو يقتربون من مرحلتهم، مما يجعل المسألة خاضعة في كل مرحلة للاجتهاد في العقيدة، في تفاصيلها ومفرداتها، تماماً كما هو الاجتهاد في الشريعة في مسائلها الفرعية.اننا عندما نواجه الخلاف الذي دار بين محمد بن ابي عمير وبعض رجال هشام ابن الحكم في مسألة ما يملكه الائمة من امر الدنيا وذلك فيما حكاه السندي بن الربيع حيث قال على ما نقل عنه ان ابن ابي عمير لم يكن يعدل بهشام بن الحكم شيئا وكان لا يغيب عن اتيانه ثم انقطع عنه وخالفه، وكان سبب ذلك، ان ابا مالك الحضرمي كان احد رجال هشام وقع بينه وبين ابن عمير ملاحاة في شيء من الامامة، قال ابن ابي عمير: ان الدنيا كلها للامام على جهة الملك وانّه اولى بها من الذين في ايديهم، وقال ابو مالك: املاك الناس لهم الا ما حكم الله به للامام من الفيء والخمس والمغنم فذلك له، وذلك ايضاً، قد بين اله للامام عليه السلام، اين يضعه وكيف يصنع به، فتراضيا بهشام بن الحكم وصارا إليه فحكم هشام لأبي مالك بن أبي عمير فغضب بن ابي عمير وهجر هشاماً بعد ذلك(1).__مصباح الفقيه، كتاب الخمس، ص 108، للشيخ رضا الهمداني.
ان اختلاف النظرة إلى مثل هذه التفاصيل في قضية الامامة بين شخصيتين بارزتين كابن ابي عمير وهشام يوحي بان الواقع الشيعي كان خاضعاً للاختلاف الاجتهادي، حتى في زمان الائمة(ع).
ومن خلال ذلك قد نجد من الضروري مناقشة الكثير من هذه الافكار دائماً انطلاقاً من اختلاف الاخبار من حيث السند والمتن، لان الخطورة تتمثل في القضايا المتصلة بالعقيدة التي لا يكفي فيها اخبار الاحاد بل لابد ـ معها ـ من التوفر على الدلائل الواضحة في تأكيد الفكرة لا سيما مع الفوضى التي احاطت بالاحاديث الواردة عن الائمة(ع) من وضاع الحديث الذين كانوا لا يكتفون بنقل الاحاديث الموضوعة بشكل مباشر، بل كانوا يدسونها في كتب اصحاب الائمة الموثوقين كزرارة ومحمد بن مسلم وامثالهما، ليدخل الحديث الموضوع إلى الذهنية الإسلامية العامة من خلال هؤلاء الثقاة الذين لا يدخل الريب إلى ما ينقلونه عن الائمة انطلاقاً من وثاقتهم الامر الذي يفرض الكثير من التوقف عند هذا اللون من الحديث المتصل بتفاصيل العقيدة، سواء من ناحية ما يحيط بالسند من علامات استفهام متنوعة أو ما يوحي به المتن من التساؤلات.
اننا نعتقد ان حركة الاجتهاد الاسلامي الشيعي لابد ان تواجه مسألة التفاصيل العقيدية بنفس القوّة والدرجة التي واجهت بها مسألة التفاصيل الشرعية في فروع الاحكام.وإذا كانت المشكلة التي واجهها امثال الشيخ المفيد في ملاحظاتهم على اعتقادات امثال الشيخ الصدوق، هو الخوف على العقيدة الشيعية من الفهم السطحي الذي يترك آثاره السلبية على النظرة العامة لها من قبل المخالفين لها من اهل السنة، على اساس التحديات الفكرية التي يطلقونها في مواجهة الشيعة، في اتهامهم لهم بالخروج عن القواعد الإسلامية الثابتة واثارة النكير عليهم في ذلك، الامر الذي يفرض تصحيح الخطوط العقيدية من قبل العلماء المختصين، فان التحدي الكبير الذي يواجه الشيعة في المرحلة الحاضرة هو الافكار التي يثيرها العلمانيون من الملحدين وغيرهم امام التفكير الشيعي في مناقشاتهم الفكرية التي تختلف اتجاهاتها ومناهجها، اختلافاً كثيراً عما يألفه المنهج الكلامي المتبع في تأصيل الفكر العقيدي، مما يجعل الخطورة اكثر تأثيراً في النتائج السلبية التي تدخل في عمق الواقع من الداخل والخارج وهذا هو ما يجعل لكتاب «تصحيح الاعتقاد بصواب الانتقاد»، قيمته الفكرية والعملية، في التخطيط للجرأة العلمية في مناقشة التفكير العقيدي للعلماء الكبار من دون التوقف امام العناوين الكبرى للدرجة التي تمثلها هذه الشخصية أو تلك، لان القداسة للفكر، لا للمفكرين، لان قيمتهم تابعة لقيمة فكرهم الذي لا يتصل بموقعهم الذاتي، بل يرتبط بالخط العام للعقيدة التي يقدمونها للناس من خلال اجتهاداتهم العلمية.
--------------------------
الحلقة القادمة ...ماهي نظرة الشيخ المفيد الى اراء الشيخ الصدوق العقيدية (الفرعية) من الناحية العلمية ؟
1 مرفق
(2) ماهي نظرة الشيخ المفيد الى اراء الشيخ الصدوق العقيدية من الناحية العلمية ؟
http://www.bayynat.org/www/arabic/na...ics/sayiid.gif
(2)
ماهي نظرة الشيخ المفيد الى اراء الشيخ الصدوق العقيدية من الناحية العلمية ؟
اننا نجد في ملاحظات الشيخ المفيد على الشيخ الصدوق، انّه(الصدوق) لا يدقق في مضمون الحديث ليقارن بينه وبين الاحكام العقلية القطعية، أو المدلول القرآني الذي هو الاساس في تصحيح الاحاديث ومعرفة صحيحها من سقيمها، بل يأخذ الحديث جملة وتفصيلاً من دون محاكمة وتدقيق، وقد لا يتوقف امام توثيقه من ناحية السند فيأخذ في بعض الحالات، بالاحاديث الشاذة.فنجد في تعليقه على كلام الصدوق في افعال العباد، قوله:
«الذي ذكره ابو جعفر قد جاء به حديث غير معمول به ولا مرضي الاسناد، والاخبار الصحيحة بخلافه»(1).
ويتابع في موضع آخر فيقول: «وكتاب الله مقدم على الاحاديث والروايات وإليه يتقاضى في صحيح الاخبار وسقيمها، فما قضى به فهو الحق دون ما سواه»(2).ويتحدث عنه في فصل «المشيئة والارادة» فيقول: «ألذي ذكره الشيخ ابو جعفر في هذا الباب لا يتحصل ومعانيه تختلف وتتناقض والسبب في ذلك انّه عمل على ظواهر الاحاديث المختلفة ولم يكن ممن يرى النظر فيميز بين الحق والباطل ويعمل على ما يوجب الحجة، ومن عوّل في مذهبه على الاقاويل المختلفة وتقليد الرواة كانت حالته في الضعف ما وصفناه» (3).
ويزداد اسلوب المفيد عنفاً في نقده للصدوق في قوله ـ تعليقاً على تفسير آيات القضاء والقدر «عمل ابو جعفر في هذا الباب على احاديث شواذ يعرفها العلماء متى صحت وثبت اسنادها ولم يقل فيه قولاً محصلاً، وقد كان ينبغي له، لما لم يكن يعرف للقضاء معنى ان يهمل الكلام فيه» (4).
ويشتد في عنفه في فصل «النفوس والارواح» في قوله: «كلام ابي جعفر في النفوس والروح على مذهب الحدس دون التحقيق، ولو اقتصر على الاخبار ولم يتعاط ذكر معانيها كان اسلم له من الدخول في باب يضيق عنه سلوكه»
(5).ويقول في موضع آخر من النص: «وما كان ينبغي لمن لا معرفة له بحقائق الامور ان يتكلم فيها على خبط عشواء والذي صرّح به ابو جعفر في معنى الروح والنفس وهو قول التناسخية بعينه من غير ان يعلم انّه قولهم بالجناية بذلك على نفسه وعلى غيره عظيمة» (6).
وجاء في موضع آخر قوله: «والذي حكاه وتوهمه هو مذهب كثير من الفلاسفة الملحدين زعموا ان النفس لا يلحقها الكون والفساد وانها باقية، وانما تفنى وتفسد الاجساد المركبة، والى هذا ذهب بعض اصحاب التناسخ وزعموا ان الانفس لم تزل تتكرر في الصورة والهياكل لم تحدث ولم تفن ولن تعدم وانها باقية غير فانية، وهذا من اخبث قول وابعده عن الصواب، وبما دونه من الشناعة والفساد شنّع به الناصبة على الشيعة ونسبوهم إلى الزندقة، ولو عرف مثبته بما فيه لما تعرض له ولكن اصحابنا المتعلقين بالاخبار اصحاب سلامة وبعد ذهن وقلة فطنة يمرونعلى وجوههم فيما سمعوه من الاحاديث ولا ينظرون في سندها ولا يفرقون بين حقها وباطلها ولا يفهمون ما يدخل عليهم في اثباتها ولا يحصلون معاني ما يطلقونه منها» (7).
وجاء في نص آخر قوله: «فأما قطع ابي جعفر بن وعلمه على اعتقاده فهو يستند إلى ضرب من التقليد ولسنا من التقليد في شيء» (8).اننا نلاحظ ان الشيخ المفيد لا يحترم طريقة الشيخ الصدوق في الاخذ بالاحاديث لانه (الصدوق) لا يدقق في اسانيدها بل يعتمد على شواذها، كما انّه لا يملك القدرة على تحصيل معانيها لانه باب يضيق عنه سلوكه، فقد كان من مسؤوليته العلمية ان يعرض الاحاديث على كتاب الله الذي هو المرجع في تصحيح الاحاديث وهو المقدم عليها، فيما يخالفه منها، ولكنه لم يفعل ذلك، مما فرض عليه الالتزام بما يخالفه كتاب الله. وكان من المفروض عليه ان يدقق في آرائه واستنتاجاته ليتعرف حقائق الامور ولا يخبط فيها خبط عشواء فيؤدي به ذلك إلى الالتزام بالاقوال المضادة للخط الاسلامي في مذهب اهل البيت، وهو قول التناسخية مما يترك تأثيراته السلبية على الخط العقيدي وعلى السائرين عليه وهذا هو ما يأخذه على اصحاب الحديث الذين وصفهم بالسذاجة والبعد عن موقع الوعي، وقلة الفطنة، فهم يتعبدون بكل حديث من دون النظر في سنده، والتدقيق في حقه وباطله، والتعرف على ايجابيات نتائجه وسلبياته، والانتباه إلى اللوازم الباطلة الناتجة من ذلك كله، مما يوجب الاضرار بدينهم من حيث لا يشعرون، فهم يعملون بظواهر الالفاظ ويعدلون عن طريق الاعتبار فيضلون من حيث لا يعلمون.وإذا كان الشيخ المفيد (قده)، ينقد اصحاب الحديث في منهجهم الفكري ويتهمهم بالتقليد للرواة، وبالتقديس للحديث بقطع النظر عن مضمونه وعن سنده، وبالبعد عن الدراسة المقارنة بين الحديث، والقرآن والعقل، فان ذلك يمثل المنهج الذي لابد من التركيز عليه لمعرفة قواعده وابعاده، لان المسالة لا تخلو من الدقة والالتباس. فهل يكفي في الاخذ بالحديث صحة سنده من دون ملاحظة الاحتمالات المحيطة به في اجواء الخلافات الفكرية في زمن صدوره مما قد يدفع ببعض اصحاب الاتجاهات المختلفة إلى وضع الاحاديث التي تتناسب مع تفكيرهم فيخفف ذلك الثقة به. وهل يكفي في الاعتماد على مضمونه، ان لا يكون مستلزماً للمحال ـ عقلاً ـ بالمعنى المطلق، من دون دراسة طبيعته في امكاناته الواقعية، ومدى انسجامه مع الجانب العملي في المسألة.اننا نلاحظ ـ في منهج الشيخ المفيد العقلي في الاخبار ـ ان يكون المضمون مما تجوزه العقول ولا تنكره، ان تصح الاخبار المتضمنة له، كما ورد في كتابه اوائل المقالات في موضوع معرفة الائمة بجميع الصنائع.قال: «انّه ليس يمتنع ذلك منهم ولا واجب من جهة العقل والقياس وقد جاءت اخبار عمن يجب تصديقه بان ائمة آل محمد(ع) قد كانوا يعلمون ذلك، فان ثبت وجب القطع به من جهتها على الثبات ولي في القطع به منها نظر والله الموفق للصواب وعلى قولي هذا جماعة من الامامية» (9).ولكن التأمل يفرض علينا ـ بالاضافة إلى ذلك ـ ان نجد تفسيرا للمضمون الفكري من حيث انسجامه مع طبيعة الاشياء المتصلة بالمضمون وذلك ما هو الحديث عن مسالة الولاية التكوينية التي يذهب اليها الكثيرون من علماء الامامية انطلاقاً من الاحدايث الدالة على ذلك، ومن عدم وجود اية ممانعة عقلية في تجويزها، فقد يبرز سؤال في ذلك، عن ضرورتها، ما دامت الرسالة التي امروا بالحفاظ عليها، كما امر النبي(ص) بتبليغها لا تفرض ذلك، وما داموا لم يمارسوها في حياتهم بشكل وبآخر، لا سيما ان النبي(ص) ينفي عن نفسه هذه القدرة فيما حدثنا القرآن عنه في جوابه للمشركين الذين اقترحوا عليه القيام ببعض الافعال الخارقة للعادة وذلك بقوله (سبحان ربي هل كنت الا بشراً رسولا) (الاسراء:93) مما يوحي بان الرسولية لا تفرض وجود مثل هذه القدرة في دوره ومهمته.وهكذا نجد السؤال يفرض نفسه في الاحاديث التي تدل على ان الله خلق الكون لأجلهم، فاننا لا نستطيع ان نجد له تفسيراً معقولاً حتى على مستوى وعي المضمون في التصور الفكري، فهل القضية واردة في نطاق التشريف، أو في نطاق الدور الرسالي، أو في نطاق الهدية أو ما إلى ذلك.ان القضية ليست في الحديث عما هو الممكن والمستحيل في الجانب التجريدي من حيث الحكم العقلي، بل هي في ايجاد المبررات الواقعية للمضمون على اساس العلاقة بين النبوة أو الامامة وبين هذه الامور وإذا كان البعض يتحدث بأن ما لا نفهمه من هذه الامور لابد ان يرد علمه إلى اهله، فان ذلك يفرض علينا اهمالها وعدم اعتبارها من اصول العقائد باعتبار ان العقيدة لابد ان تمثل وعياً في الفكر وقناعة في الوجدان.ويحدثنا الشيخ المفيد في كتابه في «أوائل المقالات»، عن اختلاف علمـاء الامامية في تفسير معنى الرجعـة(10) التي اتفقوا عليها من ناحية المبدأ، فقد كان جماعة من الشيعة يؤولون الاخبار الواردة في الرجعة على طريق الاستفاضة إلى رجوع الدولة ورجوع الامر والنهي إلى الائمة(ع) والى شيعتهم واخذهم بمجاري الامور دون رجوع اعيان الاشخاص كما نقل ذلك السيد المرتضى عن جماعة من الشيعة تأولوا الرجعة بذلك.وإذا كان محققوا الشيعة قد رفضوا هذا التأويل لعدم لزوم محال عقلي في هذا الموضوع، فاننا نتصور ان هؤلاء القوم لم ينطلقوا في تأويلهم من الاستحالة العقلية لان الرجعة ليست اشد صعوبة من البعث ولكنهم انطلقوا من الفكرة التي تثير التساؤل حول ضرورة ذلك فاذا كان المقصود الانتصاف للمظلومين من الظالمين وغلبة المحقين على المبطلين، فان ذلك حاصل في يوم القيامة، وإذا كانت القضية هي اظهار الحق على الباطل، وبسط العدل في الكون فان وجود الدولة المهدية الشاملة كفيل بذلك، وإذا كانت المسالة تحقيق الامنيات في دولة الحق للمؤمنين وشفاء غيظهم من معاصريهم من المبطلين فيما يمكن ان تحققه الرجعة من حصول الاماني وشفاء الغيظ، فان يوم القيامة يحقق ذلك بأعظم مما يحدث من خلال الرجعة لانه يتصل بالمصير الابدي في النعيم والشقاء.ان المسألة ليست مرتبطة بالامكان والاستحالة، بل هي مرتبطة بالمبررات العملية الواقعية في ضرورة ذلك، مما يجعل التأويل اكثر قرباً للالتزام بالاحاديث من ابقائها على ظاهرها، لا سيماعند مواجهة التحديات الفكرية في هذه المسألة التي لا تمثل ـ في طبيعتها ـ اصلاً في اصول العقيدة.
_________________________________
1- تصحيح الاعتقاد، ص 27 ـ 28.
2- المصدر السابق، ص 304.
3- المصدر السابق، ص 34 - 35.
4- المصدر السابق، ص 39.
5- المصدر السابق، ص 63.
6- المصدر السابق، ص 68.
7- المصدر السابق، ص 69.
8- المصدر السابق، ص 101.
9- اوائل المقالات، ص 37 ـ 38.
10- اوائل المقالات، ص 13.
---------------------------------------------------------------------------
الجزء الثالث : ماهي مبررات الشيخ المفيد العلمية في انتقاده لاراء الشيخ الصدوق؟.
1 مرفق
الجزء الرابع : نظرة تقييمية لاراء الشيخ المفيد العلمية في انتقاده لاراء الشيخ الصدوق؟
http://www.bayynat.org/www/arabic/na...ics/sayiid.gif
(4)
الجزء الرابع : نظرة تقييمية لاراء الشيخ المفيد العلمية في انتقاده لاراء الشيخ الصدوق؟
بين المفيد والصدوق
قد نلاحظ ـ في بعض انتقادات المفيد للصدوق ـ ان الشيخ المفيد يسجل نقطة على الشيخ الصدوق بشكل سريع لا يجد الباحث فيه انسجاماً مع الاتجاه الذي يعالجه بدقة وذلك من خلال استعراض المباحثات التالية:
اولاً: في صفات الذات وصفات الافعال
فنحن نقرأ نص الصدوق في هذا الموضوع فيقول: «كلما وصفنا الله تعالى من صفات ذاته فانما نريد بكل صفة منها نفي ضدها عنه عز وجل ونقول: لم يزل الله عز وجل سميعاً بصيراً عليماً حكيماً قادراً عزيزاً قيّوماً حياً واحـداً قديماً، وهذه صفات ذاته ولا نقـول انّه عز وجل لم يزل خلاقاً فاعلاً شائياً مريداً راضياً ساخطاً رازقاً وهاباً متكلماً لان هذه صفـات افعاله وهي محدثة لا يجـوز ان يقال: لم يزل الله موصوفاً بها»(1).
ونلاحظ ان الشيخ المفيد تحدث عن تقسيم صفات الله إلى ضربين: صفات الذات، وصفات الافعال وذكر ان الفرق بينهما ان الذات ـ في صفات الذات ـ مستحقة لمعناها استحقاقاً لازماً لا معنى سواها، اما صفات الافعال هي انها تجب بوجود الفعل ولا تجب قبل وجوده، وأفاض في الامثلة على ذلك بما لا يخرج عن كلام الصدوق بشكل مجمل(2)، فانه اراد من صفات الذات ما يجب نفي ضدها عنه وبذلك تخرج صفات الافعال عن المصطلح ليكن معناها ما فصله الشيخ المفيد، ومثّل له الشيخ الصدوق.
ثانياً: في افعال العباد
لقد اثار الشيخ المفيد النكير على الشيخ الصدوق في قوله: «ان افعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين، ومعنى ذلك انّه لم يزل الله عالماً بمقاديرها».
فانتقده بقوله: «ان الصحيح عن آل محمد(ص) ان افعال العباد غير مخلوقة لله والذي ذكره ابو جعفر قد جاء به حديث غير معمول به ولا مرضي الاسناد، والاخبار الصحيحة بخلافه، وليس يعرف في لغة العرب ان العلم بالشيء هو خلق له، ولو كان ذلك، كما قال المخالفون للحق، لوجب ان يكون من علم النبي صلى الله عليه وآله فقد خلقه ومن علم السماء والارض فهو خالق لهما، ومن عرف بنفسه شيئاً من صنع الله وقرره في نفسه لوجب ان يكون خالقاً له، وهذا محال لا يذهب وجه الخطأ فيه على رعية الائمة عليهم السلام فضلاً عنهم.فأما التقدير فهو الخلق في اللغة لان التقدير لا يكون الا بالفعل فأما بالعلم فلا يكون تقديراً ولا يكون ايضاً بالفكر والله متعال عن خلق الفواحش والقبائح على كل حال ثم ذكر بعض الاحاديث النافية لخلق الافعال من ناحية المبدأ»(3).
والظاهر من كلام الصدوق ان مقصوده هو ان الافعال ليست مخلوقة له بشكل تكويني مباشر كخلق السماوات والارض، بل هي داخلة في تقديره لحركة الإنسان في الحياة على اساس صدورها عنه باختياره باعتباره السبب المباشر لوجودها من خلال ارادته الحرة المنطلقة من عناصرها الطبيعية في الدوافع المحركة للانسان في اختياراته العملية، مما يجعل الخلق لها من الله خلقاً بالواسطة، لان الله هو خالق فاعلها، وخالق الظروف التي تؤدي اليها، ولذلك فإنه لم يتعرض لاثبات ما ينفيه المفيد من ذلك، وما ترفضه الاحاديث التي ذكرها.
اما تعليقه على قوله: «ومعنى ذلك انّه لم يزل الله عالماً بمقاديرها» بانه ليس يعرف في لغة العرب ان العلم بالشيء هو خلق له فان الظاهر ان مراد الصدوق منه هو ان علاقة الله بها هو العلم بمقاديرها تماماً ككل الاشياء التي قدرها في الكون باسبابها، فليست بعيدة عن علمه إذا كانت بعيدة عن ارادته التكوينية عن رضاه بها لان الله يعلم ما يصنعه عباده بارادتهم قبل ان يصنعوه في نطاق علمه بالاشياء كلها.
ثالثاً: في الفرق بين الجبر والتفويض
قال الصدوق: اعتقادنا، في نفي الجبر والتفويض، قول الامام جعفر الصادق(ع): «لا جبر ولا تفويض بل امر بين الامرين فقيل له ما امر بين امرين فقال: ذلك مثل رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته ففعل تلك المعصية فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنت انت الذي امرته بالمعصية»(4).
ويعلق الشيخ المفيد على ذلك، بان هذا الحديث مرسل فلا يصلح حجة على الفكرة ثم يتحدث عن الجبر بانه «ايجاد الفعل في الخلق من غير ان يكون لهم قدرة على دفعه والامتناع عن وجوده» والتفويض «هو القول برفع الخطر عن الخلق في الافعال والاباحة لهم مع ما شاؤوا من الاعمال».
ويذكر ـ بعد ذلك ـ ان الواسطة بين هذين القولين ان الله قدر الخلق على افعالهم ومكنهم من افعالهم وحد لهم الحدود في ذلك ورسم لهم الرسوم ونهاهم عن القبائح بالزجر والتخويف والوعد والوعيد فلم يكن بتمكينهم من الاعمال مجبراً لهم عليهاً، ولم يفوض اليهم الاعمال لمنعهم من اكثرها ووضع الحدود لهم فيها وامرهم بحسنها ونهاهم عن قبيحها(5).
وقد سجل على الصدوق استلزام قوله بخلق الافعال كما هو مذهب اصحاب المخلوق ـ على حد تعبيره ـ القول بالجبر لانه الجبر بينة لانهم يزعمون ان الله خلق في العبد الطاعة من غير ان يكون للعبد قدرة على ضدها والامتناع منها وخلق فيه المعصية.
ونلاحظ على ذلك ان الصدوق عندما استشهد بالحديث على اعتقاده لم يختلف عن كلام المفيد، لانه انطلق من فكرة ان تركه يمارس المعصية، من خلال القدرة الطبيعية التي اودعها الله فيه، وعدم منعه من القيام بها، ليس تفويضاً له لانك نهيته عن ذلك، وليس اجباراً ـ من خلال القدرة ـ لانها ليست السبب التام في ذلك، وبهذا تكون القدرة متصلة بخيط دقيق بالجبر ولكنها لا تقتضيه، كما ان تركه يمارس المعصية من دون ضغط تكويني بالمنع يتصل بخيط دقيق بالتفويض من دون ان يلتقي به.
اما الحديث عن مذهب الصدوق بخلق الافعال الذي يستلزم الجبر فقد بيّنا سابقاً انّه لا يريد منه خلق التكوين، بل خلق التقدير بالمعنى الذي ذكرناه مما لا يصطدم بالبراءة منها في الدائرة السلبية.
رابعاً: المشيئة والارادة
قال الصدوق: اعتقادنا في ذلك قول الصادق(ع): «شاء الله واراد مثل ذلك ولم يحب ولم يرض شاء ان لا يكون شيء الا بعلمه واراد مثل ذلك ولم يحب ان يقال له: ثالث ثلاثة ولم يرض لعباده الكفر قال الله عز وجل: (انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء). وقال تعالى: (وما تشاؤون الا ان يشاء الله). وقال عز وجل (ولو شاء ربك لأمن من في الارض كلّهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) الخ الآيات(6).
وقال المفيد تعليقاً عليه: «الذي ذكره الشيخ ابو جعفر رحمه الله في هذا الباب لا يتحصل ومعانيه تختلف وتتناقض، والسبب في ذلك انّه عمل على ظواهر الاحاديث المختلفة ولم يكن ممن يرى النظر فيميز بين الحق منها والباطل ويعمل على ما يوجب الحجة، ومن عوّل في مذهبه على الاقاويل المختلفة وتقاليد الرواة كانت حاله في الضعف ما وصفناه.
والحق في ذلك: ان الله لا يريد الا ما حسن من الافعال ولا يشاء الا الجميل من الاعمال ولا يريد القبائح ولا يشاء الفواحش، تعالى الله عما يقول المبطلون علواً كبيراً(7).
ثم استشهد على رأيه بالآيات، كما رد الآيات التي تعلق بها المجبّرة.
اننا نلاحظ ان الشيخين كانا في مقام الرد على المجبرة من علماء اهل الخلاف فقد جاء في نهاية هذا الفصل في كلام الصدوق بقوله: «هذا اعتقادنا في الارادة والمشيئة ومخالفون يشنعون علينا في ذلك ويقولون: انا نقول ان الله اراد المعاصي واراد قتل الحسين بن علي عليهما السلام وليس هكذا نقول ولكنا نقول: ان الله اراد ان تكون معصية العاصين خلاف طاعة المطيعين واراد ان تكون المعاصي غير منسوبة إليه من جهة الفعل واراد الله تعالى ان يكون موصوفاً بالفعل بها قبل كونها ونقول: اراد الله ان يكون قتل الحسين عليه السلام معصية له وخلاف الطاعة ونقول: اراد الله ان يكون قتله مستقبحاً غير مستحسن ونقول: ان الله عز وجل اراد ان يكون قتله سخطاً لله غير رضا
ونقول: اراد الله عز وجل ان لا يمنع من قتله بالجبر والقدرة كما منع منه بالنهي ونقول: اراد الله ان يكون قتله منهياً عنه غير مأمور به» إلى آخر كلامه.
ان هذا النص يؤكد رفض الصدوق للجبر من ناحية المبدأ، ولأي تفسير للارادة والمشيئة بما يستلزم الجبر كما يؤكد ان علاقة الله عز وجل بالافعال الصادرة من العباد بما لا يرضاه في تشريعه، هي انه يعلم بها قبل كونها من دون ان يريدها بشكل مباشر من دون ان يكون ذلك تعطيلاً لقدرته وذلك من خلال انّه اعطى الإنسان القدرة ولم يعطلها عند قيامه بالقبيح، وبذلك يمكن الجمع بين مشيئة الله وارادته له، وعدم رضاه به، فيما هو التقدير للاشياء ـ ومنها افعال الإنسان ـ بأسبابها من دون ان يكون راضياً عنها بتمامها.
ولم يأت الشيخ المفيد بشيء آخر غير ذلك، بل انّه استشهد على رأيه بالآيات نفسها التي استشهد بها الصدوق على نفس الرأي.
ولم يستطع الشيخان معاً ان يتحدثا عن طبيعة الارادة المثبتة أو الارادة المنفية بل تحدثنا عن رفض اقتضاء وجود القبائح من العباد تكويناً، رضا الله بها وحجته لها، اما حقيقة الارادة والمشيئة في طبيعتها الحقيقية كصفتين من صفات الله فلم يصلا إلى شيء من ذلك لانه لا سبيل لأحد في معرفة ذلك باعتبار انّه من اسرار الله في كنه صفاته.
وهكذا نجد ان المتكلمين من المحدثين والعقليين لم يتسطيعوا الا ان يتحدثوا عن استحالة نسبة القبيح من افعال العباد إلى الله، من دون ان يعرفوا أو يبيّنوا كيف هي حقيقة ذلك، ولم يأتوا الا بمفاهيم غامضة تتحدى ـ في دائرة الجدل ـ مفاهيم غامضة اخرى.
وفي ضوء ذلك فكيف نوافق الشيخ المفيد على ان ما ذكره الشيخ ابو جعفر الصدوق في هذا الباب لا يتحصل ومعانيه تختلف وتتناقض، وعلى حملته القاسية عليه بانه لا يميز بين الحق والباطل ولا يعمل بما يوجب الحجة لانه لم يكن ممن يرى النظر في الوقت الذي نرى فيه «الذي يرى النظر» لم يأت بشيء جديد مخالف لما ذكره الصدوق كما اننا نلاحظ على الشيخ المفيد انّه اثار الحديث في مواجهة الآخرين بطريقة انفعالية عندما يتحدث عن رعونتهم وجهلهم، كما يتحدث عن عناء وضعف من اعتمد عليه، وربما يقصد الصدوق بالفقرة الاخيرة. هل نفهم من ذلك ان الشيخ المفيد كان مشدوداً لفكرة نقد الصدوق كيفهما كان.
خامساً: في القضاء والقدر
قال الشيخ الصدوق: «اعتقادنا في ذلك قول الصادق عليه السلام لزرارة حين سئله فقال ما تقول يا سيدي في القضاء والقدر قال: اقول ان الله إذا جمع العباد يوم القيامة سئلهم عما عهد اليهم ولم يسئلهم عما قضى عليهم. والكلام في القدر منهي عنه كما قال امير المؤمنين(ع) لرجل وقد سئله عن القدر فقال له: بحر عميق فلا تلجه ثم سئله ثانية فقال: طريق مظلم لا تسلكه ثم سئله ثالثة فقال: سر الله فلا تتكلمه» إلى آخر كلامه(8).
http://www.bayynat.org/www/arabic/na...ics/sayiid.gif
وقال الشيخ المفيد: عوّل ابو جعفر في هذا الباب على احاديث شواذ لها وجوه يعرفها العلماء حتى صحت وثبت اسنادها ولم يقل فيه قولاً محصلاً، وقد كان ينبغي له لما لم يكن يعرف القضاء معنى ان يهمل الكلام فيه إلى آخر كلامه»(9).
اما تعليقنا على ذلك فهو ان الحديث في القضاء والقدر ليس عن مفهوم الكلمتين في اللغة ليكلف الشيخ المفيد نفسه عناء تعداد المعاني التي جاءت في تفسير كلمة القضاء وحملته على الشيخ الصدوق بأنه لما لم يكن يعرف للقضاء معنى ان يهمل الكلام فيه. بل الكلام في حقيقتهما في عناصرهما الواقعية المتصلة بالله سبحانه في نسبتها إليه فان الواقع المتمثل بحركة الإنسان والحياة في النظام الكوني والإنساني امر واضح في طبيعة مفرداته وظواهره في نطاق قانون السببية، ونحو ذلك ولكن المسألة هي في عمق الارادة المحركة وعلاقة الله به في قضايا حرية الارادة الإنسانيّة أو المصالح والمفساد في مسألة الكون والفساد وامثال ذلك.
وهذا هو سر الله، أو الطريق المظلم، أو البحر العميق، وهذا هو الذي قصده الصدوق في كلامه، ولا نتصور انّه كان يجهل المعاني اللغوية للقضاء كما انّه اهمل الحديث عن القضاء تفصيلاً، فكيف يعترض عليه انّه لابد ان يهمله الا ان يكون مقصوده ترك ذكره من الاساس.
ونلاحظ ان الشيخ المفيد في حديثه عن القضاء والقدر في رد المجبرة ابطال قولهم بالطريقة العقلية من خلال تسجيل اللوازم الباطلة في قولهم في اسلوب الترديد بين النفي والاثبات في المسالة السلبية. ولكنه لم يوضح حقيقة القضاء والقدر، في المسألة الايجابية فقد ذكر في توجهه وجهاً لا يوحي بأي تصور واضح.
قال: «والوجه عندنا في القضاء والقدر بعد الذي بيّناه في معنى ان الله تعالى في خلقه قضاءً وقدراً، وفي افعالهم ايضاًقضاء وقدراً معلوم ويكون المراد ـ بذلك انّه قد قضى في افعالهم الحسنة بالامر بها وفي افعالهم القبيحة بالنهي عنها. وفي انفسهم بالخلق لها، وفيما فعله فيهم بالايجاد له، والقدرة منه سبحانه في نقله ايقاعه منه في حقه وفي موضعه، وفي فعال عباده وقضاه فيها من الامر والنهي والثواب والعقاب، لان ذلك كله واقع موقعه موضوع في مكانه لم يقع عبثا ولم يضع باطلاً، فاذا فسر القضاء في افعال الله تعالى والقدرة بما شرحناه زالت الشفعة منه وثبتت الحجة به ووضح فيه لذوي العقول ولم يلحقه ضار ولا اخلال».
ونلاحظ على ذلك، ان مسألة القضاء والقدر، كما المحنا، لا تتصل بالاوامر والنواهي الصادرة من الله في التكاليف المتعلقة بأفعال عباده، بل هي متصلة بمسألة الواقع الكوني والإنساني فيما اوجده الله وفعله وقدره وطبيعته بالدرجة التي يمكن للانسان ان يحصل فيها على تصور تفصيلي واضح للاسباب الكامنة وراء ذلك كله في معنى الخلق وسببه وغايته. وهذا ما لم يستطع العلماء ان يصلوا إليه إلاّ بلغة المفاهيم العامة. وهذا هو الذي اشار إليه الشيخ المفيد في تفسير اخبار القضاء والقدر التي رواها الصدوق فى النهي عن الكلام في القضاء والقدر، وذلك في الوجه التالي من
الوجهين اللذين ذكرهما، وهو ان يكون النهي عن الكلام في القضاء والقدر النهي عن الكلام فيما خلق الله تعالى وعن علله واسبابه وعما امر به وتعبد، وعن القول في علل ذلك اذ كان طلب علل الخلق والامر محظوراً لان الله تعالى سترهما عن اكثر خلقه الا ترى انّه لا يجوز لاحد ان يطلب لخلق جميع ما خلق عللاً مفصلات فيقول: لم خلق كذا وكذا؟ حتى يعد المخلوقات كلها ويحصيها، ولا يجوز ان يقول: لِمَ امر بكذا؟ أو تعبّد بكذا؟ ونهى عن كذا؟ اذ تعبده بذلك وامره لما اعلم به من مصالح الخلق ولم يطلع احداً من خلقه على تفصيل علل ما خلق وامر به وتعبد وان كان قد علم في الجملة انّه لم يخلق الخلق عبثاً وانما خلقهم للحكمة والمصلحة دل دلك بالعقل والسمع».
ولنا ملاحظة على بعض ما ذكره في هذا الوجه في تعليل النهي عن الحديث عن القضاء والقدر بالكلام فيما خلق الله وعن علله واسبابه، وعما امر به وتعبد وعن اسراره ووجوه الصلاح والفساد في هذا أو ذاك، فاننا لا نستطيع التسليم بذلك من اجل الحصول على معرفة تفصيلية في هذه الامور فيما يمكن للانسان ان يصل إليه بالبحث والتأمل والاستقراء لاكتشاف اسرار خلق الله من خلال الوسائل التي وضعها الله في متناول الإنسان، للوصول إلى خفايا الامور، أو للتعرف على المصالح والمفاسد الكامنة وراء التشريع، وربما نجد في الاحاديث الواردة عن ائمة اهل البيت عليهم السلام في علل الاحكام جواباً على الاسئلة الموجهة اليهم انهم يشجبون حركة التفكير والبحث والسؤال في هذا الاتجاه. هذا مع مراعاة الطريقة السلبية في استخلاص النتائج بالابتعاد عن الجزم فيما لا طريق إلى الجزم به وابقاء القضايا في دائرة الاحتمال أو الظن تبعاً للادلة المتوفرة لدى الإنسان في ذلك.
وتبقى مسألة القضاء والقدر في دائرة العلل الغائبة في حركة النظام الكوني وفي واقع الوجود الإنساني مما لا يحيط بها العقل البشري، ولا يملك الوسائل العملية اليها في نطاق التجربة الإنسانيّة.
سادساً: معنى فطرة الله
قال الصدوق في الفطرة: «ان الله تعالى فطر جميع الخلق على التوحيد وذلك قوله عز وجل (فطرة الله التي فطر الناس عليها) إلى آخر كلامه(10).
قال الشيخ المفيد: «ذكر ابو جعفر رحمه الله الفطرة ولم يبين معناها، واورد الحديث على وجهه ولم يذكر فائدته، والمعنى في قوله عليه السلام فطر الله الخلق اي ابتدأهم بالحدوث، والفطرة هي الخلق».
ويتابع الشيخ الحديث عن الفطرة في الآية المتعرضة لها فيذكر قوله تعالى:
(فاطر السموات والارض) (غافر: 1) لا يريد به خالق السموات والارض على الابتداء والاستقبال وقال: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) (الروم: 30). يعني خلقتهم التي خلق الناس وهو معنى قول الصادق(ع): فطر الله الخلق على التوحيد اي خلقهم للتوحيد وعلى ان يوحدوه، وليس المراد به انّه اراد منهم التوحيد ولو كان الامر كذلك ما كان مخلوق الا موحداً، وفي وجودنا من المخلوقين من لا يوحّد الله دليل على انّه لم يخلق التوحيد في الخلق بل خلقهم ليكسبوا التويحد وقد قال تعالى في
شاهد ما ذكرناه: (وما خلقت الجن والانس إلاّ ليعبدون) (الذاريات: 56) فبين انّه انما خلقهم لعبادته.
وقد روي عن النبي (ص) رواية تلقاها العامة والخاصة بالقبول قال: «كل مولود يولد على الفطرة وانما ابواه يهوّدانّه وينصرانّه وهو أيضاً مبين عن صحة ما قدمناه من ان الله خلق الخلق ليعبدوه وفطرهم ليوحدوه وانما اتى الضالون من قبل انفسهم ومن اضلهم من الجن والإنسان دون الله تعالى»(11).
ولنا ملاحظة، وهي، اننا نتفق معه ان الفطرة هي الخلق الذي تتمثل فيه طبيعة الإنسان ولكن مسألة اعتبار التوحيد كهدف من خلال انّه فطرة الله التي فطر الناس عليها ـ كما هو مدلول الآية ـ أو الحديث الذي يوحي بانه فطرهم على التوحيد ـ ليس واضحاً، اما ما ذكره من انّه لو كان المراد منهم التوحيد، لما كان هناك مخلوق الا موحداً فليس دقيقاً، لأن من الممكن ان يكون المراد من ذلك هو ان طبيعة خلق الإنسان فيما اودعه الله فيه من خصائص وقوى وتطلعات ودلائل بحيث لو انفتح عليها واخذ بها بشكل طبيعي لكان موحداً، وهذا هو مدلول كلمة الفطرة التي قد تعني الطبيعة الإنسانيّة المنفتحة على العنصر الحي في الخلقة.
وهذا هو الظاهر من الحديث الشريف، كل مولود يولد على الفطرة وانما ابواه يهودانّه وينصرانّه فان الظاهر منه ان الإنسان لو ترك ونفسه بحسب طبيعته الاصلية في خصائص ذاته لكان التوحيد في خط الإسلام هو الذي ينطلق به فكره ويتحرك به خطه لكن تدخل الآباء المنحرفين في خط اليهودية والنصرانية هو الذي يحول بينه وبين فطرته الاصلية من خلال الافكار الطارئة والضغوط القوية فتجعله يهودياً أو نصرانياً.
وهذا هو مدلول الإسلام دين الفطرة، فان معناه هو ان العقيدة الإسلامية تنسجم مع الفطرة الإنسانيّة فيما تختزنه من مرتكزات، وما تحمله من خصائص، وما تنفتح عليه من افكار بحيث لو انفتحت عليه من دون حواجز لآمنت به، تماماً كأي شيء ذاتي يتحرك بشكل طبيعي، كالينبوع الذي يندفع نحو مجراه تلقائياً ما لم تقف الحواجز بينه وبينه.
ونلاحظ ان الشيخ المفيد قد تحدث عن الشيخ الصدوق في هذا الفصل بطريقة ايجابية فقال:
«والذي اورده ابو جعفر في بيان فطرة الله الخلق وهدايتهم إلى الرشد على ما ذكر، وقد اصاب في ذلك وسلك الطريقة المثلى فيه وقال ما يقتضيه العدل ويدل عليه العقل. وهو خلاف مذهب المجبّرة الراّدين على الله فيما قال والمخالفين في اقوالهم دلائل العقول».
وربما كانت هذه المسألة المضادة للمجبّرة هي التي دفعت الشيخ المفيد إلى اختيار ما اختاره في تفسير الفطرة واعتبار التوحيد هدفاً للخلق لا عمقاً فيه، لانه كان يواجه حجة المجبّرة في اعتبار الفطرة دليلاً عل الجبر بالمعنى المذكور. ولكنك عرفت ان من الممكن تجاوز حجتهم بالطريقة التي ذكرناه مما لا يتنافى مع عنصر الاختيار.
--------------------------------------------------------
1- عقائد الصدوق، ص 74.
2- تصحيح الاعتقاد، ص 25 ـ 26.
3- المصدر السابق، ص 27 ـ 29.
4- عقائد الصدوق، ص 32 ـ 33.
5- عقائد الصدوق، ص 75 - 76.
6- تصحيح الاعتقاد، ص 34 - 35.
7- عقائد الصدوق، ص 76 - 77.
8- تصحيح الاعتقاد، ص 32 - 33.
9- تصحيح الاعتقاد، ص 39.
10- عقائد الصدوق، ص 87.
11- تصحيح الاعتقاد، ص 45 - 47.
--------------------------------------------------------
الجزء الخامس : تكملة المناقشة العلمية لبقية النقاط الاعتقادية المطروحة.
مشاركة: الجزء الرابع : نظرة تقييمية لاراء الشيخ المفيد العلمية في انتقاده لاراء الشيخ الصدوق؟
أحسنتم على الموضوع مولانا
ومشكلة الألوان كبيرة حتى الساعة
ونرجو إختصار الموضوع دون التقليل من مضمونه القيم
صراحة رغم أني لا أتبنى كل آراء السيد العقائدية
إلا أنني طرحت السؤال في ياحسين (شيعي شيعي)
"هل يحق للصدوق ما لايحق لفضل الله"