وبعد هذه المقدمة من الفتاوى والاستفتاءات وأجوبتها، نستخلـص منها عدة أمور في الرد على مزاعمهم، ثم معرفة الحكم فهماً صحيحاً :-


الأمر الأول :- اتضح خطأ كلامهم في تقسيمهم لفقهاء الإماميـة في رؤيتهم للحجاب .

الأمر الثاني:- انكشف خلاف مدعاهم، من عدم وجود فقيه واحد يوجب_على نحو الفتوى_ستر الوجه واليدين، بل اتضح لنا وجود من يحرم الكشف مطلقاً على نحو الفتوى، كالسيد الحكيم " عطر الله مرقده الشريف "، بل وينقل عنه الفضـلاء كلمة في هذا المضمون، وهي ( لو لم يحرم الدينُ كشفَ الوجهِ، لحرمته الغيرة الإيمانية ، فتكفي غيرة الرجل المؤمن على أهله لتحريمه، وأي إيمان عند يزيد "لع" حتى يكون أكثر غيرة من المؤمن المـوالي، كما عرفت ذلك سابقاً ؟!!،

وورد أيضـاً في الحديث الشريف عنه ع أنه قال ( إن الله تبـارك وتعالى غيور يحب كل غيور،ولغيرته حرم الفواحش ظاهرها وباطنها). وحد الغيرة أن لا يرضى الرجل مخالطة حرمه مع الرجال الأجانب بدخولهم، أو بخروجها عن البيت وكشف الوجه والمحاسن أمامهم .

الأمر الثالث:- عرفنا مما تقدم أن الفقهاء ينقسمون إلى ثلاثة أقسام :-

القسم الأول:- هناك من يحرم كشف الوجه، ويوجب التستر_على نحو الفتوى_، وكذا الحكم في الكفين، كالسيـد الأعظم الحكيم "قده".

القسم الثاني:- هناك من يحتاط بالمسألة ، ولكنه نوع من الاحتياطات التي يجب على المقلِّد_بالكسر_أن يقلد فيها مرجعه، وليس له الرجوع إلى غير مرجِعِه فيها، وهو ما يسمى بــــ " الفتوى بالاحتياط ".
بيان ذلك :- أن الاحتياطات على قسمين :-


الأول : احتياطات المجتهد، ويبحث الفقيه عنه باعتباره إحدى نتيجتي الاجتهاد، والنتيجة الأخرى المعبرة عن الجزم بالحكم أو ترجيح الحكم استناداً إلى الحجة الشرعية والاحتيـاط_بهذا الاعتبار_ من شؤون المجتهد في مقام الاستنباط .

يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله تعالى :

فاحتياطات الفقيه _من حيث منشؤها _ على قسمين :-

الأول :- أن تنشأ من عدم استيفاء الفقيه للاطـلاع على الأدلة، أو عدم استيفاء الفحص عن عوارض الأدلـة من التقييد والتخصيص، أو من جهة تعارض الأدلة وعدم امكان الجمع العرفي بينهما فيما هو مورد لأصالة الحل والإباحة شرعاً وعقلاً .

وفي هذا القسم لا تكون للفقيه فتوى في المسألة، فإما أن يهمل ذكرها أو يأمر فيها بالاحتياط . وفي الحالتين يتخير المقلد في هذه المسألة بين العمل بالاحتياط وبين الرجوع إلى فقيه آخر لمعرفة حكم المسألة مع مراعاة الأعلم فالأعلم . ومن هذا الباب ما أفاده استاذنا السيد الخوئي (قدس سره) في رسالته العملية وهو قوله " إذا تردد المجتهد في الفتوى، أو عدل من الفتوى إلى التردد، تخير المقلد بين الرجوع إلى غيره وبين الاحتياط إن أمكن " .

الثاني :- أن تنشأ _الاحتياطات_ من جهة إجمـال الدليل عند الفقيه، أو جهة تعارض الأدلة وعدم إمكـان الجمع العرفي بينهما فيمـا هو مورد لأصالة الاشتغال شرعاً أوعقلاً .

وفي هذا القسم تكون الفتوى هي الإحتياط، فيجب على المقلِّد العـمل بالاحتياط، ولا يجوز له الرجـوع إلى مجتهد آخر بنـاء على وجوب تقليد الأعلـم، لأن فتوى الفقيه الآخر في المسألة بحكـم مخالف للاحتياط مبنية على نظر غير صحيح عند الأعلم، فالرجوع في المسألة إلى غيره في هذه الحالة رجوع عن العالم إلى الجاهل وليس رجوعاً إلى العالم .

والظاهر أن أستاذنا السيد الخوئي(قدس سره) قد لاحظ ما ذكرناه في ما أورده في شأن احتياطاته، حيث قال " الإحتياط المذكور في هذه الرسالة، إن كان مسبوقاً بالفتوى أو ملحوقاً بها، فهو استحبابي يجـوز تركه، وإلا تخير العامي بين العمل بالاحتياط والرجوع إلى مجتهد آخر، الأعلم فالأعلم . وكذلك موارد الإشكال والتأمل . فإذا قلنا : يجوز على إشكال، أو على تأمل، فالإحتياط في مثله استحبابي . وإن قلنا يجب على إشكال أو على تأمل، فإنه فتوى بالوجوب، وإن قلنا المشهور كذا، أو قيل كذا، أو فيه تأمل، أو فيه إشكال، فالـلازم العمل بالإحتياط، أو الرجوع إلى مجتـهد آخر }


ومجمل الكلام أن احتياطات المجتهد على نوعين:

النوع الأول : وهو قسم يستند إلى عدم علم المجتهد بالحكـم في مورد الإحتياط، فيحتاط في الفتوى، أو بعبارة أخرى أن المجتهد لا يعلم الحكم بخصوص مسألة ما _مثلاً _ فيحتاط فيها، فلعل غيره من المجتهـدين يعلم حكمها، وهذا النوع يسمى بـ "الإحتياط في الفتوى" عند المجتـهد، أو الإحتياط الوجوبي عند المقلِد_بالكسر_، كما إذا قال الأحوط وجوباً أو غير مما سنذكره بعد قليل، فله تعابير مختلفة تدل عليه .

وهذا النوع يجوز للمقلِد_بالكسر_ الرجوع فيه لمجتهد آخر مع مراعاة الأعلمية، أو البقاء على تقليد المجتهد .

النوع الثاني: وهو قسم يستند إلى علم المجتهد بانسداد الطريق إلى الحكم، فيفتي بالإحتياط، أو بعبارة أخرى أن المجتهد يعلم حكم المسألة ، ولكن طريق الحكم منقطع للوصول إليه، ويسمى بـ " الفتوى بالإحتياط".

وهذا النوع يجب العمل به، ولا يجوز تركه، والرجوع فيه إلى مجتهد آخر، كما إذا قال يجب على الأحوط، أو يجب على إشكال، أو على تأمل ، فإنه فتوى بالوجوب ومثالنا من هذا القبيل .


الثاني : احتياطات المقلِد_بالكسر_، باعتبار الحجة على المكلف باعتبار أن المجتهد يبحث عن الإحتياط باعتبـاره من شؤون المقلِد في اتباعه لمرجِعِه في الموارد التي ليس له فيها فتوى، وهذه الاحتياطات على نوعين أيضاً :-

النوع الأول: الإحتياط الوجوبي : وهو الإحتياط الذي لا يكون مسبوقاً ولا ملحوقاً بذكر فتوى، وهذا يتخير فيه المقلِد_بالكسر_بين العمل به أو الرجوع فيه لمجتهد آخر مع مراعاة الأعلمية، كما إذا قال : فيه تأمل أو إشكال أو نظر، أو قال: محل تأمل أو غيره مما ذكر، ولم يسبقه بذكر فتوى ، ولم يلحقه، أو قال الأحوط...."كذا وكذا"……ولم يلحقه أو يسبقه بذكـر فتوى، وليس مثالنا من هذا القبيل كما يدعون .

النوع الثاني : الإحتياط الإستحبابي : وهو الإحتياط الذي يكون مسبوقاً أو ملحوقاً بذكر فتوى، كما إذا قال : الأحوط …"كذا وكذا"… وإن كان الأظهر أو الأقوى خلافه، أو قال ……"كذا وكذا"…… وإن كان أحوط، أو وإن كان تركه جائزاً، وما أشبه، ومثله قوله : يجوز على إشكال، أو على تأمل أو الأحوط الأولى .

وهذا النوع من الاحتياط يجوز العمل به ويجوز تركه ، وإن كان العمل به أحوط .

نعود إلى أصل الموضوع، فمن يحتاط من الفقهاء المذكورين، إنما يفتي بالإحتياط لا أنه يحتاط في فتواه، وعليه فتعتبر هذه فتوى، فلا يجوز تركـها، ولا الرجوع إلى مجتهد آخر، بل يجب العمل بها .

ومثل هذا النوع من الفتيا يقول به السيد الخوئي، والسيد الروحاني، والسيد الكلبايكاني، والشيخ الغروي "قدس الله أسرارهم". الشيخ محمد إسحاق الفياض دام ظله العالي .

النوع الثالث:- هناك من جـوَّز كشف الوجه والكفين، لكن هذا الجواز مشروط بشروط، إن توفرت كلها جاز الكشف، وإلا فهو حـرام ، واليك هذه الشروط :-

1- أن لا تكون هناك ريـبة .

2- أن لا تكون هناك شهوة أو لذة .

3- أن لا يكون هناك خوف افتتان .

4- أن لا تتزين .

5- أن لا يؤدي كشف وجهها إلى وقوعها في المحرم .


قبل التحدث عن هذه الشروط ، وانطباقها على مجتمعنا ، نقول:

إن كشف الوجه تارة يكون أمام المحارم، أي أن المرأة تكشـف عن وجهها أمام المحارم، فيكون حكم هذا الكشف كالتالي:-

إن كـان كشفها يؤدي إلى أن يتلذذ محرمها_أعني محارمهـا باستثناء زوجها_بالنظر إليها بشهوة، فهذا حرام من دون أدنى شبهة ، وهذا عادة لا يحدث، بأن يتلذذ محرم في نساءه بطريق الشهوة، نعم قد يحدث ذلك نادراً ، فإذا كان كذلك فيجب على المرأة أن تستر وجهها وكفيها عنهم .

وأما إذا كان الكشف لا يحصل معه تلذذ بشهوة، فيجوز الكشف .

لكن ذلك الحكم بالنسبة إلى المحارم، ونحن بصدد الحكـم في كشف وجهها وكفيها أمام الأجانب، فإذا كان كذلك وأسفرت المرأة عن وجهها أمام الأجانب، فهلمَّ معي للنظر إلى هذه الشروط، وانطباقها في مجتمعنا .

أولاً :- أن لا يكون هناك افتتان : أي أن لا تكون هناك فتنة بوجه عام في المجتمع، وقبل التطرق إلى انطباق هذا الشرط من عدمه، يجب أن نعرف معنى الإفتتان .

سؤال وجه للسيد الشيرازي : ما معنى خوف الإفتتان والريبة؟ وهل يشمل الرجل والمرأة أو يختص بأحدهما ؟

(جواب : خوف الإفتتان بمعنى خوف وقوع أحدهما في الحرام، والريبة بمعنى النظر بقصد السوء وإن لم تحصل لذة فعلاً، ويشمل كليهما)، وقـال الدكتور أحمد فتح الله "الافتتان: في اللغة الإبتلاء والإختبـار، وفي الشـرع الوقوع في الحـرام "

فإذاً، الافتتان هو عبارة عن خوف_فضلاً عن اليقين_ وقوع الرجـل أو المرأة في الحرام .

أسألك بالله العظيم، أليس نظر الرجل إلى المرأة في مجتمعنا _ بل في أي مجتمع آخر_ يسبب فتنة ؟!، أي نظراً محرماً، إن كنت منصفاً ومتواجداً بين صفوف المجتمع، ستجيب ببلى، وإن كنت مكابراً وبعيداً عن ما يحـدث من ملاحقات ومطاردات وجرائم وغير ذلك، بسبب خروج المرأة كاشفة، سيكون لك جواب آخر .

وإذا كان النظر إلى وجه المرأة بريبة ، فقد دخل دائرة الإفتتان، وعليه فقد دخل دائرة الحرام .

ولماذا تذهب بعيداً ؟!، فإن الإنسان المؤمن يخاف على ابنته الصغيرة أن تخرج مكشوفة الوجه، بل إن أهل البيت المؤمنين يخافون من خروج صبي صغير عليه شئ من الجمال بمفرده، تُرى من ماذا يخافون عليه ؟! يخافون عليه افتتان أتباع الشيطان به، وما أكثرهم، فكيف بالمرأة الشابة ؟!، راقبوا الله في نساء المؤمنين .

ثانياً :- أن لا تكون هناك ريبة ، ومعنى الريبة هو النظر بقصد السوء وإن لم تحصل لذة فعلاً، فعلى هذا، فإن النظر بهذا الوصف حـرام، ولا تنسَ "وإن لم تحصل لذة فعلاً"، فإن معنى اللذة هو المتعة والاستئناس برؤية الشيء، ثم قال "فعلاً" أي على وجه الحقيقة . فيكون المعنى: أن النظـر إلى وجه المرأة بقصد الاستئناس برؤيتها، حرام وإن لم يتلذذ على وجه الحقيقة .

ثم إن النظر بذلك القصد_أعني قصد السوء_، كأن يرى جمال وجهها ومفاتنـها، فيقوده ذلك إلى فعل الحرام، فإن النظـر سهم سـام من ابليس وجنوده، فالرجـل لا يدخل إلا من خـلال نافذة مفتوحة ، كما يقفـز السارق إلى البستان من خلال بابه أو فتحة في سياجه، وأي نافذة هي أوسع من وجه المرأة ؟!، وتزداد هذه النافذة إغراءاً إذا بُرقعت أو نُقبت .

ثالثاً:- أن لا تكون هناك شهوة أو لذة، والمراد من النظر بالشهوة، أو النظـر التذاذاً كما ورد في النص بأن زنى العين النظر، فالنظر الاستمتـاعي الغريزي نظير النظر إلى المحللة تمتعاً والتذاذاً هو المـراد من النظر بالشهوة، ويقابله النظر الإعتيادي كالنظـر إلى الشجر والمدر.وفي مجتمعنا هلمَّ إلى الأسواق والمتنزهات والأماكن العامة، وانظر المعتكفين من الرجـال لغرض التلذذ بالنظر إلى وجوه المبتذلات، وتصفح وجوههن ، فهذا دليل واضح لكل عاقل لبيب .

رابعاً :- أن لا تتزين المرأة، فالمرأة زينة وإن لم تضع زينة ، كما لا يخفى عليك ما عليه النساء في مجتمعنا من التزين والإهتمام بهذه الأمور، فإنه يندر خروج امرأة دون أن تضع زينة، وإن كنت لا تصدق هذه الأمـور ، فاسأل زوجتك ، أو أختك، أو أمك عما تراه في حفلات الزفاف على النساء، حتى على الصبايا الصغيرات لتقتنع . بل يكفي المرأة زينة _على زينتها الحقيقية_خروجها وهي متعطرة مما يجذب إليها الأنظـار، ولو من مسافة بعيدة .


وقد عرفت مما قدمناه أن الحجاب كان موجوداً في الشرائع السابقة على الإسلام،حتى عند العرب أنفسهم، وإن اختص ببعض منهم دون الآخر، وذلك لما في الإنسان من القوة النفسانية المسماة بالغيرة، لأن المرأة موضع للشهوة، فتبذّلها وعدم احتجابها يعرضانها إلى ما لايحمـد عقباه، فكان من الرحمة الإلهية أن جاء وجوب الحجاب للمرأة في الاسلام (1). إضافة إلى أن عدم احتجاب المرأة مخالفة لشرعها الحنيف لما قد تسببه من إشاعة للفسـاد وانتهاك المحرمات التي أمر الله تعالى الإبتعاد عنها .

خامساً :- أن لا يؤدي كشف وجهها إلى وقوعها في الحـرام، وقد عرفت ذلك مفصلاً، فراجع . وعرفت أن كشف المرأة وجهها في بلادنا، يوجب الوهن، أي الإحتقار، وتكون منبوذة من العاقلين، وكذلك جلـب أنظار الأجانب إليها، حسب تشخيص الشيخ التبريزي(دام ظله).بل حسبك أن في خروج المرأة متعطرة، ووجوب لفت الأنظار باتجاهها، أن يكون ذلك حراماً قد أوقعت نفسها فيه. فإن حلال محمد صلى الله عليه وآله حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، بل إن حلاله صلى الله عليه وآله حلال في كل مكان وفي كل زمان، وكذلك حرامه، فكشف الوجه حرام في مجتمعـنا وفي غيره ، فهل يُعقل أن المرأة تُفِتن في مجتمعنا ولا تفتن في غيره كالبلاد الغربية مثلاً ، أو بعض الدول الاسلامية؟!.

إن من ينكر أن المـرأة لا تفتن، أو أنها تفتن في بعض المجتمعات، ولا تفتن في غيره، فإن ذلك يعتبر مكابراً للفطرة التي أودعها الله سبحانه وتعالى في الإنسان، فإن الإنسان بطبعه وبغريزته، يميل إلى الجنس الآخر ، بل يعتبر مخالفاً لتلك الفطرة، أو يقول أنها مفتنة لبعض الأشخاص فقط، دون بعضهم الآخر، فإن ذلك الشخص يعتبر معصـوماً، أو من أمثال الصالحين كأبي ذرٍ والمقـداد وعمار وغيرهم من العارفين، فهل مجتمعنا مثلهم ؟! .

وأما الحجاب فإنه سد منيع بين المفاسد، ولو لم يكن فيه من الفوائد إلا دفع الفتنة ، واتقاء التهمة، وعزة النساء لدى الرجال، وإبقاء المرأة في بُرد حيائـها وعدم طمع الأغيار فيها، لكان جديراً بالوجوب. كيف وفوائـده أضعاف هذه الأمور .

وهناك من يختلق الإشكالات، بل إن أكثرها من النساء، بقولهـا: أنا واثقة بنفسي من عدم الإنحراف والإنزلاق في الفسـاد فلا يلزم أن ألتزم بستر الوجه !، والجواب عن هذا الإشكال :-

أولاً :أن الحجاب واجب شرعي على النساء، في جميع الأحوال، وفي جميع البلاد، سواء كنتِ واثقة بنفسكِ أم لا .

ثانياً: إن الثقة وحدها لا تجدي، لأن النفس أمارة بالسوء، [ إن النفس لأمارة بالسـوء إلا ما رحم ربي ]

ثالثاً: إن سفورك بكشف الوجه أو العينين يُسبب إثارة الغريزة في مَنْ يراكِ، في معظم الأحـوال، وقد يؤدي به إلى الفساد والمنكرات، إن لم يكن معكِ فمع غيركِ، فهل هذا جائز أيضاً ؟، لأن مقدمة الحرام حرام، كما هو مقرر في أصول الفقه .

ثم عليكِ_ أختي المؤمنة_ أن تكوني فخورة بربك وأحكامه ، فخورة بحجـابك، لأنك تطيعين الله رب العالمين في هذا القانون الحكيـم، ولذلك تكتسبين الأجر والثواب العظيم في الحجاب، بينما المرأة السافرة عن محاسنها _ بما في ذلك الوجه أو أي جزء منه_ تبوء بالإثم والعدوان وهي سافرة .

إن قيمة المرأة بدينها وحيائها وعفافها، وإن الحجاب هو المفتاح الذهبي لذلك، فالتزمي به يرحمكِ الله تعالى، فالحجاب سمو وهيبة ووقار، فعليكِ به .

إن خفر المرأة وفرط حياءها ، يصونها من أن تكون هي المبتدئة في هذا المجال، وإن الرجل إذا غض بصره، وملك أمره، وأبدى اتزانه، فقد انهار أكبر الدواعي لتبرج المرأة، فإنها لن تتبرج ولن تبدي زينتها، ولن تعرض فتنتها وإغرائها إلا لتلفت نظر الرجل وإعجابه .

نعم نحن لا ننكر أن في مجتمعنا نساء مؤمنات خفِرات خيرات ملتزمات بستر الوجه ، طاعة لله رب العالمين جلَّ وعلا، فهنيئاً لهن بهذا الالتزام والعفة ، فهن أقوى من أقـوال المشتبهين في مسألة الحجـاب ، يعرفن مغزى هـذه المفتريات والشبهات ، فعلى هؤلاء المؤمنـات عدم الإكتارث بمثلها، وعليهن أن يبيـِّنَّ ضعف تلك الأقوال ، ويفنّدنها للمؤمنات المغرّر بهن ، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يعصمهن وإيانا بحق محمد وآله الطاهرين .


ملاحظة هامة :

لا يُقصد بالنظر، أنه النظر الحقيقي المجرد بالعين، بل يتحقق بالتفكير والإهتمام بها عند مرورها بقصد السوء، بل إن الإلتفات إليها بقلبه بذلك القصد، يكفي لتحقق النظر .


خلاصة الأمر :-

وبعد هـذا، فإن الفقهاء_حتى من يقول بالجواز المشروط_لا يجيزون للمرأة أن تكشف عن وجهها، سواء بقولهم بشكل مطلق أو بحسب العنوان الثانوي. ولا يجوز للمرأة أن تسفر عن وجهها حال الإحرام، بل يجب عليها أن تتحجب بأن تسدل خمارها على وجهها، بشرط أن لا تلصقه بوجهها، وإن لامس الوجه أحياناً من غير قصد فلا بأس ، كما عرفت . وكذلك لا يجوز لبس ما يعرف بالنقـاب أو البرقع وأمثالها، إذ أن العينين وما حولـها جزء من الوجه، فبأي دليل شرعي خرجت العينان وما حولها من حكم الوجه؟!، وكذلك لا يجوز لبس ما يُعرف بـ"الكاب" أو الكتافي لأنه مجسم لجسد المرأة . سواء في بلادنا أو في غيرها .



وختام هذه الكراسة بعض الأبيات والقصائد، التي تجمع الكلام القليل والمعنى الكثير، حول الحجاب :-


قصيدة للحاج أحمد بن عبدالله العوى القطيفي (رحمة الله تعالى عليه ):-

إلزمي يا ابنة القطيف الحجابا *** واستري الوجه واسدلي الجلبابا

إلى أن يقول :-

إنما الستر في الشريعة فرضٌ *** فاسمعي يا فتاة مني الجـوابـا

أنت درٌّ مع العفاف، فصوني *** حسنك الغض لا تريه الكلابا

أنت ماء تحيا به الأرض لكن *** بعدرفع الحجاب صرت سرابا

أنت للناظرين نجم، ولكـن *** باختلاط الرجال صرت ضبابا

كم أصابت سهامكِ من شباب *** تركت عقله السليم مصابـا

تظهري الوجه للرجال وتدري *** أن بعض الرجال يحكي الذئابا

ربـة البيت رحمـة ببنيـكِ *** لا تديفـي لهم سموماً شرابـاً

أنسيتِ المعادَ ؟ هلاّ قـرأت *** سورة النور أم نسيتِ الكتابا؟

فعلى سترك العفا يا ابنة الخط *** وهـل أمٌّ لا تخـاف العقابـا؟

قد تركنَ البنات من غير سترٍ *** خارج البيت قد فتـنَّ الشبابا

وختامـاً على النبي صـلاتي *** وبنيه المـحالفـين الصوابا



وقال الشيخ حسن العاملي في شأن الحجاب:-


سيري لمجـدك تحت ظل عفـاف

وتجملـي بمطـارف الألطـاف

ودعي التـبرج والسفور ففيـهما

سر السـقوط ومنتهى الإسفاف

ليـس التـبرج للفتـاة بزينـة

تسـمو بـه لمراتب الأشـراف

لكنمـا هـو دعوة من جـاهل

متجـاهر بالمكـر والإرجـاف

يبغي الوصـول إلى مناه بخدعـة

مستـورة بمظـاهـر الإنصـاف

لو كنت تدرين المراد لخفت من

عقبى الخـداع وغائل الإجحـاف

فتحـذري سوء النهايـة واتقي

لهـب اللظى بتحجـب وعفـاف

ما الـدُّر وهو مجرد عن حـرزه

بمقـدّرٍ كالـدُّرِ في الأصــداف

وتُصـان بالستر الثمار وتغتذي

ببروزهـا في معـرض الإتــلاف

ولذا يقـول الديـن لا تتبرجي

للأجنـبي وحققــي أهـــدافي

كي تسـعدي بهدايـتي وتحققي

هدف السـمو بأمثل الأوصــاف



# # # # #

يا ابنـتي إن أردت آية حسـنٍ

وجمالاً يزين جسماً وعقـلا

فانبذي عـادة التـبرج نبـذاً

فجمال النفوس أسمى وأعلى

زينة الوجه أن ترى العـين فيه

شـرفاً يسحر العيون ونبلا

واجعلي شيمة الحيـاء خمـاراً

فهـو بالغـادة الكريمة أولى

والبسي من عفاف نفسك ثوباً

كل ثوب سواه يفنى ويبلى

المصادر و المراجع



1- ابن منظور ، محمد بن كرم .لسـان العرب .

2- الأحقاقي ، الشيخ ميرزا الحائري . خير المنهج إلى مناسك الحج .

3- الأصفهاني ، السيد أبو الحسن . تحرير الوسيلة .

4- الأصفهاني ، الشيخ محمد حسين .ديوان الأنوار القدسية .

5- الأميـني، الشيــــخ إبراهيــم نجل العــلامة الشيـخ عبدالحسين. إختيـار الزوج .

6- الأنصـــاري ، الشيخ المولى محمد علي اللمعة البيضـاء في شرح خطبة الزهراء (ع) .

7- التبريزي ، الميرزا الشيخ جواد. التعليقة على صراط النجاة. التعليقة على منهاج الصالحين . مناسك الحج .

8- التويسـركاني ، السيـد حسـين شيخ الاســـلام . مسنـد فاطمة الزهراء (ع) .

9- الجشي ، العلامة الشيخ علي .ديوان العـلامة الجشي .

10- الجنابنذي ، الشيخ سلطان محمد المعروف بـ سلطان علي شاه. تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة .

11- الجواهري ، الشيخ شريف . مثير الأحزان في احوال أمناء الرحمان .

12- الحسيني ، السيد ابو القاسم علي بن موسى بن جعفر ابن طاووس . اللهوف في قتلى الطفوف .

13- الحسيني ، الشيخ باقر شريف .سيرة الأئمة الاثنا عشـر .

14- الحكيـم ، السيد محمد تقي. الأصـول العـامة للفقـه المقارن .

15- الحلـــي ، الشيــخ أبو إبراهيم نحم الدين محمد بن نما . مثير الأحزان .

16- الخاقاني ، الشيخ محمد طاهر آل شبير .شـرح خطبـة الصديقة فاطمة الزهراء (ع) .

17- الخوئي ، السيد أبو القاسم الموسوي . صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات . المسائل المنتخبة . مناسك الحج .منهـاج الصالحين.

18- الخويلدي ، الشيخ سعيد . زينب(ع) القدوة والرمز .

19- دخيل ، الشيخ علي محمد علي .روائع من حياة الأئمة (ع) .

20- الدمستاني ، الشيخ حسن .المربعة الدمستانية .

21- الرضوي ، السيد عباس .أهميـة تشخيص الموضوعـات والاحاطة بالواقع المعاش في العمل المرجعي .

22- الروحاني ، السيد محمد .أوضح المسـائل فيما يبتلي به السائل . المسائل المنتخبة . مناسك الحج . منهاج الصالحين .

23- زين الدين، الشيخ محمد أمين . الحجـاب أو العفاف بين السلب والايجاب .


24- السبحاني،الشيخ جعفر نجل الشيخ محمد حسين . سيد المرسلين. 25- الســبزواري ، الشيخ محمد .الجديـد في تفسـير القرآن الكريم .

26- السيستاني ، السيد علي الحسيني .التعليقة على العروة الوثقى . الفقـه للمغتربين . المسـائل المنتخـبة. مناسك الحج . منهاج الصالحين .

27- السيوري ، الشيخ جمال الدين المقداد بن عبدالله . كنز العرفـان في فقه القرآن .

28- الشامي . السيد حسين هادي . حقيقـة الحجـاب لا العباءة_ المغربية_ والنقاب . زواج بلا اعوجاج .

29- شبر ، السيد عبدالله. تفسير القرآن الكريم(تفسير شبر). الجوهر الثمين في تفسير الكتاب المبين .

30- شمس الدين . الشيخ محمد مهدي .الاجتـهاد والتقليد.

31- الشيرازي ، السيد محمد نجل السيد مهدي .الحسيني . أجوبة المسائل الشرعية . تقريب القرآن إلى الذهان . جامع مناسك الحج. الحاج في مكة والمدينة .

32- الشيرازي ، الشيخ ناصر مكارم .التفسير الأمثل في كتاب الله المنزل . الزهراء (ع) خير نساء العالمين .

33- الطباطبائي ، السيد محسن الحكيم . منهاج الصالحين . منهاج الناسكين .

34- الطباطبائي ، السيد محمد حسين .الميـزان في تفسـير القـرآن .

35- الطبرسي ، الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن . تفسير جوامع الجامع . مجمـع البيان في تفسير القرآن .

36- الطبرسي ، الميرزا الشيخ حسين بن الميرزا محمد تقي . مستدرك الوسائل ( مستدرك وسائل الشيعة ) .

37-الطبري، ابو جعفر محمد بن جرير بن رستم الامامي. دلائل الامـامة .

38- الطريحي ، فخر الدين .منتخب الطريحي .

39- الطوسي ، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي . التبيان في تفسير القرآن .

40- العاملي ، السيد جعفر مرتضى .خلفيات مأساة الزهراء. الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، مأساة الزهـراء عليها السلام، مسائل وردود .

41- العسكري ، أبو هلال الحسن بن عبدالله اللغوي . الفـروق اللغوية .

42- الغروي ، الميرزا الشيخ علي . مناسك الحـج . موجـز الفتاوى المستنبطة .

43- فتح الله ، الدكتور أحمد . معجم ألفاظ الفقه الجعفري .

44- الفياض ، الشيخ محمد اسحــاق .تعاليـق مبسوطة على العروة الوثقى . تعاليق مبسوطة على مناسك الحج للسيد الخوئي. منهاج الصالحين .

45- الفيض الكاشاني ، الشيخ محمد بن مرتضى .الصافي في تفسير كلام الله .

46- القطيفي ، الحــاج أحمد بن عبدالله العوى . ديـوان محرك الأحزان .

47- القطيفي ، الشيخ فرج العمران ، وفاة زينب الكـبرى (ع) .

48- القطيفي ، الشيخ عبدالله منصور . طريق الكـرام من الكوفة إلى الشـام .

49- القمي ، الشيخ عباس . بيت الأحزان . نفس المهموم في مصيبة الامام الحسين المظلوم (ع) .

50- الكاشــاني ، الشيخ نور الدين ، بن مرتضى . التفسـير المعين .

51- الكلبايكاني ، السيد محمد رضا . إرشـاد السـائل . التعليقة على تحرير الوسيلة . مناسك الحج .

52- الكليني، ثقة الاسلام محمد بن يعقوب بن اسحاق. الكـافي الشـريف.

53- المجلسي ، الشيخ محمد باقر بن الشيخ محمد تقي .بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار .

54- المدائني ، أبو حامد عز الدين بن هبة الله ابن أبي الحديد المعتزلي .شرح نهج البلاغة .

55- المدرسي ، السيد محمد تقي .من هـدي القرآن .

56- المشـهدي ، الشيخ محمد بن رضا القمي .تفسـير كـنز الدقائق وبحر الغرائب .

57- المطهري ، الشيخ مرتضى .مسـألة الحجاب .

58- المعلم ، الشيخ علي .الحـج معالمه ، ومعارفه .

59- مغنية ، الشيخ محمد جواد .التفسـير الكاشف .

60- المقرم ، السيد عبدالرزاق .مقتل الامـام الحسين (ع) .

61- الموحد، السيد محمد إبراهيم .الحجاب سعادة لا شقاء.

62- الميلاني ، فاضل الحسيني .فاطمة الزهـراء(ع) أمُّ أبيها .

63- النقدي ، الشيخ جعفر .الاسلام والمـرأة .

64- الهديبي ، الشيخ حبيب .إشراقات فكرية في شرح الخطبة الفدكية .
65- اليزدي ، الســـيد محمد كاظم الطباطبائي.العـروة الـوثقى .