ناصر الجندي «اشترى» حريّته بمرضه وأطلقه خاطفوه بعدما تقيأ دماً وشقيقه طه أتيح له الفرار لكنه خشي أن تذبحه عصابة اخرى

طرابلس (شمال لبنان) ـ
من مرسال الترس:

السائق ناصر الجندي (30 عاماً) وشقيقه طه (33 عاماً) رويا لـ «الرأي العام» بدورهما قصة الخطف في العراق في مرأب الشاحنات في طرابلس, وتحدث ناصر اولاً فقال: «منذ عامين انقل بضائع الى العراق، ورثت هذه المهنة من والدي, وفي شهر اغسطس الماضي وبينما كنا ننقل مولدات كهرباء الى بغداد لمصلحة شركة «الجبيلي» وقبل وصولنا الى العاصمة بنحو مئة كيلومتر فوجئنا بمجموعة من المسلحين في ثياب مدنية ينقضون علينا ويدخلوننا في قلب الصحراء مهددين بإعدامنا لاننا من «العلوج» ونتعامل مع الاميركيين».

واضاف ناصر الذي يعاني القرحة: «في اليومين الاولين تعرضنا للإهانة والتحقيقات المتتابعة واحياناً الضرب واطلاق النار قربنا، حتى ظننا اننا قاب قوسين من الموت, واضافة الى المعاملة السيئة كانوا يشاركوننا طعامنا الذي خزناه في الشاحنات وكذلك المياه والسجائر, وبعد خمسة ايام على هذه الحال المزرية وبسبب قلة الطعام بدأوا يشفقون عليّ بعدما رأوني اتقيأ دماً بسبب القرحة في معدتي، وقرروا الإفراج عني وعن قاسم المرقباوي الذي كان ينقل العصير».

وعن الاحاديث التي سمعها خلال فترة احتجازه قال: «معظم احاديثهم كانت تتمحور حول تعامل اللبنانيين مع الاميركيين والرغبة في خطفهم لأن وجودهم لم يعد مرغوباً فيه».
وهل كان لدى المسلحين وسائل اتصال؟ اجاب قائلا: «بالتأكيد، لان المجموعة التي احتجزتنا لم ترافقها سيارة، ولكنهم كانوا يجرون الاتصالات بعيداً عن انظارنا، وكانت تأتي من وقت لآخر شاحنات نقل صغيرة فنشاهد وجوهاً جديدة, وكان الخاطفون يقاسموننا المأكل والمشرب وكانوا احياناً يؤمنون لنا السجائر، وبصراحة لم نعد نفكر في الطعام او الشراب، بل في الطريقة التي يمكن ان تخرجنا من تلك الورطة، ففي كل لحظة كنت اتوقع ان يطلق النار على رأسي، وخصوصاً انهم كانوا يعتبروننا مسلمين بالهوية فقط».

واضاف: «بعد الإفراج عنا قاسم المرقباوي وأنا اردنا التوجه الى بغداد ليسلم قاسم حمولة شاحنته فتصدى لنا مسلحون قرب الفلوجة وأعادوا احتجازنا اكثر من اربع وعشرين ساعة ثم نقلونا الى محلة العامرية وأفرجوا عنا».

وهل حاولت عناصر من الشرطة التدخل للإفراج عنكما في اثناء وجودكما في الفلوجة؟
ـ كل عناصر الشرطة بامرتهم، فعلى باب مجلس شورى المشايخ كان يقف ضابط يؤمن الدخول والخروج فيما كانت الشرطة تفتح السير لأي سيارة تحمل مسلحين.
وعن الحالة الراهنة بعد المرحلة الصعبة قال: «نعيش في ضائقة حقيقية وليس معي ما يكفي لتأمين الرزق, عدم السماح لنا بالتوجه الى العراق سبب لنا ازمة كبيرة، لان السفر الى الدول العربية الاخرى دونه ضرائب وإجراءات تستهدف الشاحنات اللبنانية التي تغوص يوماً بعد آخر في الازمات».

وهل هو مستعد للذهاب مجدداً الى العراق؟
يجيب «اذا كان ذلك يؤمن العيش بكرامة لعائلتي واطفالي فأنا مستعد للذهاب الى اي مكان، ولكن اصحاب الشاحنات لا يجازفون مرة اخرى».

الشقيق
ثم تحدث طه عن معاناته بعد افتراقه عن شقيقه ناصر وقاسم المرقباوي: «بعد الإفراج عن ناصر وقاسم طلبوا منا قيادة الشاحنات الثلاث التي بقيت معنا داخل الصحراء فيما كانت امامنا شاحنة نقل صغيرة ووراءنا سيارة ركاب, وكان المسلحون ثمانية يرتدون ثياباً مدنية, وفي احد الايام علقت شاحنة زميلنا خلدون عثمان بالرمال وراح احدهم يهدده بالقول: سأقتلك هنا لأنك فعلت ذلك بالشاحنة, وقد عملنا لساعات بأيدينا من اجل اعادتها الى السير, وبعد نحو اربعة ايام وضعونا في شاحنة صغيرة وقالوا لنا: ستقابلون الشيخ, من دون ان نعرف اسم هذا الشيخ، او المنطقة التي نحن فيها, وبعدما اقتربنا من الطريق شاهدوا سيارات للشرطة فبدأوا بإطلاق النار عليها ثم اعادونا مجدداً الى المنطقة التي كانت فيها الشاحنات».

واضاف: «حاولت الشرطة اللحاق بهم من دون جدوى ومع عودتنا الى الشاحنات طلبوا منا مجدداً قيادتها داخل الصحراء لنحو 250 كيلومتراً من دون توقف وفي شكل متعرج, وكان داخل كل شاحنة احد المسلحين يصوب السلاح الى رؤوسنا ويوجه الينا الاوامر التي لا نفهمها احياناً لانه يتكلم بالعامية التي يصعب فهمها».

واضاف: «بعد معاناة السير في الصحراء من دون هوادة لأيام عدة، وفي اليوم الخامس عشر لخطفنا كما اعتقد، ساروا بنا الى الطريق مجدداً حتى وصلنا الى قرابة الاربعين كيلومتراً منها، ثم اجبرونا على ترك الشاحنات في مكانها ووضعوا كلاً منا في سيارة صغيرة وتوجهوا بنا الى منطقة الرمادي التي ما ان دخلنا في محيطها حتى وضعوا شرائط سوداء على عيوننا لئلا نعرف اين نحن وقالوا لنا:

الآن سنتوجه بكم الى الفلوجة, وسرنا نحو مئة كيلومتر ثم ادخلوني غرفة ونزعوا الشريطة عن عيني فوجدت زميليّ عثمان وعيسى, وأخضعونا مجدداً لتحقيقات مكثفة تتناول التعامل مع الاميركيين، وبقينا على هذه الحال اربعة ايام، ولكنهم كانوا يؤمنون لنا المياه والطعام في شكل دوري، فصباحاً يقدمون علبة «قشطة» مع فنجان شاي وقطعتين من الخبز، وظهراً الكبسة (اللحم مع الارز) ومساء فول او فاصولياء, وكانوا احياناً يتناولون الطعام معنا, ومنذ ذلك الحين لم نعد نرى المسلحين الذين خطفونا في البداية».

وهل فكروا في الهرب؟
اجاب: «بعد وضعنا في ذلك المنزل كنا نسمع أصواتاً قريبة، ومرة اردت قضاء حاجتي فأخرجوني وقالوا لي: الحمام في باحة الدار والباب مفتوح، واذا اردت الهرب قد يقبض آخرون عليك ويذبحونك على الفور، ولذلك قررنا عدم التفكير في الهرب».

فتوى بعدم القتل
واضاف طه الجندي: «بعد تلك الايام الاربعة ابلغوننا انه صدرت فتوى بعدم قتلنا، ولكنهم يريدون ان يتأكدوا ان المولدات التي ننقلها في شاحناتنا لن تصل للاميركيين فزودناهم عنوان الشركة في بغداد، ولكنهم قالوا لنا في اليوم التالي انهم لم يجدوا احداً في الشركة التي سحبت موظفيها واقفلت مكاتبها».

وقال طه: «مرة كرر احد المسلحين سؤالي اذا كنت مسلماً سنياً فقلت له: نعم، فطلب مني ان اؤدي الصلاة امامه ففعلت فقال لي: جيد، انت مسلم سني, وطلب من خلدون واسامة ان يؤديا الصلاة فلم يفلحا لانهما في الاصل لا يصليان فانصرف الى تعليمهما».

وتابع: «بعد نحو ستة او سبعة ايام احضروا عراقياً قالوا امامنا انه يتعامل مع الاميركيين، واحتجزوه في غرفة مجاورة وبدأوا بالتحقيق معه وضربه وكنا نسمع صراخه بوضوح, واستمروا في التحقيق معه وتعذيبه ثلاثة ايام، وكان يسمي اشخاصاً يتعاون معهم فيرسلون في طلبهم ليتأكدوا من كلامه, كل ذلك كنا نسمعه، وبعد ثلاثة ايام سمعنا اصوات طلقات نارية وعلمنا لاحقاً انهم اعدموه رمياً بالرصاص، وقد سمحوا لنا بمشاهدة إعدامه عبر كاميرا تلفزيونية لكي نعلم نتيجة التعامل مع الاميركيين, وبعد نحو سبعة عشر يوماً على افتراقنا عن ناصر وقاسم قالوا لنا:

صدرت فتوى بالإفراج عنكم، والاشخاص الذين احتجزوكم في بداية الامر ليسوا في المقاومة، ونحن الآن نتحاور معهم من اجل ان يفرجوا عن شاحناتكم, وعندما سألناهم عن حمولة الشاحنات قالوا لنا: لا دخل لكم بالحمولة وما عليكم إلا النجاة بأنفسكم, وحاولنا اقناعهم بتسليمنا المولدات لان الشركة في لبنان قد لا تصدقنا وتتهمنا بأننا بعناها فقالوا لنا: لقد شاهدوكم محتجزين عبر محطات التلفزيون وهذا دليل على براءتكم».

وفي اليوم التالي اعادونا الى المنطقة التي خطفنا منها وانزلونا قرب مقر للشرطة حيث شاهدنا الشاحنات متوقفة بدون حمولة, وعندها دخلنا مقر الشرطة لنتسلم الشاحنات، اشترطوا علينا ان ندفع 15 الف دينار (17 دولاراً) عن كل شاحنة، وفوجئنا بالشخص الذي اشرف على خطفنا في البداية جالساً في مقر الشرطة بلباس مدني، وقال للمسؤول عن المركز: هؤلاء خطفناهم قبل ثلاثة اسابيع، وطلب منه ان ينهي لنا اوراقنا ويسلمنا الشاحنات، وبعدما وقعّنا الاوراق اللازمة توجهنا نحو الحدود العراقية ـ السورية ووصلنا ليلاً».

اما السائق اللبناني الرابع في المجموعة خلدون عثمان فلم يشأ الإدلاء بأي معلومات عن ظروف احتجازه.

http://www.alraialaam.com/29-11-2004...iaamforyou.htm