الحل عندي .. وكل هذه الهجومات ترقيع لا يُجدي


أرض السواد - طاهر الخزاعي

12 - 11 - 2004

لقد إنتهت مرحلة الحرب على العراق وما سبقها من مواقف بين مؤيد غالٍ للحرب واسقاط النظام عن طريق الحرب والغزو والاحتلال وبين مبغض قالٍ للغزو والاحتلال كأسلوب وحيد لإسقاط النظام البعثي الهمجي .. وحدث الذي حدث وطويت صفحة ما قبل التاسع من نيسان 2003 وأضحى من غير المجدي الجدل في حدث صار تاريخا وممارسة التراشق بالكلمات والتمنطق بها للإجابة على سؤال ( هل ما جرى احتلال أم تحرير ؟ ) .. يحلو للبعض أن يسميه تحريرا جملة وتفصيلاً , كما نرى فريقا آخر يسميه احتلالا جملة وتفصيلاً .. ومن الغريب جداً أن تجد البعض يصرُ على وصف التحرير رغم ان المؤسسة الدولية أضفت صفة الاحتلال بشكل رسمي على ما جرى في العراق ! , بل الادارة الامريكية نفسها مارست سلطة الاحتلال في العراق وفقا للقوانين الدولية بهذا الشأن .. ولتحري الموضوعية والدقة - بما يتناسب والوضع العراقي - يمكن القول بأن ما جرى في العراق هو احتلال بكل مفاصله باستثناء مفردة سقوط تمثال الصنم في ساحة الفردوس والعثور على صاحبه في الحفرة التي دخلت التاريخ من أنتن بواباته !! .. نعم كان صدام وأزلامه لا يختلفون عن اي محتل للبلد سوى أنهم يحملون الجنسية العراقية وشردوا الملايين من ابناء الشعب وصادروا ممتلكاتهم ودفنوا الآلاف في المقابر ونزوا على كل خيراته وبذروها في كل شيء سوى مصلحة الشعب العراقي , وهذه أجندة لا تختلف عن أجندة المحتل .. نعم تحرر الشعب العراقي وتخلص من صدام وبعض أزلامه لأن هذا الشعب لفظهم منذ أمد بعيد بلغ ذروته في انتفاضة شعبان 1991 ..

تلك حقبة - ما قبل السقوط - قد مضت ولكن الأمر المهم هو تداعيات وتأثيرات ما بعد السقوط .. وبنظرة فاحصة يجد المرء أن انعدام الحرية والاضطهاد والجوع والظلم والحروب المتعاقبة في زمن صدام يعود بالنتيجة لمفردة واحدة مفادها أن العراقي غير آمن على حياته في غابة وحوش البعث .. ومن هنا فقد تطلع الشعب العراقي وعمل طيلة العقود الثلاثة المنصرمة للخلاص من الطغاة والعيش بحرية واستقرار وأمان الا أن ماكنة الارهاب البعثي وامدادات أمريكا وغير أمريكا من العرب والعجم لتلك الماكنة حالت دون تحقيق الشعب لهدفه والقصاص من جلاده الأكبر وحزبه الأشر .. ومن المُفترض - حسب نظرية التحرير - أن ينعم الشعب العراقي بالأمن والاستقرار بعد زوال النظام كأول إنجاز وأوحد انجاز لايجابيات الاحتلال , الا أن الذي جرى ويجري - وسيجري بالتأكيد - هو فقدان الأمن والاستقرار مرة أخرى بل أصبحت حياة العراقيين في خطر أكثر من ذي قبل , ولا أعتقد ان أحدا يختلف في ذلك .. فماهي الاسباب وماهو الحل ؟!

الاسباب عديدة وقد اشترك في ايجادها صدام وأمريكا معا , ومنها :

1 - قرار العفو الذي أصدره صدام قبيل بدء الحرب عن المجرمين المحكومين في سجونه وأقل التقديرات تصل الى عشرة آلاف مجرم محترف .. وكان قرار العفو واضح في هدفه وهو إغراق البلد في موجة السلب والنهب والقتل لإشاعة روح الخوف بين أوساط الناس وهذا ما يجري في جانب من جوانب لوحة الفوضى في العراق , وهاهي العصابات المنظمة تعيث في أرض السواد فسادا ! .. ومن المرجح جداً أن يكون النظام قد نظَّم هؤلاء على شكل عصابات ومارس معهم اسلوب الترهيب والترغيب لإداء هذا الدور في مرحلة مابعد السقوط .

2 - آلاف من المتطوعين العرب الذي دخلوا العراق قبل الحرب للدفاع عن صدام والبعث , وهؤلاء بين مؤدلج بعثي وآخر وهابي .

3 - التنسيق البعثي الوهابي الذي تعود جذوره الى أيام الحملة الايمانية التي اطلقها صدام بُعيد فشل انتفاضة الشعب في مطلع التسعينيات مما سهل في جني ثمرة مطعمة من البعث والفكر التكفيري التقت اغصانها على بركة العنف والقتل والارهاب .

4 - غض الطرف من قبل قوات الاحتلال عن الحدود العراقية المترامية الأطراف والسماح - بشكل غير مباشر ظاهرا - لوفود انتحارية تؤمن بحديث تكفيري ( الجنة وسط أشلاء العراقيين ) ! .. حتى تمكن هؤلاء من توطيد قدم نجسة لهم في أرض العراق الطاهرة .

5 - حل وزارات الدفاع والداخلية في غير وقته مما أدى الى اختفاء الكثير من مخازن الاسلحة والمستودعات التي لا يعرف أماكنها سوى كبار منتسبي هذه الوزارات , وبالتالي استخدموها لقتل ابناء الشعب العراقي .

6 - عدم تطبيق قانون الطورايء منذ اليوم الأول لسقوط النظام .

7 - وسبب الاسباب وأهمها قاطبة هو ترك حبل البعثيين على غاربه ! .. هذا هو السبب الأساس الذي سيأتي الحل من خلاله , ويحتاج الى قليل من الاسهاب ..


غالبية العراقيين توسموا خيرا في قرار اجتثاث البعث والبعثيين لأنهم ببساطة ضحايا هذا الحزب واعضائه , والأهم من هذا كله لان البعثيين قومٌ مردوا على القتل والتدمير والإرهاب .. وهؤلاء طبقوا نظريات حزبهم فيما يُسمى بالعنف الثوري أرقى صور التطبيق وهم أصحاب نظريات الأرض المحروقة والمقابر الجماعية و ( ياحوم اتبع لو جرينه ) , ولم تبق موبقة من موبقات الجلادين في التاريخ لم يمارسها بعثيو العراق بحق العراقيين وهم في السلطة كحزب أوحد فكيف وقد حان وقت ( وتلك الايام نداولها بين الناس ) ؟! .. ولقد أوجس البعثيون خيفة ودسوا رؤوسهم بين أرجلهم في الايام وحتى الاشهر الأولى من زوال نعمتهم , ينتظرون عقاباً عادلاً لما اقترفت أيديهم المتدرنة من كثرة مسك السياط المنقعة بدماء أبناء العراق ! .. ولكن الهدية الكبرى التي قدمها بريمر لهم بتجميد قرار اجتثاثهم وعودتهم والعفو الواقعي عنهم ! وقد قيل ( من أمن العقوبة أساء الأدب ) ولا توجد مفردها اسمها أدب أو اتعاظ أو مصالحة في قاموس البعث ! .. ومن هنا ولأنهم يدركون أن الشعب لن يغفر لهم حالما يستقر العراق ويديره ابناؤه أعادوا خلاياهم واستلموا الأوامر ويد العون من بعض دول الجوار فضلاً عن امتلاكهم للمال والسلاح , والتنسيق مع وهابية الداخل والخارج ليطلقوا شرارة الفوضى وخلط كل الأوراق في العراق , لأنهم يعرفون جيدا ان الاستقرار في العراق يعني التفرد لهم والعكس صحيح فكان أسلم الحلول لهم أن يعيش العراق في دوامة العنف لضمان حياتهم وللمساومة من أجل الولوج مرة أخرى في حكم العراق وتحت أية مسميات ! , ومما يُسهل عليهم المهمة دخلوهم في مفاصل الدولة من جديد , في وزاراتها وأهم مؤسساتها التي تُعنى بأمن البلد , وهذه لعمري لطامة كبرى ! .. ساعدهم في ذلك أيضا حُلفاء الأمس - كالحزب الاسلامي العراقي - ورفاق الأمس ممن تربوا على (نضال البعث) و ( بعثٌ تشيدهُ الجماجمُ والدمُ ) ! ورجالات المخابرات والاستخبارات في عهد قريب وأدخلتهم تداعيات وتأثيرات نتائج الحرب في المحاصصات .. فرفعوا من أجل رفاقهم شعار المصالحة الوطنية !! .

هؤلاء هم البعثيون , وهذا هو ديدنهم , وتنسيقهم مع وهابية البعث واضح جلي ! وقد قيل ايضا ( الأثر يدل على المؤثر ) وكل الآثار بعثية البصمات . حتى أولئك الذين وفدوا من خارج العراق ما كان لهم أن يفخخوا سيارة واحدة في أشلاء العراقيين لولا احتضان البعثيين لهم .. هذا هو اُس القضية الأمنية في العراق اليوم ولا شيء سواه , ولا عجب ولا استغراب , ولا أمن ولا استقرار حتى لو محوتم الفلوجة من الوجود , وإن قذفتم الرمادي خارج العراق أو حوطتم طريق اللطيفية - بغداد بأسلاك شائكة ! , إنهم يعملون وينفذون مخططهم في كل العراق وستتسع الرقعة ! ستكون الموصل تالية وبيجي وديالى وكركوك وسامراء مرات وتعود الكرة للفلوجة وكل مدينة في العراق .. الفارق الوحيد هو أن مدن الجنوب أقل فسحة لهم في ممارسة ارهابهم بشكل كبير لسبب لا يخفى على ذي لب .

كيف السبيل اذاً الى الخلاص من دوامة العنف هذه والتي تطال الابرياء العراقيين في مشهد جماجمي دموي بشكل يومي ؟

هل يأتي الحل من أمريكا وقواتها ؟ يرى البعض الجواب بالايجاب لما تملكه أمريكا من ماكنة عسكرية هائلة في العراق تكاد تكون الوحيدة القادرة على القضاء على بؤر الارهاب .. وهذا الحل يحمل اشكاليته في داخله , ذلك لأن البؤر هذه لن تنتهي وخاصة اسلوب التفخيخ والعبوات الناسفة والخطف وكل اساليب العصابات المنظمة ! .. اضف الى ذلك ستراتيجية أمريكا المعلنة في تحويل العراق الى ساحة للحرب ضد الارهاب ورفضها حتى اللحظة وضع أي جدول زمني للانسحاب من العراق مما يعني أنها تُخطط للبقاء طويلاً وأفضل الذرائع لتحقيق ذلك استمرار الوضع الأمين المتردي في العراق .. ولعل من اهم سلبيات الاسلوب الامريكي في القضاء على البؤر المتوترة خلق اعداء جدد وتعاطف مع الارهابيين لما توقعه القوات الامريكية من ضحايا أبرياء نتيجة الاجتياحات والقصف العشوائي ! .

ماهو الحل الأنجع ؟

اجراء جرد في كل مدن العراق - وهذا أسهل ما يكون - بأسماء كل اعضاء حزب البعث ومنتسبي أجهزة الأمن والمخابرات الصدامية باعتبارهم أدوات النظام القمعي الإجرامي .. ثم اعلان بيان وتحديد مدة اقصاها عشرة أيام لتسليم أنفسهم لمراكز تُعد خصيصاً لذلك .. وايداع كل هؤلاء في السجون وتعقب من لا يسلم نفسه , ليمثل هؤلاء جميعا في محاكم عادلة بعد انتخابات الجمعية الوطنية وسن القانون الدائم والتصويت عليه من قبل الشعب .

مالم يوضع البعثيون في أقفاص الحجر في هذه المرحلة لم يهدأ العراق .. والا فمن غير المعقول أن يعيش الشعب العراقي الرعب والخوف والهلع والقتل في الوقت الذي ينعم فيه البعثيون وحدهم بالأمن والحرية في العراق وهم مصنع رئيس من مصانع الارهاب ! .