تريدون تأجيل الانتخابات؟ ولماذا دمرتم الفلوجة إذا؟

أرض السواد - د. البراق عبد الهادي

12 – 7 - 2004

حذر وزير العدل العراقي السيد مالك دوهان الحسن من ان عدم تأجيل الانتخابات في العراق سيشعل حربا أهلية. وهذا غيض من فيض: فالكثير من الشخصيات المتنفذة في الحكومة الحالية تطالب بتأجيل الانتخابات اليوم.

ومن الممكن التسائل: الم يتم التضحية بالفلوجة على محراب الانتخابات؟ الم يبرر الأمريكان ومن يقف في صفهم اقتحام الفلوجة وتدميرها بحجة ان المدينة تمثل خطراً على إمكانية أجراء الانتخابات في سلام؟ وبعد ان دمروها، صاروا يطالبون بالتأجيل ‍‍‍!

والواقع هو ان الحرب الأهلية التي يخشاها وزير العدل لن تقع، ولكن النزعات الطائفية تشتد في البلاد حين يعتقد الناس ان الاحتلال يشجع مجموعات بعينها على حساب أخرى. ولا توجد دولة في العالم، يأتيها احتلال، ويشجع مجموعة، ويضرب أخرى، لم تقع فيها حوادث انتقام من المجموعة التي يعتقد الناس ان الاحتلال يدعمها.

وهكذا، فبعكس ما يدعيه وزير العدل: ان ضرب الفلوجة بتلك الطريقة الوحشية هو ما يؤدي للتوتر الطائفي، لا الانتخابات. فمن قام بضرب الفلوجة أمريكي، وفعل جريمته النكراء مدعيا الدفاع عن حقوق الشيعة والأكراد. وبالطبع، ينتج عن تدمير مدينة سنية ان يغضب أئمة السنة، فينتقدون أئمة الشيعة لانهم لم يتعاطفوا مع الفلوجة في محنتها. وهم هنا يذكرون الناس بان الفلوجة وقفت مع النجف في أغسطس الماضي.. وان حدث توتر بين الاخوة السنة والشيعة، فسببه يعود لتدخل الغازي الغاشم بينهم..

باختصار: الانتخابات لا تؤدي للحرب الأهلية. ولكن تدمير المدن هو ما يؤدي لها.

و من الضروري لابناء الجنوب اليوم ان يوضحوا لاخوتهم في المثلث انهم لا يدعمون الاحتلال، اان الاحتلال لا يدعمهم. هذا هو الحل السليم لتجنب الحرب الأهلية.

وكلنا نتذكر ان الأئمة في جوامع الشيعة في مدينة الصدر لعنوا هذا الغازي الأمريكي الذي يدمر البلاد خلال اقتحام الفلوجة. ولكن مثل هذه الأخبار يتعمد الأعلام الغربي والمتغرب التعتيم عليها لصناعة صورة عن الشيعة وكأنهم يستفيدون من الاحتلال. وحين يتم التخلص من هذه الصورة الكاذبة تختفي إمكانيات الحرب الأهلية التي يتوهم وزير العدل العراقي انها ستقع بسبب الانتخابات.

وبصراحة اكثر: وزير العدل يقول ما يقوله لانه يعلم ان الحكومة الحالية ستسقط لو حدثت انتخابات. فلا يوجد اي حزب في البلاد يريدها او يؤيدها. ومن سينتخب هذه الحكومة والناس تلومها على تدمير الفلوجة؟

وحتى السيد د. علاوي صرح بان انتخابات يناير اقل أهمية من اللاحقة لها في ديسمبر، ربما لانه يدرك ان إمكانيات فوزه هذه المرة ضئيلة..

اما تأثير الانتخابات ، فمن الممكن ان يكون إيجابيا، او سلبياً، على الوضع الطائفي في البلاد. ذلك يعتمد على تصرفات وخيارات الحكومة المنتخبة.

اريد حكومة منتخبة تقول للقوات الأمريكية: اخرجوا من المدن العراقية. أقيموا في معسكرات.. ولو احتجنا لكم فسنطلبكم.. فمجرد خروج هذه القوات من المدن سيحسن الأوضاع الأمنية كثيراً. فالتمرد لن يقوم بتفجير القنابل بعد ذلك في الشوارع (التي تمر بها قوات الاحتلال). باختصار حكومة منتخبة – يشعر الناس انها ليست عميلة ولا بعثية - قد تحل الكثير جداً من مشاكل العراق اليوم.

ومن نافل القول ان الولايات المتحدة لا يهمها كثيراً ان تحدث انتخابات الشهر المقبل. بوش استخدم قصة الانتخابات العراقية في سبيل ان يعاد انتخابه . واليوم من يطالب بالانتخابات هو الأحزاب العراقية التي تريد التخلص من الحكومة الحالية.

والقاصي والداني يعرفان ان الولايات المتحدة أرادت حكومة علمانية تقيم علاقات جيدة مع إسرائيل. ولكن الحكومة الشيعية المنتخبة لن تفعل ذلك. والولايات المتحدة تقبل بحكومة شيعية على مضض.

ما أريد قوله من هذه المعلومات هو ان الانتخابات يجب ان تتم في موعدها. وان تأتى حكومة عراقية وطنية تقدر على مواجهة ما يلحقه الاحتلال بوطننا من تدمير.

اختم هنا بقصة من تاريخ العراق السياسي الحديث.. ففي انتخابات 1953 تنافس السيد صالح جبر مع نوري السعيد على الوصول للسلطة. وحين شعر السيد جبر بان الانتخابات يتم طبخها، بحيث تفوز المجموعة التابعة للبلاط فيها، قرر استخدام أسلوب المقاطعة: وبالطبع نتج عن هذا القرار الخاطئ فوز المجموعة الأخرى بيسر. ومن الطريف ان شخصيات شيعية مرموقة في ذلك العصر، مثل الجمالي والأرزي، شجبت هذه المقاطعة. وانتهى الامر بالسيد جبر بالموت عام 1957 حين انهار بنوبة قلبية وهو ينتقد نوري السعيد في كلمة كان يلقيها في مجلس الأعيان.

والموت الرمزي، اي عدم التمثيل النيابي، كذلك سيكون مصير من يقاطعون الانتخابات.

وليس لدي أدنى شك في ان بعض من يريدون إلغاء الانتخابات يكرهون الشيعة ولا يريدون وصولهم للسلطة. وها هم اليوم يتهموننا بالعمالة للاحتلال، وأننا جميعاً نتواطأ.. كل هذا قبل قيام الانتخابات.



وفي نهاية المطاف، دماء كل من ماتوا في الفلوجة تطالبنا اليوم بأجراء هذه الانتخابات التي راحوا في سبيلها وضحية لها.

albaraq@netscape.net