العريس انطوان انطون الذي انتزعه اسلاميون من عقر مصنعه في بغداد ونفوه 10 ايام في الصحراء

«ما زلت اعيش حالات الخوف والرعب التي رافقتني طوال فترة خطفي في العراق رغم مرور ثلاثة اشهر على تلك الايام الـ 11 العصيبة، وظروفي المادية تدفعني جدياً للتفكير في السفر», بهذه الكلمات لخص رجل الاعمال اللبناني الشاب انطوان روبير انطون (مواليد 1975، القبيات شمال لبنان) الحال التي يعيشها والظروف التي رافقت خطفه والخوف الذي انتابه حتى قُدّر له ان يعود الى اهله ويتزوج خطيبته نانسي سبع فرنسيس في سبتمبر الماضي، ويستقر في مسقطه في لبنان بعدما خسر نحو اربعمئة الف دولار في العراق توزعت بين فدية لإطلاقه وثمن لآلات معمل الاجبان الذي كان يملكه في العراق.

«الرأي العام» التقته فبدا قلقاً على المستقبل، وكشف انه يسعى الى السفر الى اي بلد من اجل اعادة رسم مستقبله.
«العريس الجديد» روى حكاية الايام الصعبة والمرعبة التي عاشها، مبدياً اسفه لما آل اليه الوضع في العراق الذي يحفظ الودّ للعديد من ابنائه الذين التقاهم، وعمل معهم ثلاثة اعوام, فهل لا يزال يعيش الجو الضاغط والمخيف الذي كابده خلال فترة احتجازه؟ يقول: «جو الرعب الذي عشته في تلك الفترة انتهيت منه نسبياً، ولكن الآن هناك جو اقسى من الاول هو التفكير في كيفية البدء مجدداً, فتلك الايام العصيبة مرت كحلم مزعج بقيت اثاره بعض الوقت، اما الان فبدأت اشعرت بآثار هذه الازمة على الصعيدين المادي والمعنوي».

الخطف
يستذكر تفاصيل خطفه كالآتي: «قرابة الثامنة والنصف مساء الجمعة 30/7/2004 كنت استحم في مكتبي في مصنع الاجبان والالبان الذي املكه مع بعض الشركاء في محلة اليوسفية في العاصمة بغداد, وسمعت ضوضاء في الخارج فاستطلعت الامر من النافذة المجاورة فشاهدت سيارتين عليهما علامات الشرطة العراقية وعناصر ترتدي ثياب الشرطة وتسعى الى فتح البوابة الرئيسية للمصنع، فاستغربت وتساءلت عن السبب! وبعد فتح البوابة عنوة دخلت السيارتان فيما بقيت ست سيارات مدنية في داخلها مسلحون خارجاً, وقدّرت المجموعة بنحو خمسة وعشرين شخصاً بينهم نحو عشرة يرتدون بزات الشرطة، توجهوا فوراً الى مكتبي وكأنهم يعرفون المصنع جيداً وقبضوا عليّ واخرجوني في ملابسي الداخلية، واجبروني على الجلوس ارضاً,

وكانوا يهددون بالسلاح العمال الموجودين في المصنع ثم وضعوا الاصفاد في يدي ووضعوني في صندوق احدى السيارتين وانطلقوا بي لساعات, وعندما وصلنا الى المكان المحدد انزلت من صندوق السيارة واكتشفت ان سائق شاحنة سورياً كان يفترض ان ينقل بعض انتاج المصنع الى لبنان خطف معي، وقد افرج عنه قبلي بيوم واحد من دون ان اعرف اسمه، لان مجموعة من السائقين السوريين كانوا يقصدوننا في شكل دوري لسؤالنا هل لدينا بضائع لشحنها خارج العراق».

ويتابع انه في اليوم التالي لخطفه بدأ التحقيق معه قرابة الثانية عشرة ظهراً، واستمر متواصلاً لنحو تسع ساعات مع استبدال محقق بآخر.
وعن لهجة المحققين يقول: «انطلاقاً من معرفتي اللهجات العراقية واتصالي بعدد لا بأس به من فاعليات المجتمع، استطيع التأكيد ان لهجات المحققين كانت كلها عراقية مئة في المئة, واستمرت التحقيقات على هذا النحو ثلاثة ايام متتالية، ومحورها امكان تعاملي مع الاميركيين».

وعن حيثيات هذه التهمة يقول: «لا صحة لها اطلاقاً وإلاّ لما تم الافراج عني, انا لم اتعاط التجارة وأعمل في العراق منذ ثلاثة اعوام، وقبل ان يأتي الاميركيون اليه، مع الاشارة الى انه لم تكن لدي اي مشكلة مع العهد السابق علماً انني لم اكن من مؤيديه».
وهل اسباب الخطف مالية ام طائفية؟

يجيب: «انها مالية اكثر من اي امر اخر، فأنا لم اخطف لان اسمي انطوان وانتمي الى طائفة مسيحية، بل لان لدي ارتباطات وثيقة في المنطقة التي اعمل فيها بكل العشائر الاسلامية، اذ كنا نلتقي على محبة الله وتجمعنا مودة متبادلة, لدى العشائر احترام كبير لكل الطوائف، والكل يعلم ان النسيج الاجتماعي العراقي يضم مختلف المسلمين والمسيحيين، ولذلك فقد خطفني «الجيش الاسلامي في العراق» بعد معلومات تلقاها انني اتعامل مع قوات الاحتلال, ولاحقاً، تدخلت مجموعة للتوسط من اجل الافراج عني، وقالت ان هناك مطلباً مالياً، وقد قدرت خسارتي في العراق بنحو اربعمئة الف دولار توزعت بين الفدية وثمن الآلات داخل المصنع والانتاج الذي كان جاهزاً للتصدير او البيع في السوق العراقية».

ضغوط نفسية
وهل تعرض للضرب في اثناء التحقيق؟ يرد قائلا: «لم اتعرض لأي ضرب او اذية، ولكن كانت هناك ضغوط نفسية وفكرية مرهقة ومؤلمة نتيجة تكرار الاسئلة ودورانها في حلقة مفرغة», ويضيف: «بعد انتهاء التحقيقات سارت الامور في شكل مقبول، وتحولت حالاً من الانتظار المقلق».وهل تبلغ اي تهديد قبل خطفه؟ يقول: «لم اتبلغ اي تهديد، وانما كانت هناك اشارات وشائعات عديدة في المنطقة، ولعل عمل بعض اللبنانيين في الشركات التي كانت تؤمن البيوت الجاهزة للجيش الاميركي وجه الانظار اليهم».

وعن اشارته الى ان العناصر المسلحة دخلت مكتبه فوراً، وهل يعني ذلك ان ثمة تواطؤاً مع بعض العمال في المصنع؟ يجيب: «لا شك في ان الامر كان مدروساً، وربما حصل ذلك بالتنسيق مع بعض العمال او انهم زرعوا عمالاً محددين لجمع المعلومات، لان التحقيقات التي اجروها معي اظهرت ان لديهم تفاصيل دقيقة عني».

وهل لمس تعصباً دينياً لدى خاطفيه؟ يقول: «بالتأكيد، تعرضت باستمرار للشتائم والكلمات النابية خلال فترة التحقيق، وبعد ذلك تحسنت الظروف حتى في تقديم الطعام اليّ رغم انني كنت موجوداً في مكان ناءٍ في الصحراء».

وعن الطريقة التي تم الافراج عنه فيها يقول: «الاثنين 9/8/2004 وضعوني في صندوق سيارة، بعد نحو ساعتين ونصف ساعة وتركوني الى جانب احدى الطرق في الصحراء واضطررت الى السير نحو خمس ساعات للوصول الى طريق اخرى حيث اقلني صهريج للمحروقات الى اقرب منطقة سكنية في الفلوجة (محافظة الانبار)، ومن هناك توجهت الى منزل صديق عراقي استضافني بعض الوقت وقدم اليّ الملابس والطعام, واجريت من عنده اتصالاً بأهلي في لبنان وطمأنتهم الى الافراج عني، ثم اتصلت ببعض الاصدقاء في بغداد الذين وافوني الى الفلوجة واصطحبوني الى العاصمة العراقية حيث اتصلت بالسفارة اللبنانية».
وعما اذا كان الخاطفون اخبروه بأي شيء خلال فترة احتجازه؟

يقول: «اخبروني بأن اهلي يناشدون الافراج عني عبر التلفزيون، وسألوني تكراراً عمّا اعني للدولة اللبنانية لان وزير الخارجية آنذاك (جان عبيد) طالب بالافراج عني, كما نقلوا اليَّ مقتطفات من المناشدات التي وجهت من ممثلين لجميع الطوائف اللبنانية».

وهل تخطى مرحلة الخطف بعد ثلاثة اشهر على الفترة الصعيبة؟ عن هذا السؤال يجيب «احاول ان اتخطى تلك الامور، ولكن ليس سهلاً إلغاؤها، وهذا صعب جداً على الصعيد النفسي, لا استطيع ان انسى لحظات الخوف وخصوصاً التهديد بالقتل، ولكنني احاول الا ادعها تسيطر عليّ، ولكنني احلم احياناً بأنني اتعرض للتهديد ويعود المشهد نفسه وأشعر للحظات بانني ما زلت في العراق».

وعن العودة الى العراق وهل يفكر في استئناف اعماله هناك يقول: «بعدما خسرت كل شيء في العراق صرفت النظر نهائياً عن هذه الفكرة, وافكر حالياً في الهجرة الى اي بلد غربي, الامور اقفلت بوجهي في لبنان والمصنع الذي املكه في القبيات لا يكفي لتحمل مسؤوليات العائلة نظراً للظروف المعيشية والاقتصادية الضاغطة».

http://www.alraialaam.com/28-11-2004...iaamforyou.htm