5/2/2013

أحمد الجارالله - السياسه



لماذا الكويت كعين عذاري تسقي البعيد فيما القريب عطشان? وكيف تدفع الدولة نحو عشرين مليار دولار مساعدات لدول عربية وخليجية بينما هي تعاني من ازمة تطال ربع شعبها ولا تلتفت الى مساعدتهم? أليست هذه حالة مستغربة لا تفسير لها غير ان هناك من يتعمد عرقلة حل المشكلات لتأليب الناس على نظام الحكم?

وفقا لما هو معلن فإن الكويت التزمت في السنوات الاربع الماضية تقديم مساعدات لعدد من الدول الخليجية والعربية لدعمها اقتصاديا حلا لازمات تولدت منها احتجاجات سياسية هددت الاستقرار الامني والسياسي لتلك الدول, وبلغت تلك المعونات, التي دُفع منها خمسة مليارات, نحو عشرين مليار دولار اميركي ستدفعها في غضون السنوات الاربع المقبلة.

بعض هذه المساعدات كان بقرار مباشر من الحكومة والبعض الاخر بقرار من قمم "مجلس التعاون" الخليجي, وهي قرارات مرحب بها, أكان ما تقرر تقديمه لدول خليجية كالبحرين وعمان, او لدول عربية كمصر والاردن والمغرب وغيرها, وذلك كي لا تنزلق الى الفوضى التي تشهدها بعض دول "الربيع العربي", كما هي حال مصر حاليا وتونس واليمن وسورية وليبيا.

واذا كانت الدولة كريمة في العطاء الى هذا الحد فلماذا لا تلتفت الى معاناة شريحة كبيرة من الشعب جراء ازمة اصبحت بكل المقاييس كارثة سياسية ووطنية تتدحرج ككرة الثلج وتكبر يوميا? فإلى متى يترك امر حلها على غارب التجاذبات بين مؤيد ورافض? والى متى يبقى هذا الانقسام يتحكم بمصائر عشرات الالاف من الكويتيين?

ما نتحدث عنه هو قضية الجدل الدائر حاليا حول اسقاط القروض او فوائدها والتباين في المواقف منها, متناسين ان ثمة قاعدة بديهية في القضاء, وهي ان الاحكام لا تنال رضا الاطراف كافة, فمن يحكم له يؤيدها, ومن يدان يرفضها, وهي تنطبق على كل الامور الاخرى, ففي القوانين والمراسيم هناك من ايدها وهناك من رفضها, غير ان ولي الامر رأى فيها عدالة تنصف غالبية الشعب فأقرها, وترك امر الاعتراض عليها الى القضاء, لذا فإن قضية اسقاط القروض التي يعاني منها 340 الف مواطن, بينهم مئة الف يلاحقهم القضاء لتعثرهم في السداد, لها من يؤيدها ويرفضها.

وللأسف ان صوت الرافضين يكاد يكون اعلى رغم ان هؤلاء ليس لديهم حجة مقنعة تقوم على جوهر مبدأ الانصاف انما يستندون الى اراجيف وترهات ويبنون حكمهم على حالات قليلة جدا, كأن يتذرع احدهم بأن المقترضين استغلوا قروضهم في السفر والسياحة او شراء سيارات فارهة او غير ذلك من الترهات, ولا ينظرون الى من اقترض لعلاج قريب له, بعد ان رفضت وزارة الصحة ارساله للعلاج في الخارج, او من استدان لاستكمال بناء بيته او حتى لتعليم ابنه في الخارج, او غيرهم من الذين اجبروا على الاقتراض لاسباب مصيرية, كما ان هؤلاء لا يأخذون في الاعتبار اخطاء البنوك واغراءاتها للناس في تسهيل الاقتراض, فقط يروجون لما يسمونه عدم عدالة اسقاط القروض او فوائدها.

ليس مبالغة القول: إن غالبية المقترضين تنطبق عليهم شروط الاعسار, ولأنهم ليسوا عشرة او عشرين او حتى الفاً, بل هم نحو ربع المواطنين, فعلى الدولة ايجاد حل لهم, اما ان تبعد عنهم سيف الملاحقات القضائية والدائنين, وإما أن توجد حلا حقيقيا لازمتهم بعيدا عن الاراجيف التي ستزيد تفاقم المشكلة, وهي أراجيف يبدو انها ليست للحفاظ على المال العام, وتحقيق العدالة, كما يزعم المنظرون لها, انما هدفها تأليب شريحة كبيرة من الشعب على الدولة, وهذا اخطر ما في هذه القضية التي يبدو انها ثالثة اثافي التحريض على الحكم.

الكويت هبت لمساعدة بعض الدول والانظمة العربية والخليجية, ورغم ترحيبنا بهذه المساعدات, إلا أن من الاولى بها كان مساعدة ربع شعبها وحماية استقرارها من خلال رفع الغبن عنه, لا سيما ان هذه القضية اصبحت اداة ابتزاز سياسي وانتخابي, ومصدرا للتحريض على النظام, لذلك فمن يحرص على استقرار البلاد ومالها العام عليه ان يدرك ذلك, ويمنع هذا الابتزاز, فإذا كان وزير المالية مصطفى الشمالي يقول إن صندوق المعسرين هو الحل الوحيد المتاح امام المتعثرين, فلماذا لا يرفع رأسماله من 600 مليون دينار الى مليار, ويترافق ذلك مع ضغط على البنوك التي يجب ان تدفع ثمن وزر الاخطاء التي ارتكبتها وتتحمل هي فوائد القروض, رضيت ام لم ترض, ويعتبر كل المقترضين متعثرين بل معسرين, ويحسم هذا الامر حتى لا يبقى سيفا مصلتا على رقاب المواطنين وشغلا شاغلا للدولة ككل? أليس من الاولى ألا تكون الكويت عين عذاري يعاني شعبها الظمأ فيما هي تروي استقرار الدول الاخرى?


أحمد الجارالله


http://www.al-seyassah.com/AtricleVi...9/Default.aspx