الجزيرة السعودية

2010 الجمعة 26 فبراير

«المسيار والسري» يتصدران قائمة الطلبات

الرياض - نوال الراشد

فتح زواج المسيار قبل عدة سنوات الباب حول مسميات أخرى جديدة للزواج؛ فمن المسيار إلى المسفار، والمصياف، وزواج الابتعاث، والعرفي، وزواج اليوم الواحد، والزواج من أجنبية بدون تصريح، والزواج السري أو غير المعلن، وزواج القاصرات، والزواج المنتهي بالطلاق، وزواج المتعة، وزواج الوناسة، وزواج القبلي المعروف بعدم تكافؤ النسب، وغيرها من المسميات.. منها ما تم إجازته من الناحية الشرعية وآخر تم تحريمه.

وقد أسهم الإعلام المفتوح بشكل مباشر بمختلف فئاته في صناعة فتاوى الزواج التي تم تداولها بين الناس، وأوجدت مساحات للرأي ما بين مؤيد ومعارض لها كما حسم المفتون جوازها من عدمه من منطلق الشريعة الإسلامية، كما بنيت على تلك الفتاوى ردود أفعال متباينة ما بين مفتٍ وآخر..

"الرياض" بحثت في هذا التحقيق عن المصدر الحقيقي لصُناع فتوى الزواج وخرجنا بعدد من الآراء التي تحدد ذلك المصدر..

مخرج عن الحلال والحرام

د. توفيق بن عبدالعزيز السديري وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد يقول: إن انتشار هذا النوع من فتوى الزواجات هو لإيجاد مخرج عن (الحلال والحرام)، وهذه الزيجات تحقق لطالبيها هذا المخرج وبسهولة، بالإضافة إلى أن له عدة مسببات منها وجود طبقة جديدة في المجتمع من محدثي النعمة الذين لم يعد الوضع المالي عائقاً بالنسبة لهم، فالزواج على أكثر من زوجة بالمسيار أو بأي مسمى آخر هو الهدف والغاية، وتعطي للرجل المقدم عليها ما يتمناه في عدم تحمل مسؤولية البيت والأسرة والإنجاب، بالإضافة إلى ثقافة المجتمع الذي يعزز في نفس الرجل بأن فحولته هي بتكرار الزواج أكثر من مرة، فيتزوج بسهولة ويستطيع أن يطلق أيضاً بسهولة، مؤكداً على أن الإعلام هو من كتب عنها وبث التوعية بمخاطرها ولكن ليس هو من صنعها، وإنما هي ثقافات الزواج لدى الرجل في المجتمع هي التي صنعتها فيما يتناسب مع ظروفه ومتطلباته في الزواج.

فتاوى الوجبات السريعة!

د. عبدالله محمد الفوزان أستاذ علم الاجتماع المشارك -كلية الآداب- بجامعة الملك سعود قال: إنه معلوم أن العلاقة بين الدين والمجتمع علاقة وثيقة، والفتوى تشكل عنصراً مهماً في تكييف الواقع لمعطيات وتعاليم الدين الإسلامي، والزواج هو أحد أوجه الحياة التي يوجهها الدين بتعاليمه ويسبغ عليه قدسية خاصة ويعده عبادة يتقرب بها الإنسان إلى خالقه، بل إن الإسلام وضع الشروط والأسس التي ينبغي أن يقوم عليها الزواج، وهذا الارتباط الوثيق بين الدين والزواج هو الذي يجعل الفتوى ذات صلة مباشرة بالزواج، لأنها تشكل موجهات دينية للحياة الزوجية؛ ولكن الملاحظ أن هناك حالة من الفوضى وعدم التقنين للفتوى مما فتح الباب على مصراعيه أمام أنصاف الفقهاء والفتاوى الجاهزة والسريعة (على غرار الوجبات السريعة) دون تعمق في فقه الواقع، وهذا أحدث حالة من البلبلة واستغل البعض هذه الفتاوى لتحقيق مآربهم ويشرعنون تصرفاتهم بتلك الفتاوى.








وأضاف أن الزواج في الإسلام ميثاق غليظ ويقتضي تحمل المسئولية ويفترض فيه الاستمرار والإنجاب، ولكن هناك فتاوى جردت الزواج من جوهره وحصرته في المتعة فقط لتظهر أمامنا تلك المسميات لأنواع مختلفة من الزواج فتساهل الناس في أمره والتفريط بمتطلباته، وهذا يشكل تشويهاً صريحاً لمفهوم الزواج كما أراده الشارع الحكيم، ونتج عن هذه الزيجات زيادة معدلات الطلاق وانتشار الزواجات التي تستغرق ساعات أو أياما أو أسابيع أو أشهرا وغلب مفهوم إشباع الغريزة على مفاهيم السكن والمودة والإنجاب والاستمرارية، مؤكداً على أن بعض الفتاوى قادت إلى التلاعب بالمفهوم الشرعي للزواج وأدت إلى الاستهانة به وتحويله إلى ممارسة أساسها الإشباع الجنسي فقط وفي هذا تهديد لمنظومة القيم الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية ويعد نكوصاً مريعاً عن مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية.

وأشار إلى أن الإعلام كان له دور ملحوظ في الترويج لمثل هذه الزيجات وانساق خلفها بعض المفتين ليمنحوها مشروعية دينية، كما فتح الإعلام ذراعيه أمام الفتوى وبرامج الإفتاء بصورة غير مسبوقة فتهافت الناس على الفتاوى السريعة والجاهزة على الهواء واختلط الحابل بالنابل وتضاربت الفتاوى بين محرم ومحلل، مما يستدعي تقنين الفتوى بهيئة خاصة بدلاً من الفتاوى الفردية التي نراها اليوم حفاظا على مقاصد الشريعة وحفاظا على تماسك المجتمع.

عدم جود سكن

الشيخ والمستشار الشرعي عبدالعزيز محمد الفهيد يقول: إن أغلب هذه الزواجات وما خرج منها من مسميات جديدة جميعها مرتبطة بعدم وجود السكن الدائم والاستقرار، ومن هنا نشأت تلك الزواجات، وأصبح الفرد يبحث عن فتاوى جديدة للزواج الشرعي، وهو ما يتناسب مع ظروفه وحاجته من الزواج، وفي المملكة لا يمكن أن يعقد أي زواج تحت أي مسمى جديد إلا ما نصت عليه الشريعة الإسلامية وهي موافقة الزوجة ووجود ولي أمر الزوجة والشهود، وان اختلفت مسميات الزواج المتداولة عبر وسائل الإعلام الآن، ولو لاحظنا ان أحد الأسباب في انتشارها هو الترف الذهني لدى الرجل في البحث عن الجمال والمتعة لدى المرأة بصرف النظر عن الاستمرار في هذا الزواج من عدمه، وضعف الوازع الديني في عدم تحمل المسؤولية وعدم الإنجاب والتنصل من المسؤولية، ثم الفراغ لدى شريحة كبيرة من الرجال في المجتمع والتأثر بالقنوات الفضائية والإعلام، ولا ننسَ أن للمرأة دورا في القبول والتنازل عن بعض حقوقها مقابل هذا النوع من الزواجات، بالإضافة إلى أن المرأة تريد الزواج بالرجل ولكن لا تريد الارتباط به طوال الوقت نظراً إلى وجود الأولاد من زواج سابق أو عمل أو عدم تحمل مسؤولية الزوج طوال الوقت، والمبالغة في أمور الزواج والتقاليع في التجهيز لزواجات والمصاريف وتكاليف الزواج بالتأكيد أثرت بشكل مباشر على الزواج التقليدي.





واختتم الشيخ الفهيد رأيه بقوله: إن صناعة الفتوى هي صناعية إعلامية أريد منها البحث عما يستجد في حياة الناس من أمور ومنها الزواج، كما أن المجتمع ساهم في انتشاره بوجود الرجل المقبل عليه والمرأة الموافقة على التنازل عن حقها مثل المبيت أو المصروف أو السكن، وإذا عقد النكاح بشروط فعلى الطرفين الالتزام بتلك الشروط فيما بينهما.

الزواج ب"ولي"

د. غازي عبد العزيز الشمري رئيس التكافل الأسري ومستشار إمارة المنطقة الشرقية في الشؤون الأسرية يقول: أين كانت مسميات تلك الزواجات التي طرأت في المجتمع وكانت مستوفاة الشروط الشرعية لعقد القران فهي صحيحة؛ وليس الاسم هو الذي يحدد شرعيتها إنما شروط عقد النكاح وموافقة الزوجة ووجود ولي أمرها والشهود، وليس من شروط عقد القران السكن كما هو في عقود زواج المسيار وغيره وتنازل الزوجة عن حقها في المبيت.

وأضاف أن الكثير من طالبي هذه الزواجات يريدون أن يعفوا أنفسهم بما يستطيعون من قدرات مادية تتناسب مع ظروف من مثلهم من النساء اللاتي سبق لهن الارتباط ولديها أولاد أو أشغال أو أعمال تجعلها غير متفرغة لزوجها طوال الوقت، بالإضافة إلى أنها تريد أن تصون نفسها فما المانع في ذلك.

وأضاف: لا تستطيع المرأة أن تزوج لنفسها أيا كان عمرها إلا بولي، وإذا كان لا يوجد لها ولي يعقد لها القاضي في المحكمة، كما أن مأذوني الانكحة لا يمكنهم أن يعقدوا قران امرأة إلا بوليها فهذا هو الشرع وهذا هو النظام المتبع في عقد الانكحة حتى في حالات العضل التي يصر فيها ولي الأمر إلى عضل المرأة في عدم تزويجها؛ فللمرأة أن تكتب للإمارة التابعة لسكنها والامارة تقوم بمتابعة حالتها وتحويلها إلى المحكمة التي تتولى مباشرة حالتها مع وليها؛ وفي حال استمرار الرفض يتم تزويجها عن طريق القاضي، ولدينا في إدارة التكافل الأسري في إمارة الشرقية حالات تم معالجتها وكان آخرها فتاة تجاوزت الثلاثين عاماً تم عضلها من قبل تسعة من أخوتها الذكور وبعد أن رفعت أمرها إلى الإمارة تم تحويل موضوعها إلى المحكمة التي باشرت الموضوع بشكل سريع مع أخوتها الذين استجابوا مع دعوة المحكمة وتم حل الموضوع وتزويج الفتاة بعد فترة عضل استمرت سنوات.






الزواج السري

بالفعل إذا أردت الحديث عن كواليس الخطبة وما يدور فيها فاسأل أهل المهنة من الخطّابات فهن أعرف الناس بخفاياها، تقول أم فهد: أكثر الزواجات المطلوبة في هذا الوقت سواء من الرجل أو المرأة وخاصة من سبق لهم الزواج أكثر من مرة هو الزواج (غير المعلن) ولقد انتشر بكثرة ولا تتخيلي عدد الرجال الباحثين عن المرأة التي توافق على عدم إشهار الزواج لدى أهله وحتى اقرب الناس له، أما المرأة فتكتفي بوليها الذي يعقد نكاحها ولا تخبر أحداً من أسرتها بأنها قد تزوجت، مشيرة إلى أن بعض الأسر للأسف لم يعد يسألوا عن الرجل في دينه وسمعته ووظيفته؛ إنما السؤال الأول ماذا يملك وكم رصيده وكم عنده؟؛ حتى وان كان صاحب سمعة غير طيبة، فالناس يبحثون عن الثراء من وراء تلك الزيجات والمفهوم السائد هي صفقات للذي يدفع أكثر.

واشارت إلى أن الزواجات الجديدة التي ظهرت بأسماء جديدة في المجتمع لا تحبذ الخطبة فيها نظراً إلى كثرة المشاكل التي تكون بعد الزواج، وان كلا الطرفين الرجل أو المرأة لا يصدق في حديثه ويبحث عن مصلحته وبمجرد الحصول على المصلحة تبدأ المشاكل، ومن ثم يقوم الزوجان بإدخال الخطابة في مشاكل وهذا ما لا أقبله ولا أود الخطبة فيه.

زواج الستر والعفاف

الخطابة أم محمد تقول: ازداد طالبي الزواج من الشباب في هذه السنوات نظراً إلى كثرة حالات الطلاق ووجود أعداد كبيرة من المطلقات في البيوت، بالإضافة للاتي لم يتزوجن بعد، فالشباب يبحثن عن الفتيات الجميلات ولا يقبلن بغيرهن، والفتيات يبحثن عن الرجل الثري والغني واختلفت معايير الزواج عن الماضي في البحث عن دين الرجل وعفاف وأخلاق الفتاة فالكل يعتقد انه على صواب لذا يكثر الطلاق في البيوت، مشيرة إلى أن كثيرا من اسر الفتيات هم من يبحثون عن الأزواج لبناتها وهذا منتشر بين مجتمع الخطابات، فالبنات أكثر من الشباب في طلب الزواج، والشباب هم أكثر طلباً على زواج المسيار والزواج السري وغيره، فهم لا يريدون أن يتحملوا كامل المسؤولية، كما ان المرأة لم تعد تريد الإنجاب وتحمل المسؤولية والارتباط بالرجل كامل الوقت لذا ترضى بالمسيار أو السري نظراً إلى حاجتها وما يتوافق مع ظروفها، مؤكدة على أن "الدارج" في الزواج حالياً هو المسيار والسري..