هل صحيح أن النبي كان يضيق ذرعاً بالشعراء؟

ربما وهذا الضيق عائد إلى مسلكية هؤلاء الشعراء في مجتمعهم، وإلى الأفكار التي كانوا يبثونها في الناس بهدف معاكسة رسالة النبي النبي.


(والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون).... ربما كان هذا النص لعب دوراً في تكوين صورة محددة عن علاقة النبي بالشعراء... ربما كان تعظيم الشعراء حالة حضارية عندما إنفتح العرب على الأمم الأخرى، ولكنهم في حياتهم الجاهلية لم يكونوا يرون للشعر قيمة بالمعنى القيمي للإنسان مع حاجتهم إليه ليتحدث عن تاريخهم. كان الإسلام في مواجهة الحرب الإعلامية المضادة يريد أن ينتزع عن النبي صفة الشاعر، ونحن نعرف أن قريش كانت تحاول التخفيف من تأثيرات أفكار القرآن في نفوس الناس... كانت صفة الشاعرية لا تليق بالنبي الحامل رسالة فكرية، رسالة روحية مع كل مضامينها الأخلاقية... لم يكن هناك رفض للشعر بل رفض لإلحاق صفة الشاعر بالنبي، ورفض للإستغراق في الخيال، والإبتعاد عن الواقع...


هناك إتهام لبعض طروحاتكم بالإنحياز نحو الإسلام مع إلغاء لمفهوم العروبة علماً أن الآية واضحة،(إنا أنزلناه قرآناً عربياً بلسان عربي مبين) علماً أن الإسلام شكل الوجه النضر لحركة الأمة العربية؟


لا أدري مدى دقة الذين يثيرون مثل هذا الإتهام لأني من الناس الذين يطرحون فكرهم على أساس الإسلام لا يلغي خصوصية الإنسان أنا إنسان لي ذاتيتي، ولي عائلتي، ولي أرضي، ولي جغرافيتي، ولي قومي، ولي إنسانيتي الواسعة. الإسلام تعددي في مسألة إحترام الخصوصيات الفردية. هذا شيء في عمق الإنسانية الواقعية. فكيف يمكن أن يصادره الإسلام. أنا لبناني أعيش في بلد معين لا يمكن أن ينتزع الإسلام مني أحد أو أن يسلبني لبنانيتي. أنا مديني، كذلك، للعروبة لغة تاريخ، وإحساس، وحركة حياة مجتمعية. الإسلام يربطني بكل ذلك، ولا معنى أن نجعل الإسلام في مواجهة العروبة، أو الوطن، أو العائلة. بعض العروبة تحول تحول إلى أيديولوجيا، إلى إلتزام بالماركسية أو الإشتراكية لكنني لا أقف ضد القومية العربية، أنا أقف ضد الفكر الآخر الذي أختارته القومية العربية، أنا أقف ضدك من خلال فكرتك، ولا أقف ضدك كإنسان إذ لا يمكنني أن أتحدى الإطار الإنساني.

أنت لا تستطيع أن تفكر من خلال صفتك بالمطلق وعليك أن تفكر بالمحدود للإتصاق أكثر بالإنسانية التي تربط الناس ببعضهم. ولعل أبلغ تعبير ما قيل أن النبي سئل: (إنصر أخاك ظالماً كان أو مظلوماً) هذا ليس حديثاً شريفاً.

هذا كلام منتشر في الجاهلية، وتبناه الناس في الإسلام. ولما قيل: عرفنا كيف ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً: إن تنصره على نفسه، أن تنصره على نزعة الشر، أن تنصره على الشيطان.


الإسلام نهى عن التفاهم مع المشركين على كافة ألوانهم لكننا اليوم نشهد تعاوناً إسلامياً مع دول لها صفة الإشتراك فيستورد منها كل ما يقع تحت المنظور الديني الإسلامي. ترى أليس هذا تنازلاً من قبل الثورة الإسلامية لتي لم تستطع خلق بنيتها الإقتصادية المتطورة؟


الإسلام لم ينه عن التعامل مع المشركين وفي القرآن طرح لهذه المسألة على أساس طبيعة العلاقات الشعورة، ودعا إلى التسامح الديني، لذلك لم يمنع المسلمين من التعامل مع المشركين، ولكنه وضع خطوطاً في الحالة الشعورية أو وضع خطوطاً في المسألة السياسية في بعض الحالات التي ينبغي لك أن تتعامل معها من خلال علاقات إيجابية.

الفن يغني مواجهتك كوناً واسعاً

عبر التاريخ تكونت مفاهيم متنوعة حول الفن، ومن ذلك خلاصات(إخوان الصفاء): (إن المهارة في أي عمل ما هي إلا تشبه بالخالق العظيم).
برأيكم، ما هو الفن، ما هو دوره؟



عمدما تواجه كلمة الفن فإنك تواجه كوناً واسعاً يمكن أن تصطدم به في كل الموجودات، لأن الفن الموجود في إحساسنا الإنساني، هو عبارة عن حركة في الموجود تعمل على الإستفادة من عناصره الذاتية لإعطائه صورة متقنة، أو مبدعة أو جميلة، أو صورة تحمل بعض خصائص الحركة في إتجاه موجود آخر. ولذلك فإننا نقول: إن لكل شيء فنه، لأن لكل شيء طريقته التي يتمظهر بها في إستجماع عناصره وخصائصه وتمازجها، وتفاعلها من خلال حركة الفكر الإنساني فيما يعطيه لهذه العناصر من خلال حركة الفكر الإنساني فيما يعطيه لهذه العناصر من خصائص يمكن أن تنتج شيئاً آخر، أو ما يمكن أن يكون الفن الكوني الذي ينطلق من خلق الله الذي يعطي لكل شيء جماله، وإبداعه وإتقانه وفنه.


قدامة بن جعفر يعرف الشعر بأنه (كلام موزون مقفى يدل على معنى)، هل هذا كاف؟ نقول ذلك مشيرين إلى القصائد التي تنشرها في (النهار) ويستبلها القارئ) كحدث؟


عندما نريد أن نتحدث عن الشعر من خلال الشكل في مقابل النثر، فمن الطبيعي أن نقارب بهذا الفهم معنى الشعر على طريقة الخليل بن أحمد الفراهيدي. ولكننا عندما نريد أن ننفتح على الشعر كفن إنساني، وفي طريقة التعبير عن آفاق الإنسان وخيالاته، وعن إحساسه وشعوره وحركته وتطلعاته في الحياة، فإن هذه الكلمة لا تستطيع أن تعطينا كل هذا المعنى، لأنها تعطينا الشكل، والشعر ليس شكلاً فقط. الشعر يضج بكل العالم الذي يعيشه الشاعر في إنفتاحه على كل تجاربه الذاتية، وعلى كل حركة الحياة من حوله. يمكن أن يكون قدامة بن جعفر أراد أن يعبر عن هذا من خلال الكلام، على أن مثل هذا الكلام يمكن أن يحتضن كل تلك الألوان الروحية والفكرية والواقعية... إلخ.

ونحن نعتبر أن الشعر كفن يمثل الأسلوب التعبيري الذي يحاول أن يصور الإنسان بكل جمالياته التي يختزنها في داخل نفسه أثناء تفاعله مع الكون.

ما هو الشعر، وكيف تعرفه؟


لا أستطيع أن أعرف الشعر، كما أنني لا أستطيع أن أعرف الإنسان. أنت تستطيع أن تضع يدك على جانب من الشعر، كما تستطيع أن تضع يدك على جانب من الإنسان، على أساس أن الأشياء التي تستطيع أن تقولبها بإصطلاح معنى تدخل هي في الشطر الجامد، أما الأشياء المتحركة التي تصنع لك كل يوم أفقاً جديداً، وجمالات جديدة، وأحاديث جديدة وأجواء جديدة فإنها تعطيك متنوعات لا حد لها، ولكن أن تلاحق كل ذلك لتضعها في قالب لفظي معين! هناك كثير من الأشياء تعيشها، ولا تستطيع أن تحددها بتعبير، تماماً كما هو العطر في الزهر، وكما هو الجمال في الكون. فمهما إستنفرت كل اللغة للتعبير عن الإحساس الجمالي بالكون. فإنك لا تجد كلمة تستطيع أن تنقل هذا الإحساس كما لو كان شيئاً ذاتية. إنها تعطيك بعضها ولا تعطيك الشيء كله. نحن نتصور دائماً أن ألف قصيدة عن العطر لا يمكن أن تعطيك مفهوماً عنه ولا يمكن أن تحل مكان إستنشاق رائحة العطر في لحظة سريعة. إن ألف قصيدة عن الجمال لا تستطيع أن تمثل إحساسك، إن تمثل هذه الحالة النفسيةالتي تعيشها في تطلعاتك نحو الجمال. الشعر يخلد الجمال على طريقة ما ذكره الأخطل الصغير.


ما الحسن لو الشعر
إلا زهرة
يلهو بها في لحظتين النظر
لكنها أن أدركتها رقة من شاعر
أو دمعة تنحدر
سالت دماء الخلد في أبياتها
ونام تحت قدميها القدر



الشعر يستطيع تخليد الكثير من الصور الجمالية، ولكنك لا تستطيع أن تؤكد مصطلحاً محدداً للشعر.


الشعر حالة بين الوعي الإنساني واللاوعي، والحالة الذهنية، فأكثر الشعر اء العرب ،وحتى المشلمين كانت حالة الشعر عندهم تترافق مع الكأس والخمر؟

هناك شعراء إنطلقوا بعيداً عن إلتزامهم الديني. وفي هذه المسألة يتصل الشعر بجانب الفكر، والممارسة إذ هناك الكثيرون من الشعراء الذين يحملون فكراً إنساناً، أو فكراً إلهياً، لكنهم لا يمارسون على أساس أن إرادتهم ليست القوة التي يستطيعون من خلالها أن يخضعوا الممارسة للخط الفكري. وهناك كثير من الشعراء الذين يتحدثون عن الخمر وعن الكأس على طريق الرمز بإعتبار أن الخمرة تمثل النشوة، وإذا كانت النشوة حالة مادية تماماً كما هي مسألة الخمر، فإنها تمثل عن البعض حالة روحية تعمل على تمهيد الإنفتاح على اللع، والإنفتاح على الأسرار الروحية كما يقولون، وبذلك تدخل الإنسان في نطاق الإستعارة، على أساس أن الخمرة في تأثيرها على وعي الإنسان، وعلى شعوره وعلى إحساسه حتى الغيبوية أو حتى الضبابية التي يعيشها الإنسان في أجواء الخمر التي يمكن إستعارتها لبعض الأجواء الروحية، وما إلى ذلك.




يقول أبو الحسن الجرجاني: (إن الدين والشعر شيئان مختلفان، ولا يمت الواحد للآخر بصلة)، ما هو رأيكم بهذا؟



لا أدري ماذا يقصد(الجرجاني) بهذه الكلمة. إذا كان يقصد أن الدين يعبر عن وحي إلهي، وإن الشعر يعبر عن تجربة إنسانية. فقد يكون هذا صحيحاً من حيث المصدر. ولكننا نعتبر الدين مجسداً لأفكار وحقائق في الكون وعن الله وعن الحياة، لا سيما الدين الذي يعتبر أن طريقة الإيمان بالله هو الإحساس بالإبداع الكوني، والإحساس بالجمال، والإحساس بكل الألوان الحية الحلوة، المتناثرة في الكون، فإننا نجد أن هناك النقاء بين الشعر والدين، لأن الشعر ينفتح على كل جمالات الكون. وبذلك يستطيع أن يجسد الإنسان هذه الجمالات أكثر ليحس بجمال الله أكثر. وهذا يمكن للشعر أن يعبر عن كثير من التطلعات الروحية التي يعيشها الإنسان تجاه الله. إن تجسد هذه الأحاسيس، ربما يستفيد منها أناس آخرون لهذا الشعر هو أسلوب من أساليب التعبير عن إحساس الإنسان بكل ما يحيطه، وبكل ما يفكر فيه، وبكل ما يتطلع، ومن الطبيعي أن الإنسان عندما يكون منتمياً دينياً فإنه يستطيع أن يستفيد من تجربته الشعرية في حركته الدينية.

إن الشاعر الذي يؤمن بالله، والذي يعمل الصالحات مطابقاً قوله لفعله ليس مرفوضاً. إن النظرة السلبية للشعر أو الشعراء، ومن وجهة النظر القرآنية كانت منطلقة من خلال طبيعة المضمون الشعري، وعدم جديته أو عدم إلتزامه، ومن خلال سلوك الشاعر، وعندما يكون الشعر جدياً أقصد ملتزماً يكون في خدمة الحياة. وليس بالضروري أن يكون هذا الشعر سياسياً بل شعراء يدافع عن الحق، والحرية، والحياة حتى أن النبي كان له شاعر هو حسان بن ثابت وكثير من الفقهاء ينظمون الشعر، وهذا معناه أن الإسلام لم يكن ضد الشعر. والإسلام مع كل أسلوب من أساليب التعبير التي يمكن أن تربط الإنسان بالله، والحياة، والحق، والعدل.

الجاهلية والشعر

قلتم سماحة العلامة أن الناس لم يكونوا يقدرون الشعر كقيمة، ولم يكن هناك شعر ذو قيمة إلا بعد الإنفتاح على الشعوب الأخرى، مثلاً، العصر الجاهلي حيث المعلقات أو المذهبات كانت تكتب بماء الذهب لتعلق على أبواب الكعبة؟


هذا صحيح، كان الناس يقدرون الشعر لكنهم لم يعتبروا للشاعر دوراً كبيراً في المجتمع. لهذا كانت الناس تتحدث عن المعلقات من دون أن يكون للشاعر أي إمتداد خارج عشيرته بسبب تعبيره عن أمجاد عشيرته. لهذا نحن ندرس تاريخ الشعر الجاهلي، إذا صدق هذا التاريخ من دون أن يمثل هذا الشاعر أي قيمة، ولذا نلاحظ أن إمرء القيس كان يتطلع إلى البحث عن موقع يدفعه إلى القيمة الإجتماعية من مثل مطالبته بالملك. بالنسبة إلى عنترة بن شداد، كان يحاول من خلال إشتراكه بالحروب، وتحقيق الإنتصارات تأكيد ذاته البشرية، وقيمته الإجتماعية. علينا أن لا نخلط بين الشعر كمجد من أمجاد القبيلة وبين الشاعر كعنصر يأخذ مكانة كبيرة في مجتمع القبيلة بعيداً عن الحالة الوظيفية. كان الشعر وظيفيا في المسألة العشائرية، ولم يكن من قيمة فنية أو قيمة أدبية على الأقل لهذا الإنطلاق.