رأي .. نجاح محمد علي

اكذوبة الانتخابات العراقية



المصالحة الوطنية، وتأسيس معارضة شريفة، وعفا الله عما سلف بشرطها وبشروطها من مقومات الانتخابات القادمة

في البدء أقر واعترف أن عراقا من دون نظام صدام حسين هو بالتأكيد أفضل للعراقيين وهو ما كنتُ أعمل على تحقيقه خلال أكثر من ثلاثين عاما من التشرد والغربة والنضال العتيد.

لن أفتح ملف نظام صدام لأثبت جرائمه فينا ، ولن أنبش لذلك في المقابر الجماعية التي لم أعثر فيها على رفاة أي من أحبتي: شقيقي عبد الكريم، أو أشقاء زوجتي،عبد الأمير وعبد الحسين،وأحمد، أو أبناء خالي عبدعلي وعبد الحسن وعبد الكريم،أو أبناء خالتي طالب ويحيى، أو أصحاب عمري الطويل سيد عدنان وهادي وحمدية والقائمة تطول، لأنني متأكد أن رحيل النظام السابق يجب أن يكون أفضل للعراقيين، ولكن ليس بأي ثمن.

لقد رفعت الولايات المتحدة شعار دمقرطة العراق والمنطقة وهي تشن حربها غير المبررة دوليا(على الأقل) على النظام السابق، واسقطته،وجاءت بالمعارضة السابقة لتخلفه في الحكم، وهاهي تستعد لاجراء أول انتخابات في العراق الجديد،و تمني العراقيين بعهد زاهر بالحريات بعد الانتخابات.

ويدرك كل من ساهم في الحل على الطريقة الأمريكية، أو رضي به أن الحديث عن دمقرطة العراق ليس الا اكذوبة قالها الرئيس الأمريكي جورج بوش، وصدقها من رضي الركوب في قطاره الأنجلو أمريكي،وهو يعلم علم اليقين إن الديمقراطية حتى على الطريقة الأمريكية لن تتحقق في العراق، على الأقل في الظروف الراهنة حيث الوحدة الوطنية تقف على كف عفريت، بينما الشعب بات منقسما(مع الأسف الشديد) وفق نظام المحاصصة الطائفية والقومية ..الذي تم الاتفاق عليه في لندن أواسط ديسمبر 2002، واستمر ليشكل الحجر الأساس لأي اتفاق جديد في العراق الجديد.

ولنتساءل معا : ألم تكن الأغلبية من الشعب في أمريكا وفي بريطانيا وقفت معارضة لخيار الحرب على العراق، فماذا جرى؟

الحرب وقعت شاء من شاء وأبى من أبى، وقالها بوش " من ليس معنا فهو ضدنا" متجاهلا حكم الأغلبية وهو أبسط مباديء الديمقراطية، ومتناسيا على فرض أن الأغلبية كانت مع خيار الحرب، أن عليه احترام رأي الأقلية!.

وفي العراق ..اليوم ، فان كل من يعارض الانتخابات القادمة، أو يرفض المشاركة فيها، ملتزما بخيار المعارضة أو المقاومة السلمية، رافضا العنف والقتل، واستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافه،فهو بالتأكيد سيصبح " ضد الديمقراطية وضد مصالح الشعب العراقي" ، وربما عليه أن يُقدم للمحاكمة بتهمة التحريض على الارهاب، اذا كان له الحق في أن يعيش أصلا!.

ويجهل المسارعون الى اجراء الانتخابات، أن الحرية ماتزال مفقودة في العراق، والأمن بات ضائعا يبحث عن مأوى وملاذ، لكنهم يريدونها بأي ثمن ، من أجل الحصول على مكاسب طائفية أو قومية، بما يزيد من تفكك المجتمع العراقي ويعرض وحدته للخطر.

نعم الانتخابات تظل ضرورية ومهمة في مجتمع حر لا يملك فوقه وصيا.وقبل انتخابات الجمعية الوطنية، كان من الأجدر على المشاركين في العملية السياسية، أن يعرضوا شكل النظام المقترح على الاستفتاء العام: بين اسلامي وملكي وجمهوري ديمقراطي، وغيره من النظم المعروفة المتداولة في عالم اليوم،وأن يعيدوا الأمن المفقود الى العراقيين، ويعيدوا لهم قبل كل شيء احساسهم بعراقيتهم وبالمواطنة المتارجحة في الولاءات الى خارج الحدود.

الانتخابات التي سيُكتب لها النجاح ولن تدفع بالبلاد الى الانهيار هي التي لاتُرفع فيها شعارات وأهداف طائفية، ولن ترُتبُ قوائمُ المرشحين فيها على أسس طائفية،ويكون هدفها الأول والأخير هو العمل من أجل عراق واحد، ومن اجل العراقيين أينما كانوا.

الانتخابات القادمة ستكرس الاحتلال اذا جرت باستعجال ودون تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، والسماح لتأسيس معارضة ليست مع المحتل ولا تشارك في القتل العشوائي، وتؤمن بالتعددية والعلاقات الاقليمية والدولية على أساس مصالح العراق العليا.

نعم يجب المبادرة الى تأسيس معارضة مخلصو شريفة من أؤلئك الذين كانوا في صف المعاضرة للنظام السابق، ورفضوا الحرب على العراق، ولم تتلطخ أياديهم بالقتل والتخريب تحت مسميات المقاومة.

وأما المصالحة الوطنية الشاملة فانها يجب أن تتم قبل الانتخابات ويعطى كل ذي حق حقه " ولاتبخسوا الناس أشياءهم"،وأن تبقى مقولة رسول الله وقائد الانسانية العظيم محمد صلى الله عليه وعلى آله واصحابه نصب العين في كل عملية تغيير " اذهبوا فأنتم الطلقاء"، ولا أحب وأعذب من العفو على لذة الانتقام.

واذا استكمتلت الانتخابات شروطها الوطنية، وكانت الحرية الأس الذي تتحرك في أفقه الديمقراطية المنشودة، يحق لنا حينها أن نقول إن الانتخابات ستقضي على بعض جذور الارهاب وليس كله ! والا فانها لن تفعل ذلك لأن فاقد الشيء لايُعطيه




http://www.kitabat.com/najah_9.htm