شبهات حول الحجاب

بسم الله الرحمن الرحيم
(يـا أيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُـواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا اْلنَّاسُ وَاْلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلـئِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اْللهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَـا يُؤْمَرُونَ)
صدق الله العلي العظيم سورة التحريم آية 6


الإهداء

إليك يا بنت خير البرية - إليك يا بنت سيد الكونين - إليك يا حليلة سيد الوصيينإليك يا أم الحسن والحسين - إليك يا أم الأئمة الهادين - إليك يا قدوة المؤمنات - إليك يا مبعث فخر الغيارى - السلام على سورة النور، وآية الحجاب.

خادمكم المتمسك بأذيال الولاية المحمدية

وإلى كل مؤمنة تبحث عن ستر الزهراء (ع)
أهدي خلاصة هذا البحث
- غيـورٌ عليـكِ

المقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسـلام على سيدِ الخلق أجمعين، وأشرفِ الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد و آله الطيبين الطاهرين الذينَ أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا

لا شك أن المرأة نصف المجتمع، ولها كرامتها واحترامها كإنسانٍ يعيش على ظهر هذا الكوكب، وليست المرأة مخلوقاً غريباً في هذا العالم، ولا عنصراً أجنبياً في هذه العالم، بل هي من صميم هذه الحياة.

وبما أن الإسلام دين الحياة، فقد أولى المرأة اهتماماً كبيراً ، وشملـها برعايته وعطفه وحنانه، فوضع لها الأحكام الحكيمة، والقوانين العادلة لمختلف جوانب حياتهـا الفردية والعـائلية، والاجتماعية، وغير ذلك، وترك لها فرصة تمكنها من السمو إلى صفوف الملائكـة، والوصول إلى الدرجات العالية في الدنيا والآخرة .

وبما أن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجـل من الناحية الإجتماعية ومن جوانب أخرى، فإن من الطبيعي والحكمة أن يكون هناك فرقٌ بينها وبين الرجل في بعض الأحكام والقوانين، ولم يأتِ هذا الفرق إلا انسجامـاً مع طبيعة المرأة واتفاقاً مـع نفسيتها ومركزيتها، وليس تنقيصاً لها .

ويأتي قانون الحجاب في طليعة القوانين الشرعية التي قررها الإسـلام وفرضها على المرأة لضمان سعادتها والحفاظ على عزتها وكرامتها .
وقد تعرض الحجـاب من قبل أعداء الإسلام ومن بعض المشتبهين في مسألة الحجاب، لحملات عنيفة، زاعمين أن الحجاب عبارة عن كبت للمرأة، ولا يسمح لها بالحرية الكاملة على حد زعمهم ومن الغريب جداً أن يتعرض الحجاب لتحويرات في مفهومه، فتارة يعبرون عنه بأنه غطاء للشعر فقط، وتارة أخرى أنه غطاء لبعض الوجه، فيطلقون فتاواهم ؟!! بأنه لا بأس أن تكشف المرأة وجهها أو بعضه، وهذا ما يسمى بالنقـاب أو البرقع ، وهنا تكمن المصيبة الكبرى، حيث أنه بداية السفور والانحلال .

وهؤلاء يضربون بمعاولهم الهدامة من حيث يشعرون أو من حيث لا يشعرون على الوتر الحساس في المجتمع، ألا وهو النساء ، كما هو ديدن الشيطان، إذا عجز عن غواية الرجـل، دخل إليه عن طريق المرأة .

وفي هذه العجالة سنتعرض لبعض أقوالهم ثم ندفع شبهاتهم . ويجب أن نضع نصب أعيننا فتاوى الفقهاء بشكل كامل، ولا نترك جزءاً منها كما يفعله أولئك، فيأخذ من الفتوى ما وافق هواه ويترك ما لا يوافقه . نعم سوف ننظر إلى بعض الآيـات والروايات التي أشارت إلى مسألة الحجاب وما قاله العلماء حولها، ولكن يجب أن نفهم أن ما نتوصل إليه لا يجوز الأخذ به على أنه مفهوم آية أو رواية.
أما أقوال الفقهاء فنحن مأمورون بالأخذ والعمل بها لأنه " يجب على العامي أن يكون مقلِّداً في جميع أقواله وأفعاله في فروع الدين"، بغض النظر عن مفهوم الآية أو الرواية، لأنه لا يحق لغير المجتهد التصدي لاستنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم أو الروايات الشريفة، والله من وراء القصد، وهو الهـادي إلى سواء السبيل .

الحجاب وعادة كشف الوجه في بعض البلاد

الشبهة الأولى:- القول بجواز كشف الوجه لقيام العادة على كشفه في البلدان الإسلامية !! .
وملخص هذه الشبهة :- أن المرأة المؤمنة قد تلقى بعض الشبهات، بأن هناك بعض البلدان الإسلامية، يكشف النساء فيها عن وجوههن، وتلك البـلاد بها علمـاء الدين، فلو كان حـراماً لأنكروا ذلك، وهم على أمر الدين أحرص ؟.
فنقول بأبسط الأقوال : أننا نقلد علماءً لا شعوباً، فوجود أمرٍ مـا، في بلدٍ إسلامي، لا يعني بالضـرورة أنه موافقُ للحكم الشرعي الذي يصدره الفقيه .

الحجاب وسيرة المسلمات

الشبهة الثانية :- القول بجواز كشف الوجه لأن سيرة النساء في أول الإسلام كانت على كشفه !
هذه الشبهة واهية في حقيقتها، ذلك لأن سيرة المسلمـات في صدر الإسـلام كانت على ستره، لا على كشفه كما يدعون، والدليل على ذلك ما ستعرفه بعد قليل، وفي الرد على الشبهة السادسة أيضاً .
بل إن العرب قبل الاسلام كانت تعرف الحجاب بستر الوجه لنسائهم، ويظهر ذلك من أشـعارهم، وأن ستر الوجه كان عـادة مألوفة لدى أشراف العرب .
قال ربيع ابن زياد العبسي يرثي مالك بن زهير :
من كان مسرورًا بمقتل مالك *** فليـأت نسوتنا بوجه نهـار
يجد النسـاء حواسرًا يندبنه *** يلطمن أوجههن بالأسحـار
قد كن يخبأن الوجـوه تسترًا *** فاليوم حيـن برزن للنظـار
يخمشن حرّ وجوههنّ على فتىً *** سهل الخليقة طيّب الأخبار

وقال المهلهل يرثي كليباً :

يحسرن عن بيض الوجوه سوافرا *** من بعده ويعدن بالأزمان

وكذلك من يقرأ كتب العهد القديم وكتب الأناجيل يعلم بغير عناء كبير في البحث أن حجاب المرأة كان معروفًا بين العبرانيين من عهد إبراهيم عليه السلام، وظل معروفًا بينهم في أيام أنبيائهم جميعًا، إلى ما بعد ظهور المسيحية، وتكررت الإشارة إلى البرقع في غير كتاب من كتب العهد القديم وكتب العهد الجديد .
ففي الإصحاح الرابع والعشرين من سفر التكوين عن (رفقة) أنها رفعت عينيها فرأت إسحاق، فنزلت عن الجمل وقالت للعبد: من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائي، فقال العبد: هو سيدي، فأخذت البرقع وتغطت .
وفي النشيد الخامس من أناشيد سليمان تقول المرأة: أخبرني يا من تحبه نفسي، أين ترعى عند الظهيرة؟ ولماذا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك؟
وفي الإصحاح الثالث من سفر أشعيا: إن الله سيعاقب بنات صهيون على تبرجهن والمباهاة برنين خلاخيلهن بأن ينزع عنهن زينة الخلاخيل والضفائر والأهلة والحلق والأساور والبراقع والعصائب.
وفي الإصحاح الثامن والثلاثين من سفر التكوين أيضًا أن تامار مضت وقعدت في بيت أبيها، ولما طال الزمان خلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلففت.ويقول بولس الرسول في رسالته كورنثوس الأولى;إن النقاب شرف للمرأة، وكانت المرأة عندهم تضع البرقع ( غطاء للوجه فيه خرقان للعينين) على وجهها حين تلتقي بالغرباء وتخلعه حين تنزوي في الدار بلباس الحداد.
فالكتب الدينية التي يقرؤها غير المسلمين قد ذكرت عن البراقع والعصائب مالم يذكره القرآن الكريم.وكان الرومان يسنون القوانين التي تحرم على المرأة الظهور بالزينة في الطرقات قبل الميلاد بمائتي سنة، ومنها قانون عرف باسم ;قانون أوبيايحرم عليها المغالاة بالزينة حتى في البيوت.
وقد ذكر الأصمعي أن المرأة كانت تلقي خمارها لحسنها وهي على عفة وكانت أغطية رؤوس النساء في الجاهلية متنوعة ولها أسماء شتى، منها :الخمار: وهو ما تغطي به المرأة رأسها، يوضع على الرأس، ويلفّ على جزء من الوجه وقد ورد في شعر صخر يتحدث عن أخته الخنساء :

والله لا أمنحها شرارها *** ولو هلكت مزقت خمارها
واتخذت من شَعَرٍ صدارها

جاء في لسان العرب، الصدار: ثوب رأسه كالمقنعة وأسفله يغشى الصدر، بلا كمين غير مشقوق تلبسه نساء العرب. قال الازهري : وكانت المرأة الثكلى إذا فقدت حميمها فأحدت عليه لبست صداراً من الصوف .
ولم يكن الخمار مقصورًا على العرب، وإنما كان شائعًا لدى الأمم القديمة في بابل وأشور وفارس والروم والهند .
النقاب: قال أبو عبيد : النقاب عند العرب هو الذي يبدو منه محجر العين، ومعناه أن إبداءهن المحاجر محدث، إنما كان النقاب لاصقًا بالعين، وكانت تبدو إحدى العينين والأخرى مستورهالوصواص: وهو النقاب على مارِن الأنف لا تظهر منه إلا العينان، وهو البرقع الصغير، ويسمّى الخنق،، قال الشاعر:

يا ليتها قد لبست وصواصًا

البرقع: فيه خرقان للعين، وهو لنساء الأعراب، قال الشاعر:

وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت *** فقد رابني منها الغداة سفورها

ومما يدلنا على أن الحجاب بستر الوجه كان عادة مألوفة لدى أشراف العرب، ما ذكره المؤرخون عن سبب حرب الفجار الثانية، أن امرأة من بني عدنان كانت جالسة بسوق عكـاظ، فطاف بها شاب من قريش من بني كنانة، وسألها أن تكشف له وجهها فأبت، فجلس خلفها وهي لا تشعر وعقد ذيلها بشوكة، فلما قامـت انحسر ذيلها من خلفها، فضحك الناس عليها، وقيل لها انك بخلت بكشف وجهك فبان غيره، فنادت يا آل عامر، فساروا بالسلاح، ونادى الشاب يابني كنانة، فجاؤوا بالسيوف والرمـاح، فحصل الحرب بينهما بسبب ذلك.

فمن خـلال ما سبق ذكره، نرى أن ستر الوجه كان موجوداً لدى العرب قبل الاسلام، وكانت عادة حسنة لدى أشراف العرب فأتى الاسلام وأبقى عليها، بل أمر بها ، وحث عليها .
وقد حدثت في صدر الاسلام معارك بسبب تعرض النساء لكشف وجههن وإجبارهن، فقد ذكر المؤرخون أن من أسباب إجلاء النبي صلى الله عليه وآله ليهود بني قينقاع من المدينة، أنهم نقضوا العهد مع الرسول، وذلك أنهم تحالفوا مع مشركي مكة لقتال الرسول، وحاولوا قتله، وكشفوا وجه امرأة مسلمة في سوقهم ، وإليك نص السبب الثالث :
" صادف أن امرأة مسلمة دخلت سوق الصاغة، وكان تحت سيطرتهم وأكثر العاملين فيه منهم، ومع المـرأة بعض الحلي تريد عرضها للبيع، فجلست إلى يهودي، فاجتمع عليها جماعة من اليهود أرادوا أن تكشف عن وجهها وهي تأبى عليهم، فجاء يهودي من خلفها من حيث لا تعلـم، فأثبت طرف ثوبها بشـوكة إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا منها، فصاحت تستغيث بالمسلمين، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ وكان يهودياً فقتله، وشد اليهود على المسلم فقتلوه، فاستنجد أهل المسلم بالمسلمين، ووقع بينهم وبين بني قينقاع الشر.
ولقد كان من الطبيعي أن يثب الرجل المسلم على ذلك اليهودي الوقح الشرير الذي فعل بالمرأة العربية ذلك الصنع، فإن قضية "الأعراض" قضية حياتية وحساسة في أي مجتمع، فهي قضية شرف، وكان هذا الأمر يحظى في المجتمع العربي خاصة بأهمية كبرى.
وعلى الرغم من أن هذه الحادثة ( إخراج بني قينقاع من المدينة ) كانت في السنة الثانية للهجرة بعد أحد ، وأن الحجاب قد فرض في السنة الخامسة، إلا أن ذلك لم يمنع النبي صلى الله عليه وآله من قتال اليهود، نعم هذه القضية لا تدل على أن الحجاب قد فرض آنذاك، إلا أن يقال أن الحجاب قد كان موجوداً في الجاهلية، لكن الالتزام به على اعتبار أنه محبوب ومطلوب لله ، وأمر راجح وحسن قد كان قبل ذلك بسنين . وذلك اتباعاً لتوجيهات النبي صلى الله عليه وآله وترغيباته، ودعواته إلى ذلك، إذ لا يبعد أن يكون تشريع الحجاب تدريجياً، لتتقبله النفوس، وتألفه العادة .
أقول: عرفت مما تقدم أن حربين قد حدثتا، من أجل المحافظة على ستر وجه النساء، الأولى في العصر الجاهلي قبل الاسلام بين بني عامر وبني كنانة، والثانية في صدر الاسلام بين المسلمين ويهود بني قينقاع، فإذا كان المسلمون قد اتخذوا اعتداء اليهود لكشف وجه إحدى نساء المسلمين، أحد الأسباب التي من أجلها كان إجلاء اليهود من المدينة، فهذا يدل على أهمية الحجاب ( أعني ستر الوجه )، مع الأخذ في الإعتبار أن الحجاب لم يُشرع إلا في السنة الخامسة، إذاً فما بالك بما بعد تشريعه وفرضه . ويدل كذلك على وجود الحجاب بستر الوجه . ثم يدّعون عدم وجود ستر الوجه في صدر الإسلام وقد قدمنا مثالين على وجوده، في الإسـلام وقبله، والآثار التي حدثت من أجل المحافظة على ستر الوجه .

(سِترُ السيدة زينب عليها السلام )

الشبهة الثالثة:- القول بجواز كشف الوجه لخروج العقيلة زينب وباقي الهاشميات إلى مصرع الإمام الحسين(عليه السلام) كاشفات للوجوه .
عن مقام الصديقة الصغرى عقيلة الطالبيين زينب( عليها السلام )، نقول:-
أولاً:- (بالنسبة لظروف حـرب الطفوف، وخروج النساء ناشرات لشعورهن، ولاطمات على خدودهن، فإن النسـاء كن في ظروف حرب لا يرحم فيها العدو، ولا يخشى الله تعالى، وهذه الظروف ربما توجد حالة من الذعر والإندهاش، وتؤدي بالنساء أن يخرجن على حالة لا يخرجن عليها في الظروف العادية ).
قال الامـام نابغة الدهر وفيلسوف الزمن وفقيه الأمة الشيـخ محمد حسين الأصفهاني (قدس الله سره الشريف) عنها( سلام الله عليها) :-
ربة خدر القدس والطهارة *** في الصون والعفاف والخفارة
فـإنها تمثل الـكـنـز الـخـفي *** بالـستـر والـحيـاء والـتعـفـف
وقال المقدس الشيخ علي بن الحاج حسن الجشي القطيفي (قدس الله سره) في قصيدته التي يجاري فيها الشيخ حسن الدمستاني (رضوان الله تعالى عليه) :-
فبدت مُسفرة الوجه من الخطب المهول *** لاطمات بالأكف الخد والدمع همول
وروى الشيخ عباس القميأبياتاً :
بنفسي النساء الفاطميات أصبحت *** من الأسر يسترئفن من ليس يرأف

ومذ أبرزوها جهرة من خـدورها *** عــشـيـة لا حـــامٍ يــذود ويـكـنـف

توارت خـدور من جـلالة قـدرها *** بـهــيـبــة أنــوار الإلـــه يـسـجــف

لـقـد قـطّع الأكباد حـزناً مـصابها *** وقـد غادر الأحشاء تهفو وترجف
وقال السيد حيدر الحلي :

وأعظم خطب أعقب القلب لوعة *** هجوم العدى بالخيل والنبّل الرفش

فوزّعن ما ضم الخبا عـن نفـائس *** ومـن سابقـات للهياج ومـن قـرش

تصون محيّاها بأيدٍ تقرحت *** من السوط لم يملكن قبضاً من الرعش


وبعد هذه المرثيات، نجد أن خروج نساء الحسين كان صعباًًُ وهن حواسـر، فهن كنوز العفة والطهـارة والستر، وهن ربائب التطهير والخفارة، وقد تسترن بهيبة أنوار الله جل جلاله على حـد تعبير الفقهاء والعلماء .



هذا ستر زينب في الأحوال غير العادية، والآن انظر معي إلى سترها في الأحوال العادية :


قال الشيخ العلامة فرج العمران(قدس الله سره )من ضمن رواية ساقها ((…… وحدث يحيا المازني قال: كنت في جوار أمير المؤمنين في المدينة مدة مديدة، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصـاً ولا سمعت لها صوتـاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدها رسول الله صلى الله عليه وآله تخرج ليلاً، والحسنعن يمينها، والحسينعن شمالها وأمير المؤمنينأمامها، فإذا اقتربت من القبر الشريف، سبقها أمير المؤمنينفأخمد ضوء القناديل فسأله الحسنمرة عن ذلك، فقال : أخشى أن ينظر أحدٌ إلى شخص زينب عليها السلام ))

أقول : إذا كان أمير المؤمنين يعتبر النظر إلى شخص (أي شبح أو ظل) زينب عليها السلام مهانة وكبيرة، فكيف بوجه المرأة ؟!.

ويحق لنا أن نتساءل، لماذا لا يريد صاحب الغيرة أن ينظر أحدٌ إلى ظل ابنته ؟! طبعاً حتى لا يُميَّز ذلك الشخص المقدس ليعرف أنها امرأة، وتعرف مميزاته، فما ظنك بوجه المـرأة إذاً والنظر إليه ؟! ، فعلى النساء الإقتداء بالزهراء وابنتها عليهما السلام .


ثانياً :- ليس هناك دليل قطعي بأن إحدى بنات الرسالة قد خرجت على تلك الهيئة على نحو الإختيار، بل إنهن أُخرِجن قهراً ، ولقد كـانت المصيبة عظيمة جداً، بحيث كن يستـرن وجوههن بأيديهن، وقد سُلِبَت الأقراط من آذانهن، إلى غير ذلك كما تصرح به الروايات، بل قد تعدى الأمر إلى درجة كبيرة، ولكن قيام يزيد بسبيهن، كان بسوء اختياره، فلو لم يُقدَّر لهن السبي لاندثرت واقعة الطف، ولم يصل ذكرها للناس، ولم يعلموا جرائم يزيد (لعنة الله عليه)، وإذا كان إتلاف النفس في رزء سيد الشهداء قليـلاً، فكيف الخروج على تلك الهيئة؟!، وهو أقل بكثير من إتلاف النفس، كما قـال المجتهد الأكبر الشيخ حسن الدمستاني :-


حق للشارب من زمزم حب المصطفى *** أن يرى حق بنيه حرماً معتكفا

ويواسيهم وإلا حاد عن باب الصفا *** وهو من أكبر حوبٍ عند رب الحرمين


فمن الواجب عيناً لبس سربال الأسى*** واتخاذ النوح ورداً كل صبح ومسا

واشتعال القلب أحزاناً تذيب الأنفسا *** وقليل تتلف الأرواح في رزء الحسين



ثالثاً:- خروج النساء على تلك الهيئة قهراً كان في الليل، فلم يتحدث الرواة عن خروج إحدى العقائل النبوية نهاراً في حياة الإمام الحسين سوى العقيلة زينب الكبرى عليها السلام عندما رجع الإمـام بعد استشهاد أبي الحسن علي الأكبر


وهذا يدل على الإصرار الشديد على مسألة ستر الوجه وعدم إبدائه حتى في الليل المظلم، ولكي يكون الليل سـاتراً لهن، إضافة لتسترهن بالنور الإلهي .


فمعظم المصادر التي بين أيدينا تشير إلى أن بني أمية قتلوا الإمام الحسين ما بين صلاتي الظهر والعصر، وبقية المصادر تشير إلى أن القتل حصل قبل مغيب الشمس بنصف ساعة من أيام العرب، ثم مال الأعداء على سلب الإمام الحسين، ثم رضوا الجسد الشريف، وبعدها تسابقوا على نهب بنات الرسالة . وهذا يعطي دلالة على طول الوقت حتى المغرب أو ما يقربه، وهو الوقت الذي أُخرجت فيه بنات الوحي . ثم إن أغلب المصادر تذكر أن النساء قد " أُخرِجَت " ولم " تـَخرُج "، وهذا يشير إلى أن الأعـداء قد سلبوا النساء المقـانع والثياب ثم أجبروهن على الخروج . وترى ذلك في أشعارهم :


أزعجت من خدرها حاسرة *** كالقطا روّع من بعد هجود

تندب الصون الذي قد فقدت *** صبرها فيه إلى خير فقيد


ومنها :- أنشد الحسن بن الضحّاك :


ومما شجى قلبي وكفكف عبرتي *** محارم من آل النبي استحلتِ

ومهتوكة بالطف عنها سجومها *** كِعابٌ كقرن الشمس لما تبدتِ


رابعاً :- توبيخ الحوراء زينب عليها السلام ليزيد اللعين على جرائمـه المخالفة للشرع الحنيف، ومنها تعمده كشف وجوه النساء، أكبر شاهد على عدم جـواز الكشف، وقد تظافرت بذلك النصوص ، فمنها :-

ألف :- من ضمن كلامها عليها السلام من الخطبة الزينبية في مجلس يزيد (لع) بالشام، قالت (……… أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائـرك وإمائك، وسوقـك بنات رسول الله صلى الله عليه وآله قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد …… )

نستنتج من هذا المقطع بعضاً من الفوائد :-


الفائدة الأولى :- نلاحـظ أن لفظة " أبديت " تدل على أن إبداء الوجه موبقة كبيرة، حيث أن زينب عليها السلام قد بيـَّنت بعض الموبقات التي ارتكبها يزيد (لع) وعدَّدتها، وذكرت منها قتل الحسين، وسبي النسـاء، وكشف وجوههن، حيث عبـَّرت عن ذلك بقولها " قد أبديت وجوههن " فكانت جريمة كشف وجوه النساء ، كقتل الحسين في فداحة الوزر .


واسمع ما قاله العلماء :


فمنهم : الشيخ محمد حسين الأصفهاني طيب الله ثراه الطاهر :

وأفظع الكل دخول الطاهرة حاسرة على ابن بنت هند اللعين


ومنهم : الشيخ علي الجشي رضوان الله تعالى عليه :-



آهِ من جورِ يزيدٍ وهي لا تطفي اللهيب *** خفراتُ المصطفى من كان لله حبيب

تدخل المجلس حسرى الوجه والله رقيب *** غير أن النور والهيبة كانا ساترين



فترى أن الشيخ الأصفهاني والشيـخ الجشي قد جعلا إدخال زينب عليها السلام حاسـرة على يزيد اللعين، أفظع وأمر وأدهى وأعظم حوادث الطف، بل أفظع من قتل الحسـين ، وكذلك تـأوه الشيخ الجشي على ذلك الدخول، لكن جلال الله تعالى والنور الإلهي حجب الطاهرات وسترهن بستر الله العظيم .

الفائدة الثانية :- لو أن كشف الوجه كان جائزاً، لما أنكرته السيـدة زينب عليها السلام، وذلك بقولهـا (أمن العـدل يا ابن الطلقاء..... )

الفائدة الثالثة:- أن السيدة زينب عليها السلام ألقت تلك الخطبة بحضور حجة الله الإمام زين العابدين ، وكذلك حضور ابنه باقر علم النبيين، ونعلم أن الأحكام الشرعية تستنبط من القرآن الكريم، والسنة المقدسة الشريفة، كما نعلم أن السنة المقدسة عبارة عن قـول المعصوم أو فعله أو تقريره. وعدم اعتراض الإمامعلى كـلام عمته تقرير ودليل على أن إبداء الوجه موبقة ومخالفة للشرع، إذ لو كان كشف الوجه جـائزاً لأنكر عليها كلامها. فإمضاؤهلما قالته عمته، دليل على ما قلناه .

الفائدة الرابعة :- إن كلام العقيلة ، بحـد ذاته تشريع موافق لحكم الله الواقعي، ويشهد له بذلك عـدة أدلة وقرائن، من ضمنها :-

أولاً:- كلمة الإمـام زين العابدينبحـق عمته عقيلة الطالبيين عليها السلام (……… أنت عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة) ، تكفي في إثبات ملكة العصمة لها سلام الله عليها، وأن كل ما تقول به فهو موافق لحكم الله الواقعي .

ثانياً :- ذكر المقدس الشيـخ فرج العمران القطيفي (قدس الله سره الشريف) :-


(........، وأما علمها، فهو البحـر الذي لا ينزف، فإنها سلام الله عليها هي المترباة في مدينة العلم النبوي، المعتكفة بعده ببابها العلوَي، المغتذاة بلبانة من أمها الصديقة الطاهرة سلام الله عليها ،…………، وقد نص لها بهذه الكلمة ابن أخيها علي بن الحسين : أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة، يريد بذلك أن مادة علمها من سنخ ما منح به رجالات بيتها الرفيع، أفيض عليها إلهاماً لا يتخرج على أستاذ أو أخذ عن مشيخة، وإن كان الحصول على تلك القوة الربانية بسبب تهذيبات جدها وأبيها وأمها وأخويها، أو لمحض انتمائها عليهاالسلام إليهم واتحـادها معهم في الطينـة المكهربين لذاتها القدسية،……………، وذكر" قدس سره" (أي الفاضـل الدربندي) عند كلام السجاد لها: يا عمة أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة . إن هذا الكلام حجة على أن زينب بنت أمير المؤمنينكانت محدثة، أي ملهمة، وأن علمها من العلوم اللدنية والآثار الباطنية ،………، وعن الصدوق محمد بن بابويه (طاب ثراه ) كانت زينبلها نيابة خاصة عن الحسين، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى برئ زين العابدينمن مرضه )

ثالثاً :- قال سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الشيخ الميرزا جواد التبريزي "رضوان الله عليه " في رده عن سؤال حول ذلك :-

س 1235:- هل يصح أن نقول بالعصمة لغير الأنبياء والأئمة عليهم السـلام كالسيدة الحوراء زينب عليها السلام وأبي الفضل العبـاس، وهل للعصمة مراتب ؟


جواب :- العصمة التي ذكرها الله في آية التطهير مختصة بالنبي وفاطمة والأئمة عليهم السـلام، المعبر عنهم بالأربعة عشر معصوماً ، وفي سائر الناس من المنتسبين إلى النبي أو الأئمة صلوات الله عليهم لا تكون هذه العصمة، ولكن يمكن أن تكون بمرتبة نازلة، يمتازون بها عن سائر الأتقياء و الصلحاء، وهذا كما في أبي الفضل العباس والسيدة زينب عليهما السـلام، وغيرهما ممن ورد في حقهم بعض الأخبـار سلام الله عليهم أجمعين، كيف لا يكـون كذلك، فإن السيدة زينب شريكة الحسين عليهما السلام في قيامه بوجه الظالمين، فإن أسرها وخطبها التي إذا نطقت بها كأنها نطقت عن لسان أبيها معروف مشـهور متواتر، وإن أبا الفضل العباس فداؤه في سبيل أخيه الحسين ، وما تحمَّل من المصائب في سبيل الدين وتشييد مذهب التشيـع أمر معروف بين عامة المسلمين، فضلاً عن المؤمنين، والله العالم


رابعاً :- قال الشيخ محمد حسين الأصفهاني ( قده) :

مليكة الدنيا عقيلة النسا *** عديلة الخامس من أهل الكسا

ما ورثته من نبي الرحمة *** جوامع العلم أصول الحكمة

فـانـهـا ســلالـة الــولايــة *** ولايــة لـيس لـهـا نـهـايـــة



وقال الشيـخ علي الجشي القطيفي " عطر الله مرقده " في قصيدته التي جارى فيها الشيخ حسن الدمستاني:-


ولقد أوصى إلى الصديقة الصغرى التي *** قد حوت من حيدر كل معاني العصمة

واغتذت من لبن الطهر بنور الحكمة *** فهي غصنٌ ظهرت فيه صفات الدوحتين



وبعد هذا هل يحق لمدّعٍ، أن يقول بأن هذا الكلام من قول السيدة زينب عليها السلام، وهي ليست مشرّعة في الدين ! حتى يمكن العمل بمقتضى الرواية ؟!، وقد عرفت أقوال العلماء في حق السيدة زينب عليها السلام إضافة إلى تقرير الإمام عمته بالعصمة في جميع أقوالها وأفعالها .

بـاء :- في الرواية التي ذكرها السيد المقرم عليه الرحمة، في بيـان ما حدث لأهل البيت عليهم السلام في الشام قال : (……… ثم أخرج ( أي يزيد"لع") الرأس، وصلبه على باب القصر ثلاثة أيام، فلما رأت هند بنت عمرو بن سهيل زوجة يزيد الرأس على باب دارها والنور الإلهي يسطع منه، ودمه الطـري لم يجف، ويشم منه رائحة طيبة، دخلت المجلـس مهتوكة الحجاب وهي تقول : رأس ابن بنت رسول الله على باب دارنا، فقام إليها يزيد وغطاها، وقال لها أعولي عليه يا هند، فإنه صريخة بني هاشم، عجَّـل عليه ابن زياد، ……)


وفي رواية الشيخ المجلسي أعلى الله مقامه:قال(…… وخرجت هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز امرأة يزيد، وكانت قبل تحت الحسين ، حتى شقت الستر وهي حاسرة، فوثبت إلى يزيد وهو في مجلس عام، فقالت يا يزيد، أرأس ابن فاطمة بنت رسول الله مصلوب على فناء بابي، فوثب إليها يزيد فغطاها . وقال نعم فأعولي عليه يا هند وابكي على ابن بنت رسول الله وصريخة قريش ، عجَّل عليه ابن زياد لعنه الله فقتله ، قتله الله ……)


وفي رواية الشيخ عباس القمي، قال (………فلما رأى (أي يزيد) زوجته على تلك الحالة مهتوكة الستر وثب إليـها فغطاها ، وقال يا هند فاغمري ……)


أقول : إذا كان هذا حال الفاسق يزيد، شارب الخمور، الفاعل في المحارم، الذي لم يرَ محرّماً إلا ارتكبه، يكون غيوراً على أهله من أن تخرج كاشفة أمام الأجانب، فكيف بالمؤمن الموالي ؟! ، هل يرضى هذا المؤمن أن يكون يزيد الخمور أفضل منه في غيرته على أهله ؟! لا أظن مؤمناً يرضى بذلك أبداً .


أما الروايات التي تقول (……فلما دخلنا دمشق، أدخل بالنساء والسبايا بالنهار مكشفات الوجوه، فقال أهل الشام الجناة ………ما رأينا سبـايا أحسن من هؤلاء، فمن أنتم ؟، فقالت سكينة بنت الحسين : نحن سبايا آل محمد صلى الله عليه وآله…… )

وكذلك (………ثم رحل (أي عمر بن سعد"لع") بمن تخلف من عيـال الحسين، وحمل نساءه صلوات الله عليهن على أحلاس أقتاب الجمال بغير وطاء، مكشفات الوجوه بين الأعـداء ، وهن ودائع الأنبياء وساقوهن كما يسـاق سبي الترك والروم في أشد المصـائب والهموم……)

وفي رواية أخرى (…وحمل نساءه على أحلاس الأقتاب بغير وطاء ولا حجاب ، مكشفات الوجوه بين الأعداء ، ……)

وقال صاحب البحار (……ولزينب بنت فاطمة البتول من قصيدة، انتخبت منها :


تمسك بالكتاب ومن تلاه *** فأهل البيت هم أهل الكتاب


ثم ساق عطر الله مرقده الأبيات إلى أن قال :

فقد نُقلوا إلى جنات عدن *** وقد عيضوا النعيم من التعاب

بنات محمد أضحت سبايا *** يسقن مع الأسارى والنهاب

مغبرة الذيول مكشفات *** كسبي الـروم دامـيـة الـكـعـاب

فإن أبرزن كرها من حجاب *** فهن من التعفف في حجاب


فهي عليها السلام تصف النسـاء السبايا بأنهن مكشفات الوجوه، ولو كانت سيرة المسلمات على كشف الوجه كما يدعون ، لما احتاجت إلى التعبـير بهذا الشكـل، ولكنها عليها السلام عبّرت بهذا النحو، لأن البغاة خالفوا الشرع والدين المقدس والسيرة والعرف .