صلح الصعايدة خير!

تحقيق : جمال الكشكي

كشفت دراسة ميدانية حديثة أجريت على قرية بيت علام في محافظة سوهاج «وسط صعيد مصر» حجم الخسائر الاقتصادية والنفسية والاجتماعية التي تكبدتها القرية بعد صراع ثأري استمر لمدة 15 عاماً بين عائلتي عبدالحليم والحناشات، وكان آخر فصوله مذبحة عام 2002 التى راح ضحيتها 22 قتيلاً، وأصيب ثلاثة آخرون من عائلة الحناشات على أيدى عائلة عبدالحليم، التى أعدم ستة من أفرادها وحكم على عشرة آخرين بالأشغال الشاقة المؤبدة، وبعدها عاشت القرية حالة غليان وانفجار دموي لم يوقفه سوى المصالحة التاريخية التى تمت في الأيام الماضية بين العائلتين فى جلسة تاريخية حضرها شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوى واللواء سعيد البلتاجى محافظ سوهاج واللواء جمال الجوهري مدير الأمن، وشارك فيها لفيف من القيادات السياسية والتنفيذية والشعبية.


الدراسة الصادرة من المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية التى أجراها الدكتور السيد عوض أستاذ الاجتماع بجامعة جنوب الوادي ، كشف فيها عن تعرض أسر الجناة لمشكلات وصعوبات اقتصادية بشكل يفوق أسر الضحايا، حيث لم يستطع أى فرد من أسر الجناة اي عائلة عبدالحليم من القيام بأي نوع من العمل خوفا من انتقام أسر الضحايا، فأصبحوا فى حالة بطالة قهرية، حيث إنهم إما قابعون فى منازلهم او هاربون إلى جهات أخرى غير معلومة، وأكدت الدراسة أن أكثر من نصف الجناة بنسبة 52.3% كان لهم قبل ارتكاب جرائمهم دور إنتاجي وان قيامهم بالقتل جعلهم قوة معطلة عن العمل والإنتاج، حيث تم إسقاطهم من حساب المجتمع فى حين أنهم يتركون خلفهم أسرا ضائعة مشردة.. عالة على المجتمع، وأضافت الدراسة أن جميع أسر الضحايا تعرضوا لمشكلات اقتصادية لم يخفف من حدتها سوى مساعدة الأقارب والجهات الحكومية.

وأن غالبية الضحايا الذين تم قتلهم كان لهم وبنسبة 81.8% دور إنتاجي، وعليهم مسؤوليات أسرية واجتماعية، وكان لقتل هؤلاء خسارة مباشرة لطاقة إنتاجية كانت مسؤولة عن إعالة عدد آخر من أفراد المجتمع وتعتبر مصدرا لدخلهم.

الآثار الاجتماعية


ويكشف لنا الباحث عبر جولاته الميدانية عن الآثار الاجتماعية، مؤكدا أن جميع أبناء الجناة والأسر الأخرى من العائلة نفسها، الذين يتعلمون فى المرحلة الثانوية، قد تركوا الدراسة بشكل نهائي، وأن جميع طلاب الجامعات من عائلة الجناة قاموا بتغيير أماكن كلياتهم خوفا من انتقام أسر الضحايا، وهو ما يوضح مدى أثر الجريمة فى إخفاق الطلاب فى التكيف مع الدراسة وتسبب ذلك فى وضع العديد من المعوقات أمام مستقبل الشباب.

كما تؤكد الدراسة أن هذه الجريمة ترتب عليها القبض على آباء نحو 40 طفلا، وتم الحكم عليهم، الأمر الذي يقدم نموذجا سيئا لهؤلاء الأطفال من حيث وجود نمط من المجرمين الكبار يتم اتخاذهم كنماذج يقتدى بها فيما بعد. ويغوص الباحث داخل هذا المجتمع ليؤكد فى دراسته أن جميع علاقات عائلة الجناة والعائلات الأخرى، سواء داخل القرية أو خارجها، انهارت تماما، حيث تم إلغاء كل إجراءات الخطوبة لأبناء العائلة وبناتها مع العائلات الأخرى، بالإضافة لحدوث توتر فى علاقات المصاهرة، فضلا عن الوصمة الإجرامية التى لصقها أهالى القرية بعائلة عبدالحليم.

فى الوقت نفسه تكشف الدراسة أن الجريمة خلفت وراءها نحو ثمانين طفلا يتيما من عائلات الضحايا فقدوا آباءهم وترتب على ذلك حرمان هؤلاء الأطفال من أهم مصادر الإشباع العاطفي وفقدان سلطة الإشراف عليهم وتوجيههم وافتقادهم المثل الأعلى، وتوقعت الدراسة أن تختلف التنشئة الاجتماعية لهؤلاء الأطفال اختلافا جذريا عن التنشئة الاجتماعية الطبيعية لغيرهم من الأطفال، فكل أم من أمهاتهم تجعل هدفها الرئيسي هو إعداد أطفالها وتربيتهم على الحقد والكراهية لمن حرمهم من آبائهم انتظارا لأخذ الثأر منهم، كما أدت هذه الجريمة إلى ترمل ثلاث عشرة زوجة، الأمر الذى أدى إلى انهيار الوحدة الأسرية وتفككها.

وتستعرض الدراسة مظاهر التغيير داخل القرية فتقول: إن القرية لم تكن تحظى بأي شكل من أشكال الرعاية الأمنية قبل الحادث الإجرامي، إلا أنها بعد الحادث تحظى بوجود أمني مكثف، وان غالبية أهالي القرية كانوا يتحينون قبل الحادث أي مناسبة زفاف أو خطوبة ويقيمون الأفراح التى يطلقون فيها الأعيرة النارية بشكل مكثف، لكنهم بعد الحادث تم جمع كل أنواع الأسلحة من جميع أهالى القرية، وتم حظر إطلاق أي رصاصة مهما تكن المناسبة، هذا فضلا عن أن الحادث أوجد داخل القرية نوعا من التنافس فى اختيار من يمثلهم فى المجالس النيابية والشعبية.

إلى ذلك تنتقل الدراسة إلى الآثار النفسية فتؤكد تزايد مشاعر الخوف لدى جميع أفراد عائلة الجناة، وإحساسهم بعدم الأمان وتقييد حرياتهم، الأمر الذى أدى الى تزايد مشاعر الخوف والكآبة لدى جميع أفراد عائلة الضحايا، مما ترتب عليه إصابة بعض الآباء والأمهات بالجنون والمرض، كما أن مشاهدة نحو ثمانين طفلا لآبائهم وهم صرعى، أمر يترك آثارا نفسية عميقة حيث يظل هذا المشهد ماثلا أمامهم طيلة حياتهم مسببا لهم العديد من المتاعب والاضطرابات النفسية.

أنماط العلاقة


يحاول الباحث التعرف على تاريخ حياة كل من عائلتي الجناة والضحايا بهدف معرفة القصة الشفاهية المتعلقة بالسيرة الذاتية لكل منهما للحصول على وصف دقيق وصحيح لمسار حياة أفراد هذه العائلات فى السياق الاجتماعي، وذلك للكشف عن أنماط العلاقات الاجتماعية والعمليات التى تشكل هذه العلاقات، فالعائلات التي لا تنحدر من أبناء علام تعتبر أقل شأنا من الناحية الاجتماعية، وأنها محل تحامل عليهم، حيث أن غالبية أفراد هذه العائلات كانوا يقومون فيما مضى وقبل طفرة الخليج فى السبعينات من القرن العشرين بأعمال متواضعة منها العمل بأجر فى أراضي أولاد علام، ورعي الأغنام، وغيرها من الأعمال الشاقة، وكانت طبيعة العلاقة بينهما هي علاقة سيادة لأولاد علام وخضوعاً لباقي العائلات، كما كانت هذه العائلات تتعرض لأبشع أشكال العداء المتآمر الذي كان يقوم به أفراد العائلة الجانية موضوع الدراسة معتمدين في ذلك على أبناء عمومتهم من ناحية، وعلى علاقتهم بمرشدي الشرطة وكيفية استرضائهم من ناحية أخرى، ومن المظاهر الإجرامية التى كان يقوم بها أفراد هذه العائلة والتى أجمع عليها الإخباريون من أهالى القرية الذين اعتمد عليهم الباحث هي:

1- خطف الأشخاص للحصول على فدية وفرض الإتاوات وتخريب المزروعات وارتكاب العديد من السرقات والتجارة فى السلاح.

2- تلفيق الاتهامات الباطلة لكل من تسول له نفسه عدم الإذعان لمطالب أفرادها كالاتهام بحيازة أسلحة غير مرخصة.

3- قيام بعض أفراد هذه العائلة بالسرقة مثل سرقة شقة طبيب الوحدة الصحية، وعلى الرغم من معرفة جميع أهالي القرية من هو السارق، فان الشرطة قامت بالقبض على العشرات من أبناء القرية الأبرياء من العائلات المخــتلفة دون العائلة الجـانية، وأمام إصرار الطبيب بضرورة الحصـــول على مسروقاته تم العـــثور على معـــظمها دون معرفة الجاني.

4- الاســـتيلاء على الأراضي الصحراوية وبيعها للأهالى.

5- قيام بعض أفراد العائلة بتجريد أحد كبار إحدى العائلات من ملابسه وإجباره على المشي عاريا فى شوارع القرية إلى منزله. وغيرها من أمور البلطجة، وكل هذا يوضح، ان أعضاء العائلة الواحدة حينما يندمجون فى عصابة ينخرطون فى العديد من الأعمال الإجرامية، البعض يتاجر فى المخدرات والآخر يسرق، وثالث يتعامل مع الناس بقسوة ووحشية، و يسلب ويغتصب ، والرابع يقوم بكل الأعمال السابقة، كما يقوم أعضاء العصابة بشراء الأسلحة والمخدرات من المناطق الأخرى لتوزيعها، وتتسم ثقافة مثل هذه العصابات بثلاث خصائص هي الرغبة فى الوصول إلى عالم الشهرة، وفرض الاحترام والرغبة في الانتقام أو القصاص.

الصلح خير


وبدأ صدق المصالحة واضحا على ملامح الحاج محمود أبو حياد، كبير عائلة الحناشات (71 عاماً) عندما بدأ حديثه: الصلح خير.. والثأر نار لابد أن تنطفىء ..فلقد عشنا سنوات مليئة بالمرارة والعذاب.. وتكبدنا الكثير من الخسائر بسبب جرائم الثأر، ونحن أقبلنا على المصالحة استناداً الى الشرع والدين، ونفوس العائلة راضية تماماً، وقبل أن نوافق على إجراءات الصلح عقدنا عدة جلسات مع شباب وشيوخ عائلة الحناشات وتشاورنا وناقشنا كل أبعاد هذه المشكلة وتوصلنا إلى أن الثأر تجارة خاسرة..ونحن لسنا ضعفاء ولكن ما تكبدناه من خسائر في الأرواح هي نفس الخسائر التي تكبدتها عائلة عبدالحليم، هذا فضلاً عن أن الحادث قلب حياتنا رأساً على عقب.. فكل شيء صار يجري بحذر.. الحياة الطبيعية مثل سائر البشر.. حرمنا منها.. والسبب هو ذلك الحظر الموجود بداخلنا منذ القدم، وعندما عرضت علينا فكرة الصلح من قيادات المحافظة الأمنية والشعبية رحبنا كثيرا واعتبرنا أنها محاولة لبداية حياة جديدة بدون دماء.

أما أبو ضيف أحمد، فلم يستطع إخفاء فرحته بالمصالحة حينما قال: لا بد من حقن الدماء في المجتمع الصعيدى، ولا بد من نشر التوعية والنهوض به.. فالثأر يقيد المجتمع فيكفي أن عائلة عبدالحليم منذ وقوع الحادث وحتى الآن حرمت من أبسط سلوكيات الدين.. وأذكر لك أنه عند حدوث حالات وفاة لديهم لم يستطيعوا تشييع الجنازة أو الخروج خلف الميت بل كانت الجهات الأمنية هي التى تتولى ذلك حرصاً على الاستقرار الأمني داخل القرية وحقناً لدمائهم، والشيء نفسه كان يحدث فى مناسبات الأعياد.. حتى أطفالهم حرموا من الفرحة مثل بقية أطفال العائلات الأخرى ببيت علام، وفيما يواصل أبو ضيف أحمد كلامه، يلتقط خيط الحديث عاطف إبراهيم (مدرس) من العائلة نفسها ليؤكد أن ما حدث من صلح يرضي العائلتين..

فإذا كانت عائلة الحناشات فقدت 22 رجلاً في الحادث الأخير، فإن خروج أفراد عائلة عبدالحليم حاملين الأكفان فى عرف وتقاليد المصالحات السائدة لدينا يوازي القتل، ونحن لا نريد فتح الجراح من جديد وكفانا ألما ومرارة، وعلى الجهات المسؤولة أن تلقي المزيد من الاهتمام بالقرية وتطويرها وتأكيد الوعي لدى أهاليها من خلال تفعيل الأنشطة السياسية والاجتماعية والثقافية، وتوفير فرص عمل ومراقبة الإقبال على التعليم والنهوض بها فى مختلف المجالات، حتى تتغير أفكارهم ومعتقداتهم الموروثة بشأن عادة الثأر.

وإذا كانت الرؤى السابقة تعكس ما بداخل أفراد عائلة الحناشات من صدق وإخلاص تجاه هذه المصالحة فنجد الأحاسيس نفسها تؤكدها آراء أبناء عائلة عبدالحليم.. فها هو طارق ثابت مدني (محام) يبدأ كلامه بحديث نبوي يقول: «من بات آمناً فى سربه.. معافى فى بدنه.. يملك قوت يومه.. فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» ثم يضيف: ونحن افتقدنا الأمان طوال الفترة الماضية.. أهملنا زراعتنا، وتخلف أبناؤنا عن المدارس.. وهجر الموظفون أعمالهم ولم يقو أحدنا على الخروج الى الشارع.. كل شيء كان يحتاج إلى حيطة أمنية.. لم نتوقع أن تكون النتائج هكذا.. دفعنا ثمن جريمتنا، وسكن الندم جدران منازلنا وضاقت بنا أحزاننا.. ولذلك لم نتردد لحظة واحدة فى الإقبال على الصلح مع عائلة الحناشات، وبأي شروط يطلبونها، ولم يكن قبولهم الصلح سوى قوة تعكس صدقهم ونواياهم الحسنة، وتؤكد نبذهم لهذه العادة السيئة،و نعتبر المصالحة ميلاداً جديداً لأبناء العائلة، ولقد عاهدنا أنفسنا جميعاً كبيراً وصغيراً أن نحافظ على الصلح ونحترم قوانينه وشروطه ونعتبره محاولة لطي أكثر صفحات حياتنا سوادا، وفرصة لفتح صفحة جديدة مع أبناء عائلة الحناشات الذين تربطنا بهم علاقات مصاهرة قديمة.

واكد الحاج حسن عبدالمريد محمود كبير عائلة عبدالحليم قائلا سنسعي لمحو هذه العادة الذميمة من عقول أبنائنا وشبابنا ونمحو من مخيلتهم دوافعها، حتى لا يعانوا مما عانيناه .

خسائر بلا حدود


فى نفس مشاهد الندم والحسرة على ما فات.. ومشاهد الفرحة والسعادة لما هو آت.. أكد كمال عبدالشافي محمود أن الحادث تسبب فى خسائر بلا حدود، فقد بلغت قيمة الخسائر حوالى 6 ملايين جنيه مابين ترك زراعات ومحاجر ومشروعات حرموا من إدارتها وبين بيع أراض ومعدات لسداد قيمة الدية التى حددتها لجنة الفتوى بالأزهر الشريف والتي بلغت مليوني جنيه، ويكفي أن أقول ان تكاليف الإنفاق على القضية في المحاكم كلفتنا حوالي مليون جنيه ما بين أتعاب محاماة، وتكاليف زيارات المساجين إذ يوجد 9 مساجين من عائلة عبدالحليم فى مختلف السجون.

وماذا عن أجندة المسؤولين للنهوض بهذه القرية وتفعيل هذه المصالحة التاريخية والحفاظ عليها.

يعتبر محافظ سوهاج اللواء سعيد البلتاجي أن المصالحة بمثابة المفتاح الذهبي للانتهاء من جميع الخصومات الثأرية بالمحافظة والبالغ عددها 63 خصومة بمختلف قرى سوهاج، وذلك بعد أن تم الانتهاء من عشر مصالحات بخلاف هذه المصالحة الكبرى، ويطالب حكماء العائلات المتخاصمة بالمبادرة بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والشعبية لإنهاء هذه الخصومات حتى ننصرف إلى العمل الدؤوب والتواصل الحميم لتحقيق مبدأ الرحمة والتسامح بدلاً من القسوة والانتقام حتى يسود الاستقرار والأمان داخل القرى والنجوع، ويجب أن نترك القانون يبسط حمايته لحفظ الحقوق ومعاقبة مرتكبي جرائم الثأر مهما طالت الإجراءات.

ولم ينكر اللواء البلتاجي أن الأمية وارتفاع نسبة البطالة والفقر وراء انتشار هذه الظاهرة، وأن الثأر يؤثر سلباً على حركة التنمية التى لا تحقق بدون الاستقرار، وأكد محافظ سوهاج أن طرفي المصالحة ببيت علام سيلزما بالصلح، وأن الإجراءات تمت بعد أن تأكدت جميع الأجهزة من صدق النوايا، وأنه يتم الآن النهوض بجميع المرافق الحيوية بالقرية وتفعيل المؤسسات والجهات الحكومية بها، فقد تم إنشاء طريق جديد يؤدي إلى القرية من ناحية عائلة الحناشات تكلف حوالي 200 ألف جنيه، وإنارة شوارع القرية بتكلفة 50 ألف جنيه، وأضاف اللواء البلتاجي بأنه سيتم وضع برامج وأنشطة لشباب القرية فى محاولة لإبعادهم عن أفكار العنف المتوارثة بداخلهم، كما طالب وسائل الإعلام بمختلف أنواعها أن تتبنى معالجة الثأر ونبذ العنف بشكل حقيقي وجاد خاصة الدراما التليفزيونية التى يميل إلى مشاهدتها المجتمع الصعيدي.

لكن كيف نجحت الأجهزة الأمنية فى إنهاء هذه الخصومة الملتهبة؟ اكد اللواء جمال الجوهري مساعد وزير الداخلية ومدير أمن سوهاج أن وزارة الداخلية اعتمدت في خصومة بيت علام على محورين، الأول يتمثل في إجراءات أمنية وقائية لمنع ثمة تداعيات جديدة، وتم تكثيف التواجد الأمني بها وتقسيم بيت علام إلى ثلاث قطاعات بالإضافة إلى تدعيم كل قطاع بسيارة للمرور برئاسة أحد ضباط البحث الجنائي وبرفقة عدد من رجال الشرطة السريين على مدار اليوم الكامل مما كان له الأثر الإيجابي في عدم وقوع ثمة حوادث أخرى، وإحكام السيطرة التامة والإمساك بزمام الأمور بالقرية واتخاذ إجراءات استثنائية ضد بعض أفراد عائلة عبدالحليم، واستشعر أهالي القرية بعدالة وقوة هذه الإجراءات الأمنية، هذا إلى جانب استهداف طرفي الخصومة بحملات تفتيشية لتجريدهما من الأسلحة النارية حتى وصل عددها 108 قطع سلاح مما أوجد لهذه الإجراءات أثراً إيجابياً فى تضييق الخناق على الطرفين مما دعى أحد أفراد عائلة الحناشات بقتل أحد أفراد عائلة عبدالحليم بالكويت.

أما المحور الثانى، فحسب كلام اللواء الجوهري فقد تمثل فى السير في إجراءات الصلح بين العائلتين والذي بدأت أولى محاولاته في نهاية أكتوبر 2003 حقناً للدماء وحفاظاً على الأمن العام بالتوازي مع الإجراءات والتدابير الأمنية، وذلك بالأجهزة الشعبية وأعضاء مجلسي الشعب والشورى ورجال الدين وكبار العائلات تحت إشراف لجان المصالحات، وتم عقد عدة جلسات انتهت إلى قبول عائلة عبد الحليم للصلح بنظام الدية والقودة "«الكفن».



علاقة مصاهرة
«لم نكن يوما نتمنى أن يحدث هذا النزاع مع عائلة عبدالحليم التى تربطنا بها علاقة مصاهرة إذ يتزوج أبناء عائلة الحناشات من 13 امرأة من عائلة عبدالحليم، ويكفي أن أحكي لك موقفا حدث مع إحداهن إذ أنجبت يوم الحادث المشؤوم فى منزل والدها، لكن حبها وانتماءها لزوجها وأولادها دفعها إلى العودة لبيت زوجها بعائلة الحناشات، أما باقي الزوجات الاثنتي عشرة فلم تذهب أي منهن إلى منازل أسرهن منذ وقوع الحادث وحتى الآن، وحرمهن الثأر من صلة الأرحام ومودة أهاليهن طوال الفترة الماضية.


وصف بيت علام


تتبع قرية بيت علام إدارياً مركز جرجا ـ محافظة سوهاج، ويحدها من الجنوب قرية الحرجة بالقرعان التابعة لمركز البلينا ومن الشمال قرية المحاسنة التابعة لمركز جرجا، ومن الشرق قرية يعقوب التابعة لمركز البلينا وقرية كوم اشكيلو وقرية الزنقور التابعتان لمركز جرجا، ومن الغرب الصحراء الغربية، وتقع القرية على مساحة 7.82 كم2، ويقدر عدد سكانها في عام 2003 بحوالي 15415 نسمة وعدد الأسر 3358 أسرة وعدد العائلات 60 عائلة، وتقدر المساحة المزروعة حوالى 2963 فدانا منها 1437 فدانا تقع فى أرض الوادى و 1526 فدانا تقع فى الأراضى المستصلحة، تتم زراعة معظمها بالزراعات التقليدية، والتجارية، وتبعد القرية عن محافظة سوهاج حوالى 45 كلم، وعن مركز جرجا حوالي 18 كلم، وهى آخر قرية في المركز على حدود مركز البلينا.

وتقع منازل القرية تحت سفح الجبل الغربى، ورغم وجودها فى بطن الجبل إلا أن الطريق المؤدي إليها مرصوف وممهد تماما حتى داخل شوارعها، ويغلب على معظم المساكن فى القرية النمط الحضرى، والسمة الغالبة للمباني إنشاء دوار لكل عائلة وهو مكان متسع ومجهز لاستقبال الضيوف، كما تتميز بعض المنازل بإنشاء مكان مستقل فى أحد أركان المنزل مخصص للحيوانات وتربية الطيور، كما أن الشوارع فى القرية تتسم بالاتساع والاستقامة والرصف، وتجدر الإشارة إلى أن معظم شباب القرية يهاجرون إلى دول النفط للعمل، وتحظى القرية بالعديد من مختلف مشروعات التنمية، سواء ما يتعلق بالبنية الأساسية أو التنمية البشرية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، حيث يوجد فى القرية وحدة صحية، ووحدة بيطرية، ومركز للشباب، ومكتب للتلغراف والبريد، ومجلس قروي ووحدة تنظيم الأسرة، وخمس مدارس للمرحلة الابتدائية، وثلاث مدارس للمرحلة الإعدادية وعدد من المساجد والكنائس واللافت للنظر أن 9.8% من إجمالى سكان القرية لديهم حيازة بملكية الأراضى الزراعية، وأن 20.4% منهم يملكون أقل من فدان، وأن 44.8% يملكون من فدان إلى أقل من 5 أفدنة، وأن 14.4% يملكون من 5 أفدنة إلى أقل من 10 أفدنة، وأن 20.3% يملكون من 15 فداناً فأكثر.


الجريمة لن تختفي

يقول جيمس كولمان ودونالد كيرسى: إن الجريمة لن تختفي إلا في حالة القضاء على التفاوت الطبقي واستغلال الأقوياء للضعفاء، وحيث إن ذلك من الأمور المستبعدة، فإن مشكلة الجريمة تعد انعكاسا لمثل هذه الأوضاع، ويطالب أنصار المدخل الصراعى بضرورة أن تقوم مؤسسات العدالة الاجتماعية بالتعامل بشكل متساو بين الطبقات المختلفة والجماعات العنصرية، كما يطالبون بضرورة توجيه الانتباه إلى جرائم ذوي الياقات البيضاء، ويؤيدون ضرورة وضع برامج إصلاحية كفيلة بالدفاع عن الفقراء، والقضاء على ممارسات ضباط الشرطة التى تتسم بالتمييز العنصري والطبقي