تحليل سياسي: مناورة تأجيل الانتخابات دعاية انتخابية



أرض السواد - حمزة الجواهري

hjawahri@hotmail.com

2004-11-28

هل يعقل أن يتفق شعبا ما على كل شيء؟ أريد مثالا واحدا فقط على مسألة قد اتفق عليها شعب ما بالكامل، في أي مكان أو زمان.

السؤال الذي بودي أن أسأله، لماذا يريدون من الشعب العراقي أن يتفق على كل شيء بلا استثناء؟! وهل هناك استثناء للعراقي عن باقي البشر أينما وجدوا؟

الأغرب من ذلك هو أن أي حالة عدم اتفاق بين العراقيين تكون سببا لوضع استنتاجات غريبة عجيبة ما أنزل بها من سلطان!! فمجرد وجود بضعة آلاف من الملثمين يحملون السلاح بوجه العزل من الأبرياء في الفلوجة ومثلث الموت ومدن أخرى لا يزيد عددها على أصابع اليد، نسمع أصواتا دولية وأخرى محلية على أن الأمر يدعوا لتأجيل الانتخابات!! وبدون سبب، يقولون إن إجراء الانتخابات يعني تهميش طائفة مهمة من طوائف العراق!! ويذهب البعض مذهبا أبعد من ذلك فيقول إن إجراء الانتخابات في وقتها يعني تكريسا للطائفية لأن الشيعة سيفوزون في الانتخابات!!! والعجيب حقا هو أنهم يعرفون تماما أن الانتخابات لا تجري على أسس طائفية، وإنما على أساس من نظام انتخابي تم اختياره من قبل الأمم المتحدة، وجاء ضمن قرار مجلس الأمن الذي يحمل الرقم 1546 ، حيث كان الإبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة قد كلف لجنة من الأمم المتحدة كانت ترافقه بزيارته للعراق باختيار النظام المناسب للعراق. بالنسبة للذين يقولون ""إن الوضع الأمني غير مستقر لذا يجب أن تؤجل""، نسأل، من سيضمن أنه سوف يستقر بعد ثلاثة أو ستة أشهر فيما لو تأجلت الانتخابات؟ وهل هذا يعني رضوخا لذلك النفر من الملثمين المسلحين الذين يقتلون الأبرياء؟ إذا كان الأمر كذلك، فهؤلاء سوف لن يلقوا بالسلاح أبدا حتى تتم أبادتهم، أو عودة البعث للسلطة من جديد، فهم وكما يعرف الجميع مجرمين لا يجدون لهم مكانا في العراق الجديد، لأنهم ببساطة غرقوا بدماء الأبرياء قبل وبعد سقوط النظام، وإن من ورائهم أموال طائلة سرقها البعث من الشعب العراقي لكي يستطيع بها تكبيل الشعب وقتله فيما لو لم يقبلوا الابتزاز بقوة السلاح، وهل هناك من يشك بهذا التوجه للبعثيين؟ وهل هذا يعني أن العراق يجب أن لا يجري انتخابات لوجود مثل هؤلاء المجرمين؟! وهل يوجد شعب في أي زمان أو مكان لا يوجد بينه مجرمين؟

أما عن مسألة الخلاف بالرأي فإني قد سمعت أحد المحللين السياسيين يضع حرف دال قبل اسمه على الفضائية العراقية يقول ""إن أجراء الانتخابات يعني طائفية""!!!! إنه حقا ادعاء أغرب من الخيال!! وحقيقة يحتار المرء كيف يجيب على ادعاء غبي كهذا.

أياد علاوي وحركته يودون منذ اليوم الأول تأجيل الانتخابات لأمر بات معروف للقاصي والداني، وهو أنهم يريدون إعادة تأهيل البعث من جديد، ولكن كون علاوي على رأس الحكومة المؤقتة، لذا يترتب عليه أن يؤكد بالقول ""أنه يريد إجراء الانتخابات بوقتها""، فلو قال غير ذلك، فإنه يعني قد تنازل عن المهمة التي منحها له الشعب العراقي ليكون رئيسا للوزراء، حيث المهمة كانت قد تم تحديدها بشيئين فقط، وهما إعادة الأمن وإجراء الانتخابات، فقد فهمنا أن الأمن لم يعود وسوف لن يعود مادام علاوي رئيسا للوزراء، حيث أن علاوي لا يعرف طريقة لعودة الأمن غير تأهيل البعثيين من جديد، فكيف نستطيع أن نفهم أنه يريد إجراء الانتخابات في وقتها الذي وضعته الأمم المتحدة؟ بذات الوقت، لو قال ذلك فعلا، أي إنه يرغب بتأجيل الانتخابات، فهذا يعني أن عليه ترك المهمة لمن هو أقدر عليها فورا.

فرئيس الوزراء الانتقالي دأب على المماطلة والتسويف والتراخي باجتثاث بؤر الجريمة في العراق، وغدا ذلك واضح كما الشمس في رابعة النهار.

أمر علاوي لم يعد خافيا على أحد، لذا رفضت جميع الأحزاب التحالف معه في قائمة انتخابية واحدة، وهكذا وجد نفسه في مأزق على مستويين، الأول على المستوى السياسي، فحركته لم يعد لديها رصيد بين جميع الأطياف العراقية وكل منهم يجد له قائمة يصوت لها، والسبب بذلك هو أنه أصبح مكروها من قبل الطائفيين لأنه ضرب الفلوجة، أما السواد الأعظم من العراقيين قد عرفوا أن مقاصد علاوي النهائية وهي أن يعيد الحياة لحزبه القديم بعد أن رفض نهائيا من قبل العراقيين، وهذا يعني أن ليس هناك من يمنحه صوتا انتخابيا. أما المأزق الثاني فهو مسألة كرامة كنتيجة لرفض شركاء الأمس بالتحالف معه ضمن قائمة انتخابية واحدة، وهذا ما جعله يحس بالإهانة، لذا كان الرد من قبل علاوي هو قلب الطاولة على باقي الأطراف، مستعملا لذلك ثلاثة أسلحة، وهي دفع من لديه رغبة بتأجيل الانتخابات للمطالبة بذلك، والسلاح الثاني هو التفاوض مع البعثيين في الأردن حاضنة الإرهاب الموجه ضد العراق، وقيل لنا أنه يتفاوض مع عراقيين في المهجر وليس بعثيين، أما السلاح الثالث فهو إعلانه التحالف مع 250 حزبا عراقيا وإقامة جبهة أسماها الجبهة الوطنية، فلا ندري كيف استطاع أن يتحالف مع 250 حزبا؟؟؟!!! في حين أن مجموع الكيانات السياسية ومن ضمنها الأحزاب التي يسمح لها بالمشاركة بالانتخابات لا تزيد على 218 كيان سياسي لحد الآن وربما سيكون هو الرقم الأخير!!! هذا الرد من علاوي كان قد رافقه بعض التزوير حيث أن الأحزاب الكوردية لم تشارك بالدعوة لتأجيل الانتخابات، وبالتالي فالأطياف الأوسع من الشعب العراقي مازالت على موقفها من الانتخابات ولم يشاركوا معهم في إطلاق هذه الدعوة.

ولكن لم يفت علاوي التنكر للدعوة كونه رئيس للوزراء، فقد أعلن الناطق الرسمي باسمه من أن رئيس الوزراء يريد إجراء الانتخابات في وقتها، ولكي يحبك المسألة، ترك أحد كوادر حركته يقوم بالمهمة بدلا منه لكي لا تسقط هذه المناورة عنه أحقية البقاء في السلطة.

الباججي الذي يشعر أنه بين مطرقة التعقل وإجراء الانتخابات في وقتها المحدد، وسندان صناديق الانتخابات، فهو يدرك تماما أن الوضع الأمني سوف لن يتحسن بعد ستة أشهر خصوصا لو بقيت السلطة بيد علاوي كرئيس للوزراء، حيث أن الأخير يتراخى بإنهاء حالة الفلتان الأمني من أجل تحقيق هدفه النهائي وهو مصادرة حزب البعث ليكون هو على رأسه بدلا من صدام، وهذه مسألة تحتاج لمزيد من الوقت، وبذات الوقت، العراقيون يعرفون ذلك الهدف، لذا لم ولن يسمحوا بتأجيل الانتخابات ولو ليوم واحد.

وهكذا تزعم الباججي جماعة الدعوة لتأجيل الانتخابات لكي يلقي باللوم على من رفض التأجيل، وبالتالي يستطيع أن ينقذ الأصوات التي تأتي من الطيف السني الرافض حاليا لإجراء الانتخابات، حيث أن رصيده الأكبر سيأتي من تلك المنطقة.

الحزب الإسلامي هو الآخر قد شارك حفلة المطالبة بالتأجيل بالرغم من أنه قد أعلن عن هذا الموقف من قبل، أي وقت اجتياح الفلوجة وضرب معاقل الإرهابيين هناك، ولا ندري ما هو الدافع الحقيقي وراء ذلك الموقف؟ في حين هم يعرفون تماما أن الفلوجة لم يعد فيها سوى الإرهابيين الملثمين ومتاريسهم والأقبية المليئة بالسلاح والعتاد، ذلك الذي وصفه أحد الجنرالات من أنه كاف جدا للسيطرة على العراق كاملا، وأن جميع أهالي الفلوجة قد هجروا بيوتهم إلى أماكن أكثر أمنا خارج المدينة. فهل الموقف كان من أجل الاحتجاج على ضرب بيوت فارغة؟؟ أم الاحتجاج على ضرب الإرهابيين الذين تمترسوا بتلك البيوت بدلا من سكانها الأصليين؟؟؟؟ فهم كما يعرف الحزب الإسلامي، قد أغرقوا العراق بالدماء وأشاعوا الهلع الخوف بين الناس ويهددون بضرب العراق بالكامل!! حقيقة يتجنب الحزب الخوض في هذا الموضوع المحرج له ولمستقبله.

فلو قال الحزب الإسلامي أنهم يقبلون بضرب الفلوجة، فإنهم سيخسرون الكثير من الأصوات الانتخابية، ولو قالوا أنهم يدافعون عن الإرهابيين فتلك هي الطامة الكبرى. لذا كان الأمر بالنسبة لهم حبل إنقاذ بعد أن ألقوا بأنفسهم لوحدهم في محيط متلاطم من المتناقضات.

المشاركة الكوردية جاءت من خلال مبعوث يمثل الحزبين الكورديين الكبيرين مرة واحدة، ولم يوقع المندوب الكوردي على البيان الختامي، فهي أيضا مناورة سياسية بارعة من الكورد لإرسال إشارة لمن لديه اعتراض على كون كركوك محافظة كوردية، فالحزبين كانا قد قبلا بتأجيل مسألة كركوك لما بعد الانتخابات حيث ستكون هناك شرعية كافية لحل المسألة بشكل نهائي وحاسم، وكذا يعرفون قصد رئيس الوزراء من وراء التراخي بضرب معاقل البعثيين واكتفى بالفلوجة تاركا الهاربين منهم يعيثون بالأرض فسادا، وذلك بعد أن فتحوا لهم أكثر من طريق ليهربوا إلى مناطق أخرى ويمارسوا هوايتهم المفضلة بقتل الأبرياء من أبناء الشعب العراقي، ويضعوا بجيوبهم ورقة كتبوا عليها عميل أو جاسوس، بالضبط كما فعلوا مع ملايين الأبرياء الذين قتلوهم أيام حكمهم المقيت.

وهكذا كانت مشاركة الكورد رمزية لمجرد إرضاء رئيس الوزراء الذي يرتبطون معه بعلاقات سياسية ووعود مستقبلية كثيرة، ولا أعتقد أنها تتعدى هذا الأمر.

أما المشاركة الأخرى جاءت من هيئة علماء المسلمين أو واجهات سياسية تمثلهم، فهذه الجهة الوحيدة التي لا تريد للانتخابات أن تجري على الإطلاق لأسباب معروفة، أولا طائفية، حيث أنهم مازالوا يأملون بالحصول على حصة تمثيل بالبرلمان والحكومة أكبر من حجم الطائفة من خلال محاصصة وليس انتخاب، فالانتخاب يعرفون نتائجه مسبقا وسوف لن يعطيهم أكثر من الحق الطبيعي، وهذا ما يرفضوه، وثانيا هو أن الدعوة أساسا تعني ضرب العملية السياسية بالصميم وإفشالها، وهذا ما يناضلون من أجله.

بإختصار موقفهم مبني على أساس إفشال العملية السياسية والحصول على حصة أكبر من حجمهم الحقيقي في العراق.

وأخيرا لم يجرأ أي من الموقعين على الدعوة أن يقدم طلبا رسميا للمفوضية العليا للانتخابات من أجل التأجيل، فهي غير مؤهلة للقيام بهذا الدور، ولم يجدوا أية جهة مسئولة عن التأجيل، حتى الحكومة نفسها، خصوصا أن الأطياف الأوسع من العراقيين ترفض التأجيل.