نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


سراييفو: عبد الباقي خليفة

عاد ملايين الطلبة إلى مدارسهم في جميع أنحاء العالم فى شهر سبتمبر (ايلول) الحالي، ككل موسم دراسي، ومن بينهم الآلاف من طلبة المدارس الاسلامية في البلقان، والذين يقدر عددهم بعشرة آلاف طالب، وآلاف الطلبة غير النظاميين في المدارس والخلاوي والكتاتيب وهيئات تحفيظ القرآن الكريم، وذلك في ظروف توجه فيها أصابع الاتهام إلى المدارس الاسلامية في العالم بأنها تعلم الارهاب، في حين يؤكد القائمون على هذه المدارس، بأن ذلك الموقف «مجرد انطباع أملته الفروقات الثقافية والدينية لدى البعض، والقراءات السطحية من بعض الموتورين».

وكل ذلك «رمي في عماية»، بتعبير أبي حامد الغزالي. بل إن المدارس الاسلامية، هي التي تتعرض للاعتداءات، كما هو الحال في مقدونيا وصربيا. كما يؤكد القائمون عليها، إضافة إلى أنها «أدت دورا محوريا في عملية الحفاظ على هوية المسلمين، الذين يمثلون أقليات وسط بحر من العداء، لا يزال مستمرا ومنذ عدة قرون».

ويروي القائمون على تلك المدارس في البوسنة ومقدونيا وبلغاريا والمجر وألبانيا وغيرها، أساليب التدمير المنظم الذي تعرضت له المدارس الاسلامية، على يد الانظمة المتعاقبة على مدى السنوات التسعين الاولى من القرن الماضي وما سبقها. ويؤكد محرم عمرديتش مسؤول المدارس الإسلامية التابعة للمشيخة الإسلامية في البوسنة لـ«الشرق الأوسط» أنه «في العهد الشيوعي، لم يكن في البوسنة سوى 10 من حفظة القرآن فقط، أما اليوم فيوجد لدينا 160 حافظا، وسيكون العدد أكبر في المستقبل. اليوم يوجد لدينا 8 مدارس إسلامية ثانوية، منها 6 مدارس في البوسنة، ومدرسة سابعة في كرواتيا، وثامنة في السنجق، وبهذه المدارس 1600 طالب، يتلقون إلى جانب التعليم الإسلامي، منهجا مميزا في المجالات الأخرى.

وتمتلك المدارس الإسلامية، منهجا قويا يخرج طلبة مميزين، ولذلك لا يمكن إلا للطلبة المتفوقين التسجيل فيها». وعما إذا كان يسمح لخريجي المدارس الإسلامية بالالتحاق بمختلف الكليات الأخرى، قال عمرديتش «ليس بإمكان طلبتنا الالتحاق بكافة الكليات الأخرى فحسب، بل إنهم أفضل الطلبة الجامعيين، حيث يحصلون على أرقى الدراجات، ولا سيما في كلية الطب، وذلك لمستوى المنهج الذي درسوه في المدارس الإسلامية. طلبتنا يدرسون اليوم في أكثر من 20 جامعة في البوسنة وحول العالم، وجميع نتائجهم تؤكد أنهم الأفضل، وهذا يعود للمنهج ولمستوى التربية التي تلقوها في المدارس الإسلامية، وحصل طلبتنا على جوائز تقديرية في بعض الجامعات، التي يدرس بها طلبة متخرجون من المدارس الإسلامية».

وعن الجامعات، التي يوجد بها طلبة متخرجون من المدارس الإسلامية، قال «لدينا طلبة في المملكة العربية السعودية، وفي الكويت والأردن وتركيا ومصر والولايات المتحدة وليبيا وماليزيا وتونس والمغرب وسورية ولبنان وباكستان والدول الأوروبية، ففي المدرسة لدينا خمس لغات للتدريس هي البوسنية والعربية والتركية واللاتينية والانجليزية، إضافة إلى مواد الرياضيات والفيزياء والكيمياء والبيولوجيا والتاريخ، وبالطبع الفقه والعقيدة وعلوم القرآن والحديث والتفسير والتاريخ الإسلامي وغير ذلك».

وحول التباين الحاصل في عدد المدارس والأساتذة بين الفترة العثمانية، ومرحلة ما بعد الاستقلال، مرورا بالفترات الاستعمارية في العهد النمساوي واليوغوسلافي، حيث كان في العهد العثماني 42 مدرسة و50 مدرسا فقط، قال «صحيح أن عدد المدارس في العهد العثماني كان كبيرا، حيث كان في كل مدينة مدرسة تقريبا، وفي سراييفو كانت هناك مدرسة تسمى دار الحديث، حيث لم يكن هناك منهج واحد للتدريس، فكانت كل مدرسة تختار برنامجها حسب تخصصها، فكانت مدارس للحديث «دار الحديث»، ومدارس للقرآن «دار القرآن»، وكانت هناك مدارس لتخريج القضاة الشرعيين، وفي عهد الاحتلال النمساوي، تم تقليص عدد المدارس الإسلامية، ثم جاء الاحتلال الصربي، وأغلق العدد الأكثر كما تعلمون، ثم جاء الشيوعيون وأغلقوا جميع المدارس ما عدا واحدة هي مدرسة الغازي خسرو بك بسراييفو، وبعد الاستقلال وفي الفترة 1992 ـ 1995 تم فتح 6 مدارس في البوسنة ولم يعد مسموحا بأن يتولى أحد الإمامة إلا بعد التخرج من الكلية الإسلامية.

وأكد على أن التطرف لا مكان له في مناهج المدارس الاسلامية، سواء في البوسنة أو منطقة البلقان. وكانت مدرسة اسلامية بلقانية قد طلبت من فتاة منقبة الاكتفاء بالحجاب أو البحث عن مدرسة أخرى، خوفا من وصمها بتعليم الارهاب. ومن المفارقات أن تلك الفتاة سجلت في مدرسة حكومية، وظلت تلبس النقاب. ويوجد في البوسنة أيضا كلية الدراسات الاسلامية في سراييفو والاكاديمية الاسلامية ببيهاتش، والاكاديمية البيداغوجية في زينتسا.

وفي كرواتيا افتتح في الموسم الدراسي الحالي كلية اسلامية، أضيفت إلى المدرسة الاسلامية بالعاصمة زغرب، حيث يوجد ما يزيد عن 300 ألف مسلم كرواتي، بالاضافة للمسلمين المقيمين في البلاد. ويزيد عدد طلبة المدرسة الاسلامية عن 300 طالب، بينما ستبدأ الكلية الاسلامية سنتها الدراسية الاولى بـ250 طالبا. ويتلقى أكثر من 5 آلاف طالب مسلم، دروسا اسلامية داخل المدارس الحكومية، فضلا عن الحلقات الدراسية يومي السبت والاحد داخل المساجد، التي تربو على السبعين داخل كرواتيا، وفق ما ذكره المفتي العام الشيخ شوقي عمر باشيتش لـ«الشرق الاوسط». وكانت فتيات المدرسة الاسلامية المحجبات، قد تعرضن لأشكال من المضايقات من قبل الكروات، لكنها انتهت الآن، بعد أن أصبح ذلك جرما يعاقب عليه القانون».

غير أن وسائل الاعلام التي لا تزال أسيرة للاحقاد المختلفة، تثير من وقت لآخر وبشكل منظم قضية الارهاب، في إشارة مبطنة للطلبة المسلمين». وفي مقدونيا توجد مدرسة اسحاق بك الثانوية الاسلامية، وكلية الدراسات الاسلامية، ويبلغ الكادر التعليمي والاداري للمنشآت التعليمية الاسلامية في مقدونيا، بالاضافة إلى المساجد التي تزيد عن 500، أكثر من 700 استاذ وكادر إداري. وقال الشيخ نجادي عفت ليماني مفتي تيتوفو بمقدونيا لـ«الشرق الاوسط» في وقت سابق إن «مدرسة عيسى بك، مهددة بالاغلاق بسبب ضعف الموارد، بالاضافة لمائة مدرسة لتحفيظ القرآن. أما ألبانيا فلا يوجد بها سوى مدرسة واحدة، وكانت جهة كويتية قد قامت ببناء مدرسة اسلامية، سرعان ما تم اغلاقها بعد اتهامها بتعليم الارهاب. كما توجد مدرسة اسلامية في كوسوفو يؤمها المئات من الطلبة.

وفي لسنجق بصربيا، توجد مدرسة اسلامية تحت اشراف مفتي السنجق الشيخ معمر زوكارليتش، وطلبتها نحو 300 طالب، بينما يسعى المسلمون في بلغراد، تحت إدارة المفتي حمدي سباهيتش إلى بناء مدرسة اسلامية هناك، كما قام المسلمون في الجبل الاسود تحت إشراف المفتي الشاب رفعت فايزيتش، بإقامة مدرسة مدرسة اسلامية خاصة بهم وتبلغ نسبة المسلمين في صربيا والجبل الاسود نحو مليون نسمة بدون كوسوفو. وتنتشر بعض المدارس الاسلامية في بلغاريا مثل سرانتيزا، وهي قرية نائية في جبال روديبيس الجنوبية التابعة لإقليم توسبات توي، يبلغ عدد سكانها 4 آلاف نسمة، تأسست فيها قبل بضع سنوات ثلاث مدارس اسلامية، (بإشراف سعيد موكلو وعبد الله سالي وهما من خريجي المملكة العربية السعودية)، لتعزيز الهوية الاسلامية لدى السكان في الاقليم، «لكنها لم تنج من الاتهامات المغرضة بالارهاب»، كما قال المفتي سليم محمد لـ«الشرق الاوسط». وإلى «جانب رعاية الناشئة المسلمة، وتعليمهم مبادئ الاسلام وأصوله وثقافته، تقوم هذه المدارس بإقامة دورات للنساء المسلمات، وللذين حرموا من تعليم دينهم في الحقبة الشيوعية المظلمة».

ويتردد على الدورات التدريبية مسلمون من مختلف الاعمار، ومن كلا الجنسين. إلا أن «بعض وسائل الاعلام البلغارية المتعصبة، لا تفتأ تحرض على هذه المدارس، كونها تخرج أصوليين». وقالت فاطمة تشوتشيف «لا يزالون يثيرون الاحقاد ضدنا، ويتهموننا بما يفعلونه، لقد نعتوا جارتي بطالبان لأنها محجبة». وقالت امرأة أخرى لم تذكر اسمها «المفترض أننا نعيش في بلد حر وديمقراطي، الارهابيون هم الذين يمنعوننا من وضع الحجاب على رؤسنا». وفي المجر، يعيش اليوم أكثر من عشرين ألف مسلم، معظمهم من الوافدين من العالم العربي، وبشكل خاص من اليمن وبلاد الشام ومصر والعراق، ويكثر من بينهم التجار والطلبة والأكاديميون. ويأتي هذا الوجود المحدود، الذي لا يمثِّل أكثر من اثنين في الألف من سكان البلاد، امتداداً عسيراً لألف عام من الوجود الإسلامي في المجر. فثمة دلائل على أنّها ضمت ثلاثين بلدة مسلمة قبل ألف سنة، دخلوها في نطاق الدولة العثمانية أواسط الألفية الثانية للميلاد، إيذاناً بتحولها إلى واجهة متقدمة للعالم الإسلامي في قلب أوروبا.

ولا توجد لديهم مدارس بالمعنى المتعارف عليه، ولكنهم يقيمون بعض المدارس الخاصة لتعليم ابنائهم مبادئ الاسلام وحفظ القرآن الكريم. ويُبدي عشرون ألف مسلم في المجر، حزناً على عشرات المساجد والمدارس والمعالم الإسلامية في البلاد، بعد أن تم إحراقها وهدمها أو طمسها بعد عام 1686؛ ولكنّ مكسباً مهماً تحقق في السنوات الأخيرة، بضم القليل المتبقي منها، إلى قائمة المنشآت التاريخية المصونة من العبث بموجب القانون، لكنّ المسلمين يأملون في عودتها إلى وضعها الطبيعي، الذي تقتضيه الحياة في رحاب الحرية الدينية والأجواء الديمقراطية.‏