العلاقات المصرية - الإيرانية وصخرة سيزيف



د. أحمد راسم النفيس



في ديسمبر من العام 2003 عقد لقاء بين الرئيس الإيراني محمد خاتمي والرئيس المصري المخلوع حسني مبارك أعلن على أثره أن البلدين عقدا العزم على استعادة العلاقات السياسية الكاملة بينهما.
تزامنا مع هذا الإعلان كان هناك إعلان آخر من قبل أجهزة الأمن المصرية عن القبض على (تنظيم شيعي) في محافظة البحر الأحمر يهدف إلى الترويج للمذهب الشيعي الذي يزدري الأديان.. إلى آخر لائحة الاتهامات التي اعتادت تلك الأجهزة على توجيهها لكل من اعتمد منهج أهل البيت (عليهم السلام).
الآن وفي أعقاب تصاعد المدّ الشعبي الداعي لاستعادة العلاقات المقطوعة بين البلدين منذ ثلاثة عقود من الزمان عادت «حليمة لعادتها القديمة» من خلال الإعلان عن القبض على دبلوماسي إيراني بتهمة التجسس.
تضاربت الأخبار حول تفاصيل الواقعة حيث ذكر وزير الأمن الإيراني أن السلطات المصرية ألقت القبض على الدبلوماسي المذكور عن طريق الخطأ وأنها قدمت اعتذاراً، وأن الدبلوماسي يواصل القيام بمهامه، في حين نُقل عن الطرف المصري أن الدبلوماسي المذكور سيجري ترحيله مراعاة للاعتبارات الدبلوماسية.
في نفس الوقت كان وزير العدل المصري يعلن عن مفاجأة (سارة) للرأي العام مفادها أن إسرائيل تسعى لإحداث الفتن وإشاعة الفوضى في البلاد، مؤكدا أن تل أبيب قلقة من المصالحة الفلسطينية التي تمت بوساطة مصرية ولذلك تريد القضاء على الثورة المصرية. وأوضح «الجندي»، في حديث نقلته صحيفة «الوفد»، أن إسرائيل تريد هدم الثورة المصرية كما تسعى الآن إلى تدمير المجتمع وتزعزع أمنه عن طريق «البلطجية» الذين يحصلون على الأموال من تل أبيب.
طبعا من الواضح أن القواعد التي تنطبق على الدبلوماسي الإيراني من الإعلان الفوري عن إلقاء القبض عليه وتداول اسمه في وسائل الإعلام لا تنطبق على جواسيس إسرائيل أو غيرها من الدول التي تتدخل وتنفق المليارات وتحرض شبكاتها المليونية على إثارة القلاقل والفتن الطائفية من أجل فرض إرادتها على مجمل الساحة المصرية السياسية في مصر ما بعد ثورة 25 يناير.
من الواضح أيضاً أن إسرائيل ومعها قوى إقليمية ليست قلقة من المصالحة الفلسطينية وحسب، بل من ظهور قوى سياسية يمكن لها «خربطة» المعادلة السياسية في مصر لغير صالح تلك القوى التي تم تدجينها!!.
القواعد التي طبقت على الدبلوماسي الإيراني لا تنطبق أيضاً وبكل تأكيد لا على الاتحاد الأوروبي الذي ينفق مئات الملايين من الدولارات جهاراً نهاراً على تأسيس أحزاب موالية للغرب تؤمن بما يسمى بالليبرالية ديناً ومنهجاً وصراطاً مستقيما، ولا تنطبق أيضاً على الولايات المتحدة الأميركية التي أعلنت على الملأ رصدها لمئات الملايين من الدولارات من أجل دعم ما يسمى بالديمقراطية على الطريقة الأميركية بالطبع!!.
السؤال هو: هل يبقى مسار استعادة العلاقات الطبيعية بين مصر وإيران على المسار السيزيفي كلما أوشك هذا «السيزيف» المنهك على إيصال الصخرة إلى أعلى الجبل إذا بطالع يطلع لينسف هذا الجهد ويعيد الأمور إلى نقطة الصفر؟!.
في ظننا وفي ضوء ما تسرب من تهم للدبلوماسي الإيراني (من أنه كثّف نشاطه الاستخباراتي للتعرف على موقف الشيعة والوقوف على مشاكلهم وأوضاعهم في مصر). إن الأمر يتعلق برغبة البعض في إبقاء المعادلة السياسية في مصر حكرا على فريق بعينه.