كتابات - مجيد علي مجيد

سال الكثير من الحبر في الهجوم على التيار الصدري و على كل الأصعدة , تراوحت الآراء بين الحدة غالبا و بين اللين و الدعم ثانيا و بين النقد الموضوعي البناء و الهادف و بين محاولات الإلغاء و التسقيط , بين المناهضين لتوجهات الصدريين و بين أتباعهم , و لعلي كنت من أوائل من حاولوا الإشارة لمواطن الخلل أو ممن حاولوا الإدلاء بدلوهم لتقويم هذا التيار رغم حبي الشديد للراحلين الكبيرين الصدرين الأول و الثاني إلى الحد الذي يمكنني فيه أن ازعم أنني افخر بحمل شرف الانتماء لأفكار هذين المفكرين الإسلاميين الكبيرين.

و أستطيع أن اعبر بثقة عن الإيمان بنبل المقاصد و الأهداف التي حملتها حركتهما الإصلاحية التي استهدفت بالأساس الإنسان العراقي بالعنوان الخاص كقيمة عليا و أداة للتغيير و الإنسان المسلم بالعنوان الأعم و الاشمل , لذا فعندما تحمل الحركة هذه العناوين الضخمة و تكون مدعمة بخزين من الفكر التنظيري و العملي و معمدة بدماء الشهداء بدءا من قادة هذا التيار وصولا لأصغر الاتباع و عندما تكون النتائج المتحققة من هذه الحركة لا تزال حية و ناهضة و متسعة في المجتمع الإسلامي العراقي و العربي .

لذا صار من الطبيعي أن تثير مثل هكذا تجاذبات نراها و نسمعها و نقرأها بشكل يكاد أن يكون يومي و هو ما يستدعي منا وقفة للمراجعة و التأمل و يحمّلنا مسؤولية المبادرة بالمطالبة بتصويب المسيرة مثلما يحمّل جميع المخلصين للفكر الإسلامي خاصة المنتسبين لخط و فكر آهل البيت ( ع ) و كل من يحمل في قلبه حب العراق و الرغبة في أن يراه عزيزا , قويا , يحنو على أبنائه و يمنحهم الكرامة و الفرصة في العيش في وطن عزيز و قوي كما نتمنى و كما نرجوا أن يكون ,,, أقول أننا نحتاج لأن نناقش الأخوة في تيار الصدر و نقول لهم ما يجول في خواطرنا و ننتظر منهم أن يسمعوا لنا و يفتحوا قلوبهم متأسين بالراحلين الكبيرين و آخذين بنظر الاعتبار أن ما نشترك معهم فيه هو أكبر مما نخالفهم به و إننا عندما نوجه لهم النقد فأن هذا هو نقد ذاتي لأننا نتعامل مع هذه الحركة على أنها ملك لجميع العراقيين و ليس لأحد أن يحتكرها لنفسه.

و هدفنا أن نرى حركة الصدرين قد حققت النتائج التي قامت من أجلها في خدمة المجتمع المسلم و النهوض به و قد تبوأت مكانة هي بحجم و قامة شهداءها الخالدين ,,,, و السؤال الذي طرحه الكثيرون هو هل أن التيار الصدري الحالي هو نفسه تيار الصدرين الأول و الثاني ؟؟ و لماذا يلقى التيار الحالي هذا الكم الهائل من النقد حتى صارت ممارسات أتباعه تحت المجهر ؟ لماذا أحب الجميع الصدرين الأول و الثاني و أنكروا التيار الحالي ؟

لماذا كانت التوجهات و الأفكار السابقة لهذا التيار خبز المثقفين و صارت ألان أداة للنيل منه ؟ ! ,, علينا أن نعترف أن التيار الصدري تراجع كثيرا و فقد الكثير من ألقه و بريقه و صار يخسر يوما بعد آخر الكثير ممن أحبوه و آمنوا به بسبب من ممارسات بعض الطارئين ممن ادعوا الانتساب له و هو منهم براء , كان هذا التيار موئلا للمفكرين و المبدعين ممن حملوا مشعل التغيير و قيادة المجتمع نحو الأفضل و صار ألان حركة ثورية مراهقة غير منضبطة و غير ممنهجة تتخبط سياسيا و تأكل أبنائها و تغير برامجها السياسية و توجهاتها بطريقة تجعلها تخسر الكثير على الصعيد الوطني و على الصعيد الديني الذي انبثقت منه .

فبعد أن اهتم الصدر الأول بالبناء الإسلامي العقائدي للنخبة من المثقفين الإسلاميين في المجتمع وفق منهج و تعاليم آهل البيت (ع) و تمكن من تحريك المجتمع و الوقوف بقوة بوجه الطاغية , أكمل الصدر الثاني هذا المسار بالتركيز على القاعدة و الخروج على الالتزام بالنخب فقط و صولا لأحداث التغيير على مستوى المواطن العادي و رجل الشارع البسيط ليحرك كل فصائل المجتمع باتجاه توعوي ديني لمعالجة الآثار التي تركها الفكر المهلهل لحزب البعث و لتحريك الحوزة لأخذ دورها المطلوب منها في خدمة المجتمع المسلم و من ثم تعبئة المجتمع و تهيئته لأحداث التغيير نحو الأفضل , لكن ما الذي فعله التيار الصدري الحالي ؟

لقد سار بالضد من توجهات الصدرين اللذين لو قدر لهما أن يكونا على قيد الحياة اليوم لتبرءوا من التيار برمته ,, الحركة الحالية لم تستطع أن تمد الجسور مع المفكرين السياسيين الذين تربوا على أفكار الصدر الأول و لم تستطع بالمقابل أن تصنع رجالات فكر أو أن تقدم فكرا بديلا يصلح لقيادة المجتمع في هذه المرحلة و لعلك لو نظرت لرجالات التيار الذين تصدوا للقيادة لن تجد سوى فتية أغرار في مقتبل العمر ليس لهم خبرة سياسية و ليس لهم درجات علمية مرموقة و ليست لهم آثار مكتوبة تقودك إليهم و تعرفك بهم و كل رأسمالهم السعي الحثيث للإدلاء بالتصريحات و الولع بالأضواء و الكاميرات.

و لعل الجميع يتذكر الشيوخ حسن الزركاني و أحمد الشيباني و قيس الخزعلي الذين أسوقهم كأمثلة بدون المساس بكرامتهم و مع الاحترام للجميع لكن مع سؤال في الوقت نفسه عما قدموه ؟!

مع استغراب و علامة استفهام كبيرة عن سبب انشقاق و ابتعاد أسماء لامعة على الصعيد العلمي كانت ضمن صفوف التيار مثل آية الله اليعقوبي و غيره مما كان وجودهم يمنح التيار الصدري قوة و وزن إضافيين ,, لم يكن الحرص على الإنسان كقيمة عليا على المستوى الإنساني و كحرمة مؤكدة على المستوى المسلم واضحا في توجهات التيار و إلا كيف تفسر تصرفات جيش المهدي في المحافظات و امتهانه للكرامات و اعتدائه على الحريات و ما ألحقه نتيجة برنامجه السياسي و العسكري بالناس البسطاء و لعل ما تعرضت له مدينة النجف خير مثال .

لم يعد تيار الصدر يوصف بالمنافح الصلب و السد المنيع الذي يقف بوجه فكر البعث و البعثيين رغم ضعف الفكر المقابل لكن سترى و تسمع بوضوح صوت الكثيرين ممن يقولون أن البعثيين أخرجوا بالركلات من الباب , ليعودوا عبر التيار الصدري من النافذة و ليس سرا إن الكثير من شخوص البعث الكريه و جلاَديه انضموا لهذا التيار أما ليأمنوا من عقاب و نقمة الناس أو طمعا في المغنم في العراق الجديد أو رغبة منهم في الاستمرار بممارسة دورهم بجلد الناس و لكن باسم الدين هذه المرة .

و قد أزهقت أرواح كثيرة ونفوس بريئة في مغامرات هذا التيار منذ السقوط و قطعت أرزاق أناس و دمرت مدنهم بسبب الإصرار على منهج العنف الذي كان مجلبة للخراب و بعد أن كان الإنسان أول أولويات التيار الصدري في الماضي صار هو نفسه في كثير من الأحايين عدوا لنفسه و للإنسان و إلا من سيتحمل المسؤولية عما حدث و برقبة من نسجل دماء الشهداء الأبرياء ؟ , هل سنعلقها على شماعة الاحتلال الجاهزة أم سنقول مثلما يقول إخواننا من آهل السنة , هؤلاء قوم اجتهدوا فأخطئوا و لهم أجر واحد و نترحم و نترضى على الجميع ؟؟!!

لم يعد تيار الصدر ملاذ شيعة آهل البيت كما كان في السابق , بل صار هو نفسه أحد عوامل الفرقة فما بين الحوزة الصامتة و الناطقة ضاعت الكثير من المفاهيم و تسللت أخرى لم يكن لها وجود في الفكر الإسلامي عامة و في هذا التيار خاصة و دعني أسوق مثالا لهذه الرؤى , ما يحدث من نبز الكثير من الصدريين للمرجعيات الشريفة في النجف الآشرف و بأنها غير عربية , رغم أن النظرية الإسلامية تصرح ( يا آيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم ) و لم يقل الحق سبحانه و تعالى أن أكرمكم عند الله أكثركم عروبة و هذا ما يؤكده الحبيب المصطفى ( صلى الله عليه و آله و سلم ) بالقول ( لا فرق بين عربي و أعجمي إلا بالتقوى ) و قوله ( سلمان منا آهل البيت ) رغم أن سلمان فارسي .

لم يكن الصدرين الأول و الثاني يتبنيان طرحا مثل هذا لمعرفتهم بسذاجته و خطأه , لذا تجاوزت مرجعيتهما و فكرهما الحدود و صار نهجهما زادا فكريا للكثيرين من غير العرب ,, لكن التيار الحالي تبنى هكذا طرح و تجاوز مسألة الأعلمية و حشر المرجعية في الزاوية الحرجة و ترك الشيعة بين نارين لولا حكمة المراجع و ألطاف الله التي شاءت أن تنتهي الأزمة على خير و لكن مع الكثير من الركام على القلوب يخفي تحته أضغانا شتى تظهر من حين لآخر ,,, لم يستطع التيار الصدري بعد انتهاء الأزمة في النجف و فشل جيش المهدي أن ينبذ العنف كليا أو يتحلى بالشجاعة الكاملة للمشاركة في العملية السياسية و لعله شارك بها على استحياء من خلال بعض الممثلين له في بعض القوائم و أستمر التناقض بين من ينفي و بين من يؤكد المشاركة في ظل متابعة و حسرة المحبين للتيار على ما آل إليه الحال و بين تشفي المتشفين فرحا بما جرى .

لم يحدث أن أبتعد التيار الصدري عن طروحات الجماهير أو تحالف مع من يعتبرهم أبناء الشعب مجرمين فعليين إلا في هذه المرحلة ,, مثل هيئة علماء المنافقين أو بقية الأغطية الدينية للمقاومة البائسة التي قتلت من العراقيين أضعاف ما قتلت من الأميركيين , لم يدرك التيار الصدري أنه بتحالفه مع هذه الهيئة إنما يخسر من مواقعه و من مكانته جماهيريا و يبتعد عن الخط الذي يتوجب عليه السير فيه و لعمري أنه مما يدمي الفؤاد أن نسمع أن التيار الصدري يدرج ضمن الأسماء التي تفخر هذه الهيئة البعثية المجرمة بتحالفها معه و الكل يعلم أن الهيئة في واد و العراقيين بغالبيتهم بما فيهم الشرفاء من أبناء الطائفة السنية الكريمة في واد آخر و بالتالي فلا بد من وقفة مراجعة و حساب , آلم يكن التحالف و الانضواء مع قائمة الائتلاف أجدى و أنفع و أقرب للقلوب ؟

في تقديري نعم , فالصدرين الراحلين لم يبحثا عن القيادة بل هي التي سعت إليهما بعد أن لمس الناس إخلاصهما و صدقهما و تفانيهما في البذل و العطاء بلا حدود و هو ما كان يتوجب على التيار الصدري المضي فيه و الالتفات إلى المجتمع المدني و التحرك بريادة في خطوات إصلاحية فيه مستفيدا من أجواء الحرية التي سادت بعد زوال الطاغية , كان من الممكن البدء بتجربة في نطاق ضيق ليصار لتعميمها بعد نجاحها و لو على صعيد ما كان يعرف بمدينة الثورة سابقا و التي تشرفت بحمل أسم الصدر ألان و التي تعد معقلا تاريخيا للصدريين .

هذه المدينة المظلومة بشدة و بقسوة لا لشيء إلا لأن أهلها ينتمون لخط آهل البيت و يرفعون أبدا شعار الولاء لهم , لذا فقد أجتهد صدام في النيل منهم و تمزيق مجتمعهم و الحط من مكانتهم و إهمالهم و تشويه صورة مدينتهم رغم أن العارفين ببواطن الأمور و القريبين من مواقع الفعل يعرفون و يدركون حجم الطاقات الهائلة المختزنة في هذه المدينة التي لو جرى التركيز عليها بعمل صحيح لأمكن و بدون مبالغة تغيير وجه العراق و لا اقل الوجه الشيعي فيه ,, وحدهم أتباع التيار الحاليين لم يدركوا هذه الحقيقة و لم يسعوا للمشاركة بقوة و أخذ المبادرة في هذه المدينة و تشجيع الطاقات الشابة و المثقفة فيها من طلبة الجامعات و الأكاديميين و القوى العاملة و قوى الشعب الأخرى بل ما حدث هو العكس تماما .

لقد جرى تثبيط حركة هذه القوى و تكبيلها بالعنف و إبعادها عن ممارسة دورها في الوقت الذي سمح للكثير من شذاذ الآفاق من عتاة جيش المهدي بتسيد الصورة و تعميق الجهل و إعادة الناس في هذه المدينة خطوات إلى الوراء ,,, كان بإمكان التيار الصدري لعب دور أكبر في الذود عن الشيعة في العراق و أقول الشيعة كما أتمنى أن يكونوا يدا واحدة مؤتلفة في الوقت الذي تتحرك بقية القوى لتتشكل و تأتلف و ترص صفوفها استعدادا للانتخابات القادمة , أقول كان بإمكانهم أن يكونوا مع الناس و يكونوا سباقين في تجاوز و العبور فوق خلافاتهم مع إخوانهم من الفرقاء الشيعة الآخرين , كان يتوجب السعي لعكس الصورة المشرقة لاتباع المذهب الحق , كان يتوجب إجراء التنقية في صفوف التيار .

كان المفروض أن نرى الكوادر المثقفة و المتعلمة التي يزخر بها العراق تتقدم صفوف حركتهم , كنا نرجوا أن تسود أبدا لغة الحوار فإذا كان القرآن الكريم يطلب منا مجادلة آهل الكتاب من الأديان الأخرى بالتي هي أحسن فمن باب أولى أن يكون هذا أساس التعامل بيننا و لم يحدث هذا و حوادث البصرة الأخيرة خير دليل .

كنت أتمنى أن أرى التيار الصدري يتحرك لإزالة بعض الصور المؤلمة التي يتخذها البعض ذريعة للهجوم على المذهب , كان بإمكانه مثلا تنظيم حملة للتبرع بالدم في عاشوراء لصالح المرضى و الجرحى في المستشفيات عوضا عن مواكب التطبير و هو ما سيكون أرضى لأبي عبد الله الحسين ( ع ) , كنا ننتظر أن يكون التيار الصدري فعلا و قولا ذراع المرجعية و أن لا يغمز و يلمز اتباعه قناتها في السر و العلن ,, كنا نتأمل في حركة تصحيحية ضخمة يقودها هذا التيار لترميم النفوس و إصلاح ما أفسده صدام بعد أن جعل الناس يضيعون دينهم .

كل هذا لم يحصل و لكن لم يفت الأوان عليه و بالإمكان التدارك و لا زال بالإمكان التحرك لمعالجة هذا الخلل و الذي يتطلب البعد عن الحالة الشعاراتية الدعائية المجردة التي أوردت التيار موارد الهلاك و العمل الجاد مع كافة أبناء العراق لإنقاذ العراق مع وجوب عدم تناسي حقوق الأغلبية المظلومة و تصدير مطالبها و حقوقها في الواجهة كونها البيئة التي نشأ فيها التيار و التي يتحرك خلالها ,, يجب أن نركز الجهود ليكون التيار الصدري و أتباعه كما كانوا في السابق رموز المثقفين و قادتهم .

و هذا لن يتم ما لم تجري عمليات تطهير و تنقية على نطاق واسع لأتباعه من كل الدخلاء و الجهلاء و أذناب صدام و خاصة في الحلقات القيادية التي تصنع سياسة التيار مع وجوب أن يكون هامش الحركة المتبنى هو الهامش الذي تحدده المرجعية الشريفة و بشكل يجعل من التحرك عنصر تدعيم و رص للصف الشيعي في العراق و بالتالي للصف الوطني العراقي ,, ترى هل هذا كثير ؟ لو شئت لعددت المزيد من النقاط , لكني أثق بأن القائمين على الحركة الصدرية الآن لديهم القدرة على تصويب المسيرة و المساهمة في التمهيد ليكون العراق العاصمة التي تليق بولي الآمر المنتظر روحي لتراب مقدمه الفداء .

و الله من وراء القصد.




Mageed71@yahoo.com