وقفة مع الأخ البدري في نقده للمرجع الكبير فضل الله
كتابات - حيدر محمد علي
أن من تداعيات التغيرات التي جرت وتجري في عراقنا الجريح والمنكوب هي حالة التعصّب والتحزّب التي تجعل من الكثير لايرى ألاّ مايحب ويرغب ولايعقل ولايتدبّر ألاّ مايريد ومايتصوّر، حتى وأن كان في هذا تجاوزا" وتعديا" على ما كان له بالأمس مقدسات ومواضع تجليل وتمجيد .. وكأنه يحاول وبشتى الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة أن يطوّع ويروّض مفردات ومكونات الواقع من دين وتشريع وسياسة وأجتماع وعادات وتقاليد وأعراف . لكي تماشي نظرته وتساير طريقه وتخدم غرضه ومبتغاه. هذه توطئة للموضوع وأشارة عامة يؤسف لها وخصوصا" عندما تشمل دعاة فكر وتدين ومعرفة!! لاأدري فقد تكون من أفرازات مرحلة التغيير أو من أفرازات حياتنا الدنيوية وتقلباتها اليومية وأبتلاءاتها الربانية؟؟ أو أنها أفرازات طبيعية لكل هذا وغيره؟؟
وعودة" للأخ البدري والذي أراد في بداية موضوعه أن (يناقش) السيد فضل الله ولو أن هذا النقاش قد تحوّل سريعا" الى نقد ثم توجيه وأرشاد وموعظة لل(مرجع) ثم أوامر وأملاءات له وعليه!! .. وقد أشار الأخ البدري وقبل الخوض في نقاشه وبصورة العاتب على السيد فضل الله من أنه لم يشاهد(مركز رعاية أو مبرة لأولاد الشهداء العراقيين والمحتاجين على غرار المبرات التي ينعم بها الأيتام اللبنانيين ولانعرف السبب) وأني أجيب الأخ البدري من فمه هو ومن ما كتبه هو في نفس موضوعه هذا حيث كتب بالحرف الواحد(وما شاء الله يوجد هناك أربعة مراجع بأستطاعتهم أن يأدّوا الدور لأنهم في وسط الأحداث وهم الأقدر على التشخيص) وأضيف له بأن أمكانيات أحدى هذه المرجعيات الأربعة المالية لهي أضعاف أمكانيات مرجعية السيد فضل الله كما يعلم هو والجميع وهي تعيش في هذا البلد فمن المفروض أن تشبعكم مرجعياتكم هذه مراكز رعاية ومبرات وكل شيء . أضافة الى أن موقف السيد فضل الله الداعم للعراقيين في لبنان معروف وبأمكانك الأطلاع على الكثير من التفاصيل عن طريق مركز الشهيد الصدر الثقافي في بيروت. وعودة" على بدء فأن مجرد النقاش وحده مع المرجع هو بحد ذاته لأمر رائع ولأنجاز وأنفتاح وأبداع لسماحة المرجع فضل الله جاد به علينا بعد أن كان ومازال هذا الأمر عند الأغلب من غيره من المراجع من الأمور الغير واردة والغير معتادة على أحسن تعبير وظن. وفي بداية (نقاش) الأخ البدري وأذا به يتهم السيد (المرجع) ب(أن السيد لم يكن على أطلاع بالوضع العراقي ... وأن سماحة المرجع ينظر للقضية العراقية على طريقته ... وهذا غير صحيح)، وأني وفي غاية التعجب والأستغراب من أسلوب وأدارة هذا النقاش ، كنقاش بحد ذاته ولكونه مع (مرجع ديني). فأي نقاش هذا الذي تبدأ به بأتهامك الطرف الأخر بعدم الأطلاع وبأن نظرته غير صحيحة، هذا من جهة طريقة النقاش وأما كونه مع (مرجع ديني) يصفه هو ب(السيد المرجع الكبير) فهنا الطامة الكبرى حيث نرى هنا بأن كل الموازين والقياسات والقوانين قد أنقلبت على رأسها. فالكل يعرف وخصوصا" نحن الأسلاميون الشيعة صغيرنا وكبيرنا، مثقفينا وعوامنا.. بأن (المرجع) هو الذي يحدد صحّت وصواب وشرعية أعمالنا وأفكارنا وتصرفاتنا.. ومن غير ضمانة هذه الشرعية وهذا التصويب من (المرجع) فأن كل ما نقوم به باطل وصاحبه مأثوم.. بينما نرى هنا الأخ البدري هو الذي يحدد صواب وصحة أراء وأفكار (المرجع) من عدمها،.. أليس هذا بالفاجعة؟؟ فهل يعني نقاشنا هو التجاوز على كل القيم والأعتبارات وحتى الشرائع؟؟ أعتقد أن هذا النقاش هو مصداق عملي لديمقراطية أمريكا التي تريد زرعها في العراق والعراقيين والتي يميل لها الأخ المناقش!!
فتعالوا بنا لنقف على بعض مفردات ومعاني نقاش الأخ البدري، ففي البداية أود أن أشير الى أستغرابي الشديد من أنفعاله وتحسسه البالغ من آراء وأفكار (المرجع الشيعي)فضل الله حول العراق، بينما لانرى أي ردّة فعل أو تحسس من آراء وأفكار بوش وباول ورامسفيلدوغيرهم حول تفاصيل وجزئيات الوضع في العراق ومصائر أهله وأبنائه. أليس في هذا مفارقة عجيبة؟! ولو وقفنا مع نقاطه وحسب ترتيبها:
أولا":أن ثورة العشرين هي أنصع وأسمى صفحات تاريخنا المعاصر، ولطالما تفاخرنا بأمجادها وبطولاتها.. وياسبحان الله فكأني أراها هي الحركة الصدرية في زمانها.. والتي كان من أبرز معالمها هو التلاحم(ولو النسبي) بين المرجعية الحركية الثائرة والحوزة والعلماء وبين الناس(أو كما يسمونهم العوام)، فتفجّرت براكين الثورة، ثورة الحق والدين والتحرر.. وأن من أبرز معالم ضعفنا وتشرذمنا الآن هو فقدان أو أنحسار هذا التلاحم بين المرجعية والعوام .. ولو كان ذلك التلاحم وذلك النهج النهضوي مستمرا" لما حلّ بنا ما حل ولما وصلنا لما وصلنا أليه ولما ذبح العراقيون الشيعة في الشوارع كما يقول الأخ البدري في نقطته الثانية، والتي حاول فيها أن يثبّت معنىطائفي بشكل أو بأخر، علما" بأن هذه الأشارات الطائفية لا تنسجم مع نهج كل علمائنا ومراجعنا العظام السابقين والحاضرين وبلأخص الصدر الأول الذي أشار أليه هو في نقاشه.
ثالثا": يقول بأن قوات الأحتلال بقيادة أمريكا لم تدنس الأماكن المقدسة للشيعة، ولاأدري ما الذي يسميه أو يفهمه من ما فعلته وعاثته هذه القوات في النجف وكربلاء بعد أن أهلكوا الحرث والنسل فيهما؟؟وللعلم فأن شوارع ودرابين النجف ولحد هذه اللحظة لم تنظف كاملة" من القنابل العنقودية الأمريكية الغير منفجرة. ولا أدري لماذا ستحرق الأماكن المقدسة للشيعة من قبل المثلث السني؟ وأين الشيعةأذن عن حماية مقدساتهم وهم الأغلبية ولا ينقصهم لاعددا" ولا عديدا".
رابعا": يقول ب(أن في العراق مراجع دين وأحزاب سياسية وطنية حريصة على العراق .. فلا ينبغي أن نكون أكثرمنها وطنية"وحرصا". ) ولا أدري هل أن وجود هؤلاء يمنع من أن يبين مرجع ديني شيعي آخر رأيه وموقفه من مجريات الأمور هناك؟ أليس ينتظر منه أتباعه ومقلديه ومريديه في العراق وخارجه هذا التبيان؟؟ ألم يبدي المراجع وأينما كانوا مواقفهم وآرائهم أزاء مختلف المسائل والأمور في مختلف البلدان والبقاع؟؟ ألم تكن تعلم بأن المرجع الديني ام يكن مختصا" بمنطقة معينة أو بلد محدد؟! . وأني أتساءل وبأستغراب شديد لماذا(لاينبغي أن نكون أكثر منها وطنية وحرصا")؟! فهل ياترى قد نالت درجة العصمة والكمال؟؟ أم ماذا؟ بل أني أرى أن من واجب كل أنسان حر شريف هو السعي جاهدا" وعلى الدوام بأن يكون أكثر حرصا" ووطنية"من غيره.. والتنافس هنا يعكس حالة أيجابية كبيرةمن الوعي والأستقامة والألتزام .
ثم حرص الأخ البدري على ذكر جرائم وسياسات صدام العدائية أتجاه الشيعة ولا أدري ما الهدف منها فهذا الأمر متفق عليه ولاجدال فيه بل أن سماحة السيد فضل الله ومرجعيته من السباقين لمعادات هذا النظام الجائر وفضح وأدانة ممارساته اللامشروعة، وأن الخط المقاوم الفعلي الآن للأحتلال والذي أشار له سماحة المرجع هو أيظا" كان السبّاق في ميدان المواجهة أن لم يكن الوحيد فيها ضد جور النظام وظلمه بينما كان الآخرون في حالة هدنة ومهادنة.. فقدّم ما قدّم من تضحيات جسام في طفوف مواجهات الظلم والأنحراف والجبروت.. وما دماء الصدرين ألاّ خير شاهد على صحوة وجهاد هذا الخط، وخير شاهد أيضا" علىسبات وقعود ونكوص الآخرين الذين كانوا يخشون المواجهة كما يخشونها الآن.. فبتعدادك لجرائم(حكومة صدام المجرم) لهو دليل واضح على صحة نهج المقاومة والصمود من ذلك الوقت ولحد الآن، وكذلك دليل واضح على أدانة المهادنبن والمساومين من ذلك الوقت ولحد الآن..
وأمّا قوله(أن كافة القوى الشيعية في العراق وبالخصوص الأسلاميين منهم لايحبذون قتال قوات الأحتلال) ففيه مغالطة كبيرة.. ولا أدري ما هو فهمه للثورة الشعبية العارمة التي أجتاحت مدن الوسط والجنوب أخيرا" والتي كانت النجف فيها رأس الحربة في وجه الأحتلال وسياساته.. فهل هؤلاء من وجهة نظر الأخ هم غير شيعة؟ أم أنهم أتوا من خلف الحدود كما أدّعى وزراء(الحكومة المؤقتة)؟؟. وأخيرا" فأن المرجع عادة" ما يبين الخط والتوجه العامين.. وأما أذا كان هناك بعض الخلل والأنحراف في تطبيق بعض الجزئيات فهذا لا يؤثر على الرؤية العامة وقد تكون أصلا" لاعلاقة له بها.
وأما بيان السيد المرجع فضل الله لرأيه وموقفه بهذا الوضوح والشجاعة والثبات فهو ما عودنا عليه دائما" وأبدا" دون لف ولبس ومراءات.. وهذا ما ميّز فضل الله عن أقرانه والكثير من غيره.. وأما أنت يا أخي البدري فأنظر الى ما تشير من مواقف المراجع التي تختبئون خلفها فهي أما بالتلميح أو الأشارة أو الأيماءة.. وأما خوفك من وقوع الفتنة فهي يا أخي واقعة منذ زمن بعيد ونحن والكثير الكثير من السابقين والحاضرين من ضحاياها وقرابينها.. والتقاطع في المواقف الذي تتوجسه هو ضارب في أعماقنا وأوصالنا وهو سبب تشرذمنا وتردينا وتكالب الأعداء والطامعين علينا.. وما نقاشنا وجدالنا هذا ألاّ أحد تداعيات هذه الفتنة وهذا التقاطع..
وهنا أود أن أشير الى رغبتي ولهفتي الكبيرتين لمعرفة وجهة نظر سماحة الشيخ ضياء الشكرجي أو أي رد أو تعليق منه، لكونه أحد الوكلاء المعتمدين للسيد فضل الله، وأن هناك أتهام من قبل الأخ البدري ب(أن السيد لم يكن على أطلاع بالوضع العراقي الجديد...) وخصوصا" أن سماحة الشيخ الشكرجي من المواكبين للوضع العراقي الجديد بكل متغيراته ومجرياته ومن المشاركين والفاعلين فيه.. والله الهادي والمستعان ..
Hydar63@hotmail.com
المفضلات