ثالثاً: موقفه من الزهراء صلوت الله وسلامه عليها:

طعن في بضعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حتى تمادى وقال أنها خرجت لهوى نفسها ولم تك مظلومة، بل أنها لا تعلم أي شيءٍ الدين بخروجها لطلب حقها، وهذا طعن في الرسول بحد ذاته إذ أن الرسول صلى الله عليه وآله لم يعلم إبنته من الدين ما يعرفها بحقها في إرثها، فخرجت ظالمة لغيرها.

فقال (منهاج السنة 5 / 522 - 523):
" وليس تبرئة الإنسان لفاطمة من الظن والهوى بأولى من تبرئة أبي بكر ، فإن أبا بكر إمام لا يتصرف لنفسه بل للمسلمين ، والمال لم يأخذه لنفسه بل للمسلمين ، وفاطمة تطلب لنفسها ، وبالضرورة نعلم أن بعد الحاكم عن اتباع الهوى أعظم من بعد الخصم الطالب لنفسه ، فإن علم أبي بكر وغيره بمثل هذه القضية - لكثرة مباشرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم - أعظم من علم فاطمة . وإذا كان أبو بكر أولى بعلم مثل ذلك وأولى بالعدل ، فمن جعل فاطمة أعلم منه في ذلك وأعدل ، كان من أجهل الناس ، لا سيما وجميع المسلمين الذين لا غرض لهم هم مع أبي بكر في هذه المسألة ، فجميع أئمة الفقهاء عندهم أن الأنبياء لا يورثون مالا . . .
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال : لا أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة . فكيف يسوغ للأمة أن تعدل عما علمته من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما يحكى عن فاطمة في كونها طلبت الميراث تظن أنها ترث ".
وقال (منهاج السنة 4 / 360):
" فإذا كان المسلمون كلهم ليس فيهم من قال : إن فاطمة رضي الله عنها مظلومة ، ولا أن لها حقا عند أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، ولا أنهما ظلماها ولا تكلم أحد في هذا بكلمة واحدة، دل ذلك على أن القوم كانوا يعلمون أنها ليست مظلومة ، إذ لو علموا أنها مظلومة ، لكان تركهم لنصرتها إما عجزا عن نصرتها ، وإما إهمالا وإضاعة لحقها ، وإما بغضا فيها . . . وكلا الأمرين باطل...".


قال تعالى في محكم كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم « يا ايها الذين آمنوا قوا انفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون»...التحريم/6.

ووقاية النفس والأهل من النار تكون بالتعليم والتربية ، وتنشئتهم على الأخلاق الفاضلة ، وإرشادهم إلى ما فيه نفعهم وفلاحهم . وإن العناية بالأولاد . وتربيتهم التربية الصالحة من أكبر واجبات الأبوين التي يفرضها الشرع ونظام الاجتماع عليهما ، كما أن إهمالهم والتفريط في تربيتهم من أكبر الجنايات التي يمقتها الشرع ، وتعاقب عليها القوانين المدنية .

قال رسول الله ( ص ) : " الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أو ضيع ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ".

قال رسول الله ( ص ) : " الزموا أولادكم وأحسنوا آدابهم ، فإن أولادكم هدية إليكم " .

وفي هذا الحديث إرشاد إلى ما ينبغي أن يكون عليه الآباء من ملازمة أولادهم يكون تصرف الأبناء تحت نظر الآباء وإشرافهم ، فإذا تصرف أحدهم أي تصرف يحتاج إلى توجيه كان ذلك التصرف موضع العناية والنظر.

قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : " بعثت إلى أهل بيتي خاصة ، وإلى الناس عامة "

فراجع
الطبقات الكبرى : 1 / 192 .
مسند أحمد بن حنبل : 4 / 237 ، ح 13852 .
السنن الكبرى للبيهقي : 2 / 433.

فنسب النبي صلى الله عليه وآله إلى تضييع الواجب ، والتفريط في الحق اللازم ، من نصيحة ولده، وإعلامه ما عليه وله ، ومن ذا الذي يشك في أن فاطمة كانت أقرب الخلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وأعظمهم منزلة عنده ، وأجلهم قدرا لديه ، وأنه كان في كل يوم يغدو إليها لمشاهدتها ، والسؤال عن خبرها ، والمراعاة لأمرها ، ويروح كذلك إليها ويتوفر على الدعاء لها، ويبالغ في الإشفاق عليها ، وما خرج قط في بعض غزواته وأسفاره حتى ولج بيتها ليودعها، ولا قدم من سفره إلا لقوه بولديها ، فحملهما على صدره وتوجه بهما إليها ، فهل يجوز في عقل، أو يتصور في فهم ، أن يكون النبي صلى الله عليه وآله أغفل إعلامها بما يجب لها وعليها ، وأهمل تعريفها بأنه لا حظ في تركته لها ، والتقدم إليها بلزوم بيتها بترك الاعتراض بما لم يجعله الله لها ؟
اللهم إلا أن نقول : إنه أوصاها فخالفت ، وأمرها بترك الطلب فطلبت وعاندت ، فيجاهر بالطعن عليها ، ويوجب بذلك ذمها والقدح فيها ، ويضيف المعصية إلى من شهد القرآن بطهارتها ، وليس ذلك منه بمستحيل ، وهو في جنب عداوته لأهل البيت عليهم السلام قليل !

رووا في كتبهم الصحيحة عندهم برجالهم عن مشايخهم حتى أسندوه عن سيد الحفاظ يعنون ابن مردويه قال : أخبرنا محيي السنة أبو الفتح عبدوس بن عبد الله الهمداني إجازة قال : حدثنا القاضي أبو نصر شعيب بن علي قال : حدثنا موسى بن سعيد قال : حدثنا الوليد بن علي قال : حدثنا عباد بن يعقوب عن ابن عباس عن فضيل عن عطية عن أبي سعيد قال : لما نزلت هذه الآية " وآت ذا القربى حقه " دعا رسول الله " ص " فاطمة فأعطاها فدكا.رواه الحسكاني في شواهد التنزيل : 1 / 338 ،
وينابيع المودة : 119

ويدل على أنها كانت في يدها صلوات الله عليها ماذكر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في كتابه إلى عثمان بن حنيف ، حيث قال : " بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء ، فشحت عليهم نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس آخرين ، ونعم الحكم الله " وما أصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانها في غير جدث ! "

إن فدك كانت في أيديهم ، وتحت تصرفهم ، وعلى هذا فلم يكن للخليفة الغاصب مطالبتهم بالبينة ، فإنها خلاف موازين القضاء ، ولم يكن إقطاع الرسول صلى الله عليه وآله لفاطمة عليها السلام وأهلها أمرا فريدا يخصها :

ففي فتوح البلدان للبلاذري : 31 : انه صلى الله عليه وآله أقطع من أرض بني النضير أبا بكر وعبد الرحمن بن عوف وأبا دجانة ، وغيرهم ، وفي ص 34 : وأقطع الزبير بن العوام أرضا من أرض بني النضير ذات نخل .

وفي ص 27 : وأقطع بلالا أرضا فيها جبل ومعدن . وقال مالك بن أنس : أقطع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بلال بن الحارث معادن بناحية الفرع ، وأقطع عليا عليه السلام أربع أرضين : الفقيرين وبئر قيس والشجرة .

وفي ص 34 : وأبو بكر نفسه أقطع الزبير الجرف ، وعمر أقطعه العقيق أجمع .

فما أدري لماذا أخذوا من فاطمة نحلة أبيها صلى الله عليه وآله ؟ وهل كانت هي فقط من الأموال العامة للمسلمين ؟ ! نعم ، كان سبب ابتزازها ان نحلة فاطمة وأبنيها تكون دعما لبيت الإمامة ملازمة .

والغريب من بن تيمه أنه لا ينفي الهجوم على بيته الزهراء عليها السلام وإنما يبرره ويقصره في أمر أنه من باب الحصار لتأذية غرض ما فقال (منهاج السنة 8 / 291):
" إنه كبس البيت لينظر هل فيه شئ من مال الله الذي يقسمه وأن يعطيه لمستحقه ، ثم رأى أنه لو تركه لهم لجاز ، فإنه يجوز أن يعطيهم من مال الفئ ".

ووقفة هاهنا أيضاً:
هذا الرجل يدعي -غير مبالٍ- بأن أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة- بأنه ليس بعيد عنهم أن يأخذوا أموال المسلمين بغير حق ويسرقوها حتى يبرر الهجوم على بيت الزهراء عليها السلام وكبسه لمعرفة ما إذا كان فيه من مال الله الذي يقسمه وأن يعطيه لمستحقه -كما يزعم-.

يتبع بإذن الله