الرئيس الأسد..

تماما.. أرادت قطر أن تحل محل السعودية في رعاية الشأن اللبناني من خلال الضغط على سورية لكي تضغط سورية على أصدقائها في لبنان للقبول بعودة سعد الحريري. رفضت سورية الدخول في هذا الموضوع.

الميادين.. حصل هذا الأمر...

الرئيس الأسد..

نعم.. حصل.. وخاصة خلال القمة الثلاثية التي جمعتني أنا وأمير قطر السابق وأردوغان في دمشق وحاولوا لخمس ساعات إقناع سورية بالتدخل وبقي أمير قطر في اليوم التالي.

الميادين.. كان الاجتماع من أجل لبنان وقتذاك...

الرئيس الأسد..

كان اجتماعا غريبا.. قمة غير محضرة.. طلب كل منهم على حدة أن يأتي إلى سورية.. فاكتشفت لاحقا أنهم متفقون على أن تكون هناك قمة ثلاثية.. ولكن لم يكونوا راغبين على ما يبدو بطرح هذا الموضوع مسبقا فأنت ستسألهم.. قمة ثلاثية حول ماذا... ولكن عندما جلسنا حول الطاولة مع بعض تحولت إلى قمة.

الميادين.. إلى هذه الدرجة...

الرئيس الأسد..

نعم.

الميادين.. أي انه كان هناك اتفاق قطري تركي على هذا الأمر...

الرئيس الأسد..

تماما.. فعندما رفضت سورية.. يعني نستطيع أن نقول ان....

الميادين.. عفوا.. طلب منكم أن تدعموا عودة الشيخ سعد الحريري وقتذاك...

الرئيس الأسد..

نعم.. وكان ردنا بأننا لن نتدخل في هذا الموضوع.. لن نتدخل سلبا أو إيجابا.. نحن سحبنا يدنا من هذا الموضوع واعتبرناه لا يعنينا..

الميادين.. ولكن أكيد لم يصدقاك.. عفوا سيادة الرئيس...

الرئيس الأسد..

لم أقل لسنا قادرين على التدخل.. أنا قلت لن نتدخل.. أنا واضح في هذه المواضيع.. لم أقل اننا نستطيع ولدينا حلفاء أو لا يوجد لدينا.. نحن لم تكن لدينا رغبة بالتدخل في هذا الموضوع تحديدا.

الميادين.. لأنه لم تكن لديكم رغبة في عودة سعد الحريري...

الرئيس الأسد..

لم يكن هناك قبول له في ذلك الوقت من قبل كثيرين.. حتى من كانوا حلفاء لوالده رفضوه.. ولم نر أن هذا الشيء ضروري بالنسبة لمصلحتنا كسورية.. لماذا نتدخل... ما هو المبرر للتدخل... لم يكن هناك مبرر حقيقة للتدخل.. تركنا الموضوع يسير بإطار لبناني.. هذا الشيء أغضبهم.. ولكن الموضوع الأكبر كان موقف سورية من موضوع الحرب على ليبيا في الجامعة العربية.. كما تعلم سورية هي الدولة الوحيدة التي وقفت بشكل معلن ضد العدوان على ليبيا.. لأنه كان واضحا بالنسبة لسورية أن ما سمي حظرا جويا كان مقدمة للعدوان.. وهذا ما حصل.

فهذا الموقف اعتبر موقفا معاديا.. من وجهة نظرهم.. للسياسة القطرية.. وبعدها قرروا الانقلاب بشكل كامل.

الميادين.. لكن يقال سيادة الرئيس.. انه حصلت.. ليس يقال.. حصلت اجتماعات هنا.. زاركم وزير الخارجية السابق.. رئيس الوزراء.. زاركم أيضا ولي العهد السابق الذي أصبح أميرا.. هل زاركم ولي العهد السابق الذي أصبح أميرا وقتذاك في بداية الأزمة...

الرئيس الأسد..

بعد بداية الأحداث..

الميادين.. زاركم...

الرئيس الأسد..

نعم.

الميادين.. وكان معه وزير الخارجية...

الرئيس الأسد..

لا.. وحده.

الميادين.. ماذا كان في اللقاء... يقال إن الجانب القطري كان مرنا معكم.. كان حريصا وقدم لكم.. عفوا.. النصائح ولكنكم لم تستجيبوا ولم تتعاونوا معه في هذا الجانب.

الرئيس الأسد..

هل قطر قادرة على تقديم النصائح في موضوع الديمقراطية والإصلاح. لتصلح نفسها أولا.. لتحول المواطن القطري لناخب.. لتسمح له بالانتخاب.. في اختيار ممثليه.. في اختيار دولته.. قطر ليست في موقع أن تنصح.

الميادين.. ما الذي قاله لكم الجانب القطري وقتذاك...

الرئيس الأسد..

الجانب الأساسي هو أن قطر ليست منغمسة في الموضوع السوري كما يقال.. والجزيرة قناة مستقلة.. كما قالوا.. مع اننا لم نعلق على الجزيرة.. لا يعنينا الإعلام في هذا الموضوع.. لم نكن قلقين من هذا الموضوع.. ولكن بالنسبة لهم أرادوا أن يبرروا بأن ما يحصل في قناة الجزيرة أو الإعلام القطري بشكل عام لا يعني بأن قطر تتدخل.. طبعا قدموا في لقاءات أخرى مع وزير الخارجية بعض الأفكار في بدايات الأحداث.. لماذا... لأنهم كانوا يعتقدون أن الدولة السورية ستكون متعنتة من خلال رفضها لأي إصلاح يطرح عن حسن نية أو عن سوء نية.. ولكن نحن استجبنا بشكل مباشر فكانوا يعطون نصائح.. حوارا وطنيا.. انتخابات.. بهذا الإطار. قمنا بكل هذه الأشياء.. وهم يقولون إن سورية قدمت وعودا ولم تلتزم. طبعا نحن لم نقدم وعودا لأحد.. هم كانوا ينصحون كأصدقاء ولكن ليسوا في موقع من يقول لنا ماذا نفعل أو أن نقدم له التزامات أو وعودا. نحن دولة مستقلة.

الميادين.. هل الجانب القطري قدم دعما أكثر من السياسي والإعلامي والديني للمعارضة السورية المسلحة في سورية...

الرئيس الأسد..

التمويل.. والتمويل يشمل كل شيء.. بالمال تشتري السلاح.

الميادين.. التمويل فقط...

الرئيس الأسد..

التمويل.. هم يقومون بالشراء.. طبعا لدينا معلومات بأنهم قاموا بشراء صفقات أسلحة من دول أوروبا الشرقية السابقة وتم نقل هذه الأسلحة إلى سورية.. وإحدى هذه السفن التي تم إلقاء القبض عليها في لبنان الباخرة لطف الله منذ عام تقريبا أو أكثر.. فهذه مؤشرات واضحة.

قطر ساهمت كما تركيا والسعودية في سفك دماء السوريين

الميادين.. سيادة الرئيس.. هناك أمير جديد في قطر.. وبحسب ما رصدنا على مدى العامين ونصف العام الماضية ان هذا الشخص تحديدا.. الأمير الجديد تميم.. لم يتورط في تصريحات.. لم يتورط في مواقف.. هل أنتم مستعدون لتفاعل إيجابي مع تطوير العلاقات مع قطر الجديدة برئاسة الأمير الجديد...

الرئيس الأسد..

الموضوع ليس بهذه السهولة.. قطر ساهمت كما تركيا كما السعودية الآن في سفك دماء السوريين.. فالتعاطي مع تلك الدول لا يمكن أن يخرج عن إطار القبول الشعبي في سورية.. لا يمكن أن يكون فقط رغبة رسمية.. لا شك بأن الأمير الحالي إذا أراد أن يغير السياسة القطرية فهي بحاجة إلى جهد كبير لأن الآثار كبيرة جدا.. ومسح آثار ما تم في سورية لن يكون بهذه السهولة.

الميادين.. تفضلتم وقلتم إذا أراد فعليه أن يبذل جهدا.. ما المطلوب...

الرئيس الأسد..

أولا.. عدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية وعدم دعم الإرهابيين.. هذا الحد الأدنى الذي تطلبه سورية من أي دولة ساهمت في سفك الدماء في سورية. ونحن لا نعرف إلى أي درجة تراجع الدور القطري.. صحيح السعودية حلت محل قطر.. ولكن إلى أي درجة... هل غابت تماما المواضيع ليس بالضرورة أن تكون ظاهرة بشكل كامل مئة بالمئة.. موضوع التمويل أو الدعم أو القيام بتشكيل لوبيات في الخارج سواء لضرب سورية أو للتدخل في سورية أو لإرسال أسلحة للإرهابيين وما شابه.

الميادين.. هل هذا يعني أنه إذا أعلنت قطر هذا الأمر عبر مسؤول فستعتبرونه مؤشرا إيجابيا...

الرئيس الأسد..

طبعا هو مؤشر.. ولكن العبرة بالتنفيذ وبالتطبيق وبالممارسة.

الميادين.. هل نستطيع أن نفهم أيضا سر الموقف التركي معكم.. أردوغان بشكل أساسي... لا أعتقد أن المشاهدين الآن ربما سيعتبرون أن معارضتكم أو رفضكم التدخل لإعادة الشيخ سعد الحريري سببا للسيد رجب طيب أردوغان حتى يتصرف بهذه الطريقة.. طبعا موقفه واضح.. بالمناسبة هو مع الشعب السوري.. هو مع الحريات.. يعتبر النظام ديكتاتوريا دمويا.. سماكم بالاسم سمى شقيقكم. أي أنه لم يترك شيئا. ما هو السر...

الرئيس الأسد..

أردوغان ينتمي للاخوان المسلمين بشكل عقائدي وعميق وهو لا يخفي هذا الشيء ولم يخفه في السابق.. لم يقل انه منظم ولكن اهتمامه بموضوع الاخوان المسلمين كان أكبر من اهتمامه بالعلاقات السورية التركية. هو يضع هذه الجماعة التي ينتمي إليها بفكره قبل الشعب نفسه.. قبل الشعب التركي.. والدليل أن أردوغان لم يتراجع عن مواقفه بالرغم من الأضرار التي لحقت بتركيا ماديا ومعنويا على خلفية السياسات الأردوغانية.. فالسبب بالدرجة الأولى عقائدي.. هو ينتمي بشكل واضح لهذا التيار.. هذا هو السبب.

الميادين.. فقط...

الرئيس الأسد..

هذا هو الشيء الجوهري والأساسي.

الميادين.. هل لو قبلتم مثلا التعاون مع الاخوان المسلمين.. الأمور كانت تسير بشكل طبيعي...

الرئيس الأسد..

هو كان أيضا يسعى لمجيء الاخوان المسلمين إلى الحكم في سورية لأنه يعيش حالة صراع مع العلمانيين منذ تم انتخابه.. وبالنسبة له كانت فرصة كبيرة أن يرى أن الاخوان يحكمون من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق.. لأن هذا يعني أنهم لن يكونوا هم الأقلية كما كان يشعر في تركيا بل سيتحول إلى أكثرية وسيتخلص من العلمانيين داخل تركيا.. فلذلك بالنسبة له مجيء الاخوان إلى الحكم في سورية موضوع مصيري يتجاوز أي علاقة شخصية. قد يتساءل البعض.. هل يعني هذا أن أردوغان لم يكن محبا... أقول لا.. ليس بالضرورة.. ربما كان محبا على المستوى الشخصي.. ولكن عقيدته وتعصبه أقوى بكثير من علاقاته الشخصية.. فبالنسبة له هذه فرصة تاريخية تضمن استمرار هذا النهج.

الميادين.. لكن اردوغان شخص مرن. أصلا حزب العدالة والتنمية انقلب على حزب الرفاه وحزب السعادة الذي كان يعتبر.. البروفيسور أربكان.. متشددا.. تعاون مع الأمريكيين.. قبل بالعلاقات مع إسرائيل.. الحلف الأطلسي موجود.. هو شخص مرن بشكل أساسي.. ليس لديه مشكلة. كيف يمكن أن تجزم لنا سيادة الرئيس بأن موقفه العقائدي هو الأساس.. وهل يمكن أن نستنتج أيضا انطلاقا مما تفضلتم أن أردوغان لديه رغبة بالهيمنة على المنطقة... لأنه إذا كانت قطر.. كما تفضلتم قبل قليل.. كانت تريد أن تكون الوكيل الحصري للولايات المتحدة الأمريكية.. الآن تقولون ان أردوغان يريد الاخوان المسلمين أن يحكموا سورية وبالتالي تكون ممرا إلى كل الدول العربية.. لديه هذه الرؤية للهيمنة على المنطقة انطلاقا من رؤية تاريخية أم ماذا..

الرئيس الأسد..

أولا.. أن نقول ان شخصا ما مرن لا يدل على شيء.. لأن الإنسان الصادق قد يكون مرنا.. والانتهازي قد يكون مرنا.. فإذا قلت لي ان أحدا من الناس هو مرن.. أقول هل هو انتهازي أم صادق... فأن يكون أردوغان مرنا لا يعني أنه صادق بل يعني تماما أنه يجسد عقلية الأخوان المسلمين باستخدام الدين.. وهي عقلية انتهازية.. ينتهز كل الفرص لكي يصل إلى هدف أساسي.. وهدفه هو السلطة واستمرارية هذه السلطة بأشكال مختلفة.. وقام بتبديل الدستور لكي يلائم مصالحه.. ولم يفكر للحظة بموضوع مصلحة تركيا ككل. أما بالنسبة لرؤيته.. طبعا وجود الاخوان يدعمه أولا داخل تركيا وأيضا يعطي قدرة لتركيا أن تحل محل الدول العربية الأساسية وخاصة مصر من خلال انها الدولة الإسلامية الأكبر.. وهي الدولة العثمانية.. ويستعيد أمجاد العثمانيين من الناحية المعنوية ويسيطر على هذه المنطقة تحت شعار الدين الإسلامي.. هو كان يفكر بهذا الموضوع بشكل جدي.

الميادين.. كان هناك لقاء طويل بينكم وبين وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو استمر ساعات.. ما الذي قيل فيه آنذاك...

الرئيس الأسد..

كانت دردشة.. ثلاث ساعات منها محاضرات من داوود أوغلو عن الديمقراطية التركية التي حولت تركيا مؤخرا إلى أكبر سجن للصحفيين في العالم باعتراف المنظمات التي تدافع عن حقوق الصحفيين وهي منظمات غربية.. أي أنها ليست موالية لسورية ولا تعجبها سورية. كان يتحدث عن كيفية التعامل مع المتظاهرين في سورية في ذلك الوقت.. ورأينا كيف تعامل مع المتظاهرين في ميدان تقسيم بالإضافة لتعاملهم مع الأكراد في تركيا وقتلهم للآلاف من الأكراد خلال السنوات القليلة الماضية.. وكان هناك جزء آخر بالنسبة لداوود أوغلو.. كان يريد أن يطمئن على طبيعة الإصلاحات التي ستجريها سورية لنفس الهدف القطري.. هو يريد أن يطمئن إلى أن هذه الإصلاحات ستأتي بالمجموعات الموالية لهم إلى الحكم في سورية.. هذا كان الهدف الرئيسي لداوود أوغلو.. وبالتالي كانت عملية الحوار محاولة للتأثير على القرار السوري بعملية الإصلاح بالشكل الذي يأخذ هذا الإصلاح باتجاه تلك المجموعات.. وطبعا دائما الجوهر والمحور هو جماعة الاخوان المسلمين. في إحدى المرات في بدايات الأزمة عندما أصدرنا العفو.. ربما الأول على ما أذكر.. حول عدد من المعتقلين في سورية.. اتصل أردوغان وكان السؤال الأول كم واحدا من الاخوان المسلمين خرج من السجن.

الميادين.. اتصل بكم...

الرئيس الأسد..

نعم. لم يسأل كم سوريا أفرج عنهم.

الوقائع تقول إن تركيا فتحت المعسكرات والمطارات للإرهابيين

الميادين.. عفوا.. هل تتهمون تركيا أردوغان بشكل واضح ودقيق بأنها جزء من هذه الحرب المسلحة على أرضكم وعليكم...

الرئيس الأسد..

لا داعي لأن نتهمه.. أولا لسنا محكمة لكي نتهم.. ولكن الوقائع هي التي تتهم تركيا.. الوقائع هي التي تقول ان تركيا فتحت المعسكرات للإرهابيين.. هي التي فتحت مطاراتها للإرهابيين.. هي التي فتحت حدودها للإرهابيين للتحرك والإمداد والتنقل والمناورة وكل شيء.. هذا ما تقوله الوقائع. فأنا أضع الوقائع وأقول هذه هي الوقائع.. من يتهم.. هذا موضوع آخر.. الاتهام بحاجة إلى قاض.

الميادين.. أتعرف سيادة الرئيس ما هو استنتاجي كمراقب الآن لكلامكم عن السعودية وقطر وعن تركيا وعن الجامعة العربية والأمين العام وغير ذلك.. كأنكم تتحدثون كمنتصر.. كأنك لست في مقابلة ترد فقط على أسئلة.. كأن الرئيس بشار الأسد الآن يتحدث كمنتصر.. ربما كمنتصر استراتيجي...

الرئيس الأسد..

موضوع الانتصار موضوع ذاتي.. كل إنسان ينظر إليه بشكل مختلف.. البعض يعتقد أن العرب انتصروا بحرب تشرين 1973 والبعض يقول لم يحرروا الكثير.. فكيف يتحدثون عن الانتصار... فالمنطق يختلف كل بحسب ما يراه مناسبا.. فهناك من يعتقد أن مجرد فشل المشروع الذي كان مخططا لسورية.. وكان هناك أكثر من مشروع مختلف.. كل دولة لها تصور.. البعض كان يسعى للتقسيم.. البعض كان يسعى للحرب الأهلية.. البعض كان يسعى فقط لإسقاط الدولة السورية.. وغيرها من المشاريع.. مجرد إفشال هذه المشاريع يمكن أن يعتبر انتصارا.. والبعض يعتقد أن الانتصار لا يتحقق إلا بعد الخروج كليا من الأزمة.. أنا أتحدث دائما بشكل واقعي.. أستطيع أن أقول على الواقع اننا نحقق تقدما للأمام.. هذا التقدم له عدة عناصر.. أحد العناصر هو التقدم العسكري على الأرض في الكثير من المناطق.. ولكن العنصر الأهم هو العنصر الداخلي حيث فقد الإرهابيون الكثير من عناصر القوة وفي مقدمتها الحاضنة الشعبية التي توفرت بشكل محدود على خلفية الانخداع بما طرح في الإعلام والشعارات التي خدعت المواطنين في بداية الأزمة.. خسروا الجزء الأكبر من هذه الحاضنة الشعبية وتعروا.. هذا هو العامل الأساسي الذي أدى إلى العامل الأول وهو التقدم الميداني على الأرض.

طبعا نستطيع أن نضع في هذا الإطار أو نستطيع أن نؤكد على العامل الآخر وهو العامل الخارجي.. العامل الخارجي لا شك بأنه تبدل من خلال معرفة كثير من الدول بأن الصورة على الأرض تختلف تماما عما كانت تتخيله في عقولها أو تراه على شاشات التلفزيون.. بعض الدول بسوء نية.. بأهداف تخريبية في سورية.. وبعض الدول بحسن نية وقعت في فخ التضليل الإعلامي.. فكل هذه العوامل غيرت.. نسميها انتصارا.. أو لا نسميها انتصارا.. لا تهم التسمية.. المهم المضمون.. هذا هو المضمون أنا أطرحه أمامك.. ونترك للمشاهدين أن يسموه بالشكل الذي يريدونه.

العراق يرى في مختلف تياراته السياسية الموجودة في الحكومة أن الخطر المحدق بسورية هو خطر محدق بالعراق

الميادين.. تماما كما تحدثنا عن بعض الجهات والدول التي كانت علاقاتكم جيدة معها ولكن تغيرت مع الأزمة.. هناك أيضا أطراف كانت علاقاتكم سلبية.. سيئة ولكن باتت إيجابية وعلى رأسها العراق.. ما الذي حصل.. كيف تنظرون أولا إلى المواقف الحالية للعراق ونوري المالكي مع سورية...

الرئيس الأسد..

الموقف موضوعي جدا وصادق وثابت.. ثابت تجاه الموضوع السوري.. العراق يرى في مختلف تياراته السياسية الموجودة في الحكومة أن الخطر المحدق بسورية هو خطر محدق بالعراق.. وبالتالي الوقوف مع سورية هو وقوف مع العراق.. هذه هي الرؤية العراقية وهي التي تدفع الرئيس المالكي للوقوف بصلابة.. الموقف المعروف الآن والمشهود له فيه تجاه الأزمة السورية.

الميادين.. فيما يتعلق بمصر.. التحول والتغييرات التي حصلت.. هل أنتم معها لأنها فقط أقصت الاخوان المسلمين والرئيس مرسي.. سيادة الرئيس...

الرئيس الأسد..

لا.. العلاقة موجودة حتى عندما كان الرئيس مرسي.. كانت موجودة مع المؤسسات المصرية وكان هناك تعاطف كبير من قبل المؤسسات المعنية للعلاقة مع سورية.

الميادين.. من بالتحديد...

الرئيس الأسد..

بشكل أساسي الأمن والأجهزة المدنية الأخرى.

الميادين.. والجيش...

الرئيس الأسد..

لا توجد علاقة مباشرة الآن.. ولكن ربما تكون الأجهزة الأمنية أحيانا هي قناة للمؤسسة العسكرية.. ولكن كانت لدينا معرفة بالتعاطف العام في مصر للعلاقة مع سورية.. هذا شيء تاريخي.. كان هناك تباعد فرضته اتفاقية كامب ديفيد.. وحتى العلاقة أيام الرئيس مبارك لم تكن علاقة حارة إلا في بعض المراحل بعد حرب الخليج.. لكن العلاقة لم تنقطع.. ونأمل الآن مع التغيرات الجديدة في مصر أن تكون هناك انطلاقة أكبر في العلاقة.

الميادين.. كيف تنظرون إلى بوادر تقارب إيراني أمريكي واضح الآن...

الرئيس الأسد..

ننظر إليها بشكل إيجابي. أي تقارب إيراني مع أي دولة من الدول في العالم يخدم قضايا المنطقة إذا كان الطرف الآخر صادقا في هذا التقارب.. بأسوأ الأحوال لن تكون هناك خسارة إذا كانت هذه الدول مخادعة في تقاربها مع إيران.

الميادين.. هذا التقارب ترونه إيجابيا ويخدم مصلحتكم أيضا.. لا توجد مشكلة...

الرئيس الأسد..

طبعا بكل تأكيد.. كما قلت إذا كانت هناك نتائج فعلية فلا بد أنه يخدم مصلحتنا.. لأن إيران لديها موقف واضح بالنسبة للاستقرار في المنطقة.. فسوف تستخدم علاقاتها مع الدول الكبرى أو غير الكبرى لنفس الهدف.

الميادين.. هل ستترشحون للرئاسة.. بوضوح الآن. وهل المناخ ملائم بالأصل لإجراء انتخابات رئاسة في الوضع الذي نعرفه في سورية...

الرئيس الأسد..

يستند هذا الجواب على نقطتين.. الأولى هي الرغبة الشخصية.. والثانية هي الرغبة الشعبية. بالنسبة للنقطة الأولى والمتعلقة بي شخصيا لا أرى أي مانع من الترشح للانتخابات المقبلة. أما النقطة الثانية وهي الرغبة الشعبية.. فمن المبكر الآن أن نتحدث عن هذه النقطة.. لا يمكن أن نبحثها إلا في الوقت الذي يتم فيه الإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية.

عملية النهوض بالديمقراطية هي عملية فكرية بالدرجة الأولى ولا يمكن أن نسير للأمام في العملية الديمقراطية والتيارات الظلامية تسير بنا إلى الخلف

الميادين.. سيادة الرئيس.. سؤالي الأخير.. المخاض ليس فقط في سورية.. في كل المنطقة.. نحن نتحدث عن تغيرات.. عن تحولات.. عن بنيات ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية واستراتيجيات دولية بالكامل. هناك تساؤلات حول العروبة.. حول القومية العربية.. حول وضع العرب الراهن. الرئيس بشار الأسد.. كيف ينظر لكل هذا المشهد السوري والعربي في المرحلة المقبلة على هذه المستويات التي أتحدث عنها...

الرئيس الأسد..

نحن نمر الآن في مرحلة تحولات.. وهي ليست طارئة وليست وليدة المظاهر التي نراها الآن والتي سميت الربيع العربي زورا وبهتانا.. طبعا نحن لا نوافق على هذه التسمية.. فالربيع لا يمكن أن يكون ربيع القتل. ولكن ليست مرتبطة بهذا الموضوع.. هي تحولات عمرها أجيال. أنا أعتقد أن أخطر شيء في هذه التحولات هو انفصام الشخصية الوطنية أو القومية بالنسبة للعرب.. موضوع الانتماء. الانفصال بين العروبة والإسلام.. الانفصال بين القوميات المختلفة.. العرب والأكراد.. العرب والأمازيغ.. والأشياء المشابهة. هناك أشياء كرست عبر أكثر من أربعة عقود في المنطقة العربية كرست هذه الانقسامات بين أبناء النسيج الواحد الذي هو في أساسه نسيج متجانس.. متعايش مع بعضه بالمعنى الإيجابي.. وليس التعايش بالمعنى السلبي.. أي أن أعيش معك وإنما أن أتفاعل معك.. هذا هو مفهومنا للتجانس.. أن نعيش ككتلة واحدة ولكن لديها أوجه متعددة من الثقافات المختلفة.. هذا هو الخطر الأكبر الذي يواجه الأجيال الحالية والأجيال المقبلة.

هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها أن يفجروا المجتمع العربي من الداخل من دون استعمال أسلحة دمار شامل. سلاح الدمار الشامل الآن هو هذا الموضوع.. ورأس الحربة في هذا السلاح هو موضوع التطرف الديني.. هذا هو الخطر الأكبر الذي يواجهنا. إذا لم نعالج هذه المشكلة.. أي إجراءات أخرى نقوم بها في أي مجال هي إجراءات فاشلة وليس لها أي وزن. الجانب الآخر هو التطور الاجتماعي والسياسي.. وعمليا لا يوجد قطاع سياسي.. السياسة هي نتيجة المجتمع ونتيجة الاقتصاد.. ونتيجة كل شيء.. في محصلتها تكون هناك سياسة.. فأنا أركز دائما على البعد الاجتماعي.. المشاركة الشعبية في القرار السياسي.. والقرار الاقتصادي.. وفي بناء البلد.. وفي بناء الوطن.. وفي بناء الدولة.. وفي القرار.. وفي كل هذه الأمور.. لا بد أن تكون مشاركة واسعة. لم يعد مقبولا بالنسبة للشعوب.. وخاصة في ظل وجود وسائل الاتصال الحديثة الموجودة حاليا وإمكانية انتشار المعرفة والمعلومة بشكل أكبر.. لم يعد مقبولا أن تكون هذه الشعوب خارج إطار المشاركة. لا يمكن إقصاؤها.. هذا الكلام مستحيل. إن لم تفهم الكثير من الدول العربية أن هذه المشاركة أصبحت ضرورية وأصبحت مفروضة شئنا أم أبينا.. فنحن نأخذ دولنا ومنطقتنا إلى المزيد من الانفجارات. ولكن هذا التطوير وهذه المشاركة لا يمكن أن تكون فقط عبر القوانين والدساتير.. القوانين والدساتير هي أدوات.. والديمقراطية هي وسيلة من الوسائل للازدهار. ولكن الديمقراطية الحقيقية تكون في العقول.. تكون في المجتمع..

لا يمكن أن نسير للأمام في العملية الديمقراطية والتيارات الظلامية تسير بنا إلى الخلف. لا يمكن أن يكون لدينا حرية تفكير وبنفس الوقت لدينا الكثير من المحرمات على التفكير.. العملية متكاملة. عملية النهوض بالديمقراطية هي عملية فكرية بالدرجة الأولى. فيجب أن نفهم هذا الشيء كدول.. كحكومات.. وكمجتمعات.. عندها نستطيع أن نتجاوز هذه الأزمات بدروس مفيدة وليس بتراكمات تنقلنا من أزمة إلى أزمات أكبر في المستقبل وتؤدي إلى تفتت المنطقة العربية وتنهي الوجود العربي. أما الجزء الأكبر الذي يعنيني أنا شخصيا بالنسبة للهوية هو موضوع العروبة.. العروبة ليست نظرية اخترعها حزب أو مفكر كما يحاول البعض تصويرها. العروبة هي انتماء.. هذه المنطقة العربية تنتمي إلى قاعدتين أساسيتين.. العروبة والإسلام.. وحتى قبل الإسلام في الجاهلية كان يقال عربي وأعجمي.. وعندما أتى الإسلام أصبح يقال عربي وأعجمي ومسلم وغير ذلك. هذه العلاقة بين العروبة والإسلام هي التي خلقت التوازن عبر قرون من الزمن. ما يحصل الآن أحد أسبابه هو اختلال العلاقة بين العروبة والإسلام.. وأول من ساهم بهذا الفصل هم الاخوان المسلمين في الخمسينيات. لذلك نحن نقول ان العمل الديني هو عمل دعوي.. هو أكبر من القضايا السياسية الإنسانية. العروبة هي شيء.. انتماء طبيعي. العلاقة بين العروبة والإسلام هي علاقة طبيعية.. هي التي تخلق التوازن بالنسبة للآخرين.. للقوميات الأخرى وللأديان الأخرى.. لا تلغيهم.. لا تلغي أحدا. كل الأديان مهمة وكل الطوائف وكل القوميات مهمة. ولكن أكبر انتماءين لأي مواطن في المنطقة العربية هما العروبة والإسلام. فالربط بين هذين العنصرين وفهم معنى العروبة ومعنى الإسلام من دون تعصب.. وخاصة أن العروبة لا تعني عرقا.. هي تعني قومية بالمعنى الشامل.. تشمل الجميع وتستوعب الجميع.. إذا فهمنا هذه العلاقات المختلفة.. عندها نستطيع أن ننتقل إلى المستقبل ونقدم للأجيال مستقبلا مستقرا ومزدهرا.

الميادين.. شكرا لكم سيادة الرئيس.

الـمصـــدر: وكـــالـــة ســـــانـا الـســـــوريــــة للأنبــــاء