(سِترُ الزهراء عليها السلام )


الشبهة الرابعة :- القـول بجواز كشف الوجه لادعائهم الباطل بأن الزهراء سلام الله عليها أول من تنقبت !!



لقد تعرض هؤلاء إلى مقـام الصديقة الطاهرة الزهراء عليها السلام، فقالوا أنها أول من تنقبت !!، ويعضدون ذلك بأقوال لا تصمد أمام الدليل والنقد !! .

إن الإنسان المؤمن بغيرته الإيمانية على السيدة الزهراء ، ينفي هذا التصور القبيح في حقها عليها السلام .

إن مقام الزهراء سلام الله عليها أعلى وأجل من أن ينظر إليها أجنبي، ويؤيد ذلك أن سيرة المسلمات كانت بلزوم الحجاب بستر الوجه على خلاف مدعاهم ، ولم تكن عليها السلام خارجة عن نطاقهن، بل هي ربيبة الرسالة، وستعرف ذلك في تفسير الآيات لاحقاً، إضافة إلى هذا، فإن هناك جملة من الروايات الشريفة، تؤكد بأن الزهراء سلام الله عليها كانت ملتزمة بستـر الوجه لأبعد الحدود، وإليك بعضها:-


** النبي يسأل والزهراء تجيب :

نقل أبو نعيم الأصفهاني عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال لجمع من الحاضرين:
( ما خيرٌ للنساء؟). فلم يدرِ الحاضرون ما يقولون، فسار عليٌ إلى فاطمة فأخبرها بذلك. فقالت: هلا ّقلت له: (خيرٌلهنّ أن لا يرين الرجال ولا يرونهن ). فرجع علي فأخبره بذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من علّمَك هذا ؟ قال : فاطمة "عليها السلام" ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله إنها بضعة مني )
لا يخفى على من له أدنى معرفة من أن الإمام علي يعلم الجواب ، كيف لا؟! وهو باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكن سكوته عن الجواب كان لبيان مقام فاطمة عليها السلام، حتى تقتدي النساء بها .

** الزهراء عليها السلام والرجل الأعمى :

في التاريخ يُذكر أن السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) كانت ذات يوم جالسة عند أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله ، إذ استأذن عليه ابن أم مكتوم ، وكان رجلا أعمى قد فقد بصره ، وقبل أن يدخل على النبي صلى الله عليه وآله قامت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) وغادرت الغرفة وعندما انصرف ابن مكتوم عادت السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) لتدخل على أبيها مرة ثانية ، وهنا سألها النبي صلى الله عليه وآله عن سبب خروجها من الغرفة مع العلم أن ابن أم مكتوم لا يبصر شيئا .
سألها النبي صلى الله عليه وآله عن السبب - وهو يعلم ذلك - لكي تجيب بدورها على هذا السؤال ويكتب التاريخ هذا الحوار الإيماني ليبقى مثالاً رائعا طوال الحياة ، فقالت ( عليها السلام ) إن كان لا يراني فإنني أراه ، وهو يشم الريح - أي يشم رائحة المرأة .
فأُعجِب النبي الأكرم صلوات الله عليه وعلى آله بهذا الجواب - الذي يتفجرعفة وشرفا - من ابنته الحكيمة ، ولم يعاتبها على هذا الالتزام الشديد بالستر، بل شجعها وأيدها وقال لها : أشهد أنك بضعة مني .

** الزهراء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله :

في أحداث الخطبة الفاطمية في المسجد النبوي الشريف لما أرادت الزهراء الخروج إلى المسجد لإلقاء خطبتها ... يروى أنها (…لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابهـا ، ثم أقبلت في لِمّة من حفدتها ونساء قومها، تطأ أذيالها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله) .
ولما أرادت الزهراء ( عليها السلام ) أن تخطب تلك الخطبة العظيمة ،ضربوا لها ستاراً في المسجد ، فجلست ( عليها السلام ) مع نساء قومها في جانب ، بينما جلس الرجال في الجانب الآخر .

وكان هذا الستار يحمل عدة معان ٍ : فهو من جانبٍ تطبيق لقانون (الستر) ، حيث أنه حائل وفاصل بين الجنسين.


هذه ثلاثة نماذج من حياة سيدة نساء العالمين ، والمرأة المثالية في الإسلام ، والقدوة الصالحة السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) . ويجدر بك ِ أيتها المؤمنة أن تستلهمي منها دروس الكرامة والعفة والحياء ، وتجعلي من نفسكِ امرأة صالحةً ملتزمة بالإسلام وأحكام القرآن .

لقد كانت هذه السيدة العظيمة قمة في الحجـاب والعفة والطهارة، لا تخرج من البيت إلا والعباءة تستر جميع بدنها الشريف من الرأس إلى القدم،…كانت تذم التبرج بكشف الوجه والسفور، أشد الـذم ، وما ذاك إلا لأن الله تعالى يذم ذلك ويكرهه، ولأن ذلك مفتاح كل رذيلة، وطريق للفجـور، ومقدمة للسقوط، بل هو السقوط بعينه
إن السيدة الزهراء عليها السلام مثـال كل فضيلة، ونموذج كل خير، سعدت كل امرأة اقتدت بها، وشقت كل امرأة تركتها واقتدت بغيرها .

وإليك أقوال العلماء في شرح هذه المقاطع :


القول الأول : للمولى محمد علي الأنصاري ( لاثت خمارها، أي عصبته، يقال : لاث العمـامة على رأسه يلوثها لوثاً، أي شدها وربطها، والخمار (المقنعة)، سميت بذلك لأن الرأس يخمَّر بها أي يغطى، وكل شيء غطيته فقد خمرته، والتخمير هو التغطية . والجلباب يُطلـق على الملحفة والرداء والإزار،والثوب الواسع للمرأة دون الملحفة، والثوب كالمقنعة وهو ثوب واسع أوسع من الخمار ودون الرداء، تلويه المرأة على رأسها ويبقى منه ما ترسله على صدرها، ومعنى" يدنين عليهن من جلابيبهن " أي يرخينها عليهن، ويغطين به وجوههن وأعطافهن . "واشتملت" الاشتمال على الشيء الإحاطة به ، والمـراد أنها عليها السلام غطت رأسها وصدرها أولا بالمقنعة، ثم لبست ملحفة تغطي جميع بدنها، فالتفّت بها، وهذا كناية عن غاية التستر وهي عادة النساء الخفرات،(الخَفَرُ شدة الحياء)، إذا أردن الخـروج من الدار إلى الخارج تحفظاً عن الأجانب. و" اللمة " الجماعة والمراد أنها عليها السلام خرجت في لِمّة من نسائها تتوطأ ذيلها. و" الحفدة " الأعوان والخدم وقيل ولد الولد أيضاً، والمراد هنا الأول. والإتيان بلفظ " في" في قوله " وأقبلت في لمة من حفدتها " دون أن يقول " مع لمة " إشارة إلى أنها كانت بينهن وهن مجتمعات حولها، محيطات بها، و" تطأ ذيولها " أي كانت أثوابها طويلة تستر قدميها، وتضع عند المشي قدمها عليها. وجمع الذيل باعتبار الأجزاء، أو تعدد الأطراف الأربعة، وفي نسخة أخرى " تجر أدرعها " ودرع المرأة قميصها، وجـرَّ الأدرع كناية عن كون أذيال قميصها طويلة ملاصقة للأرض )


القول الثاني: لاثت أي شدت ولفّت، وخمارها: ثوب يغطى به الرأس. واشتملت: وهو ما يدار على الجسد كله بحيث لا يخرج منه شيئ . وجلبابها: الجلبـاب هو ما يستر جميع البـدن كالملحفة .

القول الثالث: اللوث هو الطيّ، ولاثت خمارها لفته، والخمار المقنعة، و" اشتملت " جعلته شاملاً، والجلباب الرداء والإزار أي جعلت الإزار أو الرداء شاملاً لجسدهـا حتى وصفتها الرواية بأنها تطأ ذيولها أي أن أثوابها كانت طويلة تستر قدمها الشريف فكانت تطأها عند المشي

القول الرابع : يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (…… فإن ستارًا قد أسدل ليحجب النساء، ثم إنها كانت تتوسط جمع النساء اللاتي رافقنها، مرتدية عباءة غطت جميع أجزاء جسدها الشريف بشكل لا يمكن تشخيصها أو تمييزها ، ثم ألقت خطبتها من وراء الستر )

القول الخامس: قال الشيـخ عباس القمي (……لاثت خمارها أي لفته، والجلباب هو الرداء والإزار )


ويظهر مما تقدم ، بعض من الفوائد وهي : -


الفائدة الأولى :- أن فاطمة الزهراء عليها السلام كانت محجبة بستر الوجه، ونعرف ذلك من "لاثت خمارها"،وقد عرفت أن الخمار هو المقنعة والتي تغطي رأسها إلى صدرها، وهذا يعني أن الوجه مستور، إضافة إلى هذا "واشتملت بجلبابها" أي ولفت عليها رداء، وهي العباءة التي تكون فوق الخمار، أو ما تسمى بـ"البوشية".


الفائدة الثانية :- أن رداء الزهراء عليها السلام وعباءتها، كانا طويلين جداً لدرجة أنها عليها السلام تطأ ( أي تدوس ) على الزائد منها .


الفائدة الثالثة :- أن تلك العباءة قد غطت جميع أجزاء بدنها الشريف، بحيث لا يمكن تشخيصها، وهذا يدلل على أن العبادة واسعة "أي فضفاضة"، وغير مجسمة كما هي العباءة المغربية المحرمة أو ما تعرف بـ" الكتافي أو الكاب".


الفائدة الرابعة:- أن الزهراء عليها السلام قدمت إلى المسجد في جماعة من النساء، حتى لا يمكن تمييز شخصها، ولا يعرفها الأجنبي، ولا يطلع على قامة الزهراء عليها السلام، هل هي طويلة أم قصيرة، أم …،أم …، وبهذا تختلط الزهراء مع النساء، ولا يعرف مكانها، فضلاً عن شخصها المقدس .


فقولهم " أنها أول من تنقبت " باطل، فهي عليها السلام حريصة على أن لا يُعرف شخصها، فكيف يمكن التصديق بأنها أبدت عينيها أو جزءاً من بدنها الشريف ؟!، بل إن أول من ابتدعت النقاب هي آكلة الأكباد هند بنت عتبة، فراجع التاريخ الصحيح .


وأما عن هذا القول بأن الزهراء سلام الله عليها هي أول من تنقبت !!! .


فنقول في رد هذه المزاعم : إضافة لما ذكرناه سابقاً، وأن ذلك ينفي أن تكون الزهـراء عليها السلام متنقبة، وأنها أشرف من أن تُظهـر شخصها الشريف، أو أن تخالف الشرع المقدس لما عرفت من سيرة المسلمات، وحرمة كشف الوجه ولو جزءاً منه، كما عرفت ذلك، ولا فرق بين النقاب أو البرقع في الحرمة، نعم هناك فرق في وصفهما، فالنقاب عبارة عن قناع يستر وجهة المرأة إلا عينيها، أما البرقع فهو عبارة عن ستر المرأة للنصف الأسفل من وجهها من أنفها إلى نحرها، وتنكشف العينان والجبهة
" و جاء في (لسان العرب): البرقع : معروف وهو للدواب ونساء الأعراب، ، قال الليث : تلبسها الدواب وتلبسها نساء الأعراب وفيه خرقان للعينين . ..........النقاب : القناع على مارن الأنف .......، قال الفراء : إذا أدنت المرأة نقابها إلى عينها، فتلك الوصوصة، فإن أنزلته دون ذلك إلى المَحجِر، فهو النّقاب، فإن كان على طرف الأنف، فهو اللفام . "
ونقول إن أول من تنقبت هي هند بنت عتبة، ولدينا ما يثبت ادعائنا .

فنرد على ذلك، بذكر بعض ما نقله العلماء من روايات شريفة، تؤكد بطلان ما ذهبوا إليه في مقام أشرف نساء العالمين، فنقول وبالله التوفيق :-

منها ما رواه الشيخ المجلسي "أعلى الله مقامه" ( ……… أن النبي صلى الله عليه وآله بايعهن(2)، وكان على الصفا، وكان عمر أسفل منه، وهند بنت عتبة متنقبة متنكرة مع النساء خوفاً من أن يعرفها رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً، فقالت هند: إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأينـاك أخذته على الرجـال، وذلك أنه بايع الرجال يومئذ على الإسلام والجـهاد …إلخ )


ومنها ما رواه ابن أبي الحديـد ( ………أن هند بنت عتبة جاءت رسول الله صلى الله عليه وآله مع نساء قريش متنكرة متنقبة لحدثها الذي كان في الإسلام، وما صنعت بحمزة حين جدعته وبقرت بطنه عن كبده، فهي تخاف أن يأخذها رسول الله صلى الله عليه وآله بحدثها ذلك فلما دنت منه، وقال حين بايعنه على ألا يشركن بالله …………إلخ )

ومنها مارواه المفسرون حول آية { يـا أيـها النبي إذا جائك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ..}

فقد جاء في تفسير هذه الآية (..... وروي أنه صلى الله عليه وآله بايعهن على الصفا، وكان عمر أسفل منه وهند بنت عتبة متنقبة متنكرة مع النساء خوفاً من أن يعرفها رسول الله صلى الله عليه وآله .

ومنها ما رواه الشيخ السبحاني ( وقد تلا رسول الله صلى الله عليه وآله ما نزل من قوله تعالى من شروط البيعة عليهن، فلما بلغ إلى قوله تعالى (ولا يسرقـن ) نهضت هند وكانت آنذاك متنقبة متنكر، وقالت.......)

ولقد بحثنا جاهدين - ويشهد الله - في ما بأيدينا من كتب، علنا نظفر برواية واحدة تتحدث أن الزهراء قد تنقبت فضلاً عن أنها أول من تنقبت، فلم نظفر بشيء من ذلك، بل على العكس، رأينا أن هناك الكثير من الروايات التي تصرح بـ " ابتداع " آكلة الأكباد لما يعرف بالتنقب.



وهناك عدة اشكالات قد يوردها البعض في مقـام الصديقة الطاهرة عليها السلام :-


منها: أن فاطمة عليها السلام سيدة النساء، وبنت خير الأنبياء، وزوجة سيد الأوصياء، وهي المخدرة العظمى، ومحل العصمة الكبرى، فكيف يصح لشأنها في شرع أبيها خروجها من خدرها، وتدخل المسجد الغاص بالمهاجرين والأنصار، وهـم أجانبة عنها، تـُسمعهـم صوتها، وتتكلم معهم، ويتكلمون معها ؟ وكيف رضي أمير المؤمنين بذلك منها؟ مع أنه كان بإمكانه أن يقوم بدورها بالوكالة عنها حتى لا يسمع الأجانبة كلامها .

وقد أجاب عن هذا الاشكال المولى محمد علي الأنصاري (قده) بقوله: " إن الضـرورات تبيح المحذورات، وأنهم عليهم السلام لم يكونوا مكلفين إلا بالعمل على طبق الصورة الظاهرية والإتصاف بلوازم البشر …"

ونقل (قده) عن الفاضل البهبهاني : أن أخبار تكلـّم فاطمة عليها السلام في فدك في حضور الصحابة متواتر البتة، وكـانت عليها السلام أعلم من غيرها بالأحكام الشرعية، ولعله من باب الضرورة التي يجوز لأجلها تكلم النساء مع الرجال باجماع الأمة .

وأما تكلمها مع سلمان وجـابر وسائر الصحابة، فلم يتحقق لنا، وبعض النظرات الواقعة منهم ومنها، لعله من باب الاتفاقات الضرورية، وأن الأحكام بالنسبة إلى الأعصـار مختلفة، ولعله لم ينزل في تلك الأوقات آية الحجاب ونحوه، وعلى نحوه يحمل ما ورد أن النبي صلى الله عليه وآله سمع صوت جماعة من النساء في ليلة زفاف فاطمة علها السلام على فرض إن كانت فيهن من لم تكن محرماً بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وكذلك خروج النساء يوم الطف من باب الضرورة

ومنها :- أنها عليها السلام كانت تلتقي بالرجال وتتحدث معهم في مناسبات كثيرة، وكانت عليها السلام تخرج مع من يخرجن مع النبي صلى الله عليه وآله في غزواته ليقمن بشؤون الحرب . وكان النبي صلى الله عليه وآله يستقبل النساء، ولو صح أنه خير للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يرونها، لكان ينبغي أن يجعل صلى الله عليه وآله حاجزاً بينه وبين كل امرأة تأتيه، ويقول لهـا: تكلمي من وراء حجاب .

وفي رد هذا الإشكال، ننقل ما سطره السيد جعفر مرتضى العاملي :-

أولاً :- إن التقاءهـا عليها السلام بالرجال في أيام الأزمة التي واجهتها…، لا يعني أنها قد كشفت عن وجهها للناظرين، وحديثها معهم قد يكون من وراء الحجاب، أو في حالة لا تريهم فيها وجهها.وليس المقصود من عدم رؤيتها للرجال، وعدم رؤيتهم لها : أن لا ترى ولا يرى كل منهم حجم وشكل الطرف الآخر .


كما أن خروجها مع النبي صلى الله عليه وآله في غزواته، لا يلازم أن يرى الرجال وجهها أو محاسنها، وليس ثمة أي دليـل على أنها عليها السلام كـانت تتولى بنفسها القيـام بشؤون الحرب، وخروجها على هذا النحو مع النبي صلى الله عليه وآله لا يدل على ما ادُّعي .


وكذلك الحال بالنسبة لاستقبـال النبي صلى الله عليه وآله للنساء، لا يلازم في ذلك أن يجعل حاجزاً بينه صلى الله عليه وآله وبين كل امرأة تأتيه، ولا أن يجعل لها حجـاباً لتكلمه من وراء الحجاب، إذ يكفي أن تتحفظ هي بما تملكه من وسـائل الستر، وتكلمه وهي مكتملة الحجاب، فإن الكلام مع شخص لا يلازم شيئاً مما نهي عنه من التزين والتبرج، أو الخضوع بالقول .


ثانياً:- أنها حينما خطبت عليها السلام في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم قد نيطت دونها ملاءة كما تذكر النصوص

ثالثاً :- إن موضوع رجحان عدم رؤية الرجال لها، وعدم رؤيتها لهم، لا ينحصر ثبوته بالحديث المذكور، فهناك أحاديث ونصوص أخرى تثبت ذلك ، ثم ذكر السيد مجموعة من الأحاديث، وقد ذكرنا بعضاً منها .

في خبر زفـاف فاطمة الزهراء عليها السلام " فكـان مما اشتروه: قميص بسبعة دراهم، وخماراً بأربعة دراهم، وقطيفة سوداء خيبرية، وعباءة قطوانية ، و .. و.. ، "

فترى أن الخمار والعباءة كانا ضمن جهـاز الزهراء عليها السلام، ولم يكن فيه إلا اللوازم الأساسية، والمقصود بالخمـار هو غطاء الوجه كما قاله الشيخ إبراهيم نجل العلامة الأميني

والقطيفة هي الثوب الذي يكون فوق الشعار، أي تلتف به على ثيابها، والشعار هو الجسد .

الحجاب والعرف


الشبهة الخامسة :-القول بجواز كشف الوجه لأن العرف العام لا يرى فيه فتنة !!..


نتساءل: ما المقصود من العرف ؟ هل هو عرف الناس أم عرف الشرع أو ما يطلق عليه بعرف المتشرعة ؟! .

قبل الحديث عن مقصود الفقهاء في ذلك ، نشرع في تقديم تمهيد ، ثم نجيب عن السؤال .

يُعرَّف العرف بأنه " ما تعارف الناس وتسالموا على قوله أو فعله أو تركه ، وجروا على ذلك في حياتهم العامة وعلاقاتهم "

ثم اعلم أن الأحكام الشرعية لها مصاديق وحدود ، تدور حولها ، وحتى يمكن فهم حكم أي مسألة، فإن الفقهاء يبحثون عن كل ما يتعلق بها، وتسمى تلك بالموضوعات .


ويعرف الموضوع بأنه :- الشيء الذي يحمل عليه الحكم، والذي يلعب دوراً مباشراً في فعلية هذا الحكم .


وتقسم الموضوعـات إلى قسمين رئيسيين من حيث تعـيين المصاديق الخارجية للعناوين :-


القسم الأول :-

الموضوعات الخارجية :- وهي التي يشخصها العقلاء من المجتمع، لحكم في الشريعة، لمسألة لم يعطِ الشارع المقدس ( أعني لم يبينها القرآن الكريم أو الروايات الشريفة) فيها رأيه . أو هي تلك الموضوعات التي لا دخل للشارع المقدس فيها، وإنما بين أصولها، ولكن تشخيصها ووصفها يعود للمجتمع ، وعلى ضوءه يعطي الشرع الحكم .

فمثلاً، يجوز الوضوء بالماء الطاهر، لكن هل يصدق على ذلك المـاء اسم ماء مطلق أو ماء مضاف (ورد مثلاً) ؟ فالتفريق بينها يعود للمجتمع ، حسب مفهومهم ومعرفتهم بالماء . وكذلك هل أن هذا المائع خمر أو خل ؟، فهذا يعود لتشخيص المجتمع أيضا ليحدد مصداقيتة، ومن ثم يفتي المجتهد على ضوء ذلك التشخيص .


القسم الثاني :- الموضوعات المستنبطة، ولها قسمان أيضاً :


ألف: موضوعات مستنبطة شرعية :- وهي المواضع المخترعة من الشارع المقدس، أي العناوين التي تملك معاني لغوية معينة، لكنها خضعت لتصرف الشارع، واستُعمِلت للدلالة على مفاهيم جديدة، وأبرز مثال الصلاة التي تعني في اللغة : الدعاء، وأما في الشرع فتعني تلك الأقوال والحركات العبادية المحددة . وكذلك الصوم الذي يعني في اللغة الامتناع عن كل شئ، أما في الشرع فأصبح معناه الإمسـاك عن جملة من أشياء محددة، وفي وقت محـدد تقرباً إلى الله تعالى . وكذلك الفتنة التي تعني في اللغة الاختبار، أما في الشرع في معرض النساء، فتعني الإغراء، والوقوع في الحرام، أو الإضلال عن الحق .


وقد اصطلح على هذا الأمر عند القدماء بـ"عرف المتشرعة أو الشرع". ويحدده الشرع وليس المجتمع، ومثالنا من هذا القبيل .


باء: الموضوعات اللغوية والعرفية، وهذه تقسم إلى قسمين أيضاً :-


1- موضوعـات عرفية ولغوية من اختراع وتصرف الشارع أيضاً، ولكنه وضع لها حـدوداً معينة، مثل الربا والغناء والحجـاب، فقد وضع لها الشرع المقدس حدوداً، إذا تجاوزتها حكم بأنها ربا أو غناء أو حجاب، فالربا يعني في اللغة الزيادة، ولكن ليس كل زيادة حرام، بل يشترط فيه أن تكون الزيادة من نفس الجنس، ومكيلاً أيضاً . والغناء ( بحسب معناه اللغوي أعم من ذلك، فيشمل كل صوت حسن، ولذلك أمر في بعض الأحـاديث بالتغني بالقرآن ) أي حسنوا أصواتكم إذا قرأتموه، لكن إذا كان على نحو الترجيع بما يناسب مجالس أهل اللهو والباطل فإن ذلك هو المحرم . وكذلك الحجاب فإنه يعني الحاجز في اللغة، ولكن في الشـرع فيعني تغطية الجسم ، كما ستعرف ذلك لاحقاً .
فهذه الموضوعات يتصرف فيها الشارع المقدس، فيتولى عملية التعيين والتحديد، بأن يقول مثلاً أن المرأة بطبيعتـها، وبحد ذاتها مفتنة للرجل (وهي كذلك) . وكذلك فإن السفر في مفهوم الناس، هو الانتقال لمكان بعيد، وإقامته فيه أيضـاً، لكن الشرع الشريف يعتبر قطع مسافة مقدارها أربعة وأربعين كيلو متراً، سواء امتدادية أو تلفيقية، يعتبر ذلك سفراً شرعياً، ويفرض على ذلك أحكام السفر، بغض النظر عن اعتباره سفراً بنظر الناس أم لا .


2 - موضوعات عرفية ولغوية لم يتصرف فيها الشارع، ولم يضع لها حدوداً، والمعيار المستخدم في إدراك مفاهيمها وتعيين مصاديقها، هو العرف العـام واللغة، فقد كان النبي صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومـين عليهـم السلام يرجعون إلى العرف في تعيين المفاهيم، وبيان المصاديق، فيشرِّعـون الحكم على أساس الفهم العرفي، كالمائع هل هو خمر أم خل ؟ فيرجع إلى الخبراء في معرفة ذلك، ثم إعطاء الحكم على ضوء ذلك، وهذا يعـرف بالموضوعات الخارجية. ولكن وضعت تحت الموضوعـات اللغوية والعرفية على حسب تقسمها تبعا للزاوية التي ينظر منها إلى تلك الموضوعات، فقد توضع تحت هذا العنوان، أو في عنوان مستقل كما في أول التقسيم . وهناك تقسيمات عديدة لا مجال لاستعراضها .

فحدود مسؤولية المرجع في تعيين الموضوعات التي هي من اختـراع الشرع، وذات حقيقة شرعية، وهي الموضوعـات المستنبطة الشرعية اللغوية والعرفية التي يتصرف فيها الشرع المقدس، فالذي يحدد أن المرأة مفتنة هو الشرع لا الناس .

والكثير من الفقهاء يوجبون الرجوع إلى المرجع الفقيه في تعيين وفهم الأحكام المستنبطة، الفرعية منها واللغوية، وكما قال السيد الخوئي" قده" أن {الصحيـح وجوب التقليد في الموضوعـات المستنبطة الأعم من الشرعيـة وغيرها، وذلك لأن الشك فيها بعينه الشك في الأحكام، ومن الظاهر أن المرجـع في الأحكام الشرعية المترتبة على تلك الموضوعات المخترعة هـو المجتهد، فالرجوع إليه عبارة أخرى عن الرجوع إليه في الأحكـام المترتبة عليها }


وبالجملة : فإن { محل التقليد هو الأحكـام الفرعية العملية فحسب ، فلا يجري في الأحكام الأصولية، ولا في مسائل أصول الفقه، ولا في مبادئ الاستنباط من النحو والصرف والمنطق ونحوها، ولا في الموضوعات الخارجية، فلو شك المقلِّد (بالكسر) في مائع أنه خمر أو خل مثلاً وأخبر المجتهد أنه خمر لم يجب عليه التقليد فيه بل لا يجوز، نعم يقبل قوله بعنوان أنه مجرد عادل. كما في إخبار العامي، وأما في الموضوعـات المستنبطة العرفية أو اللغوية أو الشرعية فلا مناص من الالتزام بجريان التقليد فيها،فإذا بنى المجتهد أن الصلاة مثلاً اسم للصحيحة منها أو الأعم أو أن الغناء اسم للصوت المطرب لا ما اشتمل على الترجيع من دون طرب مثلاً ، وجب على العـامي أن يقلد فيهما كوجوب تقليده في الأحكام }، وكذلك لو أراد العـامي أن يعمل مشروعاً خيرياً، فلا بأس بذلك، ولكن لا بد أن يحرز رضا الشـارع المقدس في ذلك المشروع وفي أهدافه وفي تحديد جهـات مصروفاته، فتحديد شرعية تلك الأمور من وظيفة الشرع لا من وظيفة الناس .

ولمعرفة المزيـد من الآراء الفقهية في أن تقليد المجتهد في الموضوعـات المستنبطة باقسامها جائز عند الفقهاء، بل عند أكثرهم واجب كما ستعرف، فلا أعلم حسب تتبعي لآراء الفقهاء من يقول بعدم جواز تقليد المجتهد في الموضوعات المستنبطة العرفية واللغوية، والموضوعات المستنبطة الصرفة، سوى السيد محمد كاظم اليزدي(أعلى الله مقامه)صاحب العروة . أما باقي الأعلام فلم يوافقوه في فتواه، وسنورد فتوى السيد اليزدي(قده)، ثم تعليقات الأعلام بعد ذلك .

قال السيد اليزدي(قده) : (مسألة:67):- محل التقليد ومورده هـو الأحكام الفرعية العملية، فلا يجزئ في أصول الدين وفي مسائل أصول الفقه، ولا في مبادئ الاستنباط من النحو والصرف ونحوهما، ولا في الموضوعـات المستنبطة العرفية أو اللغوية، ولا في الموضوعات الصرفة، فلو شك المقلد في مائع أنه خمر أو خل مثلاً، وقال المجتهد أنه خمر، لا يجوز له تقليده . نعم من حيث أنه مخبر عادل يقبل قوله، كما في إخبار العامي العادل، وهكذا، وأما الموضوعات المستنبطة الشرعية كالصلاة والصوم ونحوهما فيجزي التقليد فيها كالأحكام العملية.

وأما تعليقات الأعلام فهي كالتالي :-

أ_ السيد الخوئي(رحمه الله): علق على قول السيد اليزدي (قده)"ولا في الموضوعات المستنبطة العرفية أو اللغوية" بقوله" لا فـرق في الموضوعات المستنبطة بين الشرعية والعرفية في أنها محل للتقليد، إذ التقليد فيها مساوق للتقليد في الحكم الفرعي كما هو ظاهر " .

ب_ السيد الكلبيكاني (رحمه الله)": علق على قول السيد اليزدي السـابق بقوله " لكن الحكم المترتب عليها مورد للتقليد".

ج_ السيد شهاب الدين المرعشي النجفـي(رحمه الله): علق بعد القـول السابق للسيد اليزدي بقوله " الأقوى جواز التقليد فيها، فانها وإن لم تكن بنفسـها موارد للتقليد لكنها مما يؤول التقليد فيها إلى التقليد في الأحكـام الشرعية ".

د_ السيـد حسن القمي(رحمه الله): علق على القول السابق بقولـه " الظاهر جريانه فيها".

هـ_ الشيـخ محمد اسحاق الفياض(دام ظله): علق على قول السيد اليزدي" ولا في مبادئ الاستنباط " بقوله " لا بأس بالتقليد في مسائل أصول الدين، فاذا كان شخص قادر على عملية الاستنباط وهي تطبيق القواعد العامة الأصولية على عناصرها ولكنه غير متمكن من الاجتهاد في نفس تلك القواعد كحجية خبر الواحد أو الاستصحاب او نحو ذلك لا بأس بالرجوع إلى المجتهد فيها لأنه من رجوع الجاهل إلى العـالم فيكون مشمولاً لسـيرة العقلاء، وأما التقليد في الموضوعات المستنبطة كالصـلاة والصيام والغـناء والجـذع والثني ومحوها فلا مناص عنه، والا فلا بد فيها من الاجتـهاد أو الاحتياط". أقـول : ترى أن الشيخ(دام ظله) قال" في الموضوعـات المستنبطة" ولم يقيدها بمعنى أنه أطلق مقصوده، فتشمل الموضوعات المستنبطة العرفية والشرعية والصرفة واللغوية وغيرها، بقرينة قوله "ونحوها" .

و_ السيد السيستاني(دام ظله): علق على قول السيد اليزدي " ولا في مسائل أصول الفقه " بقوله " الأظهر جواز التقليد فيها بالجملة". ثم علـق على قول السيد اليزدي " ولا في الموضوعات المستنبطة العرفية أو اللغوية "بقوله "الأظهر جواز التقليد فيها "

ز_ السيد الشيرازي (رحمه الله): علق على قول السيد اليزدي "فلا يجري في أصول الدين "بقوله " فيه تفصيل "، ثم علق على قـول السيد اليزدي " ولا في مبادئ الاستنبـاط من النحو والصرف" بقوله " لا يبعد جريان التقليد فيها وفيما ذكر بعدها "

وبعد هذه المقدمة نستنتج أن العرف ينقسم إلى قسمين رئيسيين من حيث حكمه ومشروعيته :-

الأول: العرف الصحيـح : وهو ما ليس فيه مخالفة لنص شرعي، ولا تفويت مصلحة ولا جلب مفسدة، من قبيل تعارفهم على استعمال لفظ في غير معناه اللغوي، أو تعارفهم على تقديم بعض المهر وتأخير بعضه .

الثاني: العرف الفـاسد : وهو ما خالف الشرع، كتعارف العقـود الربوية بين الناس، والعاب المقامرة، وحرمان البنت من الميراث، وغير ذلك مما علم بردع الشارع عنه .


فقد رأيت أن كشف المراة يوجب تفويت مصلحة وجلب مفسـدة أيضاً ، فهو عرف فاسد غير صحيح .


إذاً، فالعرف الذي يعنيه الفقهاء في ستر المرأة وجهها، وفي الحجاب ، أو أي شئ له علاقة بالشـرع ، هو عرف الشرع أو المتشرعة، وليس عرف الناس أو العوام ، فذاك ليس من اختصاصهم، بل هو من اختصاص الشرع الأقدس .
أقوال العلماء حول ( إلا ما ظهر منها)

الشبهة السادسة :-القـول بجواز كشف الوجه لوروده في القـرآن الكريم في قوله تعالى ( . . . إلا ما ظهر منها ) وغير ذلك من الآيات الشريفة !!

من ضمن أقوالهم :- "أنه يجوز أن تكشف المرأة عن وجهها، باعتبار مفهوم الآية الشريفة ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها )، فالظاهر منها هو الوجه واليدان بشرط عدم وضع الزينة ".


ونقول في الرد على ذلك :-


أولاً :- إن هؤلاء لا يحق لهم التصدي لاستنباط الأحكام الشرعية من الآيات أو الروايات، فتلك وظيفة نواب الإمام ، حيث لا يعرف المحكم من المتشابه والناسخ من المنسوخ وغير ذلك إلا المجتهد .

ثانياً :- إن هؤلاء يفسرون الآيات والروايات ولم يستندوا في أقوالهم الاجتهادية إلى واحد من المجتهدين العظام، وهذا فيه إشكال شرعي، فضلاً عما به من تضليل للعوام .

ثالثاً :- ما هي المصلحة المتوخاة من جراء ترويج كشف المرأة وجهها أو بعضه ؟، حيث لا يخفى على العاقل اللبيب أن شرعنا الشريف إنما يشرع من منطلق جلب المصالح ودفع المفاسد، فهل في كشف وجه المرأة وتبرجها جلب مصلحة أو درء مفسدة ؟!! . بل العكس، في ذلك دفع للمصلحة وجلب للمفسدة، والعياذ بالله العاصم .

ثم ألا يكفي هؤلاء ما صنعه أعداء الإسـلام من هدم للقيم والمبادئ الحقة ؟ ، أليس من العقـل أن يحفظ هؤلاء ما تبقى منها، ويعملـوا على تثبيتها ؟! . ألا يكفي هؤلاء هذه المحطات الفضائية التي زرعها يهود الدنيا لتدمير الإسلام ومبادئه؟، أليس من العقل أن تكون منازلنا جبهة تقصف هذه الأوكـار، بدلا من أن تكون حاميات لها ومروجة لأغراضها .

رابعاً :- إذا كان هؤلاء _هداهم الله _من الدعاة إلى الحق، فالواجب عليهم أن يرشدوا العوام إلى ما فيه صلاحهم وخيرهم، لا أن يحشوهم بما فيه فسادهم وبعدهم عن الدين، ويفسد المجتمع ويمكن الشيطان فيه أكثر . ويعلم العاقل ما في كشف وجه المرأة من المفسدة والخراب والدمار، خصوصـاً للشباب والشابات، ولو سألتَ طفلاً عن ذلك لأجاب، فإن صبيـاً إذا كان عليه شئ من الجمال وخرج من بيته بمفرده، فإن أهله يخشون عليه لما يعلموا من وجود بعض المنحرفين،والشواهد على ذلك كثيرة لا يسع المقام لذكرها، فقل لي بربك ماذا يحدث لو خرجت امرأة شابة في مقتبل عمرها كاشفة لوجهها، وحولها ذئاب جياع متعطشون، ينتهزون الفرصة لذلك ؟! .

خامساً :- حتى نفهم المعنى الحقيقي للآية الشريفة، نعود إلى أقوال المفسرين العظام، فنقول:-

الآية الأولى:- بالنسبة إلى الآية ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ) سورة الأحزاب آية 59


أقوال المفسرين العظام لهذه الآية الكريمة :-


ألف :- قـال آية الله السيد محمد الحسيني الشيرازي "قده" :-

وبمناسبة تقدم الحديث عن النسـاء والتنصيص على حجـاب زوجـات الرسول صلى الله عليه وآله في قوله "وإن سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب " يأتي السياق لنص عام على وجوب التحجب على كل امرأة، "يا أيها النبي قل لأزواجك "أي نسائك وبناتك" فقد كانت للرسول صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة سلام الله عليها ، ولعل بعض بناته الأخريات كانت في الحياة "ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن" جمع جلباب، وهو ما كانت المرأة تجعل على رأسها، فقد أمرن بأن يقربن الجلباب نحو نفسهن، وهو الوجه والرقبـة والصدر ، فإن الجلباب يُدنى من هذه المواضع "ذلك" الإدناء للجلباب ليكون لهن زي خاص "أدنى" أي أقرب إلى "أن يعرفن" بأنهن عفائف نجيبات "فلا يؤذين" فإن عادة الفساق حتى في زماننا هذا أن يتعرضوا إلى المرأة المبتذلة بظهور وجهها وشعرها، أما إذا كـانت متسترة، عرفت بالستر والنجابة، لم يتعرض لها الفساق "وكان الله غفورا" ما يصدر منهن بدون تعهد وقصد ، فإن المرأة مهما كانت محجبة لابد وأن يظهر بعض مفاتنها في نادر الأوقات "رحيما" يتفضل بالرحمة - فوق الغفران - على المعطيات .

وإنما قال "من جلابيبهن" لأن المرأة ترخي بعض جلبابها . أقول قد ذكر بعض المفسرين كلاماً حول كون الآية إنما هي بالنسبة إلى الحرائـر لا الإماء، لكن إطلاقها وحكمة الإسلام في الحجاب بأن لا تمازح المرأة مهما كانت، ينفيان هذا التفصيل الذي لم يعلم وجهه، ثم إن الظاهر من الآيـات والروايات، لزوم الحجاب بستر الوجه، وقد كانت سيرة المسلمات منذ زمن الرسـول صلى الله عليه وآله وسلم على هذا، ولهذا استثني وجه المرأة، حـالة الإحرام، إلى غير ذلك من الشواهد، حتى جاء الغربيون وانهزم أمامهم بعض المسلمين الأعزاء، فقالوا بأن الحجاب موجب لخنق المرأة، وعدم ازدهار الحياة، كل ذلك لإشباع الشهوات الدنيا، والله غالب على أمره.

باء :- قال أمين الإسلام أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي "عطر الله ضريحه" المتوفى سنة 558 هج ، ومعنى "يدنين عليهن من جلابيبهن" يرخينها عليهن، ويغطين بها وجوههن وأعطافهن، يقـال إذا زل الثوب عن وجه المرأة: أدني ثوبك على وجهك. والخمار: ثوب واسع من الخمار ودون الرداء، تلويه المرأة على رأسها، وتبقي منه ما ترسله على صدرها .

جيم :- قال المولى محسن الملقب بالفيض الكاشاني "طاب ثراه"المتوفى سنة 1091 هج، يغطين وجوههن وأبدانهن، إذا برزن لحاجة، و"من" للتبعيض فان المرأة ترخي بعض جلبابها وتتلفع ببعض .

دال :- قال المولى نور الدين محمد بن مرتضى الكاشاني"قده"المتوفى بعـد 1115 هج، … يغطين وجـوههن وأبدانهن بملاحفهن إذا برزن لحاجـة .

هاء :- قال الشيخ محمد بن رضا القمي المشهدي "طيب الله ثراه"من مشاهير القرن الثاني عشر … قال مثل القول السابق .

واو:- قال المولى محمد علي بن أحمد القراجه داغي التبريزي الأنصاري (قده) المتوفى عام 1310هـ نقلاً عن مجمع البحرين ….. ومعنى "يدنين عليهن من جلابيبهن" أي يرخينها عليهن ويغطين به_أي الجلباب_ وجوههن وأعطافهن .

زاي :- قال السيد عبد الله شبر"قدس الله تربته"لمتوفى سنة 1242 هج، يرخـين على وجوههن وأبدانهن بعض ملاحفـهن الفـاضل من التلفع .

حاء :- قال الحاج سلطان محمد الجنابنذي الملقب بسلطان على شاه " قده"المتوفى سنة 1327 هج، … كن لا يغطين وجوههن وسـائر مواضع زينتهن بجلبابهن، فأمرهن الله تعالى بستر الوجوه والصدور بالجلابيب،… والجلباب للنسـاء ثوب وسيع يلبسنه فوق الثيـاب دون الملحفة أو هـو الملحفة .

طاء :- قال السيد محمد حسين الطباطبائي " عطر الله مثواه المقدس" المتوفى سنة 1402 هج، {… الجلابيب جمع جلباب وهو ثوب تشتمل به المرأة، فيغطي جميع بدنها أو الخمار الذي تغطي به رأسها و وجهها }(2).

ياء :- قال الشيخ محمد السبزواري "قدس الله تربته"المتوفى سنة 1410 هج، … أي يرخين على وجوههن وأبدانهن بعض ملاحفهن ويتلفعن بالفاضل منها حين يخرجن من بيوتهن لقضاء حوائجهن " ذلك أدنى أن يعرفن " أي تغطية الرأس والوجه .

كاف :- قال الشيخ محمد جواد مغنية " طاب ثراه"المتوفى سنة 1400 هج، … فان قوله تعالى "يدنين عليهن من جلابيبهن" عام يشمل الستر والحجاب لجميع أجزاء البدن بما فيه الرأس والوجه،ويؤيد هذا الشمول قوله سبحانه " ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ")

لام :- قال الشيخ محمد أمين زين الدين (قده) المتوفى سنة 1419 هـ … والجلباب ثوب كبير يشمل البدن كله، ومن أجل هذه الصفة فيه، استعارته العرب لما يشمل، فقالوا: جلببه الهم مثلاًً إذا استولى عليه وأخذ كل نواحيه .

ميم :- السيد محمد تقي المدرسي … الجلباب خمـار المرأة الذي يغطي رأسها ووجهها .



أقول :

أفاد المفسرون فيما سبق أن الوجه لا يجوز كشفه، وأن المرأة الكاشفة وجهها، مبتذلة على حد تعبير بعض المفسرين، وأن سيرة المسلمات هو تغطية الوجه، لا كما يتشدق به البعض .