لم يكن علي بن أبي طالب عدوا لعمر بن الخطاب ، وكذلك لم يكن عمر عدوا لعلي ، كان يجمعهما الدين الواحد والمجتمع الواحد والهم الواحد ، كانت آمالهما واحدة وحركاتهم بنسق واحد أيضا ، وقلما تجد شخصيتان بذلك التقارب في التفكير والعمل في التاريخ الإسلامي المبكر كالتشابه بين عمر وعلي .


كان علي قريبا من عمر كما أراد وكما أراد لذلك عمر ، فأشار عليه ونصحه ونهض بواجبه أمام خليفة المسلمين حتى أنه وقف أمام عمر ليقضي بينه وبين خصمه ، وما كان عمر ليقل دوره لو أن عليا كان هو الخليفة ، فمما لا ريب فيه بأنه سينهض بذات الواجب الذي نهض به علي عندما كان عمر هو الخليفة ، وهذا المبدأ والتقارب في الرؤى لم يغب عن الحسين بن علي حين ناظر عبد الله بن عمر في أمر خروجه على يزيد بن معاوية فيروى أن الحسين حين رأى تقاعس ابن عمر قال له : " فو الذي بعث جدي محمدا بشيرا ونذيرا لو أن أباك عمر بن الخطاب أدرك زماني لنصرني كنصرته جدي ... " .


عاش عمر وعلي معه ، ورحل عمر وعلي يثني عليه ، ولم يكن علي مجاملا أو منافقا أو متربصا أو متقيا لأمر كما فسر بعض الذين في قلوبهم مرض للعلاقة التي جمعته بعمر ، ولست أدافع عن عمر أو أبرر سلوكيات علي فهما أكبر من كل ذلك فكانا نعم الغرس من يد رسولهم محمد " ص " ، اللذان اشتركا معه في محنه وفتوحاته واشتركا معا في خلافته ، فكانا أنموذجان للتربية وللحكم .


ومهما ينهض به البعض لوصف عمر وعلي بأنهما جاران لا يحترما حق الجوار بينهما ومنافستهما الدائمة على الخلافة والغيبة التي تصدر من هذا وذاك ، انطلاقا من عقد طائفية ونفسية واجتماعية وسياسية واقتصادية ، إلا أنهم لم يزدادوا فيما بينهم إلا خبالا ويذهبون جفاء ويمكث عمر وعلي معه في الأرض كأعدل من حكم وخلف .


لله در عمر ، ولله در علي ، وهم يشتمان من فوق المنابر ويلعنان ويزدادان شموخا وبقاء ، ما كان علي ليحفل إذا سمع من يشتمه ولربما يوقفه ويصافحه ويستغفر له ، فعلي يفرق بين ما يريدهم لله وبين ما يريدونه لأنفسهم ، وعلي لا يجهل أن من يسفه نفسه باللعن لا يخاطب إلا بسلام الترك والتوديع ، وكذلك عمر إذا ما سمع من أموية الشيعة من يشتمه فلن يرفع في وجهه درته التي أنصفت المظلوم من الظالم لأنه تلميذ محمد القائل : " يا رب إن لم يكن بك علي غضب ، فلا أبالي " وإذا ما رفعها فلا يرفعها إلا دفاعا عن اسم علي ممن أساء حمله .


هو عمر خليفة المسلمين وإن كتبوا في كتيباتهم بأنه منافق ، فقد قيل في علي مثل ذلك " قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم " وإن كان من السفاهة أن يكتب ذلك ممن لا قيمة له بإزاء من هو أقل من عمر بن الخطاب .


عندما لا تكون صادقا ، يسهل عليك قول أي شيء وكتابة أي شيء ولكن ليست المشكلة في أن يكون ذلك الإنسان كاذبا ، المشكلة أن يصدقه الناس والمصيبة أن يدافعوا عن كذبه ، إذا سألت من يكذب لماذا تكذب ؟ بلا شك سيدافع عن أقواله ويبرر ويجعل الشبهات عذرا لسقطاته ، وبلا شك سيتحمل وزر ذلك ، فمن يحاسبه يوم القيامة أعلم بما نفسه عمن يسأله في الدنيا .


لا تستطيع أن تحارب الكذابين أو تقضي عليهم لأن الكذب خلق وإن كان سيئا فلا بد أن تجد من يحمله في طبائع البشر ، ولكن تستطيع أن تحمي نفسك من الإنجرار خلفهم وذلك بالتحقق من أقوالهم وكتاباتهم كما أمرنا الله سبحانه وتعالى .