الدور الحضاري والاجتماعي للمرجعية الدينية
إن المطلع على تاريخ المرجعية الدينية في العالم الإسلامي (والشيعي خاصة) يجد أنها قد ساهمت بشكل واضح في تفعيل الدور الحضاري للجماهير الإسلامية من اجل بناء مجتمع إسلامي يلتزم بتعاليم الشريعة المقدسة , ولعل من أهم أدوارها المرحلية المعاصرة هو ما يدفعنا إلى تحديد وتشخيص حركة المرجعية ودورها الديني والاجتماعي والحضاري, ومدى سعيها إلى تقليل الفجوة النفسية بينها وبين الجماهير من خلال خلق إحساس عميق لدى تلك الجماهير, لكونها تشعر بآلام جماهيرها وأحزانها وتشاركها أفراحها ولحظات تألقها , وان خلق هذا الإحساس يعني في ما يعنيه إن الجماهير تبدأ باستشعار أهمية المرجعية في المجتمع ودورها الحضاري المؤثر مما يدفع بمحاولات القوى المعادية لسلامة العلاقة بين المرجعية والجماهير إلى التقهقر والفشل , وبالتالي فان كل الحسابات الاستكبارية المعدة لضرب المرجعية وتقويض دورها تبدأ بالتهافت شيئاً فشيئاً , فمادامت المرجعية تواكب الأمة وجماهيرها وتعيش مرارة واقعها فأن تأثيرها سيوقد شرارة التغيير في أي مجتمع مستعد لذلك وعلى الأقل فإنها ستخلق مناخ التغيير إن لم يكن موجوداً أصلاً , ولعل من أوائل تلك المرجعيات وفضائلها على الأمة , وانفتاحها الفكري والاجتماعي والنفسي بينها وبين الجماهير,هي مرجعية آية الله العظمى الشهيد السعيد محمد باقر الصدر(قدست نفسه الزكية) وآية الله العظمى الشهيد السعيد السيد محمد الصدر(رضوان الله تعالى عليه) وكما هو واقع مرجعية آية الله العظمى السيد الحسني(دام بهاءه الكريم) فهؤلاء المراجع العظام وما يمتلكون من علمية وشخصية قوية نافذة والتي اتضحت لنا من خلال مؤلفاتهم أولاً,وأفعالهم ثانياً , ورعايتهم الأبوية لشؤون المسلمين رغم القهر السياسي الذي يعانون منه ,وما صدرت من تقولات وتأولات هي ابعد ما تكون عن تقوى الله سبحانه وتعالى, وها هو دور المرجعية المعاصرة التي تحاول إعادة التوازن للشخصية الإسلامية وترميم انكساراتها الداخلية وبناء جسر عال من الثقة والدور المترقب لها وتوجيهها نحو أمور الدين والمذهب وما يمكن أن تؤديه في المستقبل القريب من إبعاد شبح اليأس والكسل واللامبالاة التي سادت الجماهير خلال هذه الفترة العصيبة,ولعل من أهم الانجازات التي قامت بها تلك المرجعيات,هي ما قامت به مرجعية الشهيد الصدر الأول من انجازات علمية وفكرية تجديدية,حيث أسس أعظم مدرسة في علم الأصول لا تزال هي الأخرى معجزة العصر العلمية,وكذلك مرجعية السيد الخميني الذي قام بأعظم انقلاب إسلامي في العالم ليؤسس بذلك دولة الإسلام الحديث,وأما مرجعية الشهيد الصدر الثاني وما قامت به من انجازات عظيمة وإحياءه للفريضة المعطلة (صلاة الجمعة) وما أثمرته من انجازات أخرى قد ساهمت بشكل فعال كبير وواسع في عملية التمهيد للإمام المهدي( عليه السلام) وأما مرجعية السيد الحسني(دام ظله) وما تبنته من إيجاد قاعدة جماهيرية مؤمنة متفقهه بدينها مطيعة لمرجعها , وسندها الذي تعتمد عليه في أي منعطف تأريخي يمكن أن يواجه المرجعية أو المجتمع لأنهما أصبحا شيئاً واحداً لا انفصال بينهما ، كما استطاعت مرجعية السيد الحسني أن تحدث انقلاباً في تكوين الشخصية المؤمنة بشرائحها وطبقاتها الاجتماعية المتعددة ، فقراءة مؤلفاته وبحوثه العلمية والأخلاقية ستدفع بالقارئ إلى اكتشاف إلى أي مدى استطاعت هذه المرجعية أن تصل بخطابها المباشر إلى قطاعات اجتماعية واسعة ومتناقضة في مستوياتها المعرفية ووعيها الرسالي , كما إن الانجازات الأخرى التي أثمرتها مرجعيته لا يمكن التغافل عنها أو إهمالها لأنها تحمل بين جوانبها الكثير من الأطروحات العلمية والعقائدية , وإحياءها للمرجعيات التي لها الدور الكبير في بناء المجتمع الإسلامي , وتأسيسها للحوزات العلمية وتطوير مناهجها , بالرغم من الصعوبات والتراكمات التي لاقاها سماحته , ولعل من أهم انجازات هذه المرجعية هي إحياء ذكر الإمام المهدي(عليه السلام) وبيان أسباب غيبته وإيجاد عوامل التمهيد لطلعته , والانتصار لمظلوميته , وهكذا نجد أن المرجعية لا تقتصر في انفتاحها الاجتماعي على جانب واحد من جوانب الحياة بل يشتمل انفتاحها على الكثير من جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والحضارية..
المفضلات