نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



الإثنين 25 مارس، 2024



تعتبر صفة الكرم والسخاء من أبرز الصفات التي تميّز بها الإمام الحسن (عليه السلام)، فكان المال عنده غاية يسعى من خلالها إلى كسوة عريان، أو إغاثة ملهوف، أو وفاء دين غريم، أو إشباع جوع جائع، إلى غير ذلك من الأغراض السامية والأهداف الإسلامية النبيلة.

ومن هنا عُرف (عليه السلام) بكريم أهل البيت، فقد قاسم الله أمواله ثلاث مرّات، نصف يدفعه في سبيل الله ونصف يبقيه له، بل وصل إلى أبعد من ذلك، فقد أخرج ماله كلّه مرّتين في سبيل الله ولم يُبقِ لنفسه شيئاً، فهو كجدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعطي عطاء من لا يخاف الفقر، وهو سليل الأسرة التي قال فيها ربّنا سبحانه وتعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وآية أُخرى تحكي لسان حالهم: (وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وأسيرا ! إنما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا).

هذا هو الأصل الكريم لإمامنا الحسن (عليه السلام) الزكي من الشجرة الطيّبة التي تؤتي أُكلها كل حين، فمن كريم طبعه (عليه السلام) أنّه لا ينتظر السائل حتّى يسأله، ويرى ذل المسألة في وجهه، بل يبادر إليه قبل المسألة فيعطيه.

هناك رواية عن جابر بن عبد الله الأنصاري ـ مروية في كتاب الغَيبة ـ أنّه ( صلى الله عليه وآله ) قد سمّى كلّ إمام من أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ولقّبه بلقب خاص به ، وما علينا إلاّ اتباع ما صدر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

ويؤيد هذا ما نقرأه في زيارة الجامعة من أنّ أسمائهم وألقابهم قد اختارها الله تعالى ، حيث ورد فيها : ( فما أحلى أسماءكم ) .

وقد توفّرت في الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) الصفات الرفيعة ، والمُثل الكريمة ، فقد كان مثالاً سامياً في الكرم والتواضع والحلم وكظم الغيظ .

فكرمه ( عليه السلام ) وسخاؤه كان يضرب به المثل ، وإنّ السخاء الحقيقي هو بذل الخير بداعي الخير ، وبذل الإحسان بداعي الإحسان ، وقد تجلّت هذه الصفة الرفيعة بأحلى مظاهرها ، وأسمى معانيها في الإمام المجتبى ( عليه السلام ) حتّى لقّب بكريم أهل البيت .

وقد أثر عنه أنّه ما قال لسائل ( لا ) قط ، وقيل له : لأيّ شيء لا نراك ترد سائلاً ؟ فأجاب ( عليه السلام ) : ( إنّي لله سائل وفيه راغب ، وأنا استحي أن أكون سائلاً وأرد سائلاً ، وإنّ الله عوّدني عادة أن يفيض نعمه عليَّ ، وعوّدته أن أفيض نعمه على الناس ، فأخشى أن قطعت العادة أن يمنعني العادة ) .

أمّا لماذا اختصّ هذا الإمام بهذا اللقب ، وذاك بذاك اللقب ، مع أنّهم جميعاً صادقون وباقرون وكاظمون و … ؟

فلعلّه ناظر إلى تلك الظروف التي كان يعيشها الإمام ( عليه السلام ) ، فمثلاً الإمام الباقر ( عليه السلام ) كان يعيش في ظرف فسح له المجال لانتشار علم الأئمّة ، فكأنّه أتى بجديد على الناس ، ولم يسمعوا به بهذا التفصيل من ذي قبل ، خاصّة من كثرة الوقائع وتوسّع المسائل ، فعرف بالباقر لبقره وشقّه للعلم ، وفتقه لمسائل العلم وتعمّقه فيها ، وكشفه عن خفاياها وكنوزها .

وهكذا الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، فإنّه عاش في ظرف كثر فيه العلماء ، وانتشرت فيه العلوم ، ممّا أدّى إلى اختلاط كبير بين الروايات والفتاوى الصادرة من بعض علماء المدارس والمذاهب الأُخرى ، فاحتاجت الساحة العلمية إلى من يفرز الفكر الأصيل على مستوى الرواية عن غيرها ، فتصدّى الإمام الصادق ( عليه السلام ) لهذا الدور بشكل مركّز ، وباعتبار عظمة الثقة به ، ولقدرة تمييزه الصحيح من غيره عرف بالصادق .

إذاً لعلّ مثل هذه الظروف كان لها سهم كبير في ظهور هذه الصفة في هذا الإمام أكثر من ذلك ، وإلاّ من حيث المبدأ كلّهم متساوون في هذه الصفات .
انتهى