مع دعوات تأجيل الانتخابات وإشراك البعث

كتابات - ضياء الشكرجي

رفعا للبس لا أريد من العنوان ولا من تـناول المطلبيـن أن ألمز باتهام كل من يطالب بالتأجيل، بأن مطلبه يختـزن المطالبة بعودة حزب البعث الدموي الإرهابي إلى مسرح السياسة والمشاركة في الحكم. فإذا ما اقـترن هذا المطلب اللاوطني واللاعراقي واللاإنساني عند البعض من المطالبيـن بالتأجيل بمطلبهم هذا، فلا يجوز لنا أن نعمم هذا الاقـتران على جميع دعاة التأجيل. لكن تـناولي للمطلبيـن في مقالة واحدة، جاء بسبب تزامن صيحات التأجيل مع صيحات المطالبة بعودة البعث، ولكون البعض إنما يطالب بكليهما على حد سواء.

فمثـنى حارث الضاري مثال صارخ للحماس بمطالبة مشاركة البعث في العملية السياسية التي أعلنها صراحة في دمشق، معتبرا إصدار قانون اجتـثاث البعث بمثابة الجريمة؛ تصورا!. طبعا هي جريمة أن نجتث أبطال المقابر الجماعية، طبعا هي جريمة أن نجتث أبطال الحرب الطائفية ضد الشيعة، طبعا هي جريمة أن نجتث أبطال الإرهاب والقمع الدموي والديكتاتورية منقطعة النظير، طبعا هي جريمة أن نجتث أبطال انتهاك الأعراض ونهب الأموال وخرق سائر الحرمات. ربما لا أستطيع اتهام الضاري بأنه أطلق مطلبه المستـقبح منطلقا من هذه الدوافع، ولكني أتكلم عن النتائج، وأترك الدوافع لمن إليه مرجعنا جميعا فينبئنا بما كنا فيه مختـلفين، والذي يعلم ما وراء الكلمات وما تكنه الصدور وتخفيه السرائر.

ومثـل الضاري لا يكتفي بإطلاق تهديداته ضد خصومه الذين هم خصوم وأعداء أمير الإرهاب الزرقاوي، بل انظروا كيف أطلق تهديده لأهل طائفته وأتباع مذهبه، إذ هدد الحزب الاسلامي العراقي، هذا الحزب الإسلامي السني العريق والمعتدل، إذ اعتبر مشاركة هذا الحزب في الانتخابات إعلانا من الحزب بأنه مع الأمريكان، وهنا استخدم نفس منطق جورج دبليو بوش عندما قال أن من ليس معنا فهو مع عدونا، فآخذه على هذه الكلمة يومئذ الجميع؛ الصديق المؤيد، والصديق المخالف، والمعارض والمعادي على حد سواء، فقال الضاري ما معناه، من هو ليس معنا في مطلب تأجيـل الانـتخابات فهو مع أعدائنا الأمريكان، ولو أن الضاري لا أظنه مطالبا بتأجيل الانتخابات بمقدار ما هو مخالف لها من الأساس، ومخالف لكل عملية في طريق التحول الديمقراطي، لأن الديمقراطية عندهم كفر وإلحاد، أو هي في أحسن الأحوال بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وهنا شعر الإخوان في الحزب أنها – كما يقال - قد وصلت حدها، وأن الجماعة (ربعهم في الهيئة) يلوّحون بإعلان شن الحرب الإرهابية هذه المرة ضدهم. فكان ما كان من إعلان الانسحاب. طبعا سيقول الحزب أن ليس هذا هو سبب الانسحاب، بل كما عبر أمينه العام الأخ محسن عبد الحميد عندما قال إنهم درسوا الساحة، ووجدوا أن هناك أربع محافظات سوف لا تـشارك، وهذا يسلب الانتخابات شرعيتها، باعتبار – وحسب تقديره – أن هناك مناطق مجموع نفوسها اثـنا عشر مليون – عدد النفوس طبعا وليس الناخبيـن – سوف لا يشارك ناخبوها بالانتخابات. من المؤكد أن تهديد الضاري للحزب ليس السبب الوحيد لقرار انسحاب الحزب الإسلامي العراقي، لكن يمكن القول أنه كما يـبدو يمثـل السبب الأقوى والسبب المباشر، وليس بالضرورة بل بالتأكيد ليس هو السبب الوحيد.

مواقف الدكتور محسن عبد الحميد تعتبر على النحو العام معتدلة، والرجل معذور، وحزبه معذور، لأن الضغوط الممارسة عليهم فوق العادة. ومن هنا يحترم موقـفه من جهة، اذ يعلن انسحابه ويؤكد أنهم بانسحابهم لا يطالبون أحدا بمقاطعة الانتخابات، وهذا الموقف واضح فيه أنه يختـلف عن موقف هيئة علماء المسلمين التي لو أعطيت مفاتيح نار جهنم لأدخلت كل الناخبيـن فيها، ثم أوصدت عليهم باب جهنم وختمت عليه بختم الخلود الأبدي، ولتظاهرت أمام باب رب الأرباب مطالبة بتضعيف درجة العذاب في نار جهنم الناخبين عشرة أضعاف جهنمات سائر المجرميـن والمعانديـن لإرادة الله والمتمرديـن على قيم الإنسانية، لأن جريمة المشاركة في الانتخابات والتأسيس لديمقراطية حقيقية في العراق هي أم الجرائم (على وزن أم المعارك). فالناطق الرسمي باسم الهيئة مثـنى حارث الضاري يعطي لنفسه حق الأمر بالمقاطعة والتهديد لمخالفي هذا الأمر. أرجع وأقول أن أميـن عام الحزب الإسلامي رجل أعقـل من أن يقع في مثـل هذا التطرف، بل هو يحاول التـزام الاعتدال، وهذا ما جعله يؤكد احترمه للرأي المخالف لقرار الانسحاب ومطلب التأجيل. لكني أعاتبه لغرابة طرحه، و – عذرا – لمجانبة هذا الطرح للمنطق، رغم تأكيده على أن ذلك يمثـل نتيجة منطقية، وهو كونهم لا يقبلون بكل إفرازات الانـتخابات من قرارات ودستور وحكومة وغير ذلك، واعتبارهم لكل ذلك فاقدا للشرعية، لأنهم غائبون. لا أدري كيف استطاع الأستاذ محسن اعتباره هذا الموقف منطقيا، وهو كما هو واضح مخالف للمنطق ومخالف لأسس الشورى المثبتة في الإسلام في وجوب لزوم موقف الجماعة وعدم جواز الخروج عنها، ناهيك عن كونه مخالفا لأسس النظم الديمقراطية. وإلا هل الغياب الذاتي وبقرار طوعي، هو والتغيـيب القسري الإقصائي على حد سواء؟ كيف يكون إقصاؤنا القسري التعسفي لعقود طويلة شرعيا، بينما يكون انسحاب الجماعة الطوعي وهو انسحاب معطـِّـل لمشروع الأكثرية من شيعة وأكراد، ومضر بمصالح هذه الأكثرية، ومهدد لطموحاتها المشروعة ولمستقبلها؛ أيمكن أن يكون مثـل هذا الانسحاب سالبا لشرعية إرادة هذه الأكثرية؟ هل في ذلك منطق؟ هل ينسجم هذا مع أسس العدل؟ هل ينسجم مع أسس الشورى؟ هل ينسجم مع أسس الديمقراطية؟ هل ينسجم مع أسس المواطنة والإخوة؟ بأي منطق تـقاطعون بمحض إرادتكم وبخلاف إرادة الأكثرية، ثم تسحبون الشرعية من قرار وإرادة وعمل الأكثرية، ومن كل ما يترتب على تلك الإرادة وذلك القرار وتلك الأعمال؟ ثمانون سنة جرى إقصاء تعسفي فضيع للشيعة، ولم يكن ذلك الإقصاء الظالم والمجحف سببا لسلب الشرعية من كل تلك الأنظمة المتعاقبة، باستـثـناء فترات قصيرة مثـلت استـثـناءً كفترة المرحوم عبد الكريم قاسم.

والآن ليس هناك من أحد اتخذ قرار إقصائكم يا إخواننا الأعزاء والأحبة، بل أنتم بأنفسكم وبمحض إرادتكم تـتخذون قرار الانسحاب، لضغـوط أو لأسباب أخرى، ومن ثم ترتبون أثر انسحابكم، وتسحبون هذا الأثر علينا، بأن تعتبروا كل ما يتم بدونكم من قبل إخوان الوطن - وأغلبهم هم من إخوان العقيدة أيضا - غير شرعي وغير مقبول منكم.

هذا الموقف الذي اعتبره السيد محسن عبد الحميد منطقيا في حواره على فضائية العالم، هو خال للأسف من المنطق تماما، وفيه مغالطة لا أعرف كيف لم ينتبه إليها، مع أني أحترم الرجل كثيرا، وقد تكونت بيني وبينه علاقة صداقة ومودة وأخوة حميمة خلال الأيام التي قضيناها سوية في مؤتمر شاركنا فيه في جدة. لكن مو هيچ الحچي.

والغريـب أن يتزامن أو يتـقارب زمنيا مع كل هذا، أقصد مع تصريحات الدكتور عبد الحميد، وكلام مثـنى حارث الضاري التهديدي باتجاه من يشارك من جهة والمتعاطف مع البعثيـيـن من جهة أخرى، يتزامن مع كل هذا – ولا أقـول بالتسنيـق لأني لا أميل إلى تـفسير كل الأشياء على ضوء نظرية المؤامرة – يتزامن معه تصريح وزيرة علمانية ليـبرالية من تجمع الديمقراطيـين المستـقلين بزعامة الباچچي، ألا هي الدكتورة مشكاة المؤمن وزيرة البيئة، إذ صرحت بما يشبه كثيرا بل يكاد يتطابق مع تصريح الإسلامي الأصولي مثـنى حارث الضاري، وذلك اعتبارها استبعاد حزب البعث عن العملية الانتخابـية مخالفة للديمقراطية. أقول المنطق هذه الايام غريـب غاية الغرابة، ومقـلوب رأسا على عقب؛ نداءات صريحة تـفصح بوضوح عن التعاطف مع البعث، وشطب على شرعية قـرارات أكثرية الشعب العراقي، وأشياء غريـبة أخرى كثيـرة.

أرجع إلى موقف الحزب الإسلامي العراقي، فهذا يـهمني أكثر من غيره، من أمثال تصريحات حازم الشعلان أو مشكاة المؤمن، فأقـول بالرغم من كل الإشكالات التي سجلتها على أخي الأستاذ محسن عبد الحميد، أجد في موقفه ثمة أمل للحوار، إذ أكد الرجل بأنهم منفتحون على الحوار، ومنها في معرض إجابته على سؤال ما إذا يمكن تأجيل الانتخابات في المناطق التي لا يمكن إجراءها فيها الآن، وإجراؤها في موعدها في سائر مناطق العراق الأخرى، فـقال بما معناه، أنه لم يطلب منهم ذلك، وإذا ما طلب، فهم جاهـزون للحوار.

في تصوري يمكن أو لعله يجب استـثمار هذا العرض وتـقديم حل وسط. وبـينما أنا مسترسل في كتابة هذه المقالة تبلورت فكرة لدي حل توفيقي، أدرجتها ضمن المقالة، ثم رأيت بعد الفراغ منها أن أفصل بين الموضوعين، كي لا يفقد اقتراح الحل قيمته، ويضيع في خضم الحديث عن دعوات التأجيـل، ودعوات التأهيـل؛ تأجيل الانتخابات وتأهيل البعث والبعثيـيـن للعودة إلى صدارة المسرح السياسي، لذا رجحت أن أطرح فكرة الحل التوفيقي بشكل مستـقـل ومنفصل. ابتداءً فكرت أن اصوغه بصياغتيـن؛ تارة كمقالة للنشر، وأخرى كرسالة توجه للمعنيـيـن، لكني وجدت أن أجعلها في إطار صياغة واحدة تحت عنوان رسالة مفتوحة، فتجمع بين فائدة الرسالة من حيث عَـنونـَـتها كرسالة، وأخرى كقالة باعتبارها مفتوحة، وليست مغلقة، مما يسمح بنشرها. وسأوجه الرسالة – إن شاء الله - إلى:

- المرجعية

- المفوضية العليا للانتخابات

- رئاسة الوزراء ونيابتها

- رئاسة الحكومة ونيابتها

- رئاسة الجمعية الوطنية ونيابتها

- زعامات الأحزاب المهمة المعنية


وأهمية طرح حل توفيقي تـتأتى من خلال قـناعتيـن:

1. لا يجوز خضوع الأكثرية لإرادة الأقـلية، ولا يجوز السماح بأقـلية ابتزاز الأكثرية وتعطيل مشروعها الوطني العام وليس مشروعها الأكثري الخاص. ومن هنا لا يجوز الخضوع لمطالب تأجيل الانتخابات، بل لا بد من الالتزام بموعدها الذي يعبر عن كونه:

* يمثـل إرادة الأكثرية.

* يمثـل الالتـزام القانوني بقانون إدارة الدولة الانـتـقالي.

* يمثـل الالتـزام بقرار الشرعية الدولية.


2. لا يصح من جهة أخرى الاستهانة بمقاطعة أو عدم إمكان مشاركة شريحة واسعة من الشعب العراقي، وإن كانت تمثـل الأقـلية، لكنها لا تمثـل أقلية صغيرة، بل هي أقـلية كبيرة ذات ثـقـل كبير جدا، وذات عمق إقـليمي واسع يتعاطف معها، ولو حسب تقيـيمنا تعاطفا مجانبا للعـدالة والموضوعية.

إذا كان الجمع بين مراعاة كلا المفردتيـن أمرا ممتـنعا، وأن التـقاطع والتعارض شيء نهائي، ولا يمكن التوفيـق بيـن الأمرين، ففي رأيـي أن مرجحات الالتـزام بموعد الانـتخابات لا تـقوى في وجهها كل مرجحات المطالبة بالتأجيل بأي حال من الأحوال، ولذا لا بد من السير قدما بإنجاز العملية الانتخابـية وكل ما يترتب عليها، دون تردد، ودون التـفات إلى قرارات الانسحاب ودعوات المقاطعة، ولكن بشرط الإبقاء على باب الحوار الوطني مفـتوحا مع كل الأطراف، بما فيها المنسحبة أو حتى المقاطعة، إلا من اختار الإرهاب وسيلة للتعبـير عن موقـفه، لأننا نحاور المتحاوريـن بلغة الحوار، ولا نحاور الإرهابيـيـن إلا اللهم بلغتهم. لذا أرجو قراءة مقـترح الحل التوفيقي بإمعان، وتكويـن تكتـل يحشـّد الطاقات نحو المطالبة بالقبول بهذا الحل. إنها مبادرة للحل التوفيقي بيـن إرادتيـن عراقيـيتيـن؛ إرادة إجراء الانـتخابات في موعدها، وإرادة تأجيلها، أرجو أن تـكون نافعة، وأن تـكون لها آذان صاغية، وقرارات فاعلة
.



06/01/2005

d_sh1944@yahoo.de