المسكوت عنه في سيرة عمر بن الخطاب في الفكر السني

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي




د. أحمد صبحي منصور


المسكوت عنه في سيرة عمر بن الخطاب في الفكر السني
عناوين للمقال البحثي:
الدولة الاسلامية لا يمكن ان تكون غازية محتلة بالقوة لبلاد الاخرين .
عدل عمر تمتع به المسلمون الاحرار فقط ، دون مواطني البلاد المفتوحة .
دولة عمر حين أشرفت علي العالم تعاملت بمنطق العالم وقتها ، منطق الجاهلية والعصور الوسطي وليس منطق الدولة الاسلامية .
كل سلبيات الامويين والعباسيين وحتي العثمانيين بدأت جذورها في دولة عمر .



عمر بن الخطاب : بيانات البطاقة الشخصية والعائلة


اللقب : الفاروق
الكنية : ابو حفص
الاسم بالكامل : عمر بن الخطاب بن عبد العزي بن رباح بن عبد الله بن قرط بن زراح بن عدي بن كعب .
اسم الام : حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم .

اسماء الزوجات والابناء :

1. زينب بنت مطعون : انجبت له عبد الله وعبد الرحمن وحفصة .
2. ام كلثوم بنت جرول : انجبت زيدا الاصغر وعبيد الله .
3. ام كلثوم بنت علي بن ابي طالب وفاطمة بنت الرسول : انجبت زيدا الاكبر ورقية .
4. جميلة بنت ثابت : انجبت عاصم .
5. ام ولد ( جارية ) اسمها لهية : انجبت له عبد الرحمن الاوسط .
6. ام ولد ( جارية ) اسمها فكيهة : انجبت له زينب .
7. ام ولد ( مجهولة الاسم ) انجبت له عبد الرحمن الاصغر .
8. ام حكيم بنت الحارث . انجبت فاطمة .
9. عائكة بنت زيد بن عمر : انجبت له عياض .


تاريخ الميلاد : قبل حرب الفجار بأربع سنين ، وبعد الفيل بثلاث عشرة سنة .
تاريخ اسلامه : في السنة السادسة من النبوة ، وكان عمره ستا وعشرين سنة .
تاريخ تولية الخلافة : يوم الثلاثاء ، 22 جمادى الاخرة سنة 13 .
تاريخ موته : اغتيل صباح الاربعاء 26 ذو الحجة 23وقيل صباح الاحد اول المحرم سنة 24 .
مدة ولايته : عشر سنين وخمسة اشهر واحدي وعشرون ليلة .
صورته الشخصية : ابيص تعلوه حمرة ، ضخم جسيم ، اعسر ايسر ، اصلع ، ثم تحول لونه الي السواد بسبب جوعه الاختياري لمواساة المسلمين العرب في مجاعة الرمادة .


اهم القضايا في سيرة عمر : المسكوت عنه في تاريخ عمر


مقدمة : في اعتقادنا انه ليس في الاسلام ايمان بشخص ، انما الايمان بالوحي الذي يصير به النبي مرسلا . وعمر بن الخطاب شخصية تاريخية انسانية ، فيها كل ما في الانسان من ضعف وقوة ، وظلم وعدل ، الا ان التأريخ لعمر وقع بين طرفي نقيض ، فالشيعة لم يتركوا فيه منقبة حسنة ، بل ملأوا سيرته سبا وذما ، والسنة جعلوه ملاكا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، واتفق الشيعة والسنة معا علي خلق شخصية لعمر من خيالاتهم الشخصية بعيدة عن التصور الانساني ، وضاعت الشخصية الانسانية الحقيقية لعمر بين هؤلاء وهؤلاء ، ونحاول في هذه الورقة المتعجلة ان نتوقف مع اقدم روايات اهل السنة عن عمر لنخرج منها بالجانب الاخر لتكون الصورة متوازنة ، مع تأكيدنا علي ان الحقائق التاريخية حقائق نسبية يجوز فيها الصدق والكذب ، وبهذا فهي تختلف عن حقائق القرآن التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، ولأن عمر ليس من حقائق القرآن وانما هو من حقائق التاريخ ، فكل ما يقال عنه يخرج عن دائرة الايمان ويدخل في دائرة البحث التاريخي .
فتعالوا بنا الي المسكوت عنه في تاريخ عمر مما كتبه مؤرخو السنة .


1. يقول ابن سعد في الطبقات الكبري ان عمر كان يأمر الولاة بأن يوافوه في موسم الحج ، ثم يخطب في العرب المسلمين فيقول ( ايها الناس اني لم ابعث عمالي عليكم ليصيبوا من ابشاركم " أي اجسادكم" ولا من اموالكم ، وانما بعثتهم ليحجزوا بينكم وليقسموا فيئكم بينكم ، فمن فعل به غير ذلك فليقم ) فقام رجل فقال ان الوالي فلان ضربني مائة سوط ، فأمر عمر ان يضرب ذلك الوالي مائة سوط ، فتوسط عمرو بن العاص حتي ارضوا الرجل الشاكي بأن دفع له الوالي مائتي دينار بدلا من ان يضربه الرجل مائة سوط .( الطبقات الكبري 3/211[ .الواضح في الخبر هو ان عمر كان يتحري العدل بين العرب في الامصار المختلفة المفتوحة ، لا فارق بين جندي وقائد ، وهذا شئ جميل.
ولكن المسكوت عنه انه اذا كان الظلم يحدث بين العرب المسلمين بحيث يضرب احدهم الاخر مائة سوط ظلما ، فماذا كانوا يفعلون مع الغلابة ابناء البلاد المفتوحة ؟. اذا حاولت ان تجد الاجابة .. يقال لك : اسكت هس !!
ومشهورة قصة المصري مع ابن عمرو بن العاص ، حين تسابقا فسبقه المصري ، فاغتاظ ابن عمرو ، فضرب المصري قائلا : كيف تسبق ابن الاكرمين ، فجاء المصري الي المدينة وشكي ابن عمرو واباه ، فأمر عمر بأن يضرب المصري ابن عمرو، وقال لعمرو : ( متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا) . وقد اصبحت تلك المقولة من مآثر عمر ، واصبحت مثلا من الامثال الدالة علي المساواة والعدل .
وهذا كلام جميل ، وان لم ترد هذه القصة في اقدم المصادر التاريخية الموثقة ، ولكن مع افتراض صحتها ، فأن ذلك المصري الفارس الماهر كان من ابناء الاكابر ، لذلك لم يحتمل الاهانة وسافر علي نفقته وتحدث بالعربية شاكيا ، او ربما وجد له مترجما ووجد بأمواله من يساعده للوصول الي الخليفة في المدينة ليطلب منه حقه .. فما بالك بملايين المصريين وقتها ( كان عدد المصريين حينئذ يزيد عن عشرة ملايين [ .
المسكوت عنه هنا هو ملايين الآهات في الريف المصري الناطقة باللغة القبطية ، والتي لا تستطيع التفاهم مع عمر ، ولا تستطيع ان تصل له ، والتي لم يأبه بها احد .
فاذا حاولت ان تعرف حجم الظلم الذي تعرض له اجدادانا المصريون في الدلتا والصعيد في عصر عمر والذي تجاهله الرواة ، يقال لك : اسكت .. هس !!.



وحدثت مجاعة الرمادة في الجزيرة العربية فاستغاث عمر بوالي مصر عمرو بن العاص وكتب له يقول ( من عبد الله امير المؤمنين الي العاصي بن العاصي .. سلام عليك ..، اما بعد فتراني هالكا ومن قبلي ، وتعيش انت ومن قبلك ، فياغوثاه .. ثلاثا[.
وسرعان ما كتب له عمرو ] : لأبعثن لك بعير اولها عندك واخرها عندي [ فبعث له بالطريق البري الف بعير بالدقيق والمؤن ، وبعث له بالطريق البحري عشرين سفينة محملة بالغذاء .

والمسكوت عنه هنا .. كيف تم الاسراع بجمع كل هذه الاغذية من المصريين في الدلتا والصعيد ..هل بالتبرع عن طيب خاطر .. ام بالمصادرة والضرب ؟ .. اذا حاولت ان تعرف الاجابة قيل لك .. اسكت .. هس !!


ويروي الاحنف في مناقب عمر:] : كنا جلوسا بباب عمر فمرت جارية فقالوا : سرية امير المؤمنين ( أي محظيته ) فقالت الجارية : ماهي لأمير المؤمنين بسرية وما تحل له ، انها من مال الله ، فقلنا فماذا يحل له من مال الله ؟ فما هو قدر الا ان قد بلغت ، وجاء الرسول فدعانا ، فأتيناه ، فقال ، ماذا قلتم ؟ ( فأخبروه ) فقال : انا اخبركم بما استحل منه : يحل لي حلتان ، حلة في الشتاء وحلة في القيظ ، وما احج عليه واعتمر ، وقوتي وقوت اهلي كقوت رجل من قريش ، ليس بأغناهم ولا بأفقرهم )( طبقات ابن سعد 3/ 197 .[الواضح هنا عدل عمر في انه لا يميز نفسه عن باقي المسلمين ..
ولكن المسكوت عنه هو حكاية الجارية التي جئ بها ظلما من اهلها الاحرار في البلاد المفتوحة ، واصبحت سلعة تباع وتشتري ، او حسب قولهم وقولها ( من مال الله ) . فاذا حاولت ان تجد توضيحا قيل لك : اسكت … هس !!
ويقول ابن سعد ان عمر كان لا يأذن للسبي من الاسري من الرجال بدخول المدينة . واستأذن المغيرة بن شعبة حتي سمح عمر بأن يأتي للمدينة ابو لؤلؤة فيروز المجوسي ، وكان من سبي نهاوند ، ويقول عنه ابن سعد ( كان خبيثا ، اذا نظر الي السبي الصغار يأتي فيمسح رؤوسهم ويقول ان العرب اكلت كبدي ..) وفي النهاية قتل عمر انتقاما .
والمسكوت عنه هم هؤلاء الالوف من الصبية والاطفال او الذراري الذين سباهم العرب المسلمون من اهاليهم من ايران والرافدين ومصر ، وفرقوا بينهم وبين اهاليهم وجعلوهم رقيقا بدون ذنب جنوه هم واهاليهم .. وهل يصح هذا في عدالة الاسلام .. اذا تحدثت تطلب المزيد من المعلومات ، ولم تجد شيئا عنهم وعن آلامهم قيل لك .. اسكت .. هس !!


حسنا .. نحن لن نسكت … ولن نهس !! سنبحث الموضوع المسكوت عنه .. ليس طلبا للموضوعية العلمية فقط ، ولكن لتوضيح الرؤية الاسلامية القائمة علي القسط والعدل .. ولأن من بين اولئك المظاليم اجدادنا المصريين ، ونكاد نتحسس صراخهم بين روايات تاريخنا الاسلامي ، تلك الروايات التي تدور دائما حول الحاكم وتترك المظاليم .. و اذا كان الله تعالي يتسامح مع المظلوم اذا رفع صوته جاهرا بالسب واللعن ، بل ان الله تعالي يحب ذلك ، ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم : النساء 148 ) فكيف صادر اولئك المؤرخون حق اجدادنا في الصراخ .. انحيازا منهم للظالم ؟؟!!

تعالوا بنا الي بداية الموضوع :ماهو حكم الاسلام في الفتوحات الاسلامية ؟
هل الفتوحات العربية في عصر الراشدين تتفق مع تشريعات القرآن للدولة الاسلامية ؟ ان هذه الفتوحات كانت رد فعل لهجوم المرتدين علي المدينة في اول خلافة ابي بكر ، وقد هزمهم ، ثم طارد المرتدين الاخرين الي ان وصل الي اطراف الجزيرة العربية حيث تخوم الامبراطوريتين الفارسية والرومية . وبعد اخضاع المرتدين اراد ان يتخلص من شوكتهم الحربية بتصديرها الي الهجوم علي ممالك وولايات الامبراطوريتين ،و هكذا بدأت الفتوحات أو الغزوات ، والويل فيها للمغلوب دولة او شعبا . وكان الشعار المرفوع وقتها لتسويغ الفتوحات هو تخييرهم بين واحدة من ثلاث : اما الاسلام واما الجزية واما الحرب ، وهذا التخيير من جيش يقتحم حدود الاخرين متأهبا للهجوم عليهم لا يعني سوي اجبارهم علي الاسلام او دفع الجزية مع الذلة والعبودية او الدخول في حرب مع عسكر ( يحبون الموت كما يحب اولئك الناس الحياة ) .. وبذلك اكتسب الجهاد عند المسلمين معني جديدا يخالف معناه القرآني الذي كانت عليه دولة الاسلام في عصر النبي عليه السلام .
فالجهاد ان تضحي بالمال والنفس دفاعا عن عقيدتك وعن حرية العقيدة لك وللاخرين ، و ليس بأن تقتحم علي الاخرين بلادهم لتجبرهم علي الاسلام والا فالجزية ، والا فالحرب . ان ما كتبوه في سيرة النبي يؤكد علي الطبيعة الدفاعية للغزوات مع كثرة الاكاذيب في الروايات ، والتي تختلف عن حديث القرآن عن غزوات النبي (ص) ، ثم ان هذه الفتوحات تتناقض تماما مع القرآن في تشريعاته وقصصه .
ان تشريعات الجهاد في الاسلام تبدأ بالكلمة والموعظة القرآنية ، أي الجهاد بالقرآن ( فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا : الفرقان 52 ) ويقترن ذلك بتحمل الاذي . و الطرد ومصادرة المال والهجرة . ثم يضطر المسلمون للدفاع عن انفسهم مخافة الاستئصال ضد عدو يطاردهم حتي بعد هجرتهم ، وحتي لا تنهدم بيوت العبادة لكل المؤمنين من صوامع لليهود وبيع للنصاري وصلوات لكل صاحب عقيدة ، ومساجد للمسلمين ( الحج 40 ) وفي كل الاحوال فتشريعات القتال في الدولة الاسلامية تدور بين اوامر تشريعية تخضع لقواعد تشريعية ، فالاوامر هي ( قاتلوا ) والقواعد التشريعية هي ( في سبيل الله ) بمعني ان يكون القتال دفاعيا فقط او قتال اولئك الذين يقاتلونكم وبدون اعتداء عليهم ، يقول الله تعالي ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ، ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين ) .. ( فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم ، واتقوا الله : البقرة 190 ، 194 ) .أي ان المسلمين حين يعتدون علي من لم يعتد عليهم فانهم لم يتقوا الله .!!
وذلك العدو المعتدي اذا هزمته الدولة الاسلامية فمن حقها ان تجبره علي دفع غرامة حربية هي الجزية ، وذلك عرف مألوف في تاريخ العصور الوسطي ، وفي التاريخ الحديث والمعاصر ، ولنتذكر ما حدث لألمانيا بعد الحربين العالميتين ، وما حدث مع صدام حسين ، ومن حقها ايضا ان تحصل منه علي غنائم تركها في ميدان المعركة ، ولكن ليس من حقها ان تحتل ارضه لأن آية الجزية ( التوبة 29 ) بما فيها من اوامر انما تخضع للقواعد التشريعية والمقاصد التشريعية التي تؤكد علي القسط والعدل ، ومعني ان الدولة المعتدية تعطي الجزية بعد هزيمتها أي انها تظل قائمة علي ارضها وشعبها ومواردها دون ان يحتلها المسلمون ، بالضبط كما حدث حين دفع الروم البيزنطيون الجزية للدولة الاموية والعباسية والعكس ، في اطار الحروب وما تداولوه من نصر وهزيمة ، وكل من الدولتين كانت في موقعها وعلي حدودها .
ولكن كل ذلك كله يخالف ما جري في الفتوحات العربية في عهد عمر ، لأن عمر بعد ان اسقط الدولة الفارسية فرض علي اهلها الجزية وفرض علي ارضها الخراج ، وهؤلاء الناس ( الغلابة ) لم يحاربوا احدا ، بل ان الدولة الفارسية نفسها لم تعلن الحرب علي الدولة العربية ، ولم تقتحم الجزيرة العربية ، بل العكس هو ما حدث ، فالعرب المسلمون هم الذين اقتحموا علي الفرس دارهم ، وبعد ان هزموا الجيوش في مواقع متعددة داخل بلادها ، سلبوا كنوز الفرس في كل مدينة ، واسترقوا الذرية من النساء والاطفال فيما بينهم ، ثم بعدها فرضوا علي المساكين اهل البلاد المفتوحة جزية علي الرءوس ، ثم ضريبة علي الارض ، ولا يتفق ذلك مع تشريعات القرآن بكل تاكيد .
وما حدث في مصر كان افظع ..
فالفرس كانوا اصحاب الملك ، وكانوا احدي أقوي قوتين في العالم ، لذلك حاربوا دفاعا عن النفس ، اما المصريون فقد كان البيزنطيون يحتلون ارضهم ويضطهدونهم في دينهم ، لذلك عاونوا العرب في فتح بلادهم نكاية في الروم ، واسهب المقريزي في توضيح انواع المساعدة التي قدمها المصريون لجيش عمرو الضئيل منذ ان نزل الفرما الي ان فتحوا له ابواب الاسكندرية خلسة .. ومع ذلك كافأهم عمر وعمرو بفرض الجزية عليهم ، وحين ترفق عمرو في تحصيل الجزية من المصريين عزله عمر بن الخطاب وعين مكانه عبد الله بن ابي السرج الذي ارهق المصريين بخراج اكثر وجزية اكبر ، وقال عمر بن الخطاب لعمرو يعايره ( ان اللقحة – أي الناقة – قد درت بأكثر من درها الاول ) يعني ان البقرة الحلوب قد زاد ايرادها بعد عزل عمرو عنها ، فقال عمرو لعمر ( لأنكم اضررتم بالفصيل ) أي لأنكم اضررتم بولدها ، أي اكلتم حقوق ابنائها واجعتم المصريين .. وهذه هي نظرة عمر وعمرو لمصر والمصريين .. انهم مجرد ماشية !!
لقد اتسعت الفتوحات العربية في عهد عمر فيما بين ( 14 : 23 هـ ) لتمتد فيما بين اصفهان في شرق ايران الي طرابلس ليبيا ، ففي سنة 14 كانت فتوحات دمشق وحمص وبعلبك وموضع البصرة وهي الابلة ، وفي سنة 15 تمت فتوحات الاردن وانتصر العرب علي الروم في اليرموك ، وعلي الفرس في القادسية ، وفي سنة 16 تمت فتوحات الاهواز والمدائن والانتصار في جلولاء وهزيمة الامبراطور الفارسي يزدجر وهروبه ، ثم فتوحات تكريت شمال العراق ، ثم تسلم عمر بن العاص بيت المقدس ، وتمت فتوحات قنسرين وحلب وانطاكية ومنسج وسروج وقريقساء ، وفي سنة 18 تمت فتوحات جندباسبور وجلوان و الرهاد وسميساء وحران ونصيبين والموصل والجزيرة فيما بين العراق وسوريا ،وفي سنة 19 فتوحات قيسارية ، وفي سنة 20 فتحوا مصر غربا ، وتستر في ايران ، وفي سنة 21 فتح الاسكندرية ، ثم في نهاوند في ايران ، وفتح برقة في ليبيا ، وفي سنة 22 فتح اذريبجان والدنيور وماسبذان وهمذان والري وعسكر وقومس في اواسط اسيا ، وفتح طرابلس الغرب في ليبيا .
وفي السنة التي قتل فيها عمر كان فتح كرمان وسجستان ومكران واصفهان سنة 23هـ .
وخلال هذه السنوات العشر سالت دماء مئات الالوف من الابرياء في كل تلك المناطق ظلما وعدوانا تحت اسم الاسلام والجهاد ، وتشتت مئات الالوف من العائلات والاسر فيما بين اواسط اسيا الي ليبيا ، ونهب العرب كنوز المنطقة بعد المعارك وقسموا بينهم الذرية والنساء .


ونأخذ مثالا علي احدي المعارك التافهة ، والتي سجلها الطبري في اربع صفحات وقام بتلخيصها ابن كثير في ثلاثة اسطر ، تحت عنون ( خبر سلمة بن قيس الاشجعي والاكراد : بعثه عمر علي سرية ووصاه بوصايا كثيرة ، فساروا فلقوا جمعا من المشركين فدعوهم الي احدى ثلاث خلال ، فأبوا ان يقبلوا واحدة منها ، فقاتلوهم ، فقتلوا مقاتليهم ، وسبوا ذراريهم وغنموا اموالهم ، ثم بعث سلمة رسولا الي عمر بالفتح والغنائم ) ( تاريخ ابن كثير 7/ 133 ، التفاصيل في تاريخ الطبري 4/ 186 : 190 ) لم تكن للاكراد دولة ، ولم تكن لهم علاقة بالعرب من أي نوع . وكل ما هنالك انهم فوجئوا بجيش لا يعرفون لغته يقتحم عليهم ديارهم ، فدافعوا عن وطنهم واموالهم واعراضهم ، فانهزموا ، وبعد ان قتل العرب ] مقاتليهم ) اخذوا النساء والاولاد والبنات سبيا ، واخذوا الاموال ، وكالعادة بعثوا بالخمس الي عمر ، واقتسموا فيما بينهم الاربعة اخماس من الغنائم المالية والبشرية . وتخيل نفسك تعيش في قرية ثم فوجئتم بجيش يهزم المدافعين عن القرية ، ثم يستبيح بيوت القرية ويستحل الدماء والاعراض والاموال ويصل الي بيتك ، يأخذ اموالك ، ويأخذ امك وزوجتك واختك وبناتك واولادك ، وقد يقتلك اذا قاومت ، فاذا استسلمت يفرض عليك جزية بحجة انه يحميك !! ثم يفرض ضرائب علي بيتك ، وارضك وانتاجك ، ثم تكون بعدها مواطنا من الدرجة الثانية ، وذلك تحت لافتة انك اهل ذمة النبي ، والنبي عليه السلام لم يشهد هذه الفتوحات ، ولم يكن يعلم الغيب حتي يعرف ما سيحدث بعده ويضع له تشريعا ، ناهيك ان النبي لا يملك التشريع ، وانما يتلقي التشريع ، و الا ما كان الله تعالي يقول له ( يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضاة ازواجك[.
وسلب الاموال وسبي الذرية لم يكن قاصرا علي البلاد التي يختار اهلها الحرب دفاعا عن انفسهم ، فقد كان يلحق السلب والنهب بالبلاد التي تختار الصلح والجزية ، يقول ابن كثير ( وساق القعقاع الي حلوان فتسلمها ، ودخلها المسلمون ، فغنموا وسبوا واقاموا بها ، وضربوا الجزية علي من حولها بعد ما دعوا الي الاسلام فأبوا الا الجزية : تاريخ ابن كثير 7/ 71 ) أي تسلموها بدون حرب ، ولكن علي ان تدفع الجزية ، ومع ذلك فقد سلبوا وسبوا واخذوا الجزية !! . أي ان الهدف الاساسي هو السلب والنهي والاسترقاق بحرب او بدونها . وهذا يذكرنا بتلك المقولة التي نسبوها لعمر ( متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا ) ونري انها رواية كاذبة ..لأن الواقع انهم استبعدوا الاحرار
وفي تاريخ الطبري مئات الصفحات عن القتل والسلب والسبي ، نقتطف هذه الاسطر التي يحكيها احد الجنود العرب وهو " محفز" الذي شارك في موقعة جلولاء سنة 16 هـ ، في ايران ، يقول ( ودخلوا المدائن ، ولقد اصبت بها تمثالا لو قسم في بكر بن وائل لسد منهم مسدا ، عليه جوهر فأديته ) أي سلمه للجيش .. الي ان يقول ( فاذا امرأة كالغزال في حسن الشمس فأخذتها وثيابها ، فأديت الثياب ، وطلبت في الجارية حتي صارت لي ، فاتخذتها ام ولد : الطبري [4/ 26 : 27 ) ويذكر الطبري عن غنائم العرب بعد فتح المدائن ما يفوق الخيال ، من الذهب والجواهر وكنوز كسري وعرشه ، حتي كانوا يجدون بعض البيوت مليئة بالذهب والجواهر ، وجمعوا اطنانا من عطر الكافور وحسبوه ملحا فخلطوه بالطعام فأصبح شديد المرارة ( تاريخ الطبري 3/19 :20 ، تاريخ ابن كثير 7/ 66 : 67 [
ونعود اليك ونطلب منك ان تتخيل نفسك شاهدا محايدا ، تري جيشا يستبيح مدينة آمنة في وطنها لم تعتد مطلقا علي هذا الجيش الذي يعتدي عليها ، ثم الدماء هنا وهناك ، وبعدها استباحة البيوت وتجميع الاموال في كومة كبيرة ، وتجميع النساء والاطفال والفتيات في صفوف اخري ، ثم يقسم المال اخماسا ، يبعثون بالخمس الي الخليفة ، ويفرقون الاربعة اخماس بين المقاتلين ، بالعدل والقسطاس ، ثم يلتفتون الي النساء والاطفال ، فيأخذون منهم الاربعة اخماس يفرقونه علي افراد الجيش ، ثم يبعثون بالخمس الباقي منها الي المدينة مع تنفيذ وصية الخليفة عمر الي امراء الجيوش ، بألا يبعثوا الي المدينة الا بالصبية الصغار . وتخيل ما تسمعه من صرخات الامهات وعويل الاطفال حين تتشتت الاسرة الواحدة ، بين رجال قتلي امام بيوتهم حين كانوا يدافعون عن انفسهم ، وزوجة قد اخذها فلان ، واخت امتلكها علان ، وصبي صغير يبكي وقد بعثوا به الي المدينة ، واخت له استحسنها القائد فاستأثر بها لنفسه . وما تتخيله هو ما حدث فعلا وتردد بين سطور التاريخ في الفتوحات . ودين الله تعالي القائم علي القسط والعدل والسلم يأبي ذلك .


ونعود الي ابن سعد وهو يقول عن عمر ( وضع الخراج علي الاراضين ، والجزية علي جماجم اهل الذمة فيما فتح من البلدان ، ووضع علي الغني ثمانية واربعين درهما ، وعلي الوسط اربعة وعشرين درهما ، وعلي الفقير اثني عشر درهما ، وقال : لا يعوز " أي لا يرهق" رجل منهم " أي الفقراء" درهم في الشهر : الطبقات الكبرى لابن سعد 3/ 202 ) .
وتأمل نبرة الاحتقار في صياغة الخبر في قوله ( وضع الجزية علي جماجم اهل الذمة ) أي الجزية علي الرءوس كالانعام ، مع ان الجزية في شريعة القرآن الكريم هي مجرد غرامة تدفعها دولة معتدية مهزومة جزاء عدوانها ، ولا توضع الجزية علي الافراد المساكين في بلاد احتلها العرب وعاملوا اهلها بالظلم والاحتقار . ثم انهم فرضوا الجزية علي الجميع ، حتي الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم ، الا ان عمر يري انه ليس من الارهاق عليه ان يدفع درهما كل شهر .اما الغني والمتوسط الذي يملك ارضا او حانوتا فأنه يدفع خراجا او ضريبة بالاضافة الي الجزية .وهذا بعد ان سلب العرب ثروة البلاد المنقولة واسترقوا افضل من فيها من نساء وذرية ، وقتلوا الشباب الابي الذي حاول الدفاع عن ارضه وعرضه .
والمحصلة النهائية ان الفقراء المعدمين في البلاد المفتوحة كانت تؤخذ منهم الاموال لاثرياء العرب الذين تكدست لديهم الاموال من الغنائم والخراج والجزية . ذلك ان كل كنوز وثروات الفرس والمصريين وثروات وكنوز الروم التي تركوها في الشام ومصر ، كل ذلك سلبه العرب في الفتوحات ، واقتسموه فيما بينهم ، فأصبحوا وقتها اثرى اثرياء العالم ، ومع ذلك لم يتورعوا عن اخذ الجزية حتي من الفقراء المعدمين لتصب في جيوب اولئك الاثرياء المتخمين بالكنوز . وذلك ليس مجرد تخمين ولكنه استنتاج لما جاء في تاريخ ابن سعد عن عمر ، فأبو هريرة جاء لعمر بخمسمائة الف درهم فوزعه علي الناس ، وجاء الي عمر كل من عثمان وابن عباس فأعطاهما مالا كثيرا ، يقول ابن عباس معبرا عن كثرة ذلك المال (اما عثمان فحثا ، واما انا فجثيت لركبتي ) أي كانوا يعبئون المال بكل ما يستطيعون ، وفي موقف اخر يقول ابن عباس ( دعاني عمر بن الخطاب فأتيته فاذا بين يديه نطع عليه الذهب منثور حثا ، قال : هلم فاقسم هذا بين قومك ) وبعث عمر الي ام المؤمنين زينب بنت جحش بكومة ذهب ، فلما رأتها فزعت منها واستترت منها ، ثم القت عليها ثوبا ، وقالت لخادمتها ( اقبضي منه واذهبي به الي بني فلان ، وما زالت توزعه حتي نفذ ) ، واستمر عمر يوزع هذه الكنوز والاموال وهو يقول : لأزيدنهم ما زاد المال ، لأعدنه لهم عدا ، فأن اعياني لأكيلنه لهم كيلا ، فأن اعياني حثوته بغير حساب ) ويقول في موقف اخر ] واني لأرجو ان اكيل لهم المال بالصاع ) : ( الطبقات الكبري لابن سعد 3 / 207 ، 215 :[ 218 ) أي ان الذهب اصبح لديهم اكواما يوزعه عمر كما يوزع القمح والشعير ، بينما يأخذون الجزية والضريبة من فقراء مصر والعراق والشام وفارس ، وهم – أي الفقراء- مستحقون للزكاة اصلا في شريعة الاسلام التي تنهي عن اكتناز الذهب والفضة ، فضلا عن سلبها من اصحابها ظلما وعدوانا .


يتبع ...