نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

نبيه البرجي

الجمعة, 31/08/2018

شيخ لبناني (ترانا جيران القمر أم جيران تورا بورا ؟) انقضّ بالساطور على شاب . قطع قدميه كي لا يتمكن من الوقوف . تركه ينزف حتى الموت . الذنب الذي ارتكبه "اهانة الذات الالهية" بكلمات عصبية صدرت عنه حين صدم بارتفاع الأسعار في احد المحال التجارية .

المريع أن ثمة شيخاً آخر عهدنا فيه الحكمة وطول الأناة , بدا وكأنه , في تعليقه على الحادثة , يبرر ما فعلت يدا القاتل , كما لو أنه لا يكفينا الاكليروس السياسي الذي يطبق على عظامنا , بل على أرواحنا .
لا جهة روحية , لا جهة سياسية , أدانت الجريمة .

هل هو الخوف من حملة الأساطير , وما زالوا بيننا , أم هو التواطؤ بين المافيا الدينية والمافيا السياسية ؟

كاهن بوذي في تايلاند انهال بالخيزرانة على طفل في التاسعة , وبقي يضربه الى ان فارق الحياة . الخطيئة التي ارتكبها الطفل الشغب اثناء صلاة جماعية .

هذا الكاهن لم يقرأ كلام بوذا حول ملْ اليدين بالضؤ لكي تشع قلوب الآخرين .

راهب هندوسي لجأ الى المطرقة ليحطم رأس بائع خضار. كل ما فعله الضحية أنه أزاح , بعصا المكنسة , بقرة راحت تتلمس بلسانها (المقدس) البضاعة المعروضة .

هكذا يتم الانتقال من النرفانا , وحيث تتلألأ الروح في الداخل البشري , الى الهمجية , وقد باتت التسونامي الذي يضرب الأديان على أنواعها وعلى تنوعها .

رجل دين ايراني تقدح عيناه , وتقدح لحيته , شرراً , صاح في وجه امرأة , وهدد بالقبض عليها لأنها أظهرت خصلة من شعرها (لاحظتم فظاعة الذنب) . المرأة ردت بغضب "من أعطاك صلاحية القصاص والاقتصاص ؟" . خلعت المنديل ومضت في الشارع .

البابا فرنسيس الذي يتعرض لحملة عاصفة بحجة التغاضي , وهو الذي يمتلك كل مواصفات القديس , شوهد ينتحب في غرفته , جاثياً امام تمثال للسيدة العذراء لأنه , الخائف على التآكل اللاهوتي , والتآكل الأخلاقي , داخل الكنيسة , لا يدري ماذا يفعل حيال فاجعة اغتصاب مئات , ان لم يكن آلاف الكهنة , للأطفال بمن فيهم اصحاب الاحتياجات الخاصة .

لن نتوقف عند تلك الآراء التي تشير الى الأمبراطوريات المسيحية (أين السيد المسيح هنا ؟) , وهي تصنع الأسلحة الأشد هولاً لاستخدامها في صراعات غالباً ما تكون من تدبيرها او بادارتها .

المفكر الكاثوليكي كابرييل مارسيل أبدى خشيته , ذات يوم, من أن يكون الله حمل عصاه ورحل نحو كوكب آخر .
دعونا نبقى في منطقتنا ذات الغالبية الاسلامية . في الأزهر قال لي احد المشايخ "لسوف ترى رؤوس الذئاب تحت العمائم" . المجتمعات العربية تعيش حالة من الهيستيريا الايديولوجية . لا حديث البتة سوى الاجترار الميكانيكي لأقوال السلف الصالح .

المساجد , الساحات , تموج بمئات ملايين المصلين . بالرغم من ذلك , تخوض المجتمعات العربية صراع الكراهيات , وصراع الجاهليات .

صمويل هنتنغتون اخطأ , لدى اطلاق نظرية "صدام الحضارات" , أي الصدام بين الحضارة اليهو ـ مسيحية والحضارة الكونفو ـ اسلامية , دون أن يتوقع أن الصراع الأكثر دموية , والأكثر جنوناً , سيكون بين هذا الفسطاط الاسلامي وذاك الفسطاط الاسلامي .

سوسيولوجياً , نختال في قعر الثقافات , وفي قعر الحضارات . حالة تراجيدية من التيه اللاهوتي , والتيه الفلسفي , والتيه الأخلاقي , وحتى التيه القبلي , وحيث الدعوة , بالصوت العالي , الى اقفال العقل , كما لو أنه لا يمثل ذروة التجلي الالهي في الكائن البشري .

لنكن على شيء من الواقعية (العقلانية ان شئتم) .

المسلمون في أزمة بنيوية , وتاريخية . الفتاوى التي لا تليق حتى بالقردة . التأويل العشوائي للنص . أئمة مساجد يتولون تسويق الضغينة , بل وتسويق الوثنية , حيث المسلم هو عدو المسلم . وضعوا القرآن جانباً , وحملوا الساطور (أيها الشيخ الجليل) .

كما لو أن مهمة هؤلاء ليست الهداية بالحسنى , وليست الصرخة في وجه القهر , وحيث التوتاليتاريات , ان في لبنان او في أي بلد عربي آخر , قتلت فينا حتى الزمن . حتى الصرخة .

ما حدث في برج اليهودية يمكن أن يحدث في أي بلدة أخرى. ريثما يهبّ رجال الدين المتنورين في وجه ثقافة القاع , ما علينا الا أن نصغي لما يتفوه به اصحاب الفضيلة ... الذئاب .